المرجعية الإسلامية في دساتير دول منظمة التعاون الإسلامي

By د. سعيد محمد عطية أبو الخير أيلول/سبتمبر 24, 2024 888 0

صدرت الطبعة الأولى من كتاب "المرجعية الإسلامية في دساتير دول منظمة التعاون الإسلامي السبع والخمسين- دراسة تطبيقية على النظام الدستوري المصري" عام 2023م، وهو في أصله أطروحة دكتوراه قدمت إلى قسم القانون العام بكلية الحقوق-جامعة الإسكندرية عام 2022، بإشراف الأستاذ الدكتور إبراهيم صلاح الهدد رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية.

 أما المؤلف فهو المستشار الدكتور "سعيد محمد عطية أبو الخير" نائب رئيس مجلس الدولة المصري، والذي انتدب للتدريس في أكثر من كلية في جامعات الإسكندرية والقاهرة والأزهر، فضلا عن انتدابه للعمل مستشارا قانونيًا في العديد من هيئات الدولة، كما أُعير مستشارًا بمحكمة القضاء الإداري بسلطنة عُمان.

وقد ذكر أ. د. صلاح الهدد في مقدمته للكتاب أن "هذه الدراسة المستوعبة المستقصية" قد أبحر من خلالها "الباحث باقتدار في دساتير سبع وخمسين دولة مع اطلاع على قوانينها المستظلة بدستورها، بوصف القوانين ناسلة من الدساتير نابعة منها، محكومة بأسسها، وهذا جهد جهيد يبصره القارئ منثورا على صفحات هذا الكتاب الذي يعد في بابه قاموسا محيطا ، ثم أطال الوقوف مع الدستور المصري، وقوانينه المحكومة به ليخرج في نهاية المطاف الفسيح إلى مجافاة بعض القوانين للدستور المصري، وهي دراسة نقدية جادة متأنية كاشفة عما يتمتع به القضاء المصري من قامات فكرية في الشريعة والقانون ، ومصر ولادة أبدا على مر تاريخها، وإني إذ أقدم لهذا الكتاب أسأل الله أن يكتب له القبول، وأن ينفع به كل من طالعه، وأن يفيد منه أهل الذكر في هذا الباب ، إذ هو علامة مضيئة على لاحب مديد".

 

يناقش الكتاب كيفية انعكاس المرجعية الإسلامية في دساتير سبع وخمسين دولة تنتمي لهذه المنظمة، ويركز بشكل خاص على النظام الدستوري المصري، مستندًا إلى فهمٍ عميق للشريعة الإسلامية ومكانتها كمصدر أساسي للتشريع، مع إيضاح التحديات والممارسات الدستورية المختلفة في هذه الدول.

كما تناول الكتاب دور السلطات العامة -التشريعية والتنفيذية والقضائية- في الدول الإسلامية حيال تطبيق أحكام المرجعية الإسلامية بصفة عامة، والمرجعية الإسلامية الحاكمة أو الملزمة بصفة خاصة، وقد اعتني الكتاب بهذه المرجعية الحاكمة بشكل أساسي في أبوابه وفصوله، لما لها من أهمية قصوى في نظر الشريعة الإسلامية عبرت عنها النصوص قطعية الثبوت والدلالة وما في حكمها، ونظرا لأن هذه المرجعية تمثل ثوابت هذه الشريعة التي لا تقبل تبديلا ولا تعديلا باعتبارها جوهر النظام العام الإسلامي الذي لا تجوز مخالفته أو الخروج عليه.

 

أهمية موضوع الكتاب:

بيّن المؤلف في مقدمته للكتاب مدى أهمية موضوعه كالتالي:

"والحقيقة أن قضية تطبيق الشريعة في الدول الإسلامية بصفة عامة تُعَدُّ مِحور جدل لا ينتهي شأن الصراع بين الحق والباطل، وهي دائما مثار شد وجذب بين الشعوب الإسلامية من جهة والأنظمة السياسية الحاكمة من جهة أخرى، والصراع بشأنها لا يهدأ وإن بدا خافتا أحيانًا. فقضية تطبيق الشريعة هي أهم وأدق القضايا التي تواجه أي دولة إسلامية تريد أن تجمع بين فرائض الدين والدنيا، بالنظر لما لهذه القضية من أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة على المستويين المحلي والدولي، والتي غالبا ما تشكل في مجموعها ضغوطا على الأنظمة السياسية تدفعها إلى الإحجام عن ولوج هذا الباب مكتفية -ارضاء لشعوبها- بنص دستوري خاو على أنها دولة إسلامية أو أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة شأن بعض الدول الإسلامية، أو أن تتردد هذه الدولة أو تلك -نتيجة هذه الضغوط- في اتخاذ خطوة أو خطوات في سبيل استكمال ما عساها أن تكون قد بدأته في هذا الشأن، على الرغم من النص في دستورها على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي أو الوحيد أو الرئيسي للتشريع والذي لا جدال فيه أن قضية تطبيق الشريعة تثير كثيرا من الإشكاليات التي لا دخل للشريعة الإسلامية - كنظام قانوني - بها ، وإنما مردها في الغالب إلى الظروف والأوضاع التي تعانيها المجتمعات والدول الإسلامية، تلك الإشكاليات التي دعتنا إلى إعداد هذه الدراسة أملًا في تمهيد السبيل أمام المشرعين في الدول الإسلامية للاستهداء بها أو القياس على منوالها، ولا تخاذ خطوات إيجابية تليق بوزن وحجم هذه القضية لما لها من أهمية لا من الناحية الدنيوية فحسب، بل- قبل ذلك- من الناحية الأخروية.. {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيما فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام: ١٥٣)".

كما تبرز أهمية الكتاب في محاولة المؤلف الكشف عن مواضع القوة والضعف في الدساتير التي تبنت الشريعة الإسلامية كمرجعية تشريعية، كما أن الكتاب يهدف إلى تقديم رؤية شاملة للقوانين والدساتير التي تستند إلى الشريعة في العالم الإسلامي، خاصة مع تزايد الضغوط الداخلية والخارجية على هذه الدول لتعديل دساتيرها وقوانينها.

 

الإشكاليات التي تناولها الكتاب:

تناول المؤلف في مقدمته للكتاب -كذلك- إشكاليات متعددة ترتبط بدور السلطات العامة حيال المرجعية الإسلامية، وتطرق إلى تحديات تطبيق الشريعة الإسلامية في معظم الدول الإسلامية، موضحًا أن الإشكالية الكبرى التي تختزل المشهد العام في المجتمعات الإسلامية في التناقض بين ما تؤمن به هذه المجتمعات -من أن الشريعة الإسلامية هي القانون الأوحد- وبين ما يُفرض عليها في الواقع من أنظمة قانونية وضعية. هذا الانفصام الشخصي واضطراب الهوية أديا إلى تأخر المجتمعات الإسلامية وتخلفها، ما يستدعي تحرير هذه المجتمعات من الهيمنة الفكرية والمادية الغربية وإعادة تطبيق الشريعة الإسلامية كأساس لنظام الحياة.

كما قسم المؤلف تلك الإشكاليات إلى إشكاليات عامة، وإشكاليات خاصة، واستفاض في شرحها على الوجه الآتي:

  • الإشكاليات العامة:

1. إشكالية النص والواقع: تفترض هذه الإشكالية وجود تناقض بين النصوص الدستورية في الدول الإسلامية والواقع العملي. بمعنى أن العديد من النصوص التي تتعلق بالمرجعية الإسلامية هي "نصوص بلا واقع"؛ فهي موجودة على الورق لكنها غير مطبقة في الحياة العملية، باستثناء بعض التشريعات المتفرقة التي لا تعبّر عن كمال الشريعة. هذه الإشكالية تتطلب إما تعديل النصوص الدستورية أو إعادة تفسيرها بما ينسجم مع الواقع السياسي والتشريعي.

2. إشكالية الخطأ في التصور: تتعلق هذه الإشكالية بالنصوص الدستورية التي تُدرج الإسلام على أنه "دين الدولة" ولكنها في الواقع لا تميز الإسلام كمنظومة شاملة للحياة. النص الدستوري هنا يُعامل الإسلام كدين شعائر فقط، دون الاهتمام بنظامه المتكامل في الحكم وإدارة شؤون الحياة. وتكشف التجارب الدستورية أن هذا النوع من النصوص يُعتبر خاطئاً من حيث التصور والفهم لطبيعة الإسلام.

3. الخلط بين الإسلام والعلمانية: تُظهر هذه الإشكالية الخلط بين مفهوم الدولة الإسلامية والدولة العلمانية، كما يظهر في بعض دساتير الدول الإسلامية. مثل هذه النصوص الدستورية تثير التشويش حول هوية الدولة الإسلامية وتسبب اضطراباً في الوعي الجماهيري، حيث يظهر وكأن الإسلام والعلمانية قد اندمجا في مفهوم واحد، رغم التناقض بينهما.

4. الإشكالية الذهنية (الإيجابية والسلبية): تنقسم هذه الإشكالية إلى رؤيتين؛ الأولى تتمثل في التيار الإسلامي الذي يدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل فوري وبدون قيود، والثانية في التيار العلماني الذي يرفض تطبيق الشريعة. بينما يمكن رفض النظرة العلمانية بالكامل، تظل هناك خلافات بين التيارات الإسلامية حول كيفية التطبيق، مما يؤدي إلى تذرع الأنظمة السياسية بهذه الخلافات لتأجيل تطبيق الشريعة.

 

  • الإشكاليات الخاصة:

تتناول هذه الإشكاليات المرجعية الإسلامية كنظام قانوني مستقل يتمتع بذاتيته وأصوله المميزة. وتشمل هذه الإشكاليات:

1. الخلط بين الإلزام والتقدير في النصوص الشرعية: هناك نصوص شرعية ملزمة وأخرى تقديرية. وهذا الخلط يؤدي إلى تضارب في فهم السلطة التقديرية التي يتمتع بها الحاكم أو المشرع في تطبيق الشريعة.

2. الخلط بين الشريعة والفقه الإسلامي: يتمثل الخلط هنا في اعتبار الشريعة هي نفسها الفقه الإسلامي، رغم أن الفقه هو نتيجة لاجتهاد العلماء في تفسير النصوص الشرعية. هذا الخلط يؤدي إلى تصور خاطئ بأن الشريعة لا يمكن أن تتكيف مع التطورات الحديثة.

3. الخلط بين العبادات والمعاملات: هناك خلط شائع في اعتبار بعض الفرائض، مثل الزكاة، ضمن العبادات الخالصة لله، في حين أن لها جوانب اجتماعية واقتصادية تتعلق بالمعاملات، وهو ما يؤثر على كيفية تقنينها وتطبيقها في النظام الإسلامي.

 

توصيات الدراسة:

اختتم المؤلف كتابه بإيجاز أهم ما خلص إليه من نتائج، ثم  ذكر أهم التوصيات العامة والخاصة التي كشفت عنها الدراسة، على النحو الآتي:

  • التوصيات العامة (للدول الإسلامية):

1. إعادة النظر في المرجعية الإسلامية على مستوى الدول الإسلامية كمرجعية تشريعية يجب العودة إليها دون منافسة من أي مرجعيات أخرى.

2. تبني نصوص دستورية تضمن تنفيذ المرجعية الإسلامية كمرجع تشريعي وحيد في الدول الإسلامية.

3. تعديل الصياغات الدستورية الحالية لضمان وحدة المرجعية الإسلامية في مجال التشريع.

4. وضع صيغة دستورية موحدة في دساتير الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي لتجنب التفاف أو إساءة تفسير النصوص الدستورية.

5. التعجيل بتنفيذ التوصيات وضرورة سن التشريعات اللازمة لتقليل الضرر على الأفراد والمجتمع بسبب عدم تطبيق القواعد الإسلامية.

 

  • التوصيات الخاصة (للنظام الدستوري المصري):

1. في مجال التشريع: ضرورة النص على مرجعية الشريعة الإسلامية في الدستور المصري كمرجعية تشريعية ملزمة، وتعديل النصوص الدستورية التي تتعارض مع هذه المرجعية.

2. في مجال القضاء الدستوري: ضمان أن المحاكم الدستورية تأخذ الشريعة الإسلامية كمرجع أساسي في القضايا المتعلقة بالتشريعات والقوانين، وضمان أن النصوص الدستورية والقانونية تحمي هذا التوجه.

هذه التوصيات تهدف إلى تأكيد المرجعية الإسلامية وتوحيد النصوص الدستورية لضمان تطبيق الشريعة كمرجع أساسي في التشريع.

 

 

فهرس موضوعات الكتاب:

توزعت موضوعات هذا الكتاب على ثلاثة أبواب:

الباب الأول: باب تمهيدي بعنوان: المرجعية الإسلامية والنظرية الدستورية

تناول فيه ثلاثة موضوعات رئيسية:

المفهوم العام للمرجعية الإسلامية - مصادرها - خصائصها - مزاياها.

الموقف الدستوري من المرجعية الإسلامية على مستوى الدول أعضاء منظمة التعاون الإسلامي.

الوضعية الدستورية للمرجعية الإسلامية.

الباب الثاني: بعنوان: المرجعية الإسلامية الحاكمة للسلطات العامة في الدول الإسلامية.

وقد تناول في هذا الباب عدة موضوعات رئيسية:

مفهوم المرجعية الإسلامية الحاكمة - مصادرها الخاصة.

نطاق المرجعية الإسلامية الحاكمة:

في نطاق القانون الخاص (قوانين الأسرة - القانون المدني).

في نطاق القانون المختلط (القانون الجنائي).

في نطاق القانون العام:

القانون العام الداخلي (القانون المالي - القانون الدستوري).

القانون العام الخارجي القانون الدولي العام).

الباب الثالث: بعنوان "دراسة تطبيقية على النظام الدستوري المصري".

تناول فيه دور السلطات العامة حيال نص المادة الثانية من الدستور مع التركيز على دور السلطة القضائية في هذا الشأن، وما ينبغي اقتراحه لعلاج مواطن الخلل والقصور سواء من خلال إعادة النظر في تفسير النصوص الحالية أم ما يقتضيه الأمر من تعديلات دستورية وتشريعية في هذا الشأن، مع محاولة وضع أسس النظرية جديدة في الرقابة الدستورية تكون أكثر انصافًا للنصوص المتعلقة بالمرجعية الإسلامية أم غيرها من النصوص التشريعية.

 

رابط تحميل مقدمة وفهرس الكتاب: هنا

 
Rate this item
(0 votes)
Last modified on الأربعاء, 25 أيلول/سبتمبر 2024 12:59

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.