صدر هذا الكتاب المهم ضمن سلسلة "كتب الهلال" الشهرية الصادرة عن دار الهلال، رفق العدد 426 الصادر في يونيو 1986، وهو الكتاب الذي يتعرض فيه مؤلفه بالنقاش لقضية تطبيق الشريعة الإسلامية، وذلك من خلال التأكيد على إعلاء قيمة العقل ونبذ العنف والمصالح الأنانية الضيقة كطريق للخروج من المأزق الاجتماعي المعاصر، اعتقادًا منه أنه حول هذه القضية بالذات تجتمع أغلب خلافات العصر، وهو بتعبيره "أقرب إلى تأملات شخص وإن لم يضلع في الخبرة والتخصص إلا أنه لا يبدى رأيًا دون حجة".
أما المؤلف فهو د. محمد نور فرحات، وهو فقيه قانوني ومحامي بالنقض ومفكر وسياسي مصري معروف، عمل أستاذًا للقانون في كلية الحقوق في جامعة الزقازيق، وله العديد من الكتب والمقالات في مجالات فلسفة وتاريخ القانون وعلم الاجتماع القانوني وقضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان. كان عضوًا في المجلس الأعلى للثقافة، ورئيسًا للمكتب الدائم لحماية حق المؤلف، ونائبًا لرئيس المجلس القومي للمرأة. كما كان أحد أبرز المدافعين عن الدولة المدنية في مصر ومن مؤسسي المؤسسة المصرية لحماية الدستور. استعانت به الأمم المتحدة لتعديل دستور دولة منغوليا ودول آسيا الوسطى كي يتوافق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وذلك بصفته كبير مستشاري الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. كما استعانت به الأمم المتحدة لوضع دستور دولة المالديف، ولتقييم احتياجات السودان في مجال المساعدة الفنية في حقوق الإنسان. واستعانت به المنظمة الدولية في تقارير التنمية البشرية عن الحريات والمرأة في الوطن العربي.
ومما جاء في مقدمته للكتاب:
"لعل أبرز سمات العقل المصري العام في العقدين الأخيرين هي ارتفاع حدة الجدل والنقاش -ولا أقول الحوار- حول عديد من القضايا التي باتت تشغل المصريين وتمثل همهم اليومي وشاغلهم العقلي: الهوية المصرية: أعربية هي أم اسلامية أم فرعونية أم الخليط من كل ذلك؟ الشخصية القومية: ما هي عناصرها الثابتة وعناصرها المتغيرة؟ والأصالة ثم المعاصرة وكيف نأخذ من كل بقدر وما هو المعيار الذي نأخذ به؟ وسبل النمو الاقتصادي وكيف السبيل إلى تلافى آثار الكوارث التي جرتها علينا «سياسة الانفتاح الاقتصادي» في حقبة السبعينات؟ والديموقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان وماهي أنسب الطرق من أجل تأمينها والحفاظ عليها وتطويرها؟ والتراث وماذا نأخذ منه وماذا ندع؟ وما هو المعيار الذي يحكمنا في ذلك؟ كل هذه أسئلة وغيرها الكثير والكثير التي ما فتئ المصريون يتجادلون حولها -ولا أقول يتحاورون- طيلة عقدين من الزمان. على أن أكثر ما يكون النقاش التهابًا وحده وأكثر ما يكون علوا في الصوت وحدة في النبرات وانفعالًا في العبارات عندما يتعلق الأمر بقضية تطبيق الشريعة الإسلامية.
ورأيي أن الموقف من هذه القضية ينطوي بالضرورة -صراحة أو ضمنا- على موقف محدد متبلور من كل القضايا السابقة. وكأن الفرقاء قد اجتمعوا على إفراغ خلافاتهم المتباينة في موقف محدد وواضح من قضية تطبيق الشريعة، وهكذا أصبح الموقف من تطبيق الشريعة -شئنا أم لم نشأ- موقفًا من مجمل القضايا التي يتحدد بها مسار تطورنا الاجتماعي الراهن. والنتيجة التي تترتب على ذلك، أنه لا مفر لأي مثقف ملتزم بقضايا مجتمعه ووطنه من مناقشة هذه القضية، ولا أقول بصراحة، لأن التأكيد على هذه الصراحة ينطوي على الاعتذار عن أمر من الواجب خُلقا أن يكون، والنتيجة المترتبة على ذلك أيضًا، هي إدانة كافة محاولات التهرب من الأسئلة التي تثيرها هذه القضية باستخدام صياغات انتهازية المظهر لا تقدم ولا تؤخر في المضمون والجوهر.
لابد إذن، إذا أردنا التعرض لقضايانا العقلية والاجتماعية الراهنة، ونحن ملزمون جميعًا بالتعرض لها، من مناقشة قضية تطبيق الشريعة، والمناقشة عندي التي لا أحيد عنها ولا أجيد غيرها هي مناقشة العقل، ذلك البعد الذي كثيرًا ما يغيب أو يتوارى خلف ضبابيات الانفعال بمناسبة هذه القضية بالذات، إذ اليقين لدى كل اليقين أن الطريق الوحيد للخروج من مأزقنا الاجتماعي الراهن هو طريق إعلاء قيمة العقل ونبذ التعصب والمصالح الأنانية الضيقة.
والعقل قد يغضب الآخرين والعقل قد يجلب على صاحبه اللعنات، والعقل قد يبهر، وفي هذه الحالة الأخيرة، عندما تنبهر الأمة بعقلها تفتح أمامها طاقات واسعة لطريق نوراني نحو القيام بدور في حضارة الإنسان، دور تذوب معه كل آلام الغضب وجراح اللعنات. وليس أكثر بؤسًا لنا من أن نقع فيما حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم «لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرًا فشبر وذراعًا بذراع وباعًا فباع حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه».
نحن إذن مقبلون على مناقشة قضية تطبيق الشريعة بمنهج العقل اعتقادًا منا أنه حول هذه القضية بالذات تجتمع أغلب خلافات عصرنا وليس ما تضمنه حديثي المسهب حول هذا الموضوع من قبيل الدراسات، بل هو أقرب الى تأملات شخص وإن لم يضلع في الخبرة والتخصص إلا أنه لا يبدى رأيا دون حجة قابلة للنظر والاعتبار، فمعذرة من نفسي عن الخطأ، وشكرًا لله على الصواب.
وتبقى بعد مناقشة قضية تطبيق الشريعة، وهي مناقشة تثير من الأسئلة أكثر مما تقدم من إجابات، أن تكون هناك كلمات محددة في عدد من قضايانا الاجتماعية التي تشغل بالنا اليوم بإلحاح مثل: هل تقبل في شعارنا عن سيادة القانون سيادة القانون الظالم أم أن هناك سيادة للعدل تعلو على سيادة القانون؟ وقانوننا لماذا فقد هيبته حتى طغى عصيانه والتحايل عليه على احترامه؟ وماهي أوجه الخصوصية في البناء الاجتماعي المصري التي تؤثر على موقف المصريين من السلطة والقانون؟ كل هذه أسئلة وغيرها أحاول أن أجتهد في وضع فروض للإجابة عليها بعد أن أفرغ من إثارة الأسئلة حول قضية تطبيق الشريعة، عسى أن تصبح هذه الأسئلة المشروعة وهذه الفروض المبررة أول الطريق نحو الاهتداء بالعقل والعقل وحده.
ولا أنوي أن أدخل بالقارئ في هذه المقدمة في موضوع تأملاتي وتفاصيلها، وإن كنت أجد لزاما على أن أقرر أن محورين بارزين تدور حولهما معظم هذه الآراء أو إن شئت كلها: محور الوعي بالتاريخ، لقناعتي أننا نشكل حضارة تاريخية لا نستطيع فهم واقعنا إلا برده إلى أعماق جذوره في تاريخنا الممتد، ومحور العلاقة بين المصريين وسلطة الحكم التي أرى أنها علاقة تاريخية تؤثر تأثيرًا فعالًا على كافة العلاقات الاجتماعية الأخرى.
وهنا أتوقف عن الحديث، تاركا القارئ وشأنه مع ما سطرت يداي مما تداعت به أفكاري، ونجاحي كصاحب وجهة نظر يرغب في نقلها للأخرين، يكون بقدر ما تتحدد أمام القارئ عند الانتهاء من القراءة مفارق الطرق، إذ ظني أن مصر الآن عند مفترق الطرق".
وقد جاء تقسيم موضوعات الكتاب كالتالي:
- تطبيق الشريعة بين هتافات الدعاة وحقائق العقل.
- الولاة والقضاة قراءات في حوليات تاريخ مصر الإسلامية.
- الحس التاريخي ويقظة عقل الأمة.
- الشهود والحدود.
- الثوابت والمتغيرات في أحكام الشريعة.
- المقاصد والمصالح والنصوص.
- والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما.
- التعزير والتراث والمعاصرة.
- عن الشريعة والقانون وتطور أحوالنا الاجتماعية.
- المأساة والملهاة والطريق إلى النجاة.
- المصريون والقانون.
- الدور السياسي للجماعات الهامشية في مصر.
رابط تحميل ملف الكتاب