أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه أجيزت بكلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1987م للدكتور رجب عبد التواب كدواني، والذي تقلد العديد من المناصب بالحكومة المصرية، وتفرغ للعمل الأكاديمي بجامعة الملك عبد العزيز لأكثر من ستة وثلاثون عامًا أسس خلالها العديد من التطبيقات الأكاديمية والعملية بالقطاع الخاص والعام، وله العديد من المؤلفات والأبحاث والدراسات التي نشرت من خلال المؤسسات العلمية التي عمل بها، كما شارك في تأسيس العديد من المؤسسات الدولية المتخصصة في الشرق الأوسط وأوروبا.
وتنطلق أهمية هذا الكتاب -حسبما أشار إليها المؤلف- من حقيقة مؤداها أن التأمين التعاوني الإسلامي لم تسبق فيه دراسات مستقلة، كما أن التعاون في الإسلام لم يولّه الفقهاء الاهتمام الكافي من حيث بيان أصوله وقواعده وأحكامه - وإن كان بعض الفقهاء قد استخدم مصطلح "عقد التأمين" الأمر الذي أوحى بوهم شائع هو أن الشريعة الإسلامية لم تعرف "التأمين" خاصة بعد أن تركزت جهود العلماء المسلمين وأبحاثهم في بيان الحكم الشرعي في التأمين الوضعي كمعاملة حديثة وافدة من غير بلاد الإسلام، منذ بوادر ظهوره في عصر الفقيه ابن عابدين حتى الآن، واحتدم الخلاف بينهم في حكمه، فمنهم من حرمه مطلقًا، ومنهم من أجازه مطلقًا، ومنهم من أجاز بعض صوره وحرم بعضها الآخر، وانتهت بعض الأبحاث والرسائل العلمية إلى أن الشريعة الإسلامية قد اشتملت على أحكام تأمينية تغني عن التأمين الوضعي، غير أن هذه الدراسات والأبحاث قد أشارت إلى ذلك كنتائج عامة، ولم تبين أصول هذا التأمين وقواعده وأحكامه العلمية مما استوجب تخصيص هذه الدراسة لبحث التأمين الإسلامي، والتعاون الإسلامي وعلاقته بذلك التأمين.
ضرورة بحث أصول التأمين:
التأمين التعاوني فرع من فروع التأمين تحكمه مبادئه وقواعده وأحكامه، ويستلزم ذلك ما يلي:
أولاً: ضرورة بحث أصول التأمين الوضعي خاصة مقاصده وغاياته والمصالح والمفاهيم والمصطلحات والقواعد والمبادئ العامة التي تحكمه دون الدخول في الجزئيات والتفصيلات التي لا تستقيم ومنهج هذا البحث وأسلوب المقارنة فيه.
ثانيًا: دراسة التأمين الإسلامي من ناحية أصوله ومبادئه وقواعده وأحكامه وتقسيماته.
ثالثًا: دراسة التأمين التعاوني كصورة من صور التأمين وأحد فروعه وتطبيقاته.
رابعًا: تقسيم الدراسة الى قسمين رئيسيين يخصص أحدهما لدراسة التأمين بوجه عام – أو أصول التأمين – وأن يخصص الثاني لدراسة التأمين التعاوني أو التأمين في صورته وشكله التعاوني.
خامسًا: أن يخصص فصل في نهاية الدراسة للمضاهاة بين التأمين الوضعي والتأمين الإسلامي، وبيان العناصر الفارقة بينهما.
وانطلقت الدراسة من تساؤل رئيس مؤداه: هل عرفت الشريعة الإسلامية التأمين؟ وإذا كانت قد عرفته فما هي أصوله؟ وما هي صوره، وما هي أحكامه؟
وللإجابة على الإشكاليات والتساؤلات التي أثارها المؤلف، فقد قسم دراسته إلى أربعة أجزاء على النحو التالي:
- الجزء الأول: أصول التأمين الوضعي.
- الجزء الثاني: أصول التأمين الإسلامي
- الجزء الثالث: التأمين التعاوني الوضعي
- الجزء الرابع: التأمين التعاوني الإسلامي
وقد اختتم الباحث الجزء الرابع من كتابه ببيان موجز للعناصر الفارقة بين التأمين الإسلامي والتأمين الوضعي، وهي:
- تتضمن الشريعة الاسلامية منهجًا كاملا للتأمين يستمد أحكامة من مصادر التشريع الأساسية، وهى القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الأئمة، وباقي المصادر الفرعية الأخرى، ويتفق هذا التأمين مع عقيدة المجتمع المسلم وله نفس خصائص التشريع الإسلامي، ومقاصده، وغاياته، ويقوم على التعاون الإسلامي في جميع صوره وأحكامه، أما التأمين الوضعي الحديث فكانت نشأته وليدة التجربة والحاجة إلى حماية التجارة البحرية، ثم التجارة البرية، ثم ظهرت أنواعه الأخرى نتيجة لتطور المدنية وانتقال المجتمع الغربي من الإقطاع الزراعي إلى الرأسمالية التجارية والصناعية، وانقسام هذا المجتمع إلى طبقتين طبقة الرأسماليين وطبقة العمال والموظفين، ونشوء الإحساس بالقلق والخوف من المستقبل، وقد أدت عيوب النظام الرأسمالي إلى ظهور المذاهب المتطرفة كالمذاهب الفاشية والتجربة الشيوعية، ثم ظهر النظام التعاوني الذى انبثق عنه التأمين التبادلي للتخفيف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي أحدثها النظام الرأسمالي، ثم وجد المشرع الوضعي أن ترك الحرية لشركات التأمين لتنظيم عمليات التأمين قد أدى إلى مساوئ كثيرة، فتدخل لتنظيم التأمين بقواعد آمرة، وقوانين تنظم عقوده، وتحمي المستأمن من شروطه التعسفية، وأممت بعض الحكومات التأمين، ومارست بعض أنواعه حكومات أخرى، واحتكره الاتحاد السوفيتي، فتباينت نظمه وتطبيقاته، وتعددت أشكاله، وأنواعه.
- الغاية التي يهدف اليها التأمين الإسلامي هي تأمين المسلم في حياته الدنيوية وحياته الأخروية وضمان الحياة الطيبة ووقايته من الأذى وسلامته من الضرر في الدنيا وضمان النعيم المقيم والخلود في الجنة والوقاية من مخاطر الآخرة وعذابها وفزعها وأهوالها ونجاته من النار في الآخرة، أما التامين الوضعي فغايته تعويض المستأمن عن الخسارة المالية التي قد يتعرض لها نتيجة تحقق خطر يخشى وقوعه في المستقبل في مقابل ثمن لابد من دفعه لهذا الضمان، ولا يضمن التأمين الوضعي الحماية من وقوع هذه الأحداث ولا الوقاية منها، والعوض المالي هو وسيلته الوحيدة لمواجهة الكوارث ومشاركة الغير في تحمل أعبائها، وبدون هذه الطريقة يتحمل من أصيب بالكارثة وحده ويلاتها.
- يرتكز التأمين الاسلامي على العقيدة الإيمانية، وعلى الدعاء والطلب من الله والعمل بالتكاليف الشرعية، وينقسم إلى قسمين رئيسيين، هما التأمين الأخروي والتأمين الدنيوي، أما التأمين الوضعي فلا يعرف تأمين الإيمان ولا تأمين الدعاء ولا تأمين العمل بالتكاليف، ولا يعرف التأمين الأخروي.
- يضمن التأمين الإسلامي الوقاية من الحوادث الاحتمالية ولا يجبر إلا الحوادث الواقعة فعلاً، سواء كانت إرادية أم غير إرادية، أما التأمين الوضعي فلا يقبل إلا الخطر المحتمل ولا يؤمِّن مطلقًا الكوارث التي حدثت فعلاً، وإذا تخلف الاحتمال يكون التأمين باطلاً.
- أداءات التأمين الإسلامي تكاليف شرعية على سبيل الفرض والإلزام أو الطوع والاختيار، أمرًا ونهيًا، فليس في أداءات التأمين الإسلامي معنى المعاوضة، وإنما هي إلزام من الشارع وطاعة من المكلف تأمينًا لآخرته وإذعانا لأمر االله، أما في التأمين الوضعي فلابد من أن يدفع المستأمن ثمن التأمين على هيئة أقساط أو اشتراكات، فلا تأمين بلا ثمن.
- المصلحة الشرعية هي أساس التأمين الإسلامي، وعليها يتوقف وجود التأمين وعدمه، وهى مصالح أخروية، ومصالح دنيوية، أما في التأمين الوضعي فالمصلحة دائمًا اقتصادية تتمثل في العوض المالي عن الخسارة المتحققة، وفى حدود المبالغ التي يدفعها المستأمنون، وهى لا تشمل المصالح الدينية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية العامة فهذه المصالح غير قابلة للتأمين.
- من حيث وظائف التأمين وخصائصه فيتميز التأمين الإسلامي بالعمومية والشمول لجميع الاحداث التأمينية في الدنيا والآخرة، ولجميع الأخطار ولجميع فئات المجتمع، ويرتكز على الربط بين الإيمان والتأمين والعمل بالتكاليف الشرعية، وربط التأمين الأخروي بالتأمين الدنيوي وجعل كل منهما سببًا ومسببًا للآخر، أما التأمين الوضعي فوظيفته الأساسية تحقيق الأمان وحماية المستأمن من الأخطار، وتتمثل هذه الحماية في دفع مبلغ من المال لمواجهة الخسائر المالية في حالة تحقق الخطر المؤمن منه.
- شرع االله التعاون لتحقيق المصالح الدنيوية والأخروية ويتميز في الإسلام بالشمول فيشمل جميع الأعمال التي يحتاج فيها الفرد إلى معونة غيره على مستوى الأفراد والجماعات والأمة الإسلامية بأسرها بينما التعاون الوضعي يعتبر أداة لتمكين الطبقات الفقيرة والمتوسطة من مقاومة الاستغلال أو تجنبه.
- يُعد التعاون الإسلامي واجب ديني ملزم يرتب التزامات عقائدية وتعبدية واجتماعية واقتصادية والتزامات مالية تؤخذ من القادر لتؤدي إلى غير القادر بغير عوض مادي، أما التأمين الوضعي فيستهدف المنفعة المادية فقط على أساس التبادل والتقابل، ولابد من دفع مقابل للحصول على هذه المنافع والدافع الاقتصادي هو أساس انضمام الأفراد لأي مشروع تعاوني ومن لا يستطيع أن يدفع المقابل لا يستفيد من مزايا التعاون الاقتصادية.
- ينقسم التعاون الإسلامي من حيث وسائله إلى تقديم العون بالنفس واليد وبالمال وبالرأي وبالجاه، ولا يعرف التعاون الوضعي سوى العون الاقتصادي ولابد من دفع مقابل لذلك العون.
- ينقسم التعاون الإسلامي من حيث الفئات المتعاونة إلى تعاون قرابي وتعاون جواري وتعاون أخوي عام كواجبات دينية ملزمة، ولا يعرف التعاون الوضعي سوى التعاون بين الفئات الضعيفة اقتصاديًا والمحدودة الدخل والقادرة على دفع ثمن ما يقدم لها من عون.
- التأمين التعاوني الإسلامي يأخذ بأسباب الوقاية من الأحداث المتوقعة مستقبلاً، ويجبر الأحداث الواقعة فعلاً، بينما يقوم التأمين الوضعي على المخاطرة والاحتمال وتوقعات المستقبل ويؤمن الأحداث المحتملة ولا يؤمن الأحداث الواقعة.
- عقد التأمين التعاوني الإسلامي عقد إلزام شرعي أو التزام طوعي بدون مقابل مالي، وأداءاته المالية تؤخذ من ملتزم بحق جبرًا أو اختيارًا، بينما عقد التأمين التعاوني الوضعي عقد احتمالي ومن طبيعته الاحتمال والخطر، وعقد معاوصة ملزم لطرفيه، ولابد أن يدفع فيه المستأمن مقابلاً لما يحتمل أن يأخذه من عوض، وهو من عقود حسن النية يخضع فيه المستأمن للجزاءات التأمينية المدنية من وقف وفسخ وسقوط وبطلان وله نفس خصائص عقد التأمين العادي.
التأمين التعاوني الإسلامي يقدم خدماته التأمينية للمستحقين شرعًا، ولغير القادرين، وبما يكفي حاجاتهم ويرقى بهم إلى مستوى القادرين بدون مقابل مادي أو تعهد بدفع مقابل مالي، أما التأمين التعاوني الوضعي فلا يقدم أي خدمات تأمينية لغير القادرين على شراء التأمين، ولا يقدم خدماته إلا للقادرين على شراء التأمين ودفع تكاليفه.
رابط مباشر لتحميل الجزء الأول من الكتاب
رابط مباشر لتحميل الجزء الثاني من الكتاب
رابط مباشر لتحميل الجزء الثالث من الكتاب
رابط مباشر لتحميل الجزء الرابع من الكتاب