هذا الكتاب هو دراسة جامعية للأستاذ هشام جعفر، لمعالجة مفهوم الحاكمية الإلهية، وما له من أبعاد سياسية. وهو الكتاب الذي اعتنى به المعهد العالمي للفكر الإسلامي وقام بتصديره د. طه جابر العلواني، وصدرت طبعته الأولي سنة 1995م ضمن سلسلة الرسائل الجامعية الخاصة بقضايا الفكر الإسلامي.
وتهدف هذه الدراسة إلى محاولة تحديد مفهوم شاع في الفكر السياسي العربي والإسلامي المعاصر، وأثار الكثير من الجدل والمعارك والخلافات، وتبنته كثير من الجماعات الفاعلة على الساحة السياسية، من خلال تأصيل وبناء مفهوم الحاكمية مقارنًا بمفاهيم الشرعية والمشروعية والسيادةً والثيوقراطية...، كمفاهيم مطروحة ومتداولة في العلوم السياسية. ومحاولة تكوين فهم صحيح وراشد يساهم في بلورة تعامل إيجابي مع هذه الجماعات يساعد في خروج الأمة من أزمتها، بالإضافة إلى محاولة الاستفادة من هذا المفهوم في تحديد أبعاد نظام سياسي يدور حول الحاكمية ويتخذ منه قاعدة للانطلاق والحركة السياسية.
وقد تناول الكتاب مسألة الحاكمية من جوانب متعدد، حيث حاول الباحث تتبع آثار المفاهيم وصياغتها في الحياة الفكرية والحياة العملية في الوقت ذاته، إلى غير ذلك من الجوانب المعرفية الهامة، كما أنها فتحت باب المراجعة والدراسة والتحليل والنقد لهذا المفهوم ولشبكة المفاهيم المتعلقة والمتصلة بالمفهوم، كما فتحت باب إعادة القراءة والنقد والتمحيص والتحليل والتفكيك وإعادة التركيب لهذا المفهوم ذي الآثار الخطيرة في الفكر الإسلامي المعاصر.
ومما جاء في مقدمة الباحث:
"برز في الفترة الأخيرة على مستوى الفكر السياسي العربي والإسلامي مفهوم (الحاكمية) الذي طرحه بعض المفكرين الإسلاميين وتلقفته بعض الحركات الإسلامية واتخذت منه محوراً وهدفًا لمواجهة واقع النظم السياسية القائمة وواقع المجتمعات المسلمة.
واختلف الفكر الإسلامي والعربي المعاصر حول تحديد هذا المفهوم وتأصيله وتحديد مدى إسلاميته، ومدى ملاءمته للظروف العربية والإسلامية الراهنة فثمة اتجاه يرى أن هذا المفهوم إسلامي يعبر عن جوهر النظرية الإسلامية السياسية والقانونية، وأنه يجد جذوره في الأصول المنزلة والتراث الإسلامي وأن دور أبي الأعلى المودودي وسيد قطب لم يكن إلا كشفا لمفهوم أصولي موجود وذلك حينما وجدت البيئة التي يتعين تنزيل هذا المفهوم عليها، والواقع الذي يتعين حكمه بمضمون هذا المفهوم.
وهناك اتجاه آخر يرى أن هذا المفهوم ليس مفهومًا أصوليًا، وأن المفهوم طرحه -أول ما طرحه- الخوارج اعتراضًا على واقعة التحكيم بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، ثم أعاد طرحه مرة أخرى في العصر الحديث المودودي، وأنه يجب أن يفهم في إطار وضعيته وظروفه السياسية والاجتماعية التي عاشها في شبه القارة الهندية التي ارتبطت بمجتمع يدين غالبيته بدين غير الإسلام، هذا بالإضافة إلى تدهور وضع الأقلية المسلمة في الهند التي كانت لها الغلبة والحكم قبل مجيء الاستعمار الانجليزي لشبه القارة الهندية. فالمفهوم وفقًا لهذا الرأي إفراز لظروف تاريخية واجتماعية معينة.
وهكذا فإن مفهوم «الحاكمية» يواجه أزمة حقيقية ما بين غموض يحيط به نتج في كثير من جوانبه عن المواقف والتحيزات المختلفة التي اتخذت منه ما بين مؤيد أو معارض أو متحفظ عليه، مع افتقاد أغلبها للتأصيل المنهاجي الواضح للمفهوم. فالخوض في مفهوم الحاكمية والبحث في مضمونه ومشكلاته وأبعاده قد تحول على يد الخائضين فيه إلى نوع من الممارسات الثقافية العامة وليس كما تحتم طبيعة الموضوع وخطورته - كتفريعات على إشكالية علمية دينية وتشريعية صارمة، وإشكالية عملية تتعلق بفكر الجماعات الإسلامية وممارساتها، وهذه الروح والتناول الثقافي العام؛ قد أغرى الكثيرين بالخوض في المسألة وطرح الآراء ووجهات النظر المختلفة لها ، دونما أدنى حرج من افتقار هؤلاء إلى أبسط شرائط النظر والاجتهاد الفقهي والقانوني، ناهيك عن الاجتهاد الأصولي بوصف المسألة تتعلق في أحد جوانبها بأصول الدين. ولعل من شواهد ذلك المنزلق أن معظم الطرح لهذه المسألة قد جاء عبر المنابر الإعلامية والصحافية ذوات الاتجاه الثقافي العام غير المتخصص.
وبالإضافة إلى الغموض الذي يحيط بالمفهوم حين يعرض، فإن هناك خلط بينه وبين مفاهيم أخري متعددة أو أحكام تبنى عليه سواء فيما يتعلق بالفرد أو المجتمع أو الدولة، فالباحث سيجابه ببعض الدراسات والأدبيات التي ترادف بين مفهوم الحاكمية وبين مفاهيم أخرى ترتبط بالخبرة الأوروبية تتناقض مع المفهوم أو تقصر عن التعبير عن كماله، مثل مفهوم السيادة والثيوقراطية. أما فيما يتعلق بالخبرة الإسلامية فهناك كثير من المفاهيم التي ترتبط بمفهوم الحاكمية وتتساند معه أو تتناقض معه، وقد استخدمت بعض الأدبيات والكتابات هذه المفاهيم كمرادف لمفهوم الحاكمية نتيجة التداخل والتشابك بين مفهوم الحاكمية وبين هذه المفاهيم في بعض المساحات والدلالات المنهاجية، إلا أنه يظل رغم هذا التداخل لكل منها تميزه واختلافه وخصوصيته.
وفي هذا السياق تسعى هذه الدراسة لبحث هذا الموضوع. وتدور مشكلة الدراسة حول تأصيل مفهوم الحاكمية وتتبع جذوره في التراث الاسلامي وارتباطه بالحركات التاريخية وتحديد موقع هذا المفهوم في إطار النظرية السياسية الإسلامية مقارنة مع النظرية السياسية الغربية".
أما تقسيم الكتاب فكان كالتالي:
تصدير د. طه العلواني للكتاب
مقدمة الباحث "أ. هشام جعفر"
ثم ثلاثة فصول وخاتمة:
الفصل الأول: وقد تناول فيه الباحث النسق القياسي لمفهوم الحاكمية عبر ثلاثة مباحث، وانقسم كل منها إلى جزئين أساسين:
ففي المبحث الأول؛ تناول الباحث معاني ودلالات الحاكمية في اللغة والأصول بالإضافة إلى ملامح التحيز في التعامل مع مفهوم الحاكمية. أما المبحث الثاني؛ فقد خصصه الباحث لدراسة طبيعة العلاقة بين مفهوم الحاكمية ومفهوم الشرعية في الرؤية الإسلامية، بالإضافة إلى بحث ودراسة مستويات الحاكمية. والمبحث الثالث؛ يدرس طبيعة العلاقة بين مفهوم الحاكمية ومفهوم الاستخلاف وذلك من خلال دراسة طبيعة العلاقة بين العقل والوحي أو العقل والنص كقضية أثيرت في التراث الإسلامي، مع ذكر الأبعاد التي اتخذتها في الوقت الحاضر.
أما الفصل الثاني: فقد تناول فيه الباحث الدلالات السياسية والمنهاجية لمفهوم الحاكمية من خلال ثلاثة مباحث أساسية، يتناول:
المبحث الأول الحاكمية والفصل في الخلاف بين الناس باعتبارها قضية حضارية ذات أبعاد سياسية ومنهاجية، بعدها السياسي يرتبط بالتعددية من منظار الإسلام وما يرتبط بها من قضايا أخرى مثل تحديد مضمون الاختلاف والقضايا أو الحدود التي لا يجوز تجاوزها في الخلاف. أما بعدها المنهاجي فيتعلق بالعلاقة بين المطلق والنسبي والثابت والمتغير. أما المبحث الثاني فيعرض لقضية الحاكمية وتحقيق مصالح الناس في الدارين، ويرتبط بذلك المقارنة بين مفهوم المصلحة في الخبرة الغربية ومفهوم «المصلحة الشرعية» في التصور الإسلامي. أما المبحث الثالث؛ فيعرض لضمانات فعالية مفهوم الحاكمية في تقييد السلطة، ويقتضي ذلك التعرض لجوهر المشكلة السياسية من خلال دراسة طبيعة الدولة الحديثة مع بيان الضمانات التي يقدمها كل من النموذج الإسلامي والنموذج الغربي لحل هذه المشكلة.
أما الفصل الثالث: فيعرض المفهوم «الجاهلية» باعتباره مفهومًا لصيقًا بمفهوم الحاكمية ويطرح في أغلب الأحيان كمناقض له، وهذا العرض يقتضي التعرض لدلالات مفهوم «الجاهلية» في اللغة والأصول، مع الإجابة عن تساؤل مطروح بشدة في الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر يتعلق بما إذا كانت الجاهلية حالة موضوعية أم فترة تاريخية انقضت ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم مع بيان مستويات الجاهلية بالإضافة إلى مقوماتها وخصائصها.
أما الخاتمة: فتعرض للإطار التحليلي المستخلص من تناول وتأصيل مفهوم الحاكمية وإمكانية الاستفادة منه في دراسة وفهم الواقع العربي والإسلامي.
رابط تحميل ملف الكتاب