ظهرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب للشيخ أحمد إبراهيم بك[*] تحت عنوان "طرق القضاء في الشريعة الإسلامية" سنة ١٩٢٨، وسبقتها طبعات مدرسية موجزة منذ سنة ۱۹۱۱، وجاءت الطبعة الثانية سنة 1940 دراسة مقارنة لطلاب دبلوم القانون الخاص، بينما صدرت الطبعة الثالثة منه سنة 1984، بمشاركة وإعداد من المستشار واصل علاء الدين نجل الشيخ أحمد إبراهيم بك، وبمقدمة من الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأسبق الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، والتي جاء فيها:
"وإذا كان رحمه الله قد سلط الأضواء الفاحصة الكاشفة على الفقه الإسلامي فحرر أبوابه، وجدد للناس شبابه معنيًا بأن يبين قواعد العدل لمن كان يؤهلهم لتولى ميزانه، فإنه لم يقتصر على بحوث الأحكام الموضوعية واستبانة مصادرها ومواقفها من الكتاب والسنة واجتهاد الأئمة أصحاب المذاهب الفقهية وإنما أكمل العمل فأعطى للقضاة والعاملين في حقله (طرق القضاء في الشريعة الإسلامية - القسم الثاني طرق الإثبات الشرعية).
ثم أردف قائلاً: وهذا القسم الثاني هو الذي نتحدث في شأنه لا لنقدمه للناس أو نعرفهم به وبمؤلفه، فإنهما غنيان عن التعريف، وإنما لنقول للمشتغلين بالقانون وتطبيقه إن بحوث هذا الكتاب -طرق الإثبات الشرعية- تضع أمام القاضي والمتقاضي والدارس أيًا كانت هويته عملاً يقتدى، أودعه أستاذنا المرحوم الشيخ أحمد إبراهيم بحوثًا حية في الإثبات حوت مقارنات دقيقة بين القوانين الوضعية، وبين القواعد الشرعية في طرق الإثبات.
وقد اتخذ الشيخ أحمد إبراهيم رحمه الله – في هذا الكتاب الفقه الحنفي أساسًا، مع التفريع وتوضيح النواحي العلمية المختلفة، مقارنًا - في بعض المواقع - بآراء من فقه المذاهب الأخرى، معقبًا بما يختاره مما عرضه من أقوال الفقهاء حتى لا يترك القارئ أو الباحث دون هداية إلى الصواب من تلك الأقوال.
ولقد انتصر للأخذ بالقرائن دليلاً في الأقضية، مناقشًا في ترجيح ما يصلح فيها وما استصعب الأخذ به حماية للقضاة من الزلل إلا من عصم الله، ناصحًا القضاة والمحققين بأن يكونوا على معرفة تامة بعلم الأحوال النفسية من حيث ارتباطه بالقضاة؛ لأن القاضي والمحقق ينكشف لهما بدراسة هذا العلم من بواطن المتقاضين والشهود ما كان محجوبًا عنهما بحسب الظواهر من ضلالة وخداع وتملق ورياء ونفاق وتلبيس ونحو ذلك، فيطلع بثاقب فكره على خبايا النفوس ومستودعات الضمائر، ويتغلغل بصائب نظره إلى مستقر السرائر. (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) [سورة ق: الآية: 22].
وهو يسوق في الكتاب الآثار المأثورة عن أئمة قضاة الإسلام وفقهائه تنويرًا وتبصرة ليبين للناس أن القضاء لا يصلح له إلا من توافرت فيه سمات وأدوات.
ولقد استخلص - رحمه الله - أقوال المجيزين والمانعين، مبينًا وجهة كل من الفريقين، وما استقر عليه العمل أخيرًا، مستعرضًا بعض نصوص القوانين واللوائح الجارية في وقته وأقوال فقهاء القانون، وما يرد من طعون على الأوراق المستدل بها.
وهكذا نجد - هذا الكتاب – "طرق الإثبات الشرعية" قد جمع فيه مؤلفه رحمه الله وأجزل عطاءه في دار رضوانه بيان هذه الطرق، مستمدة من الفقه الإسلامي مقارنة بما قضت به القوانين واللوائح السائدة وقتذاك.
ولقد كان تقديم الكتاب الآن للمشتغلين بالقانون أمرًا حتمًا، بعد أن اتجهت النية، بل والجهود العملية إلى استمداد القوانين من الفقه الإسلامي، لهديهم إلى أنماط يسترشدون بها ويربطهم إلى قواعد لا مراء فيها، وإلى تنظيم فاقت به طرق الإثبات الشرعية غيرها من الطرق التي درجت عليها القوانين، وكان الكتاب مرشدًا إلى ما يتعين الالتزام به، وما ينفتح فيه المجال للإطلاق أو التقييد، تبعًا لحوائج الناس ومقتضيات حياتهم الاجتماعية والاقتصادية المتجددة.
ولئن كانت القوانين واللوائح التي جرت المقارنة بها في هذا الكتاب قد اعتراها التغيير فإن العمل الذي قام به الزميل الفاضل الأستاذ واصل علاء الدين المستشار بمحكمة النقض وابن شيخنا المرحوم أحمد بك إبراهيم من إعادة طبع الكتاب من نسخته الأصلية، معلقًا عليه ببيان ما يجرى عليه العمل الآن في المحاكم من قوانين مرتبطة بموضوعه، ومشيرًا إلى ما أرسته محكمة النقض من مبادئ في الإثبات، مما يعتبر إضافة هامة ومفيدة تربط بين الفقه والقضاء، باعتبار أن أحكام القضاء هي المظهرة للحاجة وفيها تتبلور أوجه التجديد الفقهي؛ لأنها تواجه ما يجد في الحياة الاجتماعية من وقائع وخصومات، فهي أشبه بالطبيب الذي يصف الدواء ويستمده من المصدر الشرعي بعد أن يكون قد توصل إلى تحديد الداء، وكثيرًا ما اعتد الفقهاء بعمل القضاة فيقولون: ( وعمل القضاة اليوم على ذلك).
أما الطبعة الرابعة التي ننشرها على موقعنا فقد صدرت عام 2003م تحت عنوان "طرق الإثبات الشرعية- مع بيان اختلاف المذاهب الفقهية وسوق الأدلة والموازنة بينها ثم مقارنة بالقانون ومعلقًا عليها بأحكام المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض"، بمقدمة نادي القضاة المصري ممثلًا في رئيسه الأسبق المستشار زكريا عبد العزيز، وهي طبعة مزيدة ومنقحة وفقًا لآخر التعديلات وخاصة القانون رقم 1 لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية والقانون رقم3 لسنة 1996م بإصدار قانون الحسبة ومشروع قانون محاكم الأسرة.
وقد تحدث المستشار واصل علاء الدين عن الطبعة الماثلة بين أيدينا قائلاً: "وقد عنيت في هذه الطبعة الرابعة إضافة ما تعلق بالموضوعات من أحكام المحكمة الدستورية العليا، والحديث من أحكام محكمة النقض حتى إعدادها للطبع، وكذا التعليق على مواد القانون رقم 1 لسنة 2000م بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، ما يتعلق منها بالولاية على النفس وما يتعلق بنظر الدعاوى وإجراءاتها، وكذا دعوى الخلع. كما عنيت أيضًا بالتعليق على القانون رقم 3 لسنة 1996م بشأن تنظيم إجراءات مباشرة دعوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية، وأفردت بحثاً مستفيضًا عن الحقوق التي ترفع بها الدعوى حسبة وإجراءات هذه الدعوى أمام النيابة العامة والمحاكم على اختلاف درجاتها، كما أدرجت بالكتاب مشروع قانون محاكم الأسرة ومذكرته الإيضاحية وتعليق على المشروع".
محتوبات الكتاب:
قسم الإمام الشيخ أحمد إبراهيم كتابه إلى كتابين؛ حيث قسم الكتاب الأول إلى ثلاثة أبواب، في حين قسم الكتاب الثاني إلى تسعة أبواب، وذلك على النحو التالي:
الكتاب الأول: قواعد وتأصيل طرق الإثبات الشرعية
مقدمة تمهيدية.
الباب الأول: معنى الدليل والإثبات والثبوت.
الباب الثاني: آراء فقهاء الشريعة في إطلاق الأدلة وتقييدها.
الباب الثالث: من يُلزم بإقامة الدليل.
الكتاب الثاني: طرق الإثبات الشرعية
الجزء الأول: ما يفيد القاضي علمًا يقينيًا
الباب الأول: علم القاضي.
الباب الثاني: التواتر.
الباب الثالث: إضافة وتكملة "خاتمة".
الجزء الثاني: الأدلة التي تفيد القاضي ظنًا راجحًا
الباب الأول: الخط أو الكتابة.
الباب الثاني: الشهادة.
الباب الثالث: المعاينة.
الباب الرابع: الإقرار.
الباب الخامس: اليمين.
الباب السادس: القسامة.
الباب السابع: القرينة.
الباب الثامن: القيافة.
الباب التاسع: القرعة.
رابط مباشر لتحميل الكتاب
[*] أحمد إبراهيم: فقيه باحث مدرس من أهل القاهرة، تخرج بدار العلوم سنة ١٣١٥هـ، واحترف التعليم فكان مدرسًا للشريعة في مدرسة القضاء الشرعي ثم في كلية الحقوق، وكان من أعضاء المجمع اللغوي، امتاز بأبحاثه في المقارنة بين المذاهب والشرائع، له نحو (١٥) كتابًا، منها «أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية والنفقات) و«الوصايا» و«طرق الإثبات الشرعية في الفقه المقارن و«أحكام الهبة والوصية وتصرفات المريض»، وكان سمح الخلق أَلُوفًا مرح النفس. الأعلام للزركلي (ج1، ص86).