رسالة الإمام الشافعي في المنظور الاستشراقي (دراسة تحليلية تقويمية)

By د. هاني محمود حسن آذار/مارس 07, 2024 1318 0

هذا البحث -الذي ينشره موقعنا إلكترونيا للمرة الأولى حصريا بإذن من المؤلف- هو أطروحة دكتوراة نوقشت في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة، عام 1440ه/2019م، مقدمة من د. هاني محمود -المدرس بقسم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة عين شمس- ضمن متطلبات الحصول على درجة العالمية (الدكتوراه) في أصول الفقه، وكانت تحت إشراف أ. د. محمود عبد الرحمن عبد المنعم (أستاذ ورئيس قسم أصول الفقه بالكلية). وقد نشر البحث بعد ذلك في كتاب، من خلال دار اللؤلؤة بالمنصورة، عام ٢٠٢١، ضمن سلسلة الرسائل العلمية.

وتكمن أهمية ذلك البحث في تناوله بالنقد لرؤى المستشرقين والتغريبيين حول علم الأصول، وتاريخه، وأئمته، ومراجعه التراثية، مع التركيز على أحد المراجع الرائدة الذي نال القسط الأوفر من اهتمام الاستشراقيين ووجهوا إليه سهام المطاعن؛ وهو "الرسالة" للإمام الشافعي؛ ولذلك اختار د. هاني رسالة الشافعي عينة بحثية؛ فصارت دراسة رؤية المنظور الاستشراقي لكتاب الرسالة أشد تعبيرا، لا عن رؤية هذا المنظور لأصول الشافعي فحسب، بل عن رؤيتهم لعلم الأصول أيضًا، وللعلوم الإسلامية بوجه عام.

وينقل الباحث عن أ. إبراهيم السكران ما قرره بأن علم الأصول «ربما يكون أكثر علوم الإسلام تعرضا للتشكيك والارتياب والقدح في الخطاب الحداثي المعني بإعادة تأويل التراث». ويفسر الباحث ذلك بأن علم الأصول يقوم على محورين رئيسين: (مصادر التشريع)، و(قواعـــــد فهم النص)؛ ولذلك تجدهم تارة يعبرون بقولهم: (التلقي والاستدلال)، ويعنون بالتلقي: (مصادر التشريع) أو (الأدلة)، ويعنون بالاستدلال: (مبحث الدلالة). ولأنــــه المسؤول عن الدلالة فقد لاقى هذا العلم وابلا من سهام جنود الثقافة الغالبة، وحاولوا زحزحته عن طريقهم؛ لمسح الطريق، تمهيدًا لغرس بذور الفكر الغربي في الأراضي الإسلامية.

وقد تناول الباحث موقف هذا الفكر من أصول الاستدلال بدراسة تحليلية نقدية تسعى لبيان تهافت نظرية الفكر الحداثي التي أقام عليها نقده للتراث، ومحاولته هدم منهجية المعرفة في الإسلام القائمة على أصول الاستدلال التي عليها تنبني عقائده وشرائعه، والتي يؤدي هدمها إلى هدم الإسلام، وتكشف الخلل في منهجيته المتمثل في الانتقائية لما يخدم فكرته من التراث، والحذف والتحريف للمعطيات المعرفية والتاريخية التراثية التي يجد فيها ما لا يستقيم مع ادعاءاته.

 

محاور الكتاب:

يتألف البحث من مقدمة وتمهيد وسبعة فصول وخاتمة، على التفصيل الآتي:

تناول الفصل الأول؛ التعريف بالقراءات الاستشراقية والحداثية التغريبية، وتاريخها، وأهم مدارسها، وذلك من خلال بحث تاريخ المراجعات النقدية لعلم الأصول ومصنفاته: من رسالة الشافعي وحتى الآن، ومدارس القراءات الاستشراقية والتغريبية وأعلامها الذين تعرضوا لعلم الأصول؛ كالمدرسة الحداثية المستشرقة والمدرسة الحداثية التغريبية، وأبرز أعلامها الذين تعرضوا لعلم الأصول. كما تناول أيضًا الخلفيات المؤثرة في قراءات المنظور الاستشراقي للأصول وكتاب الرسالة مثل الفلسفة الغربية والألسنيات الغربية والنظرية التاريخية الغربية في تشكيل قراءات المنظور الاستشراقي لعلم الأصول.

 

أما الفصل الثاني؛ فقد تضمن بيان موقف المنظور الاستشراقي من علم الأصول إجمالا، من خلال بحث إشكاليات الحالة الراهنة لعلم الأصول في قراءات المنظور الاستشراقي بدعوي حاجة أصول الفقه إلى التقويم في رؤية القراءات التغريبية، ومأزق العقل الأصولي الإسلامي في نظر العصرانيين، ومناقشته، وبحث سمات وخصائص علم الأصول في قراءات المنظور الاستشراقي من خلال دعوى بشرية المنتج الأصولي وتوظيفها الحداثي. والطعن في قطعية أصول الفقه في رؤية القراءات التغريبية. كما بحث إجمالا مطاعن قراءات المنظور الاستشراقي في علم الأصول إجمالا، وتفنيدها، كدعوى تهافت النصوص التأصيلية، ودعوى تقييد علم الأصول للعقل العربي، ودعوى التوظيف الإيديولوجي للمفاهيم الأصولية.

أما الفصل الثالث؛ فقد تناول الموقف الإجمالي من رسالة الشافعي في القراءات الاستشراقية، وناقش فيه الباحث مناهج المستشرقين والتغريبيين في نقد رسالة الشافعي والباعث على نقد رسالة الشافعي عند المستشرقين والتغريبيين. كما تناول بالعرض والنقد رؤية المستشرقين والتغريبيين لمكانة كتاب الرسالة وأثره في علم الأصول في دعاوى مثل: دعوى تأثير رسالة الشافعي في تضخيم سلطة السلف، وأثر رسالة الشافعي في توحيد السلطة العلمية، ودعوى احتكار الشافعي للوظيفة القانونية والتشريعية، ودعوى مسؤولية الشافعي عن عقم علم الأصول، ورؤية المستشرقين والتغريبيين لخلفيات تدوين الرسالة، وممهدات عمل الشافعي في الرسالة وفقًا للرؤى الحداثية، ورؤية المنظور التغريبي للسياق التاريخي الذي نشأت فيه رسالة الشافعي، والربط بين رسالة الشافعي ورسالة الصحابة لابن المقفع، وتصور المستشرقين والتغريبيين للعمل الذي قام به الشافعي في الرسالة، ومطاعنهم في منهج الشافعي في الرسالة، ودعوى التعالي في المنهج عنده، واتهامه بعدم الحيادية، ودعوى خروجه عن نهج السلف في الاستدلال، ودعوى اضطراب المصطلح عنده ومقارنات المستشرقين والتغريبيين بينه وأضرابه ودوافعها الفكرية.

 

أما الفصل الرابع؛ فقد تناول رؤى المستشرقين والتغريبيين في آراء الشافعي في مباحث الأحكام، ومناقشتها؛ حيث بحث الطعن في تقسيم الشافعي للأحكام الشرعية، ورؤية المنظور التغريبي في تفسير الفرض عند الشافعي.

 

أما الفصل الخامس؛ فقد بحث رؤى المستشرقين والتغريبيين في آراء الشافعي في مباحث المصادر والأدلة، وتفنيدها: حيث ناقش انتقادات المستشرقين والتغريبيين لتصور الشافعي للأدلة الشرعية، كالطعن في ترتيب الشافعي للأدلة الشرعية، ونقد اتساع مفهوم النص عنده، وانتقادات المستشرقين والتغريبيين لتقرير الشافعي لحجية الأدلة الشرعية، والطعن في تأسيسه لسلطة النص، وتأسيسه لمبدأ تضمن النص حلولا لكل المشكلات، وفي تأصيله لحجية العمل بالظن.

كما ناقش رؤى المستشرقين والتغريبيين في آراء الشافعي في مباحث السنة، والطعن في مفهوم السنة عنده، والطعن في موقف الإمام الشافعي من حجية السنة، ونقد موقفه من أقسام الخبر، وشروطه لقبول الخبر، وموقفه من علاقة السنة بالقرآن، وآراءه في مباحث الإجماع ومفهومه عنده، ودعوى الخلط بين الإجماع والتواتر عنده، ودعوى اختراعه حجية الإجماع، ودعوى توظيفه لمفهوم العصمة في تأسيس حجية الإجماع. كما بحث أيضا رؤى المستشرقين والتغريبيين في آراء الشافعي في مباحث القياس، ونقد موقفه من القياس، ونقد تسويته بين القياس والاجتهاد، ونقد تأخير القياس عن خبر الواحد، ونقد وظيفة القياس في منظومة الشافعي الأصولية، ونقد أقسام القياس عنده، ورؤى المستشرقين والتغريبيين في آراء الشافعي في مباحث الأدلة المختلف فيها، ونقد موقف الشافعي من الاستحسان، ونقد موقفه من اجتهادات الصحابة وإجماعهم، ودعوى إهماله اعتبار المصلحة.

 

أما الفصل السادس؛ فقد ناقش رؤى المستشرقين والتغريبيين في آراء الشافعي في مباحث اللغة والدلالات، كدعوى تناقض الشافعي في تصوره للغة، ودعوى الانحياز الإيديولوجي للقرشية، ونقد مفهوم البيان عند الشافعي، ونقد قول الشافعي ببقاء العام على عمومه.

 

أما الفصل السابع؛ فقد بحث رؤى المستشرقين والتغريبيين في آراء الشافعي في باب الاجتهاد والتقليد، مثل اتهام الدكتور محمد أركون للشافعي بالحط من قيمة الاجتهاد، ونقد شروط الشافعي في المجتهد، ونقد حصر الشافعي آيات الأحكام، ونقد إدخال الشافعي صاحب الحكم في مجال الاجتهاد ومناقشته.

 

واختتم الباحث دراسته بالتأكيد على مجموعة من النتائج والخلاصات منها:

  • أهمية النظر للاستشراق، لا باعتباره مجموعة دراسات، بل باعتباره خطابًا موجها يصنع صورة مختَلقة عن الآخر (الشرق والعالم الإسلامي)، وأداة يستخدمها الغرب في تعزيز هويته والسيطرة على هذا الآخر.
  • المنظور الاستشراقي يتسع ليشمل كتابات الحداثيين العرب (التغريبيين) الذين انطلقوا من المنهجيات الاستشراقية، ورددوا نتائج البحث الاستشراقي في الوقت الذي شنعوا على المسلمين في تقليد الأئمة، وقد ترجح لديه عدم حصر لقب المستشرق في: (الباحث الغربي المهتم بعلوم الشرق وآدابه).
  • مغالطات الخطاب الحداثي العربي في نقد أصول الإمام الشافعي ورسالته، ونقد التراث عامة، كانت أبشع من مغالطات المستشرقين، وأشد تورطا فيما يمكن تسميته بــ (لا أخلاقية الخطاب)؛ لأن مغالطات الخطاب الحداثي (التغريبي) الناقد للتراث الأصولي نابعة عن (عمالة فكرية) للفكر الغربي الساعي في بسط هيمنته من خلال علمنة العلم الديني، وإحلال الرؤى التغريبية محل المفاهيم الإسلامية الأصيلة بعد تفريغها من مضمونها الإسلامي، وذلك أن الخطاب الحداثي قد فَقد استقلاله وقدرته على النقد الحقيقي، فلم يجد إلا سبيل التقليد التابع للخطاب الاستشراقي، مع غض الطرف عن حقائق شرعية لا يجهلها مبتدئ في الأصول والعلوم الدينية.
  • اهتم المستشرقون بعلم أصول الفقه، إدراكا منهم بأن هذا العلم مدخل إلى المعارف الكبرى عند المسلمين؛ لأنه العلم الذي تتجلى فيه تفاصيل (نظرية المعرفة) عند المسلمين؛ إذ يقع موقع ملتقى الأبحر الذي تصب فيه علوم المنهج عند المسلمين أنفس ما زخرت به من طرق اقتناص المعارف، كما هو معلوم في مسألة استمداد علم الأصول، وعلى هذا يسوغ أن نصف هذا العلم بأنه (إبستمولوجيا الإسلام الكبرى)؛ إذ يحدد علم الأصول: ما هي المعرفة (الأحكام)، وما موضوعها (الأفعال)، وما هي مصادر المعرفة (الأدلة)، وما هي أنواع هذه المصادر، وكيفية اقتناص المعارف منها، وأنواع ا لمعرفة المأخوذة من هذه المصادر، وشروط الباحث (الذات العارفة- المجتهد)، والعمل عند تعارض المصادر، وكيفية الترجيح بينها (مشكلات تحصيل المعرفة).

وقد أورد الباحث العديد من النتائج التي توجز ما فصله قي متن بحثه من انتقادات للإمام الشافعي ورسالته، ثم أورد عددًا من التوصيات المهمة في ختام دراسته.

يمكن الاطلاع عليها كاملة عبر هذا (الرابط)

مناقشة الرسالة مصورة فيديو نقلا عن قناة الباحث على اليوتيوب:

الجزء الأول

https://youtu.be/syuJztApMU4?feature=shared

الجزء الثاني

https://youtu.be/NQWodK0vXDw?feature=shared

 

 
Rate this item
(0 votes)
Last modified on الجمعة, 08 آذار/مارس 2024 18:00

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.