يُنشر هذا الكتاب للمرة الأولي على الشبكة العنكبوتية (الانترنت) بشكل حصري لموقعنا حوارات الشريعة والقانون بتصريح من المؤلف شخصيًا
يعرض هذا الكتاب منهجًا أصيلًا شاملًا للفقه في الاسلام ينطلق من الوحي كتابًا وسنة، بعيدًا عن التصورات الخاطئة والمفاهيم المستحدثة للفقه والعلم والدين، وتصورًا للفقه يشمل كل أوجه النشاط الانساني علمًا وعملًا، في محاولة أن تسهم هذه النظرة الشمولية في إعادة صياغة المقاربة الإسلامية للأسئلة والقضايا المعاصرة في كل المجالات، بناء على رؤية كونية مستمدة من الوحي ومبنية على مقاصده المنهجية، وبالتالي تعتمد الدور الشامل للعلماء والفقهاء في دراسات الأصول، والدراسات التخصصية المعاصرة، ودراسات الظواهر، والدراسات المؤسسية بعيدة المدى.
ويرسم الدكتور جاسر عودة في هذا الكتاب ملامح خطة متكاملة ومركّبة لإحداث نقلة منهجية في الاجتهاد الإسلامي المعاصر في ضوء الكتاب والسنة وفي عدد من المستويات والمجالات. والإطار العام للمنهجية المقاصدية التي يطرحها الكتاب يأتي في سياق الاستفادة من محاولات التجديد التاريخية والمحاولات المعاصرة للتجديد الفقهي الإسلامي وقراءتها قراءة نقدية.
ومما جاء في مقدمة الكاتب:
للفقه في الإسلام معنى شامل ونظام مفتوح، وليس الفقه تخصصًا محدودًا في مقابل بقية التخصصات، ولا كتبًا بعينها ألفت في الماضي وأغلق مجال الإضافة عليها، وكثيرًا ما يستشيرني صفوة من شباب وشابات الأمة من مختلف البلاد في أن يتركوا العمل أو دراسة التخصص الذي يسمونه دنيويًا أو حياتيًا من أجل التفرغ لدراسة الفقه والعمل في خدمة الدين على حد قولهم، وقد يستدلوا بقول الله تعالى: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) [التوبة: ١٢٢]، وردي عليهم دائمًا هو أننا كأمة نحتاج إلى العودة إلى المعاني الأصلية لا المستحدثة للفقه والعلم والدين، وهي معان شاملة جامعة، وهو ما يعني في حقهم أن يطبقوا منهجية إسلامية أصيلة على تخصصاتهم وأعمالهم نفسها كل في مجاله العلمي أو العملي، وأن يصنعوا بذلك فقهًا جديدًا لعالمنا المعاصر منطلقًا من علم أصيل بالوحي كتابًا وسنة، لا أن يدرسوا فقط تاريخ الفقه بالمعنى المذهبي الذي صنعته أمة مضت لعالم مضى، إلا ما كان من الجوانب التعبدية الثابتة بطبيعة الحال، وإذا أسهم هذا الفقه الجديد في قيادة البشرية نحو تحقيق مقاصد الخالق من الخلق في الواقع المعيش، فهذه هي الخدمة الحقيقية للدين أي نظام الحياة الإسلامي الشامل.
والحق أن سؤال الشباب هذا هو من أعراض الأزمة المنهجية التي يعيشها الفقه الإسلامي -بالمعنى الأصلي الشامل للفقه، والتي نحاول أن نتصدى لها بالمنهجية المقاصدية التي نؤصل لها ونشرح إطارها العام في هذا الكتاب. هذه الأزمة المنهجية تتمثل في الافتقار المقاربة إسلامية للعلم بمعناه الشامل، وشيوع تصور علماني للدين في ثقافات المسلمين حتى عند بعض النخب الإسلامية، فأدى ذلك إلى فصل غير سليم بين (علوم الدين) و(علوم الدنيا)، وبين التعليم الإسلامي) و(التعليم المدني)، وبين (البحث الفقهي) و (البحث التخصصي)، وهذه التقسيمات كلها ليست إسلامية.
وأدى القصور العلمي إلى قصور عملي في تفعيل معاني الإسلام في الواقع المعيش في شتی جوانبه، فاقتصر الدين في عموم ثقافات المسلمين على بعض العقائد المجردة، وبعض الشعائر التعبدية، وبعض أحكام الأحوال الشخصية والمعاملات المالية، وهو التصور العلماني للدين بامتياز. ولكن التصور الأصلي للدين بناء على الوحي – كتابًا وبيانه من السنة - يشمل كل أوجه النشاط الإنساني علمًا وعملًا، فيجتهد أهل الاجتهاد فيها جميعًا لتوجيهها نحو مقاصد الخالق تعالى من الخلق، والتصور الأصلي للدين يعتبر كل علم سليم القصد والمنهج علمًا نافعًا يوصل إلى فقه قلبي بمعرفة الله وخشيته، وإلى فقه عملي بالتطبيق والتفعيل في الواقع المعيش..
وفصول هذا الكتاب أصلها مذكرات محاضراتي التي صنعتها بغرض التدريب المنهجي للباحثين وطلبة الدراسات العليا الأعضاء في (شبكة المقاصد البحثية) و (برنامج الدراسات العليا في الفكر التطبيقي الإسلامي)، وهما مشروعان أساسيان من مشاريع معهد المقاصد، ذلك المعهد الذي يقوم على العمل فيه نخبة عجيبة من رجال ونساء هذه الأمة لا أرى إسهامهم في عمل المعهد وفي صياغة أفكار هذه المنهجية إلا نعمة خالصة من نعم المولى الكريم على أمتنا وعلي شخصيًا، وما عودني الله تعالى إلا حسنًا وما أسدى إلى إلا مننًا.
وقد اخترت في هذا الكتاب أن أبقي على صيغة المحاضرات، وليس صيغة البحوث العلمية المتعارف عليها من مناقشات تفصيلية اتفاقًا واختلافًا مع الآراء الموروثة والمعاصرة وهوامش مستوعبة وفهارس إلى آخره، إذ إن الموضوع متشعب جدًا، وحين شرعت في حصر الأبحاث والأفكار المقابلة لأفكاره الجزئية تكاثرت علي كظباء خراش لا يتسع ما يمكن أن أخصصه لهذا المشروع من وقت لاستيفاء ما تتطلبه من مناقشات اتفاقًا واختلافًا، فقررت أن أترك ذلك للمهتمين من الباحثين والنقاد جزاهم الله خيرًا، يتفقون معي فأستأنس بموافقاتهم، أو يختلفون ويصححون فندعو لمن أهدى إلينا عيوبنا. وعلى أي حال فإن همّي فيما يلي من العمر المحتوم - على قدر ما يتسع لذلك مما كتبه لي المولى الكريم من رزق - أن أوجه اهتمامي إلى تطبيق هذه المقاربة المنهجية تفصيلًا على كتاب الله تعالى وسنة رسوله، وذلك للإسهام في الصياغة التفصيلية التطبيقية لذلك الفقه الجديد الذي ننادي به، والذي يحتاج إلى جهود مؤسسات فاعلة وجمهرة من الباحثين المتمكنين وليس هذا الباحث فقط على بضاعته المزجاة، وكل يعمل على شاكلته.
يتألف الكتاب من ستة فصول، يبدأ الفصل الأول منها بمقدمات حول المنطق التواصلي المقاصدي الذي تستنبطه المنهجية في ثناياها، ويناقش الفصل الثاني إشكالات المقاربات الاجتهادية المعاصرة؛ ومنها: تقليد التراث دون الرجوع للوحي، وتبرير الواقع دون نقد، وتناقض المصادر المعرفية، والتفكيك دون تفريق بين الوحي والثقافة. ويستعرض الفصل الثالث الأصول المعرفية وأصول الوعي وأصول الاجتهاد، والتي تعتبر مقدمات للبحث في المنهجية، كما أنها نتائج لهذا البحث الذي تم التوصل إليه عن طريق شبكات معاني الوحي التي تولدت عن مقاصده. بينما يتناول الفصل الرابع الخطوات المنهجية العامة للاجتهاد، أو ما أسماها "الخماسية المنهجية". ثم استعرض الكاتب في الفصل السادس ما أسماها "السباعية التصورية وطرق الكشف عنها"، مختتما فصول كتابه بالفصل السادس الذي طرح فيه صياغة جديدة مقترحة للدراسات الإسلامية.
رابط مباشر لتحميل الكتاب
_____________________________________________
* رئيس معهد المقاصد، وأستاذ كرسي الإمام الشاطبي في دراسات المقاصد بجامعة السلام العالمي بجنوب أفريقيا، ورئيس تحرير دورية دراسات مقاصدية معاصرة، وعضو مؤسس بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو بالمجلس الفقهي لأمريكا الشمالية، وعضو بالمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ورئيس مؤسس للمجلس الفقهي الكندي، وزميل بمجمع الفقه الإسلامي بالهند. كتب خمسة وعشرين كتابًا بالعربية والإنجليزية ترجم بعضها إلى خمس وعشرين لغة، منها: مقاصد الشريعة كفلسفة للتشريع الإسلامي، والاجتهاد المقاصدي، وفقه المقاصد، والمرأة والمسجد، ورحلة مع الحكم العطائية في ضوء السنن الإلهية، وخلاصة بداية المجتهد لابن رشد.