صدرت هذه الطبعة من كتاب "الإسلام دين الفطرة والحرية" للشيخ عبد العزيز جاويش (1876-1929م)[*] عن دار الكتاب المصري بالقاهرة، ودار الكتاب اللبناني ببيروت عام 2011م، وذلك بموجب اتفاق مبرم بين الدارين مع مكتبة الإسكندرية ضمن فعاليات مشروع "إعادة إصدار كتب التراث الإسلامي الحديث في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين/ التاسع والعشرين الميلاديين".
والكتاب في أصله بحث قدمه الشيخ جاويش إلى مؤتمر المستشرقين الذي عقد في مدينة الجزائر سنة 1905، لكن الكتاب لم يطبع في حياة المؤلف بل طُبع لأول مرة عام 1952 ضمن سلسلة كتب دار الهلال، على يد نجل المؤلف ناصر جاويش الذي قدم للكتاب بنفسه، ثم طبع مرة ثانية عام 1987 عبر دار الزهراء للإعلام العربي بمقدمة جديدة من أ. فتحي رضوان، وهي المقدمة التي أعيد نشرها بهذه الطبعة بالإضافة إلى تقديم د. مجدي سعيد لها.
ولقد أثنى على هذا الكتاب من قبل الكثير من الفقهاء والمفكرين، ومن ضمنهم الفقيه الدكتور محمد سليم العوا، الذي صرح -في حوار معه عن تكوينه الفكري وسيرته- بالآتي: "ولست أستطيع أن أحدد كتابًا بعينه كان له الأثر الأكبر في تكويني الثقافي والفكري. لكنني قرأت منذ ذلك الوقت لعبد العزيز جاويش كتابه العجيب: الإسلام دين الفطرة والحرية، وأذكر جيدًا أنني قرأته مرات عديدة، كانت كل مرة منها بمثابة القراءة الأولى؛ لما فيه من فكر حر غير تقليدي، ومن لغة سهلة ممتنعة بليغة راقية؛ لكنها يسيرة قريبة من القارئ الناشئ بقدر ما هي ممتعة للشادي والمنتهي".
كما أثنى الكاتب والسياسي المعروف فتحي رضوان (14 مايو 1911 - 2 أكتوبر 1988)، على الشيخ عبد العزيز جاويش في مقدمته للكتاب، فكتب يقول: "والحق أن عبد العزيز جاويش رجل فكر، خُلق ليعلم الناس، ويأخذ بأيديهم، وفي رفق الأبوة، وحنو المرشدين، وليناقش الصعب من مشكلات العلم، في أناة، وصر، وسيلته الحجة، وعُدته الدراسة وهدفه الإقناع لا الغلبة، وكسب عقول الناس، وتأليف قلوبهم لا إخافتهم أو تنفيرهم ... الخ".
وذهب أ. رضوان إلى أن كتاب الإسلام دين الفطرة والحرية يمثل صدى مباشر للمنهج الذي اختطه الشيخ لنفسه والتزم به، ولم يحد عنه قط حتى آخر نسمة تتردد في صدره، ألا وهو أن يكون داعيًا إلى حرية وطنه، وإلى تطور التفكير الديني عند مواطنيه، وإصلاح أساليب التعليم في بلاده، وإرساء قواعد جديدة للحياة السياسية بها، تقوم أول ما تقوم على العناية بالعمال والطبقات الفقيرة، وبإنشاء النقابات لطوائفها، وإشاعة الثقافة السياسية بين أبنائها.
ويتسم كتاب "الإسلام دين الفطرة والحرية" –حسبما ورد في تقديم د. مجدي سعيد- بأن مؤلفه كتبه متأثرًا بطريقة الإمام محمد عبده في البحث الديني، ولذا فقد استشهد كثيرًا بآراء الشيخ محمد عبده، كما يميز هذا الكتاب بأنه يقدم فلسفة علمية تكشف عن وجوه كثيرة من مرامي الدين الإسلامي التي يتم بها إصلاح العقيدة، ومعرفة مرامي الإصلاح من أسرار هذا الدين.
كما كشف د. مجدي سعيد عن أن الكتاب يبدو لمن يقرأه، وكأنه كتابان أُدمجا سويًا حتى أنه اشتهر لدى البعض باسم "الإسلام دين الفطرة والحرية"، وما يدعونا لهذا القول هو اختلاف طريقة تناول الموضوعين الأساسيين للكتاب: الفطرة والحرية، ففي القسم الأول من الكتاب، يتناول جاويش الموضوع على طريقة من يرصع قطعًا من الفسيفساء ليصنع منها لوحة متكاملة من قطع صغيرة من الزجاج الملون، أما القسم الثاني الذي يتناول أثر القرآن في تحرير لفكر البشري، فهو موضوع متكامل يتكون من نقاط متسلسلة مرتبة، لكن قد ينظر لهذا القسم الثاني كحلقة متممة لجزئيات القسم الأول في إتمامها لمعنى موافقة الإسلام للفطرة بمقتضى تحرير كتابه للعقل البشري، وأن مجافاتها للقسم الأول تبدو فقط من استطالة البحث فيها بما لا يعهد في جزئيات القسم الأول، ويميل الباحث لهذا الرأي.
وفي الحقيقة أن من يطالع هذا الكتاب يجد أن كاتبه ناقش العديد من القضايا المتجددة عصرًا بعد الآخر، وفي سبيل استعراضه لهذه القضايا وبيان موقف الإسلام منها، وبيان مدى توافقها وملائمتها مع الفطرة البشرية، ومع النضوج البشري، قسم الشيخ كتابه إلى قسمين؛ حيث تناول في القسم الأول بعض السمات المهمة في الإسلام التي تجعل منه دينًا يتوافق مع الفطرة، موضحًا أن هناك تلازمًا حتميًا بين الفطرة والتوحيد، فالفطرة تقتضى التوحيد، والتوحيد هو مقتضى الفطرة والعقل، كما عالج المؤلف قضية النبوة والغرض الفطري منها؛ حيث أكد على أن معجزات النبي الخالدة تتوافق وتتوائم مع النضوج الفطري للبشرية، وكذلك ناقش قضية مدى صلاحية الدين الإسلامي لكل زمان ومكان؛ وتناول موقف المرأة في الإسلام؛ مناقشًا للعديد من الإشكالات التي تُثار حول تلك القضية.
وفي القسم الثاني تناول الكتاب قضية أثر القرآن في تحرير الفكر البشري، واستفاض في البحث في مسائلها المختلفة ومن ضمنها بيان تاريخ النضال البشري في سبيل تحرير الفكر، حيث يظهر بجلاء -بحسب د. مجدي سعيد- أثر الدراسة الغربية على معلومات الشيخ جاويش ومعارفه، والتي تعرض لها في معرض شروحه للقضايا المتعلقة بحرية العقل والفكر والموقف الديني من العلم بما لا يتناقض مع فكره الإسلامي، ثم قدم جاويش بعد ذلك أدلته على قضيته مستهلاً بقوله الجامع أن "القرآن لم يذر وسيلة موصلة إلى إنعاش العقل وتحرير الفكر إلا تذرع بها، فهو إذا تحاكم فإلى العقل، وإذا حاج فبحكم العقل، وإذا سخط فعلى معطلي العقل، وإذا رضي فعن أولي العقل".
محتويات الكتاب:
جاءت محتويات الكتاب على النحو الآتي:
دين الفطرة
- تمهيد
- الفطرة والتوحيد
- النبوة والغرض الفطري منها
- القرآن والفطرة البشرية
- دعاء نصف شعبان
- أعداء القرآن
- هل أسس الإسلام على السيف؟
- أسباب الغزوات
- دعوة النبي "صلى الله عليه وسلم" عامة لجميع المكلفين
- الإسلام دين صالح لكل زمان
- أصول الإسلام
- التوكل غير التقاعد
- صفات المؤمنين
- الرق في الإسلام.
المرأة في نظر الإسلام
- شذرات
- المساواة
- تعدد الزوجات في الإسلام
- زوجات النبي
- زواج النبي بامرأة زيد
- الطلاق
- تعدد الطلاق
- خاتمة.
أثر القرآن في تحرير الفكر البشري
- حرية الفكر قبل الإسلام
- عهد التحرير العقلي
- الحرية في الشرق الأقصى
- القرآن والحرية
- القرآن يخاطب العقل
- موقف القرآن الكريم إزاء المعجزات
- لا إكراه في الدين
- أهل الردة
- الزنادقة
- جمود المتصديين للفتوى
- معالم القرآن الحكيم إزاء العلوم والمعارف الكونية
- عهد البحث والنظر
- القرآن والعلوم الحديثة
- الآيات الواردة حول الموضوعات السابقة.
رابط مباشر لتحميل الكتاب
[*] الشيخ عبد العزيز خليل حسن جاويش (1876-1929م) أحد رواد الإصلاح والعمل الوطني وأحد مناصري الدولة العثمانية، كان من تلامذة الإمام محمد عبده، ومن المقربين للزعماء الوطنيين سعد زغلول ومصطفى كامل ومحمد فريد، وُلد في 31 أكتوبر سنة 1876م من أسرة مغربية بمدينة الإسكندرية، وبدأ حياته التعليمية بالأزهر سنة 1892م، ثم تخرج في مدرسة دار العلوم سنة 1897م، وعُين مدرسًا في مدرسة الزراعة، ثم أرسلته وزارة المعارف في بعثة إلى جامعة (برورود) بإنجلترا، وعين أستاذًا للغة العربية بجامعة أكسفورد، وأثناء وجوده بإنجلترا دعيت الحكومة المصرية لحضور مؤتمر اللغة العربية في بلاد المغرب فمثلها في هذا المؤتمر، وعاد من البعثة سنة 1901م، وعُين مفتشًا بوزارة المعارف، وخلف الزعيم مصطفى كامل في رئاسة تحرير جريدة "اللواء" عام 1908م، حيث افتتح بذلك كفاحه السياسي الطويل. وفي سنة ١٩١٤م، أنشأ جاويش الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ووضع أساسها، كما أعاد إصلاح كلية صلاح الدين بالقدس الشريف وعُهد إليه بإدارتها، وبعد أن سقطت الدولة العثمانية عاد إلى القاهرة ليعمل في التعليم، وفى ٢٥ يناير سنة ۱۹۲۹م توفى -رحمه الله- بعد حياة حافلة بالجهاد والوطنية وعمره لا يتجاوز الثالثة والخمسين.