صدر هذا الكتاب عام 1989م عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة.

  ويدور حول إبراز الجانب الفلسفي والعقلي لعلم أصول الفقه من ناحية وإبراز اتصال علم الأصول بعلم مقاصد الشريعة من ناحية أخرى من خلال حديث المؤلف عن الشاطبي وجهده الذي يراه غير مسبوق في علم المقاصد ونظرته التي توسع فيها عمن قبله من الفقهاء والتي يرى المؤلف أنه بسبب هذه النظرة غير المألوفة للأصول في تناوله وتبويبه؛ لم يعر أحد جهد الشاطبي الاهتمام المستحق لعمله.

ويحتوي الكتاب على مقدمة تمهيدية وسبعة فصول:

يعرض في الفصل الأول حياة الشاطبي من خلال عرضه للبيئة الجغرافية والثقافية والسياسية التي نشأ فيها؛ فالأندلس –بلد نشأته- بلد يميل لليسر والسماحة واللين بطبيعته الجغرافية والثقافية، مما أثر في تكوين الشاطبيِّ وتوجهاته التي تميل لليسر والنفور من التشدد. وسياسيًا كان العالم الإسلامي في عصر الشاطبي (في القرن الثامن الهجري) بصفة عامة يموج بالانقسامات السياسية والمذهبية. ويرى المؤلف أن أهم أثر خلَّفَته الأحداث السياسية في فكر الشاطبي هو أنها وجهته نحو جمع المذاهب الفقهية كلها في وحدة واحدة؛ لأن المسلمين وإن كان اختلافهم السياسي سببًا في ضعفهم فإن الاختلاف المذهبي أيضًا سببٌ في فرقتهم.

  ويرصد في الفصل الثاني تأثير علم المقاصد في علم أصول الفقه؛ فهو يرى أن علم الأصول بعد أن اتخذ الشكل العلمي له على يد الشافعي، لم يضع الشافعي معيارًا للرأي والاجتهاد، ومن هنا زادت الاختلافات بين أنصار المذاهب الفقهية، وأصبح علم أصول الفقه وكأنه علم جدلي؛ فكان على الشاطبي أن يضع معيارًا للاجتهاد بالرأي، وكان هذا المعيار هو "مقاصد الشارع"، وينقل عن الشاطبي في هذا قوله: "حال الاجتهاد المعتبر هي ما ترددت بين طرفين وضح في كل منهما قصد الشارع في الإثبات في أحدهما والنفي في الآخر، ولذلك فعلى المجتهد أن يكون عالمًا تمامًا بمقاصد الشريعة على كمالها بالإضافة إلى تمكنه من الاستنباط بناءً على فهمه فيها، فإذا بلغ عن الإنسان مبلغًا فهم فيه قصده في كل مسألة من مسائل الشريعة وفي كل باب من أبوابها، ففي هذه الحالة فقط يحق له أن يحصل على درجة الاجتهاد بالرأي." ويرى المؤلف أن الاختلاف بين هذه المذاهب وتعددها هو اختلاف شكلي؛ فهو إما أن يرجع إل عدم فهم اللغة وطبيعتها أو إلى الميل مع الهوى والرغبة في التحزب، كما يرى أن السبب الحقيقي وراء كل ذلك هو عدم فهم مقاصد الشارع من وضع الشريعة. ولكى نفهم مقصد الشارع؛ علينا مراعاة القواعد التي أقرتها المقاصد لتوحيد المختلفين.

وفي الفصل الثالث يتناول المؤلف علاقة علم أصول الفقه بالعلوم الفلسفية والصوفية من خلال عرضه لموقف الشاطبي من الفلسفة؛ فيرى أن أهل الأندلس كانوا ذوو "عقلية عملية" تحاول الابتعاد عن الأفكار النظرية التي لا تؤدي إلى عمل، وكذلك كان الشاطبي؛ فقد رأى أن الفلاسفة والمتكلمين قد خاضوا في مشكلات خارجة وبعيدة عن الواقع العملي للإنسان، ويرى المؤلف أن التفلسف عند الشاطبي يعتمد بصفة أساسية على رفض الأفكار الميتافيزقية كما يرفض بناء المذاهب بناءً شامخًا بعيدًا عن واقع الإنسان، ولذلك تختلف الفلسفة عند الشاطبي عما عهدناه عند الفلاسفة، فقد رأى أن دور الفلسفة: العمل على ربط الإنسان بواقعه. ويرى المؤلف أن علم الأصول رفع من قدر العقل حتى جعله مناظرًا للشرع في كل أمر، وأن المقاصد وضعت معيارًا للتصوف.

  وفي الفصل الرابع يدرس المؤلف منهج الاستقراء المعنوي عند الشاطبي مبينًا طبيعته، ويرى أن هذا المنهج هو المنهج الوحيد الذي يصلح للدراسات الإنسانية، بعد أن فشل المنهج العلمي في تحويل الدراسات الإنسانية إلى دراسات علمية بحتة.

وفي الفصل الخامس يدرس المؤلف الأساس الذي تقوم عليه فكرة القيم في المقاصد؛ فيرى أن المصلحة هي الغاية من وضع الشريعة، وهي تتحقق إذا حافظنا على الضروريات. ويبين أن هناك قيمًا خمسةً ضروريةً ضرورةً مطلقةً، وأن الحفاظ عليها يتم في مراتب ثلاث؛ الأولى هي مرتبة الضروريات، والثانية هي مرتبة الحاجيات، والثالثة هي مرتبة التحسينات وبين العلاقة بين هذه المراتب بعضها والبعض الآخر؛ فالأولى هي الأصل والأساس والثانية مكملة للأولى، والثالثة مجملة ومزينة للأولى والثانية. ثم بين كيف أنها في مجموعها تشكل وحدة بحيث لا يمكن أن نقول بأن هذه أولى من تلك، كما بين أن هذه القيم الخمس هي قيم وسيلية تنتهى بقيمة غائية وهي المصلحة، وهي تختلف عن المصلحة في الاستعمال الدارج لها، وتختلف عن المصلحة التي استعملها "برتراند راسل"، وتتميز بخصائص عدة عن مذهب المنفعة العامة، ومذاهب اللذة في أنها عامة، ولكن ليس معنى العمومية أنها لا تقبل الاستثناء كما هو الحال في عمومية «كانت» وإنما عموميتها هي في أن الاستثناء طالما لا يشكل قاعدة تقف في مقام القاعدة الأصلية فهذا الاستثناء لا قيمة له، كما أنها مصلحة كلية بحيث لا تخص فردًا أو تميزه عن غيره، وكذلك هي مصلحة مطلقة ولذلك أطلق علماء أصول الفقه عليها اسم المصلحة المرسلة.

وفى الفصل السادس درس المؤلف العلاقة بين المصلحة من حيث هي قيمة خلقية وبين النية من حيث ارتباطها بالفعل، وأوضح أن هناك معيارًا يمكن من خلاله أن نميز النية الصالحة من النية السيئة أو الحيلة؛ فلا بد من "معيار تجريبي" يمكن من خلاله الحكم على نوعية النية، ولذلك يرى المؤلف أن الشاطبي ربط بين النية وبين القيم الخمس الضرورية، ورأى أن النية الطيبة تتحقق إذا كان قصد الإنسان من عمله موافقًا لهذه المقاصد، فإذا اتحد القصدان تحققت النية الطيبة وإذا لم يتحدا كانت خلاف ذلك أَيْ نية سيئة. وبيَّن أن هناك نوعًا من التحيل قد يكون مقبولًا وذلك إذا كان يعمل على الحفاظ على القيم الضرورية وهو يختلف عن سوء النية التي أقرها ميكافيلي مبدءًا خلقيًا في سياسته للأمير.

 وفى الفصل السابع تكلم عن الامتثال وعلاقته بالفعل، وبيَّن أن الامتثال لا بد وأن يكون ضرورة بحيث لا يمكن أن يحيا الإنسان حياة صالحة دون أن يكون مقيدًا بقواعد يسير وفقًا لها ويعمل من أجلها، وأن هذا الامتثال محكوم بقدرة الإنسان عل القيام بالفعل، وأن هناك حدودًا للقدرة، وما يخرج عن تلك الحدود أطلق عليه علماء الأصول التكليف بما لا يطاق،  وبين أن هذا النوع من الأفعال ليس له وجود في الشريعة، ولا يجوز لأن الشريعة قد اكتملت ولا يجوز أن يضاف إليها نصوص جديدة.

   وفي الخاتمة يوضح أن من الحقائق المهمة التي يبينها البحث؛ أن الوحي من الناحية التاريخية هو المصدر الذي صدر عنه الأخلاق؛ فقد أوضح أن مقاصد الوحي هي المصلحة العامة؛ وهي أساس التشريع والحالة القصوى الأخلاقية، ويرى أن هذه الحالة -في نظره- لم يكن باستطاعتنا استخلاصها من الوحي مباشرة؛ لذلك يرى من وجهة نظره أنه كان لا بد من تحويل الفكر الديني إلى فكر نظري وأن ذلك لم يكن مستطاعًا إلا من خلال علم أصول الفقه حتى نصل إلى المبدأ العام الذي تقوم عليه فكرة المصلحة. ويبين كيف أن هذه القضايا التي وردت في البحث تكوِّن نظرية في الأخلاق تتميز عن كل النظريات الفلسفية وتهدف إلى إيجاد قيم أساسية مشتركة للحياة.

 

رابط مباشر لتحميل الكتاب

د. معروف الدواليبي

شباط/فبراير 21, 2024

(1) اسمه ومولده ونشأته العلمية:

اسمه محمد معروف الدواليبي ولد في مدينة حلب في 29/3/1909م ونشأ فيها، حيث أكمل تعليمه الابتدائي والثانوي، فحصل على شهادة في الشريعة والعلوم الإسلامية من (المدرسة الخسروية) في حلب. ثم حصل على (الليسانس) في الحقوق والليسانس) في الآداب من جامعة دمشق، ثم سافر إلى فرنسا فحصل فيها على دبلوم في الدراسات العليا في الحقوق الرومانية، وعلى الدكتوراه في الحقوق، وعلى دبلوم في الحقوق الكنسية من جامعة باريس.

 

(2) عمله العلمي:

عمل أستاذًا في كلية الحقوق بدمشق، ورئيسًا لقسم تاريخ القانون والحقوق الرومانية في الكلية نفسها، وأستاذًا في كلية الشريعة بجامعة دمشق.

 

(3) مؤلفاته:

  1. المدخل إلى علم أصول الفقه.
  2. المدخل إلى السنة وعلومها.
  3. الاجتهاد في الحقوق الإسلامية (باللغة الفرنسية).
  4. الإسلام أمام الاشتراكية والرأسمالية (بالعربية والإنكليزية).
  5. نظرات إسلامية في الاشتراكية الثورية.
  6. المدخل إلى التاريخ العام للقانون.
  7. الوجيز في الحقوق الرومانية.
  8. دراسات تاريخية عن مهد العرب وحضارتهم الإنسانية.
  9. قلعة طروادة التاريخية.

۱۰. نظريات النقد الأدبي عند العرب.

١١. القومية العربية في حقيقتها.

۱۲. نظرات إسلامية في عدة أبحاث حول الخطوط الكبرى للشريعة، حول العبادة، وأنها ضرورة حيوية علمية.

۱۳. موقف الإسلام من العلم، وحقوق المرأة في الإسلام.

١٤. من هم الأريسيون؟

١٥. الدولة والسلطة.

 

(4) عمله السياسي:

نائب حلب في مجلس النواب السوري منذ ١٩٤٧م حتى ١٩٦٣م، وزير الاقتصاد الوطني في سنة ١٩٥٠م، رئيس مجلس النواب في سنة ١٩٥١م، رئيس الوزراء ووزير الدفاع في أواخر عام ١٩٥١م، وزير الدفاع الوطني في عام ١٩٥٤، رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية في أواخر عام ١٩٦١م، وأوائل ١٩٦٢م، ضيف المملكة العربية السعودية ومستشار في الديوان الملكي منذ عام ١٩٦٥م.

 

(5) المؤتمرات التي ساهم فيها:

رئيس مؤتمر العالم الإسلامي منذ سنة ١٩٧٥م، وهو مؤتمر مسجل لدى الأمم المتحدة بصفته هيئة مراقبة دولية واجتماعية. رئيس وفد سوريا الحكومي إلى حلقة الدراسات العربية والاجتماعية الدولية عام ١٩٥٠م. ممثل جامعة دمشق في مؤتمر أسبوع الفقه الإسلامي الدولي عام ١٩٥١م في باريس، بدعوة من مؤسسة الحقوق الدولية المقارنة في (لاهاي) عضو المؤتمر العام الأول لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة عام ١٩٦٥م. رئيس وفد الشعوب العربية في المؤتمر الأول للشعوب الإفريقية والآسيوية في نيودلهي عام ١٩٥٥م، عضو في الوفد السوري الحكومي إلى المؤتمر الأول الدولي لدول عدم الانحياز في (باندونغ)، (أندونيسيا) عام ١٩٥٥م، عضو في الندوات العلمية الدولية حول الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان في الإسلام المعقودة أولاً في الرياض، ثم في باريس، ثم في الفاتيكان، ثم في مجلس الكنائس العالمي في جنيف، ثم في مجلس وزراء الوحدة الأوروبية في ستراتسبورغ منذ عام ۱۹۷۳م حتى أواخر عام ١٩٧٤م.

عضو في مؤتمر رسالة المسجد الدولي في مكة المكرمة عام ١٣٩٥هـ الموافق ۱۹۷۵م، عضو في المجلس الأعلى العالمي الدولي للمساجد في مكة المكرمة منذ عام ١٣٩٥هـ الموافق ١٩٧٥م. عضو مراقب في مؤتمر وزراء الخارجية الإسلامي، رئيس منظمة الإسلام والغرب الدولية، ومركزها (جنيف) سويسرا منذ عام ١٩٧٩م حتى نهاية شهر آب عام ۱۹۸٤ رئيس المجلس التنفيذي للمؤتمر الإسلامي العالمي الشعبي في بغداد منذ ١٩٨٦م.

 

(6) تحقيقاته العلمية - بحوث كثيرة منها:

  1. قلعة طروادة التاريخية مدينة فينيقية، وصلتها بالهجرات العربية القديمة إلى أوروبة، وخاصة إلى اليونان وإيطاليا وفرنسة.
  2. دراسات تاريخية عن مهد العرب وحضاراتهم الإنسانية قبل اليونان والرومان.
  3. العرب والسيد المسيح - في عهد دولة الأباجرة وملكهم أبجر الخامس المعاصر للمسيح عليه السلام، وذكر فيه أنهم أول من حملوا رسالة المسيح الحقيقية خلال ثلاثة قرون، حتى قضت عليهم دولة بيزانس الرومية قبل إنشائها (الكاثوليكية) في عهد قسطنطين، في مطالع القرن الرابع للميلاد.
  4. من هم الأريسيون في الحديث الشريف خطاب لهرقل، جاء فيه: «أسلم تسلم وإلا فعليك إثم الأريسيين».
  5. من هم الفلسطينيون في التاريخ العربي، وما معنى هذه الكلمة في اللغة العربية الكنعانية القديمة؟
  6. مذكرة حكومة المملكة العربية السعودية حول الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان في الإسلام الموجهة إلى دوائر الأمم المتحدة، رداً على من ينكر حقوق الإنسان في الإسلام.
  7. خمس ندوات علمية حول الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان في الإسلام شرحًا لمذكرة حكومة المملكة أعلاه، في كل من الرياض، وباريس، والفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي في جنيف، ومجلس الوزراء الأوروبي في ستراتسبورغ وجرى النقاش في هذه الندوات ما بين فريق من كبار علماء المملكة، وآخرين من كبار رجال الفكر والقانون في أوروبة.
  8. موقف الإسلام من العلم وأثر الرسالة الإسلامية في الحضارة الإنسانية بحث ألقي في المؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسنة النبوية، سنة ١٤٠٠هـ الموافق ۱۹۷۹م في دولة قطر.
  9. الإسلام والمشكلات الإنسانية بحث ألقي في مؤتمر عالمي، سنة ١٩٨٠م في قبرص التركية، وفيه حوار مع الدولتين الكبريين السوفييت والولايات المتحدة الأمريكية، سنة ١٩٨٠م حول القضايا الإسلامية.

١٠. الدولة والسلطة في الإسلام بحث ألقي في الندوة الدولية في اليونيسكو في باريس عام ۱۹۸۲، ردًا على من أنكر مفهوم الدولة في الإسلام.

  1. (التصور العام للشريعة في الإسلام مقارنة بالشرائع القديمة والحديثة). بحث ألقي في مؤتمر الفقه الإسلامي في معهد القانون المقارن بطوكيو في أكبر جامعة في اليابان: جامعة تشو - أو سنة ١٣٩٧هـ الموافق ۱۹۷۷م.

______________

المصدر:

مذكرات الدكتور معروف الدواليبي، إعداد: عبد القدوس أبو صالح، تحرير: محمد على الهاشمي، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولي، 2005، ص7-10.