كتاب الإسلام بين الرسالة والتاريخ

By د. عبد المجيد الشرفي* تشرين1/أكتوير 13, 2024 1201 0

يسعى المؤلف من خلال كتاب "الإسلام بين الرسالة والتاريخ" -الذي صدرت طبعته الأولى عام 2001، وطبعته الثانية عام 2008)- إلى تقديم قراءة جديدة للإسلام من منظور معاصر، مستجيبًا -من وجهة نظره- للتحديات الفكرية والعلمية التي واجهتها البشرية منذ النهضة الأوروبية وحتى اليوم، ويهدف إلى تقديم رؤية تجمع بين الوفاء للرسالة المحمدية ومتطلبات العصر الحديث، وذلك من خلال مناقشة موضوعات أساسية تتعلق بالإسلام كدين وتاريخ ومؤسسة.

ويرى الشرفي أن الفكر الإسلامي المعاصر يعاني من مشاكل رئيسية، من بينها الاجترار والإعادة لما قدمه القدماء من أفكار دون إبداع أو تجديد، وتوظيف الدين لخدمة الأيديولوجيات المعاصرة على حساب الحقيقة العلمية، إضافة إلى افتقار الدراسات الإسلامية إلى نظرة شمولية تنظر في مجمل التاريخ الإسلامي من منظور نقدي ومنهجي. هذه الرؤية تحث على البحث عن الإسلام في إطار تاريخي تحليلي، يأخذ في الاعتبار تطورات العلوم الحديثة ومعطياتها. كما يرى أن المجتمعات الإسلامية الحالية تعاني من تأخر حضاري يمنعها من التفاعل الإيجابي مع الإنتاج الفكري والعلمي الحديث. وهو يحمّل مسؤولية هذا التأخر إلى عوامل عدة، منها تأثيرات الاستعمار والهيمنة الغربية على تلك المجتمعات، وغياب النظرة النقدية للموروث الديني.

يعتمد عبد المجيد الشرفي في هذا الكتاب على أسلوب تحليلي نقدي، يقوم على المقارنة بين الإسلام كرسالة دينية وبين السياقات التاريخية التي تطورت فيها. يسعى إلى ربط الأفكار الدينية بالتغيرات التاريخية والسياسية التي شهدها العالم الإسلامي منذ ظهور الإسلام وحتى اليوم. ومنهجه النقدي يعتمد على الانفتاح على العلوم الإنسانية الحديثة، مثل علم الاجتماع، وعلم النفس، والتاريخ، كما أنه يستفيد من المناهج الغربية النقدية في قراءة النصوص الدينية. وأيضًا من أبرز معالم هذا الكتاب هو دعوته إلى تجديد الفكر الإسلامي بما يتناسب مع معطيات العصر الحديث، وسعيه لتقديم قراءة نقدية للإسلام تأخذ في الاعتبار التغيرات الحضارية والعلمية التي شهدها العالم في القرون الأخيرة. وكذلك محاولته أن يوازن بين الوفاء للرسالة المحمدية ومتطلبات العصر الحديث. فهو يرى أن الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان، ولكن فهمه يحتاج إلى تجديد وتطوير بما يتماشى مع التغيرات الحاصلة.

               

وفي أقسام الكتاب يستعرض الشرفي الآتي:

في الباب الأول: خصائص الرسالة المحمدية

      الفصل الأول: الإطار النظري والتاريخي: يستعرض الشرفي في هذا الفصل الإطار الذي ظهرت فيه الرسالة المحمدية، محاولًا تقديم تحليل تاريخي لما كان يشهده العالم من تطورات فكرية واجتماعية قبل ظهور الإسلام. يناقش الشرفي كيف تأثرت الرسالة المحمدية بالبيئة الثقافية والدينية التي نشأت فيها، ويعتبر هذا التحليل ضروريًا لفهم أعمق لطبيعة الرسالة المحمدية وما تحمله من قيم ومعانٍ تتجاوز اللحظة التاريخية التي ظهرت فيها.

      الفصل الثاني: الدعوة المحمدية: في هذا الفصل، يشرح الشرفي كيف بدأت الدعوة المحمدية في مكة وما تبعها من أحداث في المدينة، مع التركيز على الصعوبات والتحديات التي واجهتها الرسالة في بداية انتشارها. يناقش هنا أيضًا كيف تعامل الرسول مع البيئة القبلية العربية وكيف أثّر ذلك على شكل الدعوة وعلى التطورات السياسية والاجتماعية التي أعقبتها.

      الفصل الثالث: مميزات الرسالة المحمدية: يتناول الشرفي المميزات التي تجعل الرسالة المحمدية فريدة مقارنة بالرسالات السابقة، مثل التوحيد الخالص والتركيز على الأخلاق والعدالة الاجتماعية. يوضح الشرفي كيف أن الرسالة كانت تطورًا في الفكر الديني السابق عليها، وكيف أنها جاءت لتكمل الرسالات السماوية الأخرى.

      الفصل الرابع: قضية التشريع: يركز هذا الفصل على التشريعات التي جاء بها الإسلام وكيف تطورت عبر الزمن، ويرى أن التشريع الإسلامي ليس ثابتًا، بل هو متغير بحسب الزمان والمكان. يناقش كيف تعامل المسلمون مع هذا التشريع في سياقات مختلفة وكيف تطورت المؤسسات الدينية والقانونية لتطبيق تلك التشريعات.

      الفصل الخامس: ختم النبوة: هذا الفصل يتناول مفهوم ختم النبوة في الإسلام وما يترتب عليه من تبعات فكرية ودينية. يشرح الشرفي كيف أن ختم النبوة يضع الإسلام في موقف مختلف عن باقي الأديان، حيث يؤكد على أن الإسلام ليس بحاجة إلى نبي جديد بعد محمد، ولكن في نفس الوقت يجب أن يكون الاجتهاد والتفكير النقدي جزءًا من الممارسة الدينية.

 

أما الباب الثاني: الرسالة في التاريخ

الفصل الأول: خلافة الرسول: في هذا الفصل، يناقش الشرفي موضوع الخلافة وما ترتب عليها من صراعات سياسية ودينية بعد وفاة النبي محمد، ويرى أن الخلافة لم تكن مجرد انتقال للسلطة، بل كانت مرحلة مفصلية في تشكيل التاريخ الإسلامي وتطور المؤسسات الدينية والسياسية.

الفصل الثاني: مأسسة الدين: هذا الفصل يتناول كيفية تحول الإسلام من رسالة دينية إلى مؤسسة سياسية واجتماعية، ويشرح الشرفي كيف أن الدين تحول إلى مؤسسة قوية لها قوانينها وأنظمتها التي حاولت السيطرة على المجتمعات الإسلامية بمرور الوقت.

الفصل الثالث: التنظير للمؤسسة: في هذا الفصل، يعرض الشرفي كيف تم التنظير لمؤسسة الدين من خلال العلوم الإسلامية المختلفة، مثل التفسير، والحديث، والفقه، وعلم الكلام، والتصوف، ويركز على كيف كانت هذه العلوم محاولة لفهم الإسلام بشكل أكثر منهجية وكيف ساهمت في تعزيز السلطة الدينية.

 

يقدم الشرفي في خاتمته للكتاب؛ تأكيدًا على ضرورة مقارنة الرسالة المحمدية وتطبيقاتها عبر التاريخ، مع تجنب التعميم في الحكم على تلك التجارب. يُشير الكاتب إلى أن ما نراه سلبيًا اليوم قد يكون له دلالات إيجابية في سياقه التاريخي. يدعو إلى عدم اعتبار الماضي نموذجًا مطلقًا يُحتذى به، بل ينبغي تقييمه بشكل نقدي يلبي احتياجات العصر الحديث. كما يركز على أهمية إعادة بناء منظومة العلوم الإسلامية لتتوافق مع قيم الحاضر، مثل الحرية والعدالة والمساواة، ويشجع على التطلع إلى مستقبل أفضل من خلال وعي إسلامي جديد يتبنى هذه المبادئ.

 

والجدير بالذكر في هذا المقام أن المفكر التونسي د. عبد المجيد النجار قد اعتبر -في مقالته "القراءة الجديدة للنص الديني" التي سبق لموقعنا نشرها- د. عبد المجيد الشرفي -مؤلف هذا الكتاب- من رواد ما أسماه "النحلة التأويلية الجديدة في قراءة النص الديني" مع كل من نصر حامد أبو زيد، ومحمد سعيد العشماوي ومحمود محمد طه ومحمد شحرور، وجمال البنا، ومحمد أركون...، والذين يمثلون -بحسب النجار- فرقة جديدة من المؤولة للنص الديني نبتت في العالم الإسلامي في العصر الحديث مع اختلاف الدوافع والأسباب والمناهج عن فرقة المؤولة التي ظهرت قديمًا، "تداعى أفرادها من المشرق والغرب ليتعاملوا مع النص الديني تعاملا في استخلاص المعاني منه تجاوزوا به مجال الاحتمالات التي تجيزها الدلالة الظنية ليقتحموا مجال الدلالة القطعية فيهدروها بتأويل لا تبقي من المعاني الموضوعية شيئا يتحصل بقواعد اللغة وضوابطها التي بنيت عليها، والتي على أساسها حمل لسان العرب معاني الوحي، فأفضى الأمر بهم إلى أن لم يبق من الدين الذي عرفه المسلمون طيلة أربعة عشر قرنا شيء ثابت". موضحًا أن الشرفي يتميز من بين أعضاء هذه الفرقة جميعا "بكفاءته المنهجية العالية، وبأسلوبه العربي المتين، وبسعة اطلاعه على التراث الإسلامي على وجه العموم، وهو لذلك يعتبر أكفأهم أيضا في نصرة هذه الوجهة التأويلية التي يلتقون عليها، وفي الترويج لها والدفاع عنها".

 

رابط تحميل الكتاب

 

________

عبد المجيد الشرفي [23 يناير 1943-...] هو مفكر تونسي وأستاذ جامعي، بدأ تدريس الفكر الإسلامي المعاصر والحضارة الإسلامية في الجامعة التونسية خلال سبعينات القرن العشرين. يُعرف الشرفي بمساهماته في نقد التراث الإسلامي من منظور حداثي، حيث يدمج بين المنهجيات النقدية الغربية والموروث الإسلامي ومحاولات تجديد الفكر الديني في المجتمعات الإسلامية، بهدف مواكبة التغيرات الحضارية والعلمية التي شهدها العالم في القرون الأخيرة، من مؤلفاته: الفكر الإسلامي في الرد على النصارى، الإسلام والحداثة، المسلم في التاريخ (مجلدين)، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، مستقبل الإسلام في الغرب والشرق، الثورة والحداثة والإسلام، مرجعيات الإسلام السياسي، المصحف وقراءاته.

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الأحد, 13 تشرين1/أكتوير 2024 19:09

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.