تحدث المستشار طارق البشري في الجزء الأول من هذه المحاضرة عن السياق التاريخي الذي ظهر فيه العلامة الدكتور عبد الرزاق السنهوري، حيث كان هناك احتلال أوروبي، تشريعي وسياسي واقتصادي وعسكري، للدول العربية والإسلامية، وذلك تمهيدًا لبيان المُحاضِر جهود السنهوري في تقنين الفقه الإسلامي، في الجزء الثاني من هذه المحاضرة.
يُعد الدكتور عبد الرزاق السنهوري أحد زعماء ثلاثة؛ الزعيم الأول: سعد زغلول “زعيم الاستقلال السياسي”، الزعيم الثاني: محمد طلعت حرب “زعيم الاستقلال الاقتصادي”، والزعيم الثالث هو العلامة عبد الرزاق السنهوري “زعيم الاستقلال التشريعي”.
على مفتتح القرن التاسع عشر أو في مختتم القرن الثامن عشر كانت بلادنا محكومة بالشريعة الإسلامية، وكانت تختلف حاكميتها للشريعة في بلادنا كلها على أساس اختلاف مذهبي فقط، فكنا نجد المذهب المالكي في الجزيرة العربية -قبل المذهب الوهابي- وفي صعيد مصر، والسودان، والمغرب العربي والأندلس. وكان المذهب الشافعي موجودًا في شمال مصر، واليمن، والشام، وأندونيسيا. والمذهب الحنفي كان متبعًا في أواسط آسيا. وأما المذهب الحنبلي فظهر وقوي في الجزيرة العربية مع الحركة الوهابية بعد ذلك.
التعدد أو التنوع نوعان: 1- تعدد أو تنوع مؤتلف؛ حيث يكون التنوع في التفاصل والأحكام التفصيلية، ولكنه يرتبط بمرجعية واحدة وبأصول ثابتة واحدة، وهو تنوع مقبول وتتقبله المذاهب الأخرى. 2- تنوع أو تعدد مختلف، فلا تكون المرجعية ليست واحدة.
المرجعية هي النظام الفكري والنسق الفكري الذي تتحدد به لدي في التحديد الأخير، ما الحسن وما القبيح؟ وما الصواب وما الخطأ؟ وما الصحيح وما الفاسد؟
مع بدايات القرن التاسع عشر ظهر ما يُسمى بالمشكل التشريعي.
المشكل التشريعي هو عدم قدرة النظام التشريعي على الإفساح للحركة الواقعية التي يتطلبها المجتمع في مرحلة معينة، وعدم قدرته على تنظيمها وإدارتها على النحو التنموي المطلوب.
الفقه الإسلامي في تلك المرحلة لم يكن عائقًا أمام الحركة التنموية.
التشريع هو أقوى مصادر التكوين الثقافي للإنسان.
في الفترة التي حدث فيها ما يُسمى بالاحتلال التشريعي، هل كان وضع الفقه الإسلامي ساكتًا أو متهاويًا أو ضعيفًا؟
أصبحت مجلة الأحكام العدلية منذ إقرارها من قبل السلطان عبد الحميد الثاني أثر قانوني تشريعي مُعمول به إلى ما بعد منتصف القرن العشرين في بلاد كثيرة، ولكنه لم يُعمل بها في مصر؛ لأن مصر في تلك الفترة كانت مستقلة إداريًا عن الدولة العثمانية منذ عام 1840م.
استطاعت مجلة الأحكام العدلية، وهي على المذهب الحنفي أن تحافظ على الكثير من الثقافة القانونية الإسلامية.
ظهر في مصر محمد قدري باشا، وقام بعمل ثلاثة تقنينات من المذهب الحنفي هي: 1- مرشد الحيران في معرفة أحوال الإنسان (مثل مجلة الأحكام العدلية) 2- الأحكام الشرعية للأحوال الشخصية 3- قانون العدل والإنصاف للبحث في مشكلات الأوقاف، وقد حصلت هذه التقنينات على اعتماد من الشيخ حسونة النواوي الذي أصبح فيما بعد شيخًا للأزهر، وهو حنفي المذهب.
خضعت مصر للاحتلال البريطاني عسكريًا، وللاحتلال الفرنسي ثقافيًا وتشريعيًا، بينما خضعت المغرب، وتونس، والجزائر للقوانين والتشريعات الفرنسية، في حين خضعت السودان للتشريعات البريطانية بنسختها الهندية.
أصبح هناك تعدد تشريعي عربي إسلامي، وتشريع لاتيني، وتشريع أنجلو سكسوني.
حدث بعد ذلك استقلال للدول العربية والإسلامية، ومع فترة الاستقلال يأتي دور عبد الرزاق السنهوري في محاولته لتقنين الفقه الإسلامي، والذي سيكون الحديث عن جهوده في الجزء الثاني من هذه المحاضرة.