أعدت هذه الدارسة بتكليف من لجنة الجمعية العامة للأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، كما قام بالبحث والصياغة بدقة المركز الأيرلندي لحقوق الإنسان التابع لجامعة أيرلندا الوطنية غالواي، وأنشئت هذه اللجنة عام 1975 عملًا بقرار الجمعية العامة رقم (3376). وطلبت الجمعية العامة أن توصي اللجنة بوضع برنامج تنفيذي من أجل تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف المتمثلة في تقرير المصير دون تدخل خارجي، وفي الاستقلال والسيادة الوطنيين؛ وفي العودة إلى دياره وممتلكاته التي شُرِّد منها.

مقدمة:

يُعدّ الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967 الحقيقة الوحيدة التي نشأت عليها أجيال من الفلسطينيين. ولا يزال لهذا الوضع آثار بعيدة المدى على حياة الشعب الفلسطيني وحقوقه. ويتعين علينا، كمجتمع دولي، أن نعمل على تعميق فهمنا للمسائل القانونية التي يثيرها هذا الاحتلال الذي طال أمده وتأثيره العميق على حقوق الإنسان والسلام والاستقرار في المنطقة.

وإزاء هذه الخلفية، فإن الدراسة حول شرعية الاحتلال الإسرائيلي تسُدُّ ثغرة معرفية بالغة الأهمية. يطمح هذا التحليل القانوني الشامل إلى المساهمة في خطاب مستنير، وتمكين الأفراد والمؤسسات بتزويدهم بالمعرفة والأدوات للدفاع عن العدالة والمساءلة وإعمال الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني. ومن خلال دراسة الصكوك والاتفاقيات والقرارات القانونية الدولية ذات الصلة، توفر الدراسة أيضًا تقييمًا شاملًا للالتزامات والمسؤوليات القانونية الملقاة على عاتق قوة الاحتلال والأطراف المعنية.

وتؤكد هذه الدراسة أيضا الحاجة الملحة إلى التوصل إلى حل عادل ودائم يستند إلى القانون الدولي لقضية فلسطين بجميع جوانبها. كما تسلط الضوء على ضرورة التمسك بمبادئ القانون الدولي، بما في ذلك احترام حقوق الإنسان وتقرير المصير وحظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة. وهذا الفهم أمر بالغ الأهمية لتهيئة بيئة مواتية تمهد الطريق لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإعمال حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف.

علاوة على ذلك، لا يمكن إغفال طبيعة هذه الدراسة التي جاءت في حينها في وقت تعمل فيه إسرائيل على تعميق استعمارها وضمها الزاحف للأرض الفلسطينية المحتلة. وفي مشهد عالمي سريع التغير حيث تستمر الديناميات الجيوسياسية في صياغة مضمون النقاش حول قضية فلسطين، توفر الدراسة إطارًا مرجعيًا لصانعي السياسات والدبلوماسيين والمنظمات الدولية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني بشأن تحليل قانوني شامل وموثوق يمكّن من اتخاذ قرارات مستنيرة والدعوة والسعي لتحقيق العدالة.

تناول هذه الدراسة سؤالين مركزيين:

أولًا، تتساءل الدراسة عما إذا كانت إجراءات الضم بحكم الواقع وبحكم القانون المتخذة من قبل إسرائيل، والاستيطان المستمر والاحتلال طويل الأمد للأرض الفلسطينية –الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة – تجعل الاحتلال غير شرعي بموجب القانون الدولي. ثانيًا، تبحث الدراسة في السؤال الذي تطرحه الآثار المترتبة على ثبوت احتلال غير مشروع. إذا كان من الممكن أن يصبح الاحتلال غير شرعي، فما هي العواقب القانونية التي ستلحق بجميع الدول وبالأمم المتحدة، مع الأخذ في الاعتبار، من بين أمور أخرى، قواعد ومبادئ القانون الدولي، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، ميثاق الأمم المتحدة؛ اتفاقية جنيف الرابعة؛ القانون الدولي لحقوق الإنسان؛ قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان ذات الصلة؛ فتوى محكمة العدل الدولية الصادر في 9 يوليو 2004؟

تثبت الدراسة أن هناك سببين واضحين في القانون الدولي يحددان متى يمكن تصنيف الاحتلال الحربي على أنه غير شرعي:

أولًا، عندما ينجم الاحتلال الحربي عن استخدام محظور للقوة يرقى إلى مستوى العمل العدواني، فإن هذا الاحتلال يعتبر غير شرعي منذ بدايته. ثانيًا، عندما يكون الاحتلال الحربي ناتجًا عن استخدام مسموح به للقوة دفاعًا عن النفس بموجب المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، ولكن يتم تنفيذه بعد ذلك بشكل يتجاوز مبادئ وقواعد القانون الإنساني الدولي وينتهك القواعد القطعية للقانون الدولي، فإن سلوك الاحتلال قد يرقى إلى مستوى الاستخدام غير الضروري وغير المتناسب للقوة دفاعًا عن النفس.

وتبحث الدراسة في انتهاكات إسرائيل لقواعد القانون الدولي القطعية، وحظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة، والحق في تقرير المصير، وحظر التمييز العنصري والفصل العنصري، باعتبارهما مؤشرًا على أن إدارة الاحتلال تنتهك مبادئ ضرورة وتناسب استخدام القوة في الدفاع عن النفس.

طبيعة الاحتلال الحربي:

تناولت الدارسة في هذا الجزء مقدمة موضوعية للطبيعة القانونية للاحتلال الحربي والنهج المتباين الذي تتبعه إسرائيل تجاه احتلال فلسطين. وإذ يقوم بذلك، فإنه يدرس على نطاق واسع المبادئ التي تقوم عليها القوانين التي تحكم الاحتلال الحربي، ويعرض نظرية الاحتلال الحربي على أنه غير شرعي بموجب قانون الحرب، كما يسلط الضوء على الممارسات الدولية والاجتهاد القضائي الذي يصنّف الاحتلال الحربي على أنه غير شرعي بموجب قانون مسوِّغات الحرب. علاوة على ذلك، تعرض الدراسة المبادئ الأساسية لسياسات ومواقف إسرائيل الرسمية بشأن طبيعة الاحتلال الحربي لفلسطين، ومشروعها الاستيطاني، وضمها للأرض الفلسطينية.

ترسي القوانين التي تحكم الاحتلال الحربي عددًا من المبادئ المهمة، بما في ذلك طابع الاحتلال، مؤقتًا كان أو فعليًا بحكم الأمر الواقع، كما ورد في المادة 42 من لوائح لاهاي (1907) التي تنص على أن “الأرض تُعتبَر محتلة عندما توضع فعليًا تحت سلطة الجيش المعادي”. وبالتالي، على الرغم من أن السلطة الحكومية قد تكون “معطلة مؤقتًا أو مقيدة إقليميًا” أثناء الاحتلال الحربي، فإن “الدولة تظل نفس الشخص الدولي”. ومن ثم، فإن قوة الاحتلال لا تكتسب السيادة على الأراضي المحتلة، بل إنها ملزمة بإدارة الأراضي مع الموازنة بين المصالح الفضلى للسكان الخاضعين للاحتلال ومصالح الضرورة العسكرية، بموجب مبدأ المحافظة الذي يفرض قيودًا. ومن الجدير بالذكر أن هذه الدراسة تسلط الضوء على مواقف السلطات الرائدة في القانون الدولي التي تعتبر أن ممارسة “الاحتلال المطول” ارتبطت باحتلالات لا تزيد مدتها على أربع أو خمس سنوات، مثل احتلال ألمانيا لبلجيكا لمدة أربع سنوات خلال الحرب العالمية الأولى، أو احتلال ألمانيا للنرويج لمدة خمس سنوات خلال الحرب العالمية الثانية. ويشير المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة مايكل لينك إلى أن الاحتلالات الحديثة المتوافقة مع مبادئ قانون الاحتلال لم تتجاوز 10 سنوات، بما في ذلك الاحتلال الأمريكي لليابان، واحتلال الحلفاء لألمانيا الغربية، واحتلال العراق الذي قادته أمريكا.

وأن اعتبار الاحتلال الحربي غير شرعي لا يقتصر على إسرائيل. على سبيل المثال، رأت محكمة العدل الدولية في القضية المتعلقة بالأنشطة المسلحة على أراضي الكونغو (2005)، أن احتلال أوغندا لإيتوري “ينتهك مبدأ عدم استخدام القوة في العلاقات الدولية ومبدأ عدم التدخل”. وفي الوقت نفسه، أدان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة “الاحتلال العراقي غير الشرعي” للكويت، و”الإدارة غير المشروعة” لجنوب أفريقيا في ناميبيا. وفي غضون ذلك، دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة الدول الثالثة إلى “عدم الاعتراف بشرعية الوضع الناتج عن احتلال أراضي جمهورية أذربيجان” وأدانت البرتغال “لإدامة احتلالها غير الشرعي” لغينيا بيساو. وعلى نحو مماثل، أدانت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان "استمرار احتلال فيتنام غير الشرعي لكمبوتشيا". وفي عام 1977، أعربت الجمعية العامة عن قلقها العميق “لكَون الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967 لا تزال، لأكثر من عشر سنوات، تحت الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي، ولأن الشعب الفلسطيني، بعد ثلاثة عقود، لا يزال محروماً من ممارسة حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف”. وبالمثل، تشير ديباجات القرارات المتعاقبة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة إلى “التأثير الشديد للاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي المستمر بجميع مظاهره”.

وأخيرًا، يختتم هذا الجزء بعرض سياسات إسرائيل ومواقفها من طبيعة إدارتها للأرض الفلسطينية، وشرعية المستوطنات، وضمها للقدس. فعلى سبيل المثال، ترى وزارة الخارجية الإسرائيلية أن هناك “مطالبات متنافسة” على الضفة الغربية “يجب حلها في مفاوضات عملية السلام”، بما في ذلك المستوطنات.  ومع ذلك، رأت محكمة العدل العليا الإسرائيلية، في قضية المجلس الإقليمي لساحل غزة ضد الكنيست الإسرائيلي، أن “النظرة القانونية لجميع الحكومات الإسرائيلية” هي أن “إسرائيل تسيطر على المناطق في إطار احتلال حربي”. ومع ذلك، فإن إسرائيل لا تطبق اتفاقية جنيف الرابعة (1949) على الأراضي المحتلة لأنها لم يتم دمجها في قانونها المحلي؛ ومن الناحية السياسية أيضًا، تعترض إسرائيل على تطبيق الاتفاقية بناءً على نظريتها حول “السيادة المفقودة”. وفي غضون ذلك، تعتبر إسرائيل القدس المحتلة “العاصمة الأبدية غير المقسمة لإسرائيل” وتوضح أن القدس “أعيد توحيدها” في عام 1967 “نتيجة لحرب الأيام الستة التي شنها العالم العربي ضد إسرائيل”.

 

شرعية الاحتلال:

في هذا الجزء قدمت الدراسة سببين منفصلين بموجب قانون مسوِّغات الحرب حيث يمكن اعتبار الاحتلال الحربي غير شرعي، سواء منذ بدايته أم بداية من مرحلة لاحقة من الاحتلال:

أولًا، الاحتلال الناشئ عن عمل عدواني يعتبر غير شرعي منذ بدايته. وتنص المادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة على أن “يمتنع جميع الأعضاء في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على أي وجه آخر لا يتفق مع مقاصد الأمم المتحدة”.  وقد تنشأ المسؤولية الجنائية عن أعمال الاحتلال العدوانية؛ على سبيل المثال، اعتبرت المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرغ أن النمسا “محتلة وفق خطة عدوان مشتركة”.

ثانيًا، قد يتم تنفيذ الاحتلال الحربي بطريقة ترقى إلى استخدام غير ضروري وغير متناسب للقوة في الدفاع عن النفس. وهنا يوفر الاجتهاد القضائي لمحكمة العدل الدولية إرشادات مفيدة بشأن التناسب. على سبيل المثال، في قضية نيكاراغوا، رأت محكمة العدل الدولية أن “رد فعل الولايات المتحدة في سياق ما اعتبرته دفاعًا عن النفس، قد استمر لفترة طويلة بعد الفترة التي كان من المعقول التوخي فيها هجومًا مسلحًا مفترضًا من جانب نيكاراغوا”. علاوة على ذلك، فيما يخص مسألة الأسلحة النووية، اقترحت محكمة العدل الدولية أن استخدام القوة يجب أن يحترم “على وجه الخصوص مبادئ وقواعد القانون الإنساني” ليكون استخدامًا مشروعًا للقوة في الدفاع عن النفس. وتشير هذه الدراسة إلى أن انتهاك سلطة الاحتلال لمبادئ وقواعد القانون الإنساني الدولي والقواعد القطعية للقانون الدولي يشكل مؤشرا قويا على أن استخدام القوة غير متناسب. وتشمل هذه الانتهاكات ضم الأراضي بحكم الواقع وبحكم القانون، والاستيلاء غير المشروع على الأراضي من خلال استخدام القوة، والحرمان من حق تقرير المصير، وإدارة الأراضي المحتلة انتهاكاً لحظر التمييز العنصري والفصل العنصري.

بعد تحديد السببين للاحتلال غير الشرعي بموجب قانون مسوِّغات الحرب، تبحث الدراسة، كسبب منفصل ولاحق لعدم الشرعية، في انتهاك قوة الاحتلال لحق فلسطين الخارجي في تقرير المصير كأرض تحت الانتداب. وتنص المادة 1 (2) من ميثاق الأمم المتحدة على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي تفرض على الدول التزامات ذي حجية مطلقة تجاه الكافة. إن حق تقرير المصير له صدى خاص بالنسبة للأراضي الخاضعة للانتداب، التي يُنظر دولياً إلى حقها في تقرير المصير بمثابة “أمانة مقدسة” حتى الاستقلال الكامل. ومن هذا المنطلق، لا يمكن اعتبار أن العملية الاستعمارية قد انتهت تمامًا إلا بعد ممارسة سكان المستعمرة حق تقرير المصير. وتشكل الفتوى بشأن جنوب غرب أفريقيا المثال الرائد للاحتلال غير الشرعي للأراضي الخاضعة للانتداب، والذي تعتبره محكمة العدل الدولية غير شرعي منذ بدايته. ومع ذلك، في حين أن جنوب غرب أفريقيا كان منطقة تحت الانتداب، وبقيت تحت الاحتلال بعد انتهاء الانتداب، فإنه يمكن تمييزها عن فلسطين، التي هي أرض تحت الانتداب خاضعة لاحتلال حربي في سياق نزاع مسلح دولي. ومع ذلك، إذا تمت إدارة الاحتلال بطريقة تحرم الشعب من ممارسة حقه في تقرير المصير والسيادة الخارجية، فيمكن اعتبار ذلك أيضًا انتهاكًا لـ “الأمانة المقدسة”. وحسب الظروف التي تؤدي إلى انتهاك الحق في تقرير المصير، يمكن أن يكون الاحتلال غير شرعي سواء منذ بدايته أو في مرحلة ما بعد ذلك.

 

الأدلة الداعمة للاستنتاج بأن الاحتلال الإسرائيلي أصبح غير شرعي:

يقدم هذا الجزء من الدراسة الأساس الواقعي لدعم الاستنتاج بأن الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي. تقدم الدراسة أدلة واضحة ومقنعة على أن إسرائيل هي من هاجمت مصر أولًا، في عمل عدواني، مما جعل الاحتلال المترتب عن ذلك غير شرعي منذ بدايته. وفي اجتماع مجلس الأمن حول هذا الموضوع في عام 1967، تم رفض حجة الدفاع الاستباقي عن النفس باعتبارها تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة. واستندت إسرائيل في حججها في الدفاع عن النفس إلى سببين:

الأول، أن الحصار الذي فرضته مصر على مضيق تيران كان بمثابة عمل عدواني؛ وثانيًا، أن الأعمال التي قامت بها جاءت ردًا على هجمات عبر الحدود شنتها طوابير مدرعة مصرية. ولكن الحصار الذي فرضته مصر على مضيق تيران كان في الأساس حصارًا مصريًا على بحرها ردًا على تهديد بهجوم من إسرائيل، وهو يختلف عن “حصار الموانئ أو السواحل” الإسرائيلي. وكما يشير شوارزنبرجر، فإن “المادة 51 من الميثاق تسمح بالتحضير للدفاع عن النفس”. وتشمل التدابير التحضيرية التي تتخذها الدولة للدفاع عن النفس تدابير احترازية خاصة في مياهها الإقليمية. ومع ذلك، نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية علنًا أنها هاجمت مصر بشكل استباقي، قائلة: “استبقت إسرائيل الهجوم الحتمي، فضربت القوات الجوية المصرية بينما كانت طائراتها لا تزال على الأرض”. ونظرًا لحظر الضربات الاستباقية، فإن الهجوم الإسرائيلي على مصر قد يرقى إلى مستوى الاستخدام غير المشروع للقوة، مما يجعل الاحتلال اللاحق غير شرعي.

وتتناول الدراسة كذلك انتهاك إسرائيل لثلاثة قواعد قطعية للقانون الدولي كمؤشرات على أن الاحتلال الحربي يُدار بطريقة تنتهك مبدأي الضرورة والتناسب للدفاع عن النفس:

أولًا، تثبت الدراسة أن إسرائيل ضمّت القدس الشرقية في عام 1967، بحكم القانون من خلال إقرار قانون البلديات (تعديل رقم 6)، 5727-1967؛ ثم، في عام 1980، بموجب قانونها شبه الدستوري “قانون أساس: القدس”، ادعت إسرائيل دستوريًا أن المدينة هي “عاصمة إسرائيل”، مما يدل على العداء للاستحواذ على الأراضي بشكل دائم. وتخلص الدراسة كذلك إلى أن إسرائيل قامت بحكم الأمر الواقع بضم المنطقة (ج) من الضفة الغربية. في عام 1967، أشار المستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية، في برقية سرية، إلى أسباب الضم التي جعلت إسرائيل غير قادرة على تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة (1949): “يتعيّن علينا أن نترك جميع الخيارات مفتوحة فيما يتعلق بالحدود، ويجب ألا نعترف بأن وضعنا في الأراضي الخاضعة للإدارة هو ببساطة وضع قوة احتلال”. على مدى عقود، نفذت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة خططًا رئيسية لاستيطان الضفة الغربية. وبحلول عام 1992، من أصل 70 ألف هكتار من الأرض الفلسطينية في المنطقة (ج)، لم يتبق سوى 12 في المائة للتنمية الفلسطينية بعد أن استولت عليها إسرائيل باعتبارها “أراضي الدولة”. وفي الوقت نفسه، غيرت إسرائيل التركيبة السكانية للمنطقة (ج) بشكل جذري، حيث قامت بنقل أكثر من 500 ألف مستوطن يهودي إسرائيلي – وهو إجراء لا رجعة فيه وله عواقب دائمة، ويدل على التعبير عن السيادة. وفي الوقت نفسه، تطبق إسرائيل عددًا من قوانينها المحلية مباشرة على الضفة الغربية، بما في ذلك قانون التعليم العالي وقانون محكمة الشؤون الإدارية.

ثانيًا، إن سلوك إسرائيل في إدارة فلسطين المحتلة، والذي يتسم بالطبيعة المطولة للاحتلال وسياساتها وخططها لبناء المستوطنات، يدل بشكل أكبر على انتهاك حق تقرير المصير. إذا أخذنا في الاعتبار المدة الطويلة للاحتلال الإسرائيلي الحربي، حيث مضى الآن حوالي 56 عامًا على صدور قرار مجلس الأمن رقم 242 (1967) الذي يدعو إلى “الانسحاب”، وبعد 45 عامًا من اتفاقيات كامب ديفيد التي أنهت النزاع مع مصر، وبعد 29 عامًا من اتفاق السلام مع الأردن، فمن الواضح أن التهديد الأولي المزعوم الذي دفع إسرائيل إلى اللجوء إلى القوة للدفاع الوقائي عن النفس قد انتهى تماماً وبلا رجعة. وفي الوقت نفسه، أدى تقسيم إسرائيل للممتلكات الفلسطينية غير المنقولة إلى مستوطنات سكنية وزراعية وصناعية وسياحية، ومحميات طبيعية وأثرية، ومناطق إطلاق نار عسكرية، إلى الاستيلاء على أكثر من 100 ألف هكتار من الأرض الفلسطينية الخاصة والعامة، وهدم أكثر من 50 ألف منزل فلسطيني منذ عام 1967. ويمكن القول أن تغيير إسرائيل للحقائق على الأرض، ومحو الوجود الفلسطيني، والتدخل في العملية الديمقراطية، إنما يؤدي إلى تقويض قدرة فلسطين على البقاء كدولة مستقلة، من خلال إنكار الحق الجماعي للشعب الفلسطيني في تقرير المصير.

ثالثًا، هناك حاليًا اعتراف متزايد بأن إسرائيل تنفذ سياسات وممارسات تمييزية ضد الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر. والجدير بالذكر أن إسرائيل تمنح الحقوق لليهود الإسرائيليين وتميّز بشكل منهجي ضد الفلسطينيين. فقانون حيازة الأراضي 5713-1953، على سبيل المثال، يسهل نقل ملكية الأرض الفلسطينية المصادَرة إلى مؤسسات الدولة الإسرائيلية المختلفة، بما في ذلك هيئة التنمية. ويتم تمكين المنظمات شبه الحكومية، مثل الوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية، لممارسة التمييز المادي، بما في ذلك منح الأرض الفلسطينية المصادرة لليهود الإسرائيليين. وفي الوقت ذاته، يمكن لليهود الإسرائيليين المطالبة بملكية العقارات السكنية الفلسطينية في القدس الشرقية المحتلة بموجب قانون الشؤون القانونية والإدارية (1970). إن السعي إلى هندسة أغلبية ديموغرافية يهودية وتقليص وإبعاد الفلسطينيين قد تقدّمت به الحكومات المتعاقبة. وبموجب قانون العودة الإسرائيلي (1950)، “يحق لكل يهودي أن يأتي إلى هذا البلد بصفة أوليه” (بصفة مهاجر جديد) ويتم منح الجنسية الإسرائيلية “لكل يهودي يعرب عن رغبته في الاستقرار في إسرائيل”. وفي الوقت نفسه، هناك حوالي سبعة ملايين لاجئ فلسطيني محرومون من حقهم في العودة، بما في ذلك 450 ألف فلسطيني نزحوا كلاجئين خلال النكسة التي أعقبت حرب الأيام الستة عام 1967. وتشير هذه الممارسات، من بين أمور أخرى، إلى أن إسرائيل تدير الأرض الفلسطينية المحتلة في ظل نظام من التمييز العنصري والفصل العنصري المنهجيين.

ويخلص القسم إلى أن انتهاك إسرائيل لحظر الضم، والحرمان من ممارسة حق تقرير المصير، وتطبيق نظام الفصل العنصري في فلسطين المحتلة قد يكون مؤشرًا على إدارة غير شرعية سيئة النية للأرض المحتلة، انتهاكًا لمبادئ الفورية والضرورة والتناسب للدفاع عن النفس. ثم تبحث الدراسة في الآثار المترتبة على الاحتلال بسوء نية على ممارسة حق الشعوب الخارجي في تقرير مصيرها. ونظرًا لوضع فلسطين باعتبارها أرضًا خاضعة للانتداب سابقًا، لا يزال على المجتمع الدولي التزام دولي، باعتباره “أمانة مقدسة” تجاه الشعب الفلسطيني، “بعدم الاعتراف بأي تغيير أحادي الجانب في وضع الأرض”. وفي الفتوى بشأن جنوب غرب أفريقيا، تم الاستغناء بشكل إيجابي على فكرة عودة الأراضي، سواء التي كانت محتلة أو التي كانت خاضعة للانتداب سابقًا، إلى وضعها الاستعماري. وأوضحت محكمة العدل الدولية أن “قبول ادعاء حكومة جنوب أفريقيا بخصوص هذه النقطة كان يستلزم إعادة الأراضي الخاضعة للانتداب إلى الوضع الاستعماري، واستبدال نظام الانتداب بالضم، وهو الأمر الذي تم استبعاده بشكل حازم في عام 1920. والأهم من ذلك، أنه تم الاعتراف بالوضع في فلسطين كحالة “تتعلق بحق تقرير المصير للشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية أو الأجنبية” والتي لم تتم تسويتها بعد. ومن هذا المنطلق، فإن الاحتلال الإسرائيلي سيء النية للأرض الفلسطينية التي يتعامل معها على أنها “إقليم متنازع عليه” و “يفتقد السيادة”، وعمليات الضم العديدة بحكم القانون وبحكم الواقع، وتغيير التركيبة الديموغرافية والمشاريع الاستيطانية، من بين انتهاكات أخرى، ينتهك حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وفي السيادة باعتبار الإقليم تحت الانتداب.

 

الالتزام بإنهاء الاحتلال غير الشرعي:

يُلزم القانون الدولي المتعلق بمسؤولية الدول إسرائيل بوقف الأفعال غير المشروعة دولياً وتقديم “التأكيدات والضمانات المناسبة بعدم التكرار”. ومن الجدير بالذكر أن محكمة العدل الدولية رأت أن جنوب أفريقيا ملزَمة “بسحب إدارتها من إقليم ناميبيا”، وبالمثل، شجعت في تشاغوس على إنهاء الإدارة البريطانية لأرخبيل تشاغوس “في أسرع وقت ممكن”. بالنسبة لفلسطين، فإن الرد المناسب يمكن أن يتخذ شكل إطلاق سراح السجناء السياسيين الفلسطينيين؛ إعادة الممتلكات، بما في ذلك الممتلكات الثقافية التي استولت عليها سلطات الاحتلال؛ وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية غير المشروعة في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية؛ رفع الحصار عن قطاع غزة؛ وتفكيك نظام الفصل العنصري المؤسسي القائم على القوانين والسياسات والممارسات التمييزية؛ وتفكيك إدارة الاحتلال. ونظرًا لعدم تنفيذ إسرائيل للفتوى السابقة بشأن بناء جدار الضم، فإن التأكيدات والضمانات بعدم التكرار قد لا تكون علاجًا كافيًا. وقد يكون من الضروري أيضًا إنشاء لجنة تحكيم محايدة للنظر في المطالبات الجماعية الناشئة عن عواقب الانتهاكات التي ترتكبها سلطة الاحتلال. والجدير بالذكر أن دراسة أجراها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية عام 2019 خلصت إلى أن التكلفة المالية التراكمية التي يتحملها الاقتصاد الفلسطيني بسبب الاحتلال الإسرائيلي خلال الفترة 2000-2019 تقدر بنحو 58 مليار دولار أمريكي. وفي قطاع غزة، قدرت التكاليف الاقتصادية للاحتلال في الفترة 2007-2018 بنحو 16.7 مليار دولار. إن استغلال الموارد الطبيعية ومنع تطويرها كلّف الاقتصاد الفلسطيني 7.162 مليار دولار أمريكي على مدى 18 عامًا من عائدات الغاز من بحر غزة و67.9 مليار دولار أمريكي من عائدات النفط من حقل مجد النفطي في رَنْتِيس. وإجمالًا، تقدر الخسائر التي تكبدتها فلسطين منذ عام 1948، بأكثر من 300 مليار دولار.

وتُظهر الدراسة أن الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي وانتهاكاته للمعايير القطعية للقانون الدولي له عواقب دولية، وأن الدول الثالثة والمجتمع الدولي ملزمون بوضع حد للإدارة غير الشرعية للأراضي المحتلة. ومن خلال القيام بذلك، تُبرز هذه الدراسة متطلبات الإنهاء الكامل للاحتلال وإنهاء الاستعمار في الأرض الفلسطينية، بدءً بالانسحاب الفوري وغير المشروط والكامل لقوات الاحتلال الإسرائيلية وتفكيك الإدارة العسكرية. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الانسحاب، باعتباره إنهاء فعل غير مشروع دوليا، لا يمكن أن يكون موضوعًا للتفاوض. وينبغي تنفيذ العقوبات والتدابير المضادة الكاملة، بما في ذلك القيود الاقتصادية وحظر الأسلحة وقطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، على الفور، كرد فعل تجاه الكافة من جانب الدول الثالثة والمجتمع الدولي على انتهاكات إسرائيل الخطيرة لقواعد القانون الدولي القطعية. ويجب على المجتمع الدولي أن يتخذ خطوات فورية نحو إعمال الحقوق الجماعية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك اللاجئين والمنفيين في الشتات، بدءً بإجراء استفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة، للشروع في استكمال عملية إنهاء الاستعمار.

وحثّ قرار مجلس الأمن 2334 (2016) بشكل خاص على بذل جهود دولية ودبلوماسية دون تأخير “لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967”. ومع ذلك، يبدو أن هذه الجهود الدبلوماسية منذ التسعينيات مبنية على صيغة “الأرض مقابل السلام” المشكوك فيها، والتي إذا تم استخدامها لحرمان السكان الفلسطينيين المحميين من حقوقهم غير القابلة للتصرف في تقرير المصير والسيادة الدائمة على الموارد الوطنية، فإنها ستشكل أيضًا عملاً غير مشروع دوليًا. وعليه، فإن التزام الدولة بالانسحاب من الأراضي المحتلة بشكل غير مشروع هو التزام غير مشروط وفوري ومطلق. وتتضمن قرارات الجمعية العامة شروطًا مهمة لـ “الانسحاب الكامل وغير المشروط” لإسرائيل، بمعنى أن الانسحاب لا يجب أن يكون موضوعًا للتفاوض، بل هو بالأحرى إنهاء الفعل غير المشروع دوليًا.

 

الخلاصة:

خلصت الدراسة إلى أن خارطة الطريق الأكثر تبصّرًا لإنهاء الاحتلال وإنهاء الاستعمار في الأرض الفلسطينية تأتي في شكل نسيج غني من توصيات الدول الثالثة والتوصيات الدولية المقدمة في قضيتي شاغوس وناميبيا. ومن الواضح أيضًا أن القانون العام المتعلق بمسؤولية الدول عن الانتهاكات الجسيمة للقواعد القطعية للقانون الدولي يمكن أن يستمد من قرارات مجلس الأمن “كفكرة عامة تنطبق على جميع الحالات الناجمة عن انتهاكات جسيمة”، بما في ذلك حظر المساعدة أو المساعدة في الحفاظ على النظام غير الشرعي. ومن الطبيعي أن المحكمة الأنسب لفحص مشروعية الاحتلال هي محكمة العدل الدولية. وسواء كان الاحتلال غير شرعي منذ بدايته أو أصبح غير مشروع، فإن العواقب يجب أن تكون الانسحاب الفوري وغير المشروط والكامل للقوات العسكرية الإسرائيلية؛ انسحاب المستوطنين؛ وتفكيك النظام الإداري العسكري، مع تعليمات واضحة بأن الانسحاب بسبب ارتكاب فعل غير مشروع دوليًا لا يخضع للتفاوض. وينبغي القيام بإجراءات جبر كامل ومتناسب لفائدة الأفراد والشركات والكيانات الفلسطينية عن الأضرار التي لحقت بالأجيال والناجمة عن مصادرة إسرائيل للأراضي والممتلكات، وهدم المنازل، ونهب الموارد الطبيعية، والحرمان من العودة، وغيرها من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تم التخطيط لها من أجل تحقيق الأهداف الاستعمارية والتوسعية لمحتل غير شرعي.

____________

شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، لجنة الجمعية العامة للأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، 27 نوفمبر 2023، https://2u.pw/dj3zMKX

رابط ملف الدراسة كاملة

منذ أن رفعت دولة جنوب أفريقيا دعواها إلى محكمة العدل الدولية التي تتهم فيها الكيان الصهيوني بشن حرب إبادة جماعية في غزة، انهالت الكتابات والتعليقات التي تتناول هذا الأمر؛ إما بالتهوين من تلك الدعوى والآثار المتوقعة لها، أو بالتعامل معها وكأن تحرير غزة وفلسطين كلها من الاحتلال الصهيوني بات يتوقف على القرار الذي سيصدر من محكمة العدل الدولية في هذا الشأن!

والواقع أن لكل اتجاه من اتجاهي التهوين والتهويل مبرراته القوية؛ فالجانب الذي يستخف باللجوء إلى محكمة العدل الدولية يستند إلى أنه حتى لو أدانت المحكمة الصهاينة بشن حرب إبادة جماعية على فلسطين، فإنها ستحيل الأمر إلى مجلس الأمن الدولي ليتخذ قراره الرامي إلى وقف هذه الحرب على الفور، وهو القرار الذي من المستحيل صدوره في ظل وجود «حق الفيتو» كما هو معلوم!

أما الاتجاه الذي يهول من رفع الدعوى ضد الصهاينة، فإنه يتحدث عن المسألة وكأن المحكمة ستحرر فلسطين، باعتبار أن حكمها المنتظر سيفضح الصهاينة ويكشف «نازيتهم»، ولن يعوق هذا الأمر (حق الفيتو) باعتبار أن التأثير الأدبي للحكم سيكون قوياً إلى الحد الذي سيسحب البساط من تحت أقدام الدول الكبرى الداعمة للصهيونية ويؤثر عليها بالسلب أمام الرأي العام العالمي، كما أنه سيمثل غطاء يعضد إمكانية ملاحقة المجرمين الصهاينة ومحرضيهم وداعميهم جنائياً.

القانون الدولي يعاني أزمة معقدة تحدّ من آمال تحقيق العدالة على المستوى العالمي

ولسنا الآن في مقام مناقشة حجج كل من الاتجاهين، إذ نسعى عبر هذا المقال إلى فقه الواقع كما هو حتى نستطيع التعامل معه وفق معطياته الفعلية، دون التحليق في الخيال أو التشبث بالأوهام، وكذلك دون أن نضيع فرصاً قد تكون سانحة يمكن أن نستثمرها في نصرة قضيتنا الأهم، وهي القضية الفلسطينية.

حقائق مهمة

فهناك عدد من الحقائق المهمة التي ينبغي أن نأخذها بعين الاعتبار عند تناول هذه المسألة لوضعها في إطارها المطابق للواقع، حتى يكون وعينا لها مناسباً، وتعاملنا معها فعالاً، ومنها:

الحقيقة الأولى تتمثل في أن القانون الدولي المعاصر (وكذلك النظام الدولي) يعاني من أزمة معقدة ومركبة، تهدد حتى وصفه بالقانون، أو على الأقل تحدّ من الآمال المعولة عليه لتحقيق العدالة على المستوى العالمي؛ إذ ينقص هذا القانون عادة عنصر الإلزام الذي يتوجب أن يتوافر في قاعدة ما، لاعتبارها قاعدة قانونية مجردة، كما ينقصه عنصر الجزاء، الذي يتطلب وجود سلطة أعلى من سلطة الدول لتوقعه.

وأستند في هذا إلى ما سبق أن قرره الفيلسوف والفقيه القانوني الإنجليزي جون أستون (1790 – 1859م) من اشتراطه في القانون وجود سلطة سيادية تصدر الأوامر وتملك القدرة على إنزال العقاب على من يخالفها، ومن ثم إلى نفيه وجود تلك السلطة السيادية في «القانون الدولي»، وذهابه إلى أن قواعده مجرد مجموعة قواعد أخلاقية.

وعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة التي وجهت إلى نظرية أوستن تلك -وما زالت توجه إليها- بزعم أن هناك بالفعل سلطات تعلو فوق سلطة الدول، مثل الأمم المتحدة وأجهزتها الستة، وعلى رأسها مجلس الأمن وجهازها القضائي المتمثل في محكمة العدل الدولية، فإن الواقع ينطق بغير ذلك؛ حيث إن الأمم المتحدة تعتمد في إنفاذ أهم قراراتها، وهي القرارات المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين، على توافر الإرادة السياسية للدول الخمس الأقوى في العالم مجتمعة، وهي أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين، وعلى توازن القوى فيما بينها، فإذا اعترضت دولة منها على الأقل فإن من شأن هذا الاعتراض أن يعرقل إصدار القرار المعترض عليه، ولو كان هذا القرار مستنداً إلى حكم لمحكمة العدل الدولية!

دعوى دولة جنوب أفريقيا خطوة بالغة الأهمية من شأنها فضح الصهاينة وداعميهم

وحتى إذا اعتبرنا إرادات هذه الدول الخمس تعلو إرادات ما دونها من دول العالم، ومن ثم تكمل النقص الذي يعتري القانون الدولي، فإن هذه «الدول السيادية» ستماثل بذلك -في حقيقة الأمر- «الجهات السيادية» المهيمنة في الدولة السلطوية (الدكتاتورية)، فهي المشرع والقاضي والمنفذ في الوقت نفسه، ومن ثم لا يسوغ أبداً اعتبارها «دولة قانون»، بل «دولة قانون الغاب»، وذلك هو وضع القانون والتنظيم الدوليين الآن للأسف الشديد!

وآية ذلك، أن الأصل في المنظور الغربي أن العلاقات الدولية -والفردية والمجتمعية- هو الصراع، وأن البقاء ليس للأصلح بل للأقوى، وهو ما انعكس على طبيعة منتوجات الفكر الغربي، ومن ضمنها القانون الدولي بصفة عامة ومواثيق المنظمات الدولية بصفة خاصة، عدا بعض الثغرات التي قد ينفذ منها المستضعفون عسى أن يتخللوا النظام الدولي في محاولة لتقويم عوجه، وتوجيهه نحو نصرة المستضعفين.

منتوجات السياسة الغربية

الحقيقة الثانية: أن الكيان الصهيوني نفسه هو أحد منتوجات الفكر والسياسة الغربيين كذلك، حيث بدأ التفكير في إنشاء هذا الكيان منذ صدور الوعد البريطاني بإنشائه («وعد بلفور» في عام 1917م)، وصولاً لإعلانه فعلاً في عام 1948م برعاية غربية (بريطانية أمريكية فرنسية روسية..)، بعدما قررت أمريكا أن تحل محل البريطانيين والفرنسيين في احتلالهما العسكري المباشر لدول العالم الإسلامي وغيرها من الدول النامية، باحتلال يحمل صيغة جديدة تقوم على التحكم عن بُعد، مع إبقاء قوة عسكرية على أرض فلسطين تستخدمها أمريكا -وحلفاؤها- للترغيب والترهيب والتفتيت، لنكتشف بذلك أن المتحكم في سن قواعد القانون الدولي المعاصر وفي تطبيقه هو نفسه المؤسس للكيان الصهيوني والداعم له!

الحقيقة الثالثة: أن الدولة التي أدركت هذا الواقع -المظلم- بالفعل هي دولة جنوب أفريقيا (الحرة المستقلة)، استندت إلى «اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها»، ورفعت دعوى أمام محكمة العدل الدولية لوقف حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهيوني ضد غزة، مع طلب التعجيل بإصدار «تدابير مؤقتة»، وفق ما تقرره المادة (41) من النظام الأساسي للمحكمة، للحفاظ على الحقوق الخاصة بالفلسطينيين، ووقف تلك الحرب، وهي خطوة بالغة الأهمية، من شأنها فضح الصهاينة وداعميهم من الدول الغربية، لا سيما إذا قررت المحكمة فرض تدابير مؤقتة تمنع استمرار تلك الحرب إلى حين البت النهائي في القضية.

الحقيقة الرابعة: أن هذه الخطوة الشجاعة من دولة جنوب أفريقيا وإن كانت تمثل دعماً قانونياً وقضائياً وسياسياً وأدبياً وإعلامياً للفلسطينيين، إلا أنها لن تحرر فلسطين، بل سيحررها أبناؤها، الذين شرعوا بالفعل في حربهم لتحرير وطنهم في السابع من أكتوبر الماضي، إدراكاً منهم بعد تراكم خبراتهم مع الاحتلال، أن هذا هو الطريق الوحيد لتحقيق الاستقلال.

ومن حسن الحظ أن تدابير محكمة العدل الدولية وقرارها المنتظر سيؤكد شرعية ذلك الخيار المقاوم والمشروع وفق قواعد القانون الدولي نفسه، حتى بحالته المهترئة تلك، وحتى لو تم استخدام «الفيتو» ضد القرار.

___________________ 

د. حازم على ماهر، التعويل على محكمة العدل الدولية.. بين التهوين والتهويل!، مجلة المجتمع، 18 يناير 2024، https://2u.pw/MejZcje

قال خبيران قانونيان، إن حق الدفاع عن النفس لا ينطبق على إسرائيل في حربها على قطاع غزة، وإن التصريحات الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية التي تزعم هذا الحق "ليست قانونية، بل سياسية منحازة لإسرائيل". وشدد الخبيران، في أحاديث منفصلة لوكالة الأناضول، على أن الأعمال العسكرية الإسرائيلية في غزة تصل إلى مستوى "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية".

وخلال زيارته إلى إسرائيل في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لم يكتف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، بالقول إنه يدعم "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، بل وأكد بالقول: "بل ولزامًا عليها ذلك، وندعمها بقوة". وشدد بلينكن، في تصريح صحفي، على "ضرورة تمكين الجيش الإسرائيلي من هزيمة (حركة) حماس في غزة".  كما أعلن زعماء الاتحاد الأوروبي (27 دولة) عبر بيان في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، "دعمهم لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، بما يتماشى مع القانون الإنساني والدولي".

 

أراضٍ تحت الاحتلال

مدير مؤسسة الحق (غير حكومية) شعوان جبارين قال للأناضول إن "العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة تتعارض وتتناقض مع القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة في الدفاع عن النفس". وأوضح أن "حق الدفاع عن النفس ينطبق على دولة عندما تهاجمها أخرى ويتعرض أمنها القومي ووجودها للخطر، وحينها تُعلم هذه الدولة الأمم المتحدة أولا ثم تستخدم القوة للدفاع عن نفسها، وهذا لا ينطبق على الحالة الجارية هنا (غزة)". جبارين تابع أن "فلسطين وحماس ليست دولة، وهي أرض محتلة وغزة والضفة الغربية تحت الاحتلال الإسرائيلي، وسابقا نوقش رأي استشاري فيما يخص بناء إسرائيل لجدار الفصل (بالضفة الغربية) في عام 2004 بحجة الدفاع عن النفس، وخلصت (محكمة العدل الدولية) إلى أنه: ليس من الحق أن تتحجج إسرائيل بأن لها الحق في الدفاع الشرعي عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة". وشدد على أن التصريحات الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية بشأن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها "تخالف القانون الدولي، وهي ليست تصريحات قانونية، بل سياسية منحازة لإسرائيل". "إن لم تمارس إسرائيل الإبادة"، بحسب جبارين، "فهي ذاهبة للإبادة، ولذلك عملياتها فيها كل أركان الإبادة في ظل تصريحات أعلى الهرم في إسرائيل من سياسيين وعسكريين، والتي تؤكد نيتهم قتل جزء أو كل من الشعب الفلسطيني في غزة". وأردف أن "الممارسة في أرض المعركة تترجم هذه التوجهات من قتل وتدمير للمدنيين ودون أي ضرورة عسكرية، ما يوصلنا إلى نقطة إبادة جماعية في قطاع غزة". وعادة ما تنفي إسرائيل ارتكابها جرائم في غزة، وتزعم أنها تدافع عن نفسها، بعد أن أطلقت حركة "حماس"، في 7 أكتوبر، هجوم "طوفان الأقصى"؛ "ردا على الاعتداءات الإسرائيلية اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولاسيما المسجد الأقصى".

 

لا مبرر لارتكاب الجرائم

أما أستاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة العربية الأمريكية بمدينة جنين في الضفة رائد أبو بدوية فقال إن "حق الدفاع عن النفس مكفول، ولو سلمنا جدلًا بأن لإسرائيل هذا الحق، فإنه لا يبرر ارتكاب الجرائم". أبو بدوية أضاف للأناضول أنه "في حالة الدفاع عن النفس في الأصل لا يجوز لك انتهاك قواعد القانون الدولي ولا يجوز أن تستهدف المدنيين، وأي جرم غير مسموح تحت تبرير الدفاع عن النفس". وتابع: "ما تستهدفه إسرائيل في غزة ليست أهداف عسكرية، واضح مما نشاهده وما يُرصد أن طبيعة الأهداف مساكن مدنية ومؤسسات خدمة مدنية ومستشفيات، وكل ما سبق يعتبر جريمة حرب". ومشددا على وجود "جريمة إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية"، لفت أبو بدوية إلى "ما تنفذه إسرائيل اليوم من استهداف للمدنيين وترحيلهم وتجويعهم ومنع الاحتياجات الرئيسية".

ومنذ اندلاع الحرب، تقطع إسرائيل إمدادات الماء والغذاء والأدوية والكهرباء والوقود عن سكان غزة، وهم نحو 2.3 مليون فلسطيني يعانون بالأساس من أوضاع متدهورة للغاية؛ جراء حصار إسرائيلي متواصل منذ عام 2006. واستشهد أبو بدوية بميثاق روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية الذي يصنف تلك الأعمال "جريمة حرب". وختم بأن "الدفاع عن النفس مكفول، ولكن ضمن ضوابط وليس حق مطلق، وما تنفذه إسرائيل في معظمه تجاوز للقانون، وهي جرائم دولية".

______________

قيس أبو سمرة، قانونيان: "حق الدفاع عن النفس" لا ينطبق على إسرائيل في غزة، وكالة الأناضول، 10 نوفمبر 2023، https://2u.pw/GA0OsxN.

بداية أوضح أمرًا مهمًا، لست هنا اليوم لأسرد ما يقوله القانون الدولي بشأن العدوان الإسرائيلي على غزة وإنما ما سأقوله لا يعدو كونه رءوس أقلام كل منها موضوع بذاته يحتاج إلى محاضرات، وإنما نحن بصدد إجلاء بعض ما قد يكون غامضًا من مداخل القانون الدولي بشأن أزمة العدوان على غزة.

وعلى قدر ما كانت سعادة الإنسان بالغة بهذا التقدم التكنولوجي والمعلوماتي على قدر ما أصابته خيبة أمل من هذا الذي وجدناه على شاشات بعض الفضائيات من تشويه للحقائق من غير متخصصين يقولون بما لا يعرفون ويهرفون بما لا يفهمون، وأنا في هذا لا ألومهم، ولكني ألوم من أتى بهم.

كثر الكلام عن الأبعاد القانونية للعدوان على غزة، فهناك من قالوا إن إسرائيل بعدوانها على غزة إنما تدافع عن نفسها ضد حركات إرهابية تطلق صواريخها على المدنيين الإسرائيليين إما ترديدًا للمقولات الأمريكية، وإما قولا على غير فهم. والحقيقة القانونية هي أن مبادى الدفاع الشرعي في القانون الدولي المعاصر لا تكون إلا في مواجهة عدوان، وليس "دفاعًا ضد دفاع".

وإذا فرضنا جدلًا أن إسرائيل تدافع عن نفسها، فالدفاع هنا أيضا لابد أن يكون متناسبًا مع حجم العدوان، فلا يجوز أن تقول إسرائيل إن حماس قتلت خمسة عشر مدنيًا إسرائيليًا فتأتي هي وتدمر مدينة كاملة وتقتل وتجرح الآلاف، فلابد أن يكون هناك تناسب بين فعل الدفاع وفعل العدوان.

أيضا من شروط الدفاع الشرعي أن يكون موجهًا لمصدر العدوان، فلو افترضنا جدلًا أن مطلقي الصواريخ معتدون، فهذا يعني أن توجه إسرائيل دفاعها إلى مطلقي الصواريخ وليس الشعب بمدنييه ونسائه وأطفاله.

إذا انتقلنا من هذه المقدمة وبدأنا في تحديد المعتدي والمعتدى عليه في عرف القانون الدولي سنجد ما يأتي..

إسرائيل انسحبت من قطاع غزة، وهي بذلك تزعم أنها ليست دولة احتلال، وهذا قانونا غير صحيح، فالاحتلال يعرف بأحد نوعين: إما أن تكون هناك قوات للدولة القائمة بالاحتلال بالفعل على الأرض مثلما كان الحال من قبل في قطاع غزة، أو أن تتحكم دولة الاحتلال تحكما كاملًا في الداخل والخارج من وإلى هذا الإقليم: بمعنى آخر أن تمارس هذه الدولة "حصارًا شاملًا" على الإقليم المحتل، فإسرائيل بالنسبة لنا وبعيدًا عن العواطف وبتعريف القانون الدولي دولة احتلال: لأنها تمارس حصارًا بريًا وجويًا وبحريًا على قطاع غزة، وكما قال أستاذ لنا في القانون "إسرائيل تحتل قطاع غزة بالريموت كنترول".

فإسرائيل بهذا "دولة احتلال" والاحتلال بمعنييه بعد عدوانًا مستمرًا بإجماع من فقهاء القانون الدولي، وإذا كان العدوان كعدوان مبررًا لدفاع، فمن باب أولى العدوان المستمر، فإذا كنا هنا بصدد عدوان مستمر تمارسه إسرائيل على قطاع غزة، إذن فمن حق الشعب الفلسطيني في غزة وبموجب القانون الدولي الدفاع عن نفسه، ومن وسائل الدفاع: الدفاع بالسلاح. فما من منظمة دولية واحدة بدءًا بالأمم المتحدة مرورًا بكل المنظمات الإقليمية المعنية إلا وقد أقرت الحق لكل حركات التحرر والمقاومة الشعبية بحمل السلاح، كما أن هذه المنظمات منحت حركات التحرر الوطني الحق في الحصول على الدعم والتأييد من الدول الأعضاء في هذه المنظمات فالأمم المتحدة عبر جمعيتها العمومية ومجلس أمنها وبنصوص صريحة قد أوجبت على الدول الأعضاء فيها تقديم السلاح والدعم لحركات المقاومة، وأكثر من ذلك أنه في عام 1970 قال المندوب اليوغسلافي في الجمعية العامة للأمم المتحدة "أن المقاومة بالإرهاب لیست إرهابًا".

أيضا هناك ما أقرته المحكمة الجنائية الدولية من أن إقامة مستوطنات على أراض محتلة تعد جريمة حرب وجريمة الحرب حسب القانون الدولي تبرر بداية ودون الحاجة إلى عدوان مستمر أو احتلال بالريموت كنترول تبرر، الدفاع الشرعي بالسلاح.

هذا هو القانون الدولي أما ما شاهدناه من تواطئ أمريكي وأوروبي، بالإضافة إلى حلف شمال الأطلسي في الحصار على قطاع غزة ومنع وصول السلاح لأصحاب الحق، فهذا ليس من القانون في شئ، وإنما نبحث له عن تفسير في مكان آخر.

وفي هذا السياق، وجب هنا أن نذكر أن القانون الدولي يلزم دولة الاحتلال بتقديم جميع الخدمات الواجبة للمدنيين على حكوماتهم الأصلية؛ أي أن دولة الاحتلال يجب عليها أن تقوم بما تقوم به الحكومة السوية فيما عدا الجانب العسكري، وإذا لم تلتزم دولة الاحتلال بهذا، وجب على المجتمع الدولي أن يقدم لهؤلاء، ما يقيم أودهم ويسيّر أمور حياتهم، وبالأحرى وجب هذا على المجاورين، وكل لبيب بالإشارة يفهم.

إذا اكتفينا من الغنيمة بالإياب وانتقلنا إلى قرار مجلس الأمن 186 سنجد أن معظم من تحدثوا عما إذا كان ملزمًا أم غير ملزم وهل ينتمي إلى الفصل السادس أم السابع، وتناسي الجميع أن القرار لا يحتوي على آليات تنفيذه. فإذا لم يكن مشتملًا  على آليات تنفيذه فلا قيمة له سواء كان منتميًا إلي الفصل السادس أو السابع.

والدليل على هذا أن إسرائيل ضربت به عُرض الحائط، ولم تلتزم به حتى من قبيل تجميل الوجه، ثم إن توقيت القرار يعد كارثة، حيث وجدنا مجلس الأمن ينتظر ما يقرب أسبوعين من اندلاع الحرب، مع أنه وبموجب القانون يكون المجلس في حالة انعقاد دائم إذا وجدت مشكلة تهدد السلم والأمن الدوليين، لكن فيما يبدو أن القائمين على مجلس الأمن لم يروا فيما يحدث في قطاع غزة ما يهدد السلم والأمن الدولين فانتظروا أسبوعين حتي اجتمعوا فوجدنا الجبل يتمخض عن فأر بهذا القرار الذي أصدره مجلس الأمن.

الحقيقة القانونية هي أن مبادئ الدفاع الشرعي في القانون الدولي المعاصر لا تكون إلا في مواجهة عدوان وليس دفاعا ضد دفاع

وهنا تبرز إشكالية أن القانون هو سلاح الضعفاء، لكن سلاح الضعفاء إذا لم يكن قويًا ومشحوذًا فلا قيمة له، وقديمًا قال فقهاء القانون الروماني "إن القوة تخلق الحق وتحميه". ونحن لم نصل معهم إلى تلك الدرجة، فالقوة هنا لم تخلق الحق لكنها بالضرورة حامية له؛ بدليل أن قضية كالعدوان على غرة على ما فيها من وضوح من عدوان على شعب أعزل لم ير فيها المجتمع الدولي خطرًا يوجب انعقاد مجلس الأمن وحينما أراد وفاق من سباته واتخذ قرارًا اتخذه على نحو مانع، فلم يجعل له آلية لتنفيذه.

إذن،  كيف نتعامل من الناحية القانونية مع ما حدث؟

 أمامنا أحد بدائل عدة:

البديل الأول: وهم الذي كثر الحديث عنه بغير علم، هو أن نذهب إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهذا غير ممكن؛ لأن المحكمة الجنائية الدولية تنظر في الجرائم التي ارتكبت على أراضي الدول الأعضاء في النظام الأساسي وليست أي من الدول العربية عضوًا في النظام الأساسي فيما عدا الأردن وجزر القمر ومصر وقعت فقط لكنه لم يتم التصديق عليها، فهذا بديل برأيي غير ممكن لأن العدوان لم يقع على أراضي الأردن أو جزر القمر.

البديل الثاني: أن يكون القائمون بهذا الانتهاك والعدوان أطرافًا في النظام الأساسي للمحكمة الدولية، وإسرائيل ليست طرفًا في النظام الأساسي للمحكمة.

البديل الثالث: وهذا خاضع لتقدير مجلس الأمن، حيث إن مجلس الأمن إذا رأي أن ما يحدث في إقليم دولة ليست طرفًا في النظام الأساسي بهدد الأمن والسلم الدوليين فمن حقه هنا أن يحيل الأمر إلى المحكمة الجنائية الدولية لتتدارسه، كما هو الحال حاليا مع الرئيس السوداني البشير.

البديل الأخير: وفي تقديري هو الحل الأيسر والمتاح، وهو أن نلجأ مباشرة إلى محاكم الدول التي تقبل الاختصاص العالمي فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وهناك العديد من الدول التي يسمح قانونها الداخلي بالنظر في جرائم

ارتكبت خارج حدود أراضيها، بشرط أن تكون من قبيل جرائم الحرب والإبادة الجماعية وحقوق الإنسان، وهذه الدول كثيرة، منها: فرنسا وإسبانيا وبلجيكا.

وهذه أسهل البدائل وإن شابها بعض صعوبة ستكون في طول الإجراءات والتكلفة المادية العالية، لكنه وفي ظل التعدد الشديد في منظمات المجتمع المدني والثروات العربية يبدو هذا ممكنا.

وما أحب أن أطمئنكم بشأنه هو أنه من الممكن ألا يري جيلنا وجيل أساتذتي هذا الحلم يتحقق لكن الجيل الحالي

يمكنه أن يرى ذلك.

ومن المفيد جدا هنا أن ندرك أن القضايا الخاصة بالانتهاكات الإنسانية "لا تسقط بالتقادم"؛ بمعني أنه ما حيينا وما حيوا سيظلون دومًا في تهديد إمكانية أن نحاصرهم بالقانون، طالما نحن غير قادرين على المحاصرة بغيره.

______________________________________

المصدر: حولية أمتي في العالم، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، العدد 9، 2009، ص: 65- 67. يمكن تنزيل نسخة (pdf) من المقال عبر هذا الرابط: https://2u.pw/pVkaFRk.

الموضوع الذي أمامنا اليوم هو موضوع غزة، وهذا الموضوع عايشناه جميعا يومًا بيوم وأصبحت معلوماتنا عنه متساوية، فليس منا من لديه معلومات أكثر من الآخر. إذن نحن نتحدث عن موضوع سبق العلم به، وتساوينا تقريبا في المعارف الخاصة بوقائعه، وبقدر كبير من التحليلات الخاصة به، ولذا تصورت أن الحديث فيه سيكون في ثلاث أو أربع نقاط، وذلك لإعادة ترتيب الوقائع بشكل أو بآخر حتى نستطيع فهمها والحوار حولها.

- النقطة الأولي: تتعلق بأهمية أرض الشام لمصر وللتاريخ المصري.

- النقطة الثانية: تتعلق بقدر الحروب التي دخلنا فيها وهذه الحرب الأخيرة في سياق الحروب الممتدة في التاريخ المعيش المعاصر.

- النقطة الثالثة: الحروب النظامية والمقاومة الشعبية.

- النقطة الرابعة: النقطة الرابعة تتعلق بالمقاومة في فلسطين بين أهل الداخل وأهل الخارج

 

فيما يتعلق بأهمية فلسطين أو أرض الشام عامة بالنسبة لمصر، خاض صلاح الدين الأيوبي معركة حطين في أرض الشام، وكان وهو يحكم مصر يقوم بالدفاع عن المنطقة كلها، كان هذا في عام 1187. والمظفر قطز عندما أراد مواجهة التتار كان ذلك في موقعة عين جالوت في أرض الشام أيضا عام 1260. إذن من يحاول الدفاع عن هذه المنطقة لا يدافع عنها من داخل مصر، ولكنه يخرج إلى أرض الشام. إذن حين حاربنا الصليبيين القادمين من الغرب وحين حاربنا التتار القادمين من الشرق ومع كليهما كانت أرض الشام هي مجال المعركة، وكلتاهما كانت معركة الحسم أيضا.

 وبعد ذلك جاء السلطان سليم الأول عندما أراد توحيد المنطقة الإسلامية قبل أن يصل إلى مصر كان قد فرض سيطرته على الشام؛ فى1516 سيطر على الشام وفى عام 1517 سيطر على مصر. ثم استقل علي بك الكبير بمصر عام 1759 وأرسل أحد الولاة ليسيطر على الشام فلم يستطع، وتلاشي حكمه لمصر بعد عدد من السنوات، فلم يستطع أن يحتفظ بولايته على مصر مستقلا عن الدولة العثمانية مادامت أرض الشام بعيدة عنه. وعندما قام نابليون بغزو مصر كان ذلك في شهر يونيو سنة 1798، وفي يناير1799 ذهب إلى عكا وحاصرها ولم يمكنه أحمد باشا الجزار من اقتحامها وفشلت الحملة وعاد إلى مصر، وانتهت الحملة الفرنسية على مصر بعدها بعامين.

 إذن لننظر إلى مدى إمكانية استقلال واستقرار لحكم ثابت في مصر دون أن يكون محميًا من أرض الشام. وعندما أراد محمد علي السيطرة على مصر وكان واليا عثمانيا، وعندما بدأ ينازع الدولة العثمانية سلطاتها كان أمامه طريق الشام وسيطر عليه، وبعد ذلك في عام 1840 جاءت معاهدة لندن التي أخرجت محمد علي من الشام وجعلته محصورا في مصر، وبقيت أرض الشام في يد الدولة العثمانية. من هذا التاريخ تقريبا نستطيع أن نحدد أن كلا المنطقتين فقد استقلاله وظل تحت الهيمنة الأوربية. معاهدة لندن عام 1840 جعلت مصر أو الشام تحت الهيمنة الأوربية، بوجود كل منهما منفصلا عن الآخر، ولذلك بقيت أسرة محمد علي تحكم مصر، ولكن تحت الحماية الأوربية التي بدأت حسبما نعرف من التاريخ المصري في عهد سعيد، ومن بعده احتلت انجلترا مصر عام 1882، لكن مصر كانت تحت الهيمنة الأوروبية عامة منذ عام 1840، والإنجليز احتلوها ليستخلصوها من أي نفوذ أوروبي آخر.

ومع ضعف الدولة العثمانية بقيت المنطقة كلها تحت التأثير الأوروبي والهيمنة الأوروبية عليها، في الوقت الذي بدأ الإنجليز فيه الانفراد بمصر وفرض الحماية عليها رسميا كان ذلك عام 1914، أعلنت الحماية على مصر 1914، وفي 1917 صدر وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ووقتها قال الساسة الإنجليز أن هذا الأمر مقصود به حماية قناة السويس، بمعني حماية نفوذهم وسيطرتهم على قناة السويس. وأوجدوا هذا الوطن القومي اليهودي في فلسطين. وُضَعت فلسطين رسميا تحت الحماية الإنجليزية سنة 1922 بمعاهدة السلام وجاءوا لها بمندوب سامي يهودي هو هربرت صامويل لينفذ المشروع الإسرائيلي، وفي نفس الوقت اعترفوا باستقلال مصر، كان ذلك بعد ثورة 1919.

 وبعد الاعتراف باستقلال مصر، وضعت فلسطين تحت إطار تنفيذ المشروع الصهيوني، في نفس الوقت الذي فُرضت فيه الحماية علي مصر وصدر وعد بلفور، عُقدت اتفاقية سايكس بيكو لتقسيم أرض الشام، ولا أقصد بأرض الشام دمشق كما يقال ولكنني أقصد ما نقوله نحن في مصر بر الشام ونعني به سوريا والأردن وفلسطين ولبنان، في أيام الحرب العالمية الثانية والإنجليز يحتلون مصر فأصبحت منطقة لابد من الدفاع عنها ضد الغزو الألماني الذي كان قادما عن طريق شمال إفريقيا ووصل عن طريق تونس وليبيا إلي العلمين بالساحل الغربي لمصر، وكلنا نعرف المعركة التي دارت هناك، وقتها أنشأ الإنجليز مركز تموين الشرق الأوسط لأنهم أحسوا أنه لكى يمكن الدفاع عن مصر لابد أن تكون مصر والشام معا، ويكونان نوعًا من أنواع التكامل الاقتصادي أثناء الحرب، وأيضا نوع من أنواع الدفاع المشترك.

 إذن لكي تدافع عن مصر حتى وأنت أجنبي لابد أن تضمن أين أرض الشام بالنسبة لك، فالوزير البريطاني اللورد موين -الذي كان مقيمًا في مصر وقتها- أرسل الصهاينة فردين لقتله، لأنه نظرًا للتوازنات اللازمة أثناء الحرب بدأ يأخذ سياسة لا تحقق الطموح الصهيوني كاملا فقتلوه في الزمالك بالقاهرة. إذن ارتباط مصر بهذه المنطقة ارتباط تاريخي ويستحيل التقليل من أهميته، وفيما عدا الحملة الفرنسية لم يتم احتلال مصر إلا عن طريق بوابتها الشرقية، حتى عندما حاول الإنجليز احتلال مصر عام 1882جاءوا عن طريق الإسكندرية ولم يستطيعوا فغيروا طريقهم ودخلوا عن طريق قناة السويس، بمعني إنهم جاءوا أيضا من الشرق.

مصر حقيقة هي متجانسة بل لديها قدر كبير من التجانس من أسوان حتى الإسكندرية، فلا يوجد فيها قبائل أو تكوينات طائفية أو إقليمية تتحدي هذا التجانس، وهذه ميزة في مصر ولكن بها عيب واحد هو أن أمعائها خارج جسمها، بمعني أن أمنها القومي كله خارج حدودها، فمصر لا تستطيع العيش إلا من خلال ضمان السودان وضمان حدودها الشمالية الشرقية، فهي تُحتل وتُغتصب ولا تستطيع أن تكون لها إرادة سياسية وطنية صادرة عن مصالح هذا الشعب إذا لم تكن مؤمنة من جانب حدوها الشمالية الشرقية وجانب السودان.

 وقد فهم الإنجليز ذلك وهم يحتلون مصر، ولكن السياسي الماهر -ويبدو أن السياسيين الاستعماريين كانوا مهرة بالفعل- فأحيانًا يفكر السياسي المحتل في ماذا لو اضطررت لإخراج قواتي منها؟ فكانوا يفكرون في كيفية احتلال مصر من خارج حدودها، ومصر بها هذه الخاصية فهي يمكن احتلالها عسكريا من خارج حدودها، وهي داخل حدودها لا يجوز احتلالها عسكريا، ولكن متى تُحتل عسكريا من الخارج؟ إذا وجدت قوة عسكرية استعمارية مناوئة لها أو تحت سيطرة أجنبية في السودان أو قوة عسكرية مناوئة واستعمارية في أرض الشام، فإن مصر تعاني من الضغوط على إرادتها الوطنية، مما يجعل من الصعب عليها أن تقيم هذه الإرادة صدورًا عن الصالح الوطني العام، ونحن عندما يكون هناك احتلال على الفور نطالب بإزاحته ونطالب بالجلاء، ولكن عندما يبدو هذا الجلاء قائمًا او يتحقق تبدأ على الفور الإملاءات الخاصة بالاعتبارات الأمنية المتعلقة بضمان هذا الاستقلال من خارج حدودها. ويقال لابد أن تكون لها سياسة خارجية ونحن نسميها خارجية لأنها خارج القطر المصري وهي متعلقة بتأمين هذا الوضع المتعلق بالشام أو المتعلق بالسودان.

وعندما قامت ثورة 23 يوليو 1952، وجدت أن موضوع السودان مشكلة فأرادت حله بشكل ما، وقد كانت هناك مشكلة في مصر والسودان، فقد كانت هناك إثارة لموضوع وحدة مصر والسودان ولكن القوة الوطنية الحاكمة أيامها لم تكن لديها سعة أفق بحيث تجعل تنظيماتها مصرية سودانية في نفس الوقت، فعندما تشكل الحزب الوطني تشكل من المصريين فقط دون السودانيين، وعندما تشكل حزب الوفد تشكل من المصريين دون السودانيين، وعندما تشكل جهاز الدولة كان دائمًا من المصريين فقط، فبأي حق يطلب المصريون الوحدة مع السودان والتكوينات المؤسسية الرسمية والأهلية لا تعكس هذا؟! ولقد كانت طموحات الحركة الوطنية المصرية أكثر من إمكانياتها المؤسسية وهى بتشكيلها المصري القح حكمت بانفصال مصر عن السودان.  

جهود ثورة 23 يوليو الحقيقة أنها حاولت أن تضمن باتفاقية السودان سنة 1953 ألا يكون السودان تابعا للإنجليز ويخير فقط بين الاستقلال الوطني أو الوحدة مع مصر، وبالطبع اختار الاستقلال الوطني، وعلي الفور بدأ الحكم الوطني هناك، وفي نفس الوقت نشأ السد العالي ليكفل لمصر القدرة علي حماية مياه النيل لعدة سنوات إذا حدث شيء يتعلق بهذه المياه، لأن قبل ذلك لم يكن لدينا السد العالي وكان لدينا خزان أسوان فقط، وخزان أسوان كان ينظم الري لمدة سنة زراعية فقط فلم يكن يحتمل تخزين مياه أكثر من ذلك، وكان هناك عدة خزانات في السودان، وبذلك كانت الخزانات السودانية تستطيع أن تتحكم في المياه المصرية زرعة بزرعة، فإذا لم يعطني حجم المياه المطلوبة في شهر يونية مثلا لزراعة الأرز لن أستطيع زراعته، فالوضع كان يشبه وجود صنبور يستطيع إغلاق المياه في أي وقت، ولذلك نجد أن مفتشين الري المصريين دائمي الوجود في السودان وقتها، فالسد العالي كفل لمصر الحماية فيما يتعلق بالمياه لعدد من السنوات القليلة، تستطيع إدارة أمورها ويطول به نفسها حتى تستطيع تدارك أمرها في هذا الشأن، كان هذا بالنسبة للسودان.

 بالنسبة للوضع الثاني، كانت هناك فلسطين وظهور الدولة الصهيونية بها، ولذلك أول اتفاقية تمت لثورة 23 يوليو كانت اتفاقية دفاع مشترك الخاصة بجامعة الدول العربية. كانت هناك اتفاقية تمت في سنة 1951، ولكن تمت اتفاقية أخري سنة 53 للدفاع المشترك بين سوريا ومصر والسعودية أيام الملك عبد العزيز، وبحس عسكري لابد أن يكون لديك دفاع مشترك ليس فقط من أجل الوحدة الوطنية والقومية العربية، ولكن لأنه لابد أن يكون هناك خط دفاع موجود بالنسبة لهذه البلاد وخاصة مصر والشام، ومن هذا الوقت وحتى اليوم لم يحدث قط أن اتفقت السياسة المصرية مع السياسة السورية والسعودية أبدًا، فدائما تأتي مصر مع سوريا فتفلت السعودية، وإذا جاءت مصر مع السعودية تفلت سوريا، وكل هذا يؤدي إلي استمرار التبعية والخضوع والهيمنة ومن أجل ذلك نتكلم عن فلسطين.

 وأنا أري أنه من العيب أن نقول مصر أولاً، فهذا الكلام غير منطقي فالأمن أهم من الطعام، وليجرب كل منا يخاف أم يجوع؟ فالخوف أشد وطأة على الإنسان من الجوع، الإنسان يفقد قدرته وإنسانيته عند الخوف وليس عند الجوع، فمع الجوع يستطيع المقاومة ويستطيع تدبير نفسه أما مع الخوف فلا، إذن هذه الأمور تتعلق بالأمن وليست متعلقة حتى بالرخاء.

 

النقطة الثانية المتعلقة بالحرب الأخيرة في غزة، أنها الحرب الثانية عشرة في سلسلة من الحروب المتواصلة من 1948- 2008 أي علي مدار ستين سنة، و أنا أقوم بحساب الحروب الأمريكية مع الحروب الإسرائيلية علي أساس أنهم كتلة واحدة، فليس هناك سياسة في العالم توحدت بين دولتين مثل هذا التوحد اللصيق الذي لا ينفصم أبدا كما توحدت السياسة الأمريكية والإسرائيلية، وسنجد أن السياسة الأمريكية علي مدي هذه السنوات الطويلة قد تغيرت، مع الاتحاد السوفيتي وبعد ذلك مع مجيء روسيا تغيرت أيضا، وتغيرت أيضا مع الصين من عدم الاعتراف بها ثم الاعتراف بها ثم قيام علاقات مع سلام بارد، وتغيرت أيضا مع الهند وباكستان كما تغيرت أيضا مع دول كثيرة في أمريكا الجنوبية، يتم إذن تعديل السياسة حسب الظروف والأحوال فيما عدا هذه العلاقة المتعلقة بالأمريكان والصهاينة فلم تتغير أبدًا، فهذه سياسة ثابتة مستقرة علي مدي هذه السنين لم يحد سياسي أمريكي عنها، لا جمهوري ولا ديموقراطي، لا أيزنهاور ولا كلينتون ولا أوباما ولا غيرهم. إذن من حقنا أن نعتبر أن حروبهم واحدة، خصوصًا أننا نجد أن المصلحة ليست مشتركة فقط ولكنها متحدة بين إسرائيل وبين السياسة الأمريكية الثابتة المستقرة، وعندما نضع هذا في اعتبارنا سنجد أنها 12 حرب بالفعل، وهي كالآتي:

  • حرب 1948.
  • حرب 1956.
  • حرب 1967.
  • حرب الاستنزاف التي تمت بين مصر وإسرائيل بين الحربين السابقة واللاحقة.
  • حرب 1973.

وهذه الحروب الخمسة كانت مصر مشاركة فيها بل كانت المقاتل الرئيسي فيها، وانتهت بحرب 73 فلم تعد مصر تحارب.

وجاءت بعد ذلك سبعة حروب هي:

  • حرب 1982اجتياح لبنان.
  • انتفاضة 1987 الفلسطينية في أرض فلسطين.
  • حرب الأمريكان في الكويت والعراق سنة 1991.
  • انتفاضة عام 2000 الفلسطينية في أرض فلسطين.
  • حرب العراق سنة 2003.
  • حرب لبنان 2006.
  • حرب غزة 2008.

إذن هناك 12 حرب علي مدي ستين سنة، أي بمتوسط حرب كل خمس سنوات. إذن هي حرب واحدة ووقائع متسلسلة، هي حرب واحدة ومستمرة ولذلك هناك عدو إستراتيجي أمامنا، إذا نظرنا لمعاركه سنجدها تتنقل: مصر ثم لبنان ثم تنتقل إلى العراق والكويت، وغرب سوريا مازال محتلا حتى الآن. إذن العدو هنا يوحدنا ونحن لا نتعظ ولا نتوحد، ولذا من حقنا أن نعتبر أن هذه الحرب هي مواجهة إستراتيجية على مدي طويل، ونحن أحيانا نجد بعض المسئولين يقول أن العلاقة بيننا وبين أمريكا هي علاقة تحالف إستراتيجي!! والحقيقة أنني أجد هذا الكلام غريبا جدًا فهل من الممكن أن تقيم تحالف إستراتيجي مع عدو إستراتيجي؟!!

 إذن هناك 12 حرب علي مدي ستين سنة، أي بمتوسط حرب كل خمس سنوات. إذن هي حرب واحدة ووقائع متسلسلة، هي حرب واحدة ومستمرة ولذلك هناك عدو إستراتيجي أمامنا، إذا نظرنا لمعاركه سنجدها تتنقل: مصر ثم لبنان ثم تنتقل إلى العراق والكويت، وغرب سوريا مازال محتلا حتى الآن. إذن العدو هنا يوحدنا ونحن لا نتعظ ولا نتوحد، ولذا من حقنا أن نعتبر أن هذه الحرب هي مواجهة إستراتيجية على مدي طويل، ونحن أحيانا نجد بعض المسئولين يقول أن العلاقة بيننا وبين أمريكا هي علاقة تحالف إستراتيجي!! والحقيقة أنني أجد هذا الكلام غريبا جدًا فهل من الممكن أن تقيم تحالف إستراتيجي مع عدو إستراتيجي؟!!

 النقطة الثالثة وهي الحروب النظامية والمقاومة الشعبية، هل إسرائيل تشكل احتلالاً للإرادة المصرية من خارج الحدود المصرية؟ حروبنا مع إسرائيل دائما حروب تحرير، وبمعني آخر أن العدوان علينا دائما من إسرائيل، ففي حرب 48 العدوان علي فلسطين، وفي 56 العدوان علينا في مصر، وفي 67 العدوان علينا أيضا، وفي 73 وقبلها حرب الاستنزاف حروب تحرير الأرض المصرية، وفي هذه الحرب يدخل الشأن المصري بشكل أكبر، إسرائيل لديها مدد سلاح وتنظيم وعلوم وتكنولوجيا من أمريكا والغرب لا ينقطع، وأيضا إمكانيات اقتصادية ضخمة. المقاومة ضد أي احتلال عسكري من دولة كبري بجيش نظامي محكوم عليه بالفشل، هذه نقطة محسومة حتى لو نظرنا إليها من أيام محاربة أحمد عرابي للاحتلال الإنجليزي وفشله.

 الحروب النظامية تكون بين دول متعادلة من ناحية القوة العسكرية، الوسيلة الأساسية لمقاومة الاحتلال العسكري من دولة كبري هي المقاومة الشعبية، والمقاومة الشعبية لا تعتمد على القوة الخاصة بالجيوش ونظمها والأسلحة التي لديها وقوتها النظامية والاقتصادية. يدافع المحتل عن مصلحة والمقاومة تدافع عن وجود وعن حرية، المصلحة أقصر نفسًا من الوجود وأقل ضرورة منه، وهذا يجعل المقاوم أطول نفسًا؛ لأنه لن يتوقف فهو يدافع عن وجوده، الذي يدافع عن مصلحته إذا جعلته يشعر أنه لا يحققها وإذا جعلته يشعر أنها تؤدي به إلى الخسارة وليس إلى النفع انتهت آماله، ولذا نجد أن الفيتناميين –رغم صغر حجم ومساحة فيتنام- غلبوا الولايات المتحدة، ونجد أن الصين بالرغم من إنها كانت فقيرة جدا غلبت الاحتلال الياباني، الجزائريون أيضا غلبوا الفرنسيين.

 ما قامت حرب تحرير شعبية إلا وانتهت بالنصر علي المعتدي، وقديما كانوا يقولون حين تسقط العاصمة تسقط البلد، ذلك في التاريخ الوسيط، واستمرت هذه القاعدة موجودة حتى اليوم ليس عن طريق العاصمة ولكن عن طريق الجيش النظامي، إذا غلب أحد الجيشين الآخر في معركة نظامية حاسمة تسقط الدولة. أول شرط في المقاومة الشعبية هو تفادي المعارك الحاسمة، حتى في الكتب الخاصة بحرب العصابات يقولون إذا تابعك العدو تجري وتهرب، وإذا تقدم تقهقر، وإذا توقف ناوشه، وإذا استقر فاضربه، وتفادي المعارك الحاسمة، وبهذا الشكل لن يستطيع هو أن يدخل معك في معركة حاسمة، وهذه الحروب تحتاج إلي تضحيات ولذلك نجد أن أعداد الخسائر البشرية في المقاومة الشعبية كثيرة جدا. إذن المقاومة الشعبية تعتمد علي تقديم تضحيات بشرية ضخمة وتتفادى المعارك الحاسمة وتجعل العدو دائما قلقًا وغير مستقر.

 وسنضرب مثلا علي ذلك بالحركة الشعبية في مصر سنة 1951 عندما قويت جدا فقرروا إلغاء المعاهدة مع الإنجليز والتي تمكنهم من الوجود العسكري المشروع في مصر، وجاء مصطفي النحاس وأعلن إلغاء المعاهدة، فأصبح الوجود الإنجليزي في مصر غير مشروع، وراحت الناس تتنادي لعمل مقاومة شعبية، وأخذت الأحزاب تعمل علي ذلك قدر طاقتها، وكنا طلبة في ذلك الوقت، وكان هناك معسكر داخل الجامعة –بعلم وموافقة عبد الوهاب مورو رئيس الجامعة وتحت نافذة مكتبه- لتعليم الطلاب استخدام السلاح وكيفية إلقاء القنابل اليدوية والرماية، وكان يقوم بذلك أفراد يرتدون اللون الكاكي، وكانت هناك معسكرات مثل هذه في كثير من الأماكن، وشعر الإنجليز أن ذلك سوف يتزايد وينمو أكثر مع الوقت ويكتسب خبرات وما إلي ذلك، فقاموا بعمل مذبحة البوليس في الإسماعيلية لكي يستدرجوا الدولة وتكون معركة حاسمة وينتهي الأمر، ولكن طالما المسألة بين الشعب والمحتل فلن يستطيع التصرف، أما عندما تكون مع الدولة، يستطيع الضرب وإنهاء الموضوع. كان ذلك يوم 25 يناير وبالفعل قتلوا الكثير من أفراد البوليس المصري في المقر الخاص بهم في الإسماعيلية، وقامت بعد ذلك ثورة 23 يوليو وألغت الأحزاب وأصبحت الدولة فقط، والإنجليز محتلين غير معترف بهم، فهل سيستمر الدفاع الشعبي والتدريب العسكري في الجامعات بالطبع لا، والجيش النظامي لن يستطيع، ولكن حكومة الثورة حكومة وطنية وتريد إخراج الإنجليز بالفعل فماذا تفعل؟ فخلع لابسي الكاكي زيهم وارتدوا الملابس العادية وقاموا بعمل مقاومة شعبية وظلوا مرتبطين بالجيش في نفس الوقت.

ونجد من قاموا بتشكيل أجهزة الأمن بعد ذلك ينتمون إلى نفس العناصر مثل كمال رفعت، وبذلك تكون المقاومة الشعبية تكونت من ناس مرتبطين بجهاز الدولة دون أن يكونوا من جهاز الدولة، وكسبت هذه المقاومة وحدثت اتفاقية 1954 وما حدث في التاريخ بعد ذلك، وبدأ التفكير في تطبيق هذه الخطة فيما يتعلق بفلسطين، وجري تنفيذ ذلك عن طريق غزة والتي كانت تحت الإدارة المصرية وبالفعل كان الأفراد يخلعون الكاكي ويرتدون الملابس المدنية ويقومون بتدريب الناس علي استخدام الأسلحة، تنبهت إسرائيل إلي ذلك فقامت بتوجيه ضربات مؤلمة للجيش المصري في سيناء لكى تستدرج الدولة وجيشها النظامي، ومع كون الحكم في مصر حكم عسكري فضرب الجيش لا يجوز ويعتبر إهانة، وبذلك نجحت إسرائيل في إجبار مصر علي الدخول في حروب نظامية في صراعها مع إسرائيل، فبوجود حكم عسكري يعتمد علي الدولة لا يمكن أن يتم ضرب الجيش ويتعامل مع الموقف عن طريق المقاومة الشعبية.

 ومنذ ذلك الوقت بدأت الحروب النظامية ضد إسرائيل. ومن الانصاف القول أنه كان محكوما عليها أن تكون كما حدثت بالضبط، فأنت بالفعل تحارب أمريكا؛ أقوى قوة عسكرية منظمة في العالم بكل ما فيها من أسلحة وتكنولوجيا وكل ما فيها من علوم ومخترعات حديثة. إذن الحروب النظامية هنا لن تصلح، ولذلك الشيء الإيجابي الوحيد الذي تم من أيام الرئيس السادات قوله أن حرب 73 هي آخر الحروب بالرغم من إنه كان يقصد أن بعد ذلك سيكون هناك سلام، بالطبع السلام لم يتحقق ولن يتحقق طالما أن هناك إسرائيل توسعية بهذا الشكل الذي نراه، ولكن وجه الصواب في هذه المقولة هو أن حرب أكتوبر 73 ستكون آخر الحروب النظامية؛ لأن بعدها سيتجه الأمر إلي الكفاح الشعبي والمقاومة الشعبية، وتمثل ذلك في الدول التي ليس بها سلطة مركزية قوية، لأن السلطة المركزية القوية لا تقبل أن تكون لديها مقاومة شعبية قوية خارجة عن سيطرتها، ولذلك نشأت المقاومة الشعبية في لبنان حيث الدولة ضعيفة وفي فلسطين حيث لا دولة، وفي الصومال أيضًا. فكلما كانت الدولة ضعيفة كلما كانت المقاومة قادرة على الوجود المستقل وقادرة على التنفس، وهذه معضلة لن نستطيع حلها قريبًا.

 

النقطة الرابعة تتعلق بالمقاومة في فلسطين، وفلسطين كانت مجتمعًا بشريًا مثل كل المجتمعات التي خلقها الله في العالم، بمعني مجتمع مستقر وضعه، فيه طوائف وطبقات ودولة وفئات مختلفة وأيضا قبائل وأسر وقري وحواضر، وبدخول الصهاينة ومع التشتيت والتهجير والضرب والتقتيل تمزقت البنية الاجتماعية داخل فلسطين، فلم تعد الأسر متجانسة ومترابطة، ولم تعد هناك علاقة بين الطبقات فأصبح المجتمع مهلهلاً، وبذلك أصبح المجتمع ركام يعيش أهله في الملاجئ والمخيمات وتوزعوا علي البلاد العربية، وبعضهم ذهب إلى أمريكا وباقي دول العالم. وبظهور فتح احتاج المجتمع إلي عشرات السنين لكي يتجمع مرة أخري ويظهر ويكون له تكوين سياسي، وكان ذلك أساسا في المهجر، إذ بدأت التركيبات الضخمة للفلسطينيين في المهجر في التجمع مع بعضهم البعض وكان يجب أن يمر وقتٌ طويل حتى يتجمّع المجتمع من جديد ويستقر.

وفي ذلك الوقت كانت منظّمة التحرير الفلسطينيّة تمثّل للفلسطينيّين رمز الوطن، ورمز الانتماء للوطن، أي أنّها كانت بمثابة وطن تصوّري، أنت لست في بيتك أنت في بلد عربي، وبحكم تنقّلها بين عدّة أقطار عربيّة أخذت المنظمة طابع الدولة التي تتخذها مقرًا لها، لم تكن المنظمة مستقلة في سياساتها ولكن من حسن الحظ كان لدينا حكومات وطنية مثل مصر وسوريا، ولم يكن متاح للمنظمة  إلا أن تخضع لتوازنات البلاد العربية وتعمل في إطار هذه التوازنات، حتى إنه يمكن قراءة ملامح السياسة للأقطار العربية ذات التوجّه الاستقلالي من خلال المنظمة، ولم يكن للمنظمة إلا ذلك فلم يكن لها استقلال، ولما انهارت هذه الحكومات الوطنية بدأ الاستقلال يقع وبدأت سياسات أخرى تظهر، فوقعت أحداث أيلول الأسود في الأردن.

 وقد تنبّه لهذا الأمر ياسر عرفات فكان يخشى على المنظمة من أن تُستوعب في الدولة التي تقيم فيها، ومن هنا كان دائمًا يرفع شعار: منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وعندما اختفى التوجه الاستقلالي للبلاد العربية بدأت الحركة الفلسطينيّة تنتقل من الخارج إلى الداخل؛ أي إلى داخل أرض فلسطين المحتلة، وبدأت منظمة التحرير الفلسطينيّة تتحول من "وطن" إلى "تنظيم"؛ لأن الوطن قد صار متحققًا في الأرض المحتلة ذاتها.

 

 وبدأت تظهر قوة الداخل الفلسطيني، وفوجئنا في عام 1987 بظهور أطفال الحجارة، حين قام أطفال لا تزيد أعمارهم على 15 و16 سنة بحمل الحجارة ورميها على الإسرائيليين.

 وهنا بدأ الداخل الفلسطيني يتحرك، وبدأ مركز الحركة الفلسطينية ينتقل من الخارج إلي الداخل ويعمل وهذا ما أدركه ياسر عرفات، ففي البداية كان يخشي من الأردن وكان يقول أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في مواجهة ألا يتم استيعابها من الأردن، وعندما بدأت حركة الداخل أصبح هذا الشعار في مواجهة الداخل، حتى لا يكون الداخل هو الممثل لأن الداخل أصبح أكثر كفاءة وأكثر قدرة علي الاستقلالية من ضغوط الخارج عليه، كما أصبح أكثر قوة علي إنقاذ نفسه من التوازنات الخاصة بالحكومات العربية وبالمنطقة العربية وإخراج نفسه منها، وأيضا يستطيع فرض سياسة خاصة به في حدود إمكانياته، كل ذلك لا يقدر عليه عرفات وهو بالخارج، فأصبحت مشكلته مع الداخل، بعدما كان الخطر أن تقضي عليه دول أخري، أصبح الخطر أن بقضي علية الداخل، وبذلك تتحول المنظمة من ممثل وطن إلي تنظيم، ولذلك بدأ يأخذ سياساته في مواجهة الداخل الفلسطيني. كارل ماركس له كلمة في سياق النظرية الماركسية فهو يقول: أن الطبقة البرجوازية تظل وطنية حتى تجد الطبقة العاملة قد أخذت تنمو وتكبر واستشعرت خطرها فلا تبقي الطبقة البرجوازية وطنية.

 وإذا استبدلنا طرفي نظرية كارل ماركس بالداخل والخارج سنجد الصورة كالآتي: أن أهل الخارج كانوا وطنيين حتى بدأ أهل الداخل منازعتهم الأمر فبدؤوا في تأكيد علاقتهم بالخارج ضد الداخل وهنا المشكلة. ونحن نري أن كل قوي المقاومة، سواء كانت حماس أو الجهاد أو الجبهة الشعبية، تعتمد أساسا علي المواطنين داخل فلسطين في الضفة وغزة، وعمومًا هذه المشكلة سنجدها عندما نتحدث في أي موضوع يتعلق بتنظيمات سياسية وانشقاقات عن هذه التنظيمات، فحيثما توجد تنظيمات سياسية بها من يحمل السلاح وبها أيضا السلميين سوف يدب نوع من أنواع الصراع بين الاتجاهين، وحيثما يوجد أهل داخل وأهل خارج سوف يدب الصراع بين هؤلاء وأولئك، وذلك لأن الرؤية مختلفة والأوضاع مختلفة والإمكانيات مختلفة والأدوات التي يستخدمونها أيضًا مختلفة، وبالطبع كل ذلك يؤدي إلي اختلافات في السياسات المقترحة.

__________________________

المصدر: طارق البشري، العدوان على غزة ... الحرب الثانية عشر، افتتاحية حولية أمتي في العالم، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، العدد 9، 2009، ص: 7- 13نص تفريغ محاضرة المستشار طارق البشرى " العدوان على غزة" التي عقدت في مركز الحضارة للدراسات السياسية بالقاهرة في 4 فبراير 2009، https://2u.pw/dWegmrV

Post Gallery

الاجتهاد والإرشاد والاتحاد في فكر الشيخ محمد رشيد رضا وحركته الإصلاحية (1-2)*

الجمعية الدولية لعلماء الإبادة: سياسات إسرائيل في غزة ترقى إلى الإبادة الجماعية

أثر الفقه الإسلامي في القانون المدني الفرنسي*

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة: جهود لجنة تقنين الشريعة الإسلامية بمجلس الشعب المصري

المجاعة في غزة… إعلان أممي قد يجرّ قادة الاحتلال إلى المحاكمة

المرأة والتطور السياسي في الوطن العربي بين الواقع الحاضر وآفاق المستقبل*

حالة الاستثناء: الإنسان الحرام

خمسون مفكرًا أساسيًا معاصرًا: من البنيوية إلى ما بعد الحداثة*

الفقه الإسلامي: المصدر الرئيسي للتشريع*