صدرت الطبعة الأولى من كتاب "العقيدة الإسلامية كما جاء بها القرآن الكريم" لفضيلة الشيخ محمد أبو زهرة* عام 1965م، عن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ضمن بحوث المؤتمر الثاني، ثم طبع مرات ثلاث من قبل، وهذه هي المرة الخامسة التي يطبع فيه بصفة عامة، وهي الطبعة الأولى المحققة التي صدرت عن هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عام ه1444ه/2023م، والتي قدم لها فضيلة الدكتور العالم حسن الشافعي.
ولقد سبق أن قدم الإمام الأكبر د. عبد الحليم محمود لهذا الكتاب، في طبعة مجمع البحوث الصادرة سنة 1969م، وجاء تقديمه على النحو التالي:
إن السلف الصالح قد تذرع لفهم القرآن الكريم والعلوم التي انبثقت عنه بالذوق العربي الفصيح، وبالسنة النبوية الصحيحة، وساروا في فهمه على أنه كل لا يتجزأ، ويفسر بعضه بعضًا.
فعرفوا الإيمان من صفات المؤمن التي ذكرها القرآن الكريم في مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾.
ومثل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.
ووجدوا الإيمان يذكر متضمنًا العمل أو مقرونًا به فعملوا، فكمل إيمانهم، وعلى هذا النحو فهموا شعائر الإسلام، وتوحيد الله وكمالاته المطلقة، والرسل الكرام، ووظائفهم والملائكة الأطهار وصفاتهم.
وجاء المتأخرون الذين فقدوا الذوق العربي الفصيح والاسترشاد الواعي من القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، فصبوا قوالب التوحيد في قواعد جافة، ومن ثم ضعف الإيمان وضعفت الإرادة تبعًا لذلك، وضعفت الأخلاق بالتالي.
ومن توفيق الله أن أخذ المصلحون يتجهون بتيار الإصلاح إلى الوضع السليم، فارتفعت أصوات الغيورين بضرورة إصلاح المجتمعات الإسلامية، وذلك بالرجوع في فهم التوحيد -بالذات- إلى الكتاب الكريم، والسنة النبوية الشريفة، والاسترشاد بهما، على نحو ما فعل السلف الصالح حتى نسعد كما سعدوا.
ويسر الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية أن تقدم للمسلمين كتابها الشهري الثاني: "العقيدة الإسلامية كما جاء بها القرآن الكريم" لفضيلة الأستاذ الجليل الشيخ محمد أبو زهرة عضو المجمع، وهو عالم فاضل معروف في العالم الإسلامي بأبحاثه القيمة وتآليفه العديدة، في مختلف القضايا الإسلامية والعربية، والتي لها قيمتها وأصالتها.
والأمانة العامة تقدم له خالص شكرها وعميق تقديرها على هذا البحث القيم في الناحية العقائدية.
والله تعالى نسأل أن ينفع به، وأن يوفقنا جميعًا لما فيه خير الإسلام والمسلمين.
كما جاء في تقديم الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء لهذه الطبعة التي يشرف موقعنا بنشرها:
افتَتَحَ المؤلِّفُ كتابه برَسْم خُطوطٍ عريضةٍ للعقيدةِ الإسلاميَّةِ؛ من خلال استلهام كلمة الشهادة، وبيان ما تقتضيه نهجًا فارقًا وجامِعًـا مَعًا.
وفي براعةٍ يُحاوِلُ المؤلّف التفريقَ بَينَ قَبولِ خَبر الآحــادِ في العقيدة وعَدَم رَدَّهِ وبَيْنَ إِضَافَتِهِ إِلى أَصْلِ العَقِيدَةِ الَّذِي يُعَدُّ مُنْكِرُهُ كَافِرًا، بِقُيودٍ تَجْعَلُ نُصْبَ عَيْنِهَا: أَنَّ ما احْتَمَلَ الإيمانَ مِن وَجْهٍ والكُفْرَ مِن تِسْعَةٍ وتسعِينَ وَجُها لم يُغادِر دائرة الإسلام؛ ضَبطًا لِنصاب الأُمورِ حتَّى لا نقع فِي فَوْضَى التَّكفيرِ والتَّبديعِ الَّتي نعاني مِنْها في مجتمعنا المعاصر.
وقد جعل المؤلِّفُ كِتابَهُ هَذا مَقصورًا على ما لا يَسَعُ مُسلمًا أن يَجْهَلَهُ، مُعتَمِدًا على قطعي الدلالة من القرآنِ الكَريمِ، أَمَّـا مـا يَقبَلُ التَّأْوِيلَ مِمَّا يَتَّصِلُ بالعَقائِدِ فقد تَعَرَّضَ فيه المؤلفُ لأَقْرَبِ تأويل، مع ترجيح ما يكون تأويله قائمًا على دليل من كتاب أو سُنَّةٍ، ومِثْلُ القُرآنِ في الاستدلالِ والاعتماد: السُّنَّةُ المُتَوَاتِرَةُ، الَّتي تُعاضِدُ مـا جـاءَ فِي القُرآنِ ولا تَزيدُ عليه.
ثم انبرى المؤلّفُ بعد ذلك للحديث عن تَلازُمِ الإسلامِ والوَحْدانِيَّةِ تَلازُمًا لا فَكَاك منه، وذَلِكَ التَّوحيدُ الَّذي هو مُوجَبُ شَهادَةِ أَن لا إلهَ إِلا الله هـو دِينُ الأنبياء جميعًا؛ كَلِمَةَ اتَّفاق عند القائميـنَ بالقِسْطِ في كُلِّ مِلَّةٍ.
وقد وَلَجَ المؤلّف للحديث عن النصوص المهمة للتشبيه، ولَعَلَّ المُبادَرَةَ إلى هذا المَبْحَثِ مَبْنِيَّةٌ على ما أحاط بـه مـن وجهات نظر متباينة تجاوزت الحراك العِلْميَّ، وتحوَّلَ ما كان ينبغي أن يقف عنده سجال العلم إلى نار تكفير وتصنيف واتّهام أصابت الجميع، وهو ما دَفَعَ المُؤلَّفَ إلى تخصيص شطر كبير من الكتاب في مناقشة تلكَ القَضِيَّةِ، مُختارًا مَا انْبَلَجَ لَدَيْهِ سَبِيلُهُ، وَوَضَحَتْ عنده حُجَّتُهُ، مع الرَّدَّ عَلَى المُخالِفِ بِنَهجِ طَرَفاهُ المعقول والمنقولُ، ثم رجح المؤلف بين هذه الآراء فقال: «والذي ينتهي إِليهِ النَّظَرُ هِوَ مَا يَأْتِي:
أولاً: اتفاق العلماء على أنَّ اللهَ تَعَالَى مُنَزَّةٌ عَن أَن يَكونَ مُتَّصِفًا بِما تَتَّصِفُ الحَوادِثُ بهِ، فَلَيسَ لَدَيهِ يَدٌ كَأَيدِي النَّاسِ، وَلَا عَينٌ كَعُيُونِهِم، وَلَا وَجهُ كَوُجُوهِهِم.
ثانيًا: اتَّفَاقُ العُلماءِ عَلَى أَنَّ العَامَّةَ لا يَصِحُ أَن يَخُوضُوا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الآيات ولا تفسيرها، ولكن عَليهِم أَن يُؤْمِنُوا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنَزَّهُ عَن أَن يَكونَ لَهُ ما يُشبِهُ الآدَمِيِّينَ وَسائِرَ الحَوَادِثِ، ولَكنَّ المَعنى المَجازِيَّ لَيسَ عَلَيهِم أن يطلبوه؛ لأنَّهُ لَيسَ إلَّا مِن عِلم الخاصةِ الَّذي لا يُطالبُ بِهِ العَامَّةُ، ولا يُطالب بهِ إِلَّا مَن يُطِبقُ إدراكه، ويَكفِي مِن العامي التنزيه الإجمالي.
ثالثًا: أَنَّنا نَرَى أَنَّ السَّلَفَ لم يُفَسِّرُوا بِظَوَاهِرِ الْأَلْفاظِ؛ فَلَم يَقُولُوا: إِنَّ للهِ يَدًا لا نَعْلَمُها، ولا: إِنَّ لِلَّهِ عَيْنًا لَا نَعْلَمُهَا، وَنَظَرُنَا فِي ذلكَ مُسْتَمَدٌ مِن كَلامِ ابن الجوزي والغزالي، وأنَّ بَعضَهُم كانَ يُفسّر هذه الألفاظ بِما يَتَّفِقُ مع التنزيه، وتستبعد أن يكونَ مِثلُ على بن أبي طالب وأبي بكرٍ وعُمَرَ وابن عباس، وغَيْرِهِم مِن عِليَّةِ العُلماءِ يَفهَمُونَ مِن قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [الفتح: ١٠]: أَنَّ للهِ يَدًا.
تم تناول المؤلّفُ الحديث عن قضيَّةِ الجَبرِ والاختيار، مُتَمَثلا في ذلك ما ارتآهُ مـن فلسفيّة هذا الخِلافِ وكَونِهِ على هامش الاعتقادِ ولَيسَ فِي لُبِّهِ، وزبدَةُ هَذهِ المَسألةِ: أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ فَعَالٌ لما يُريد، وأنه لا يُمكِنُ أَن يَقَعَ فِي مُلْكِهِ إِلَّا مَا يَشَاؤُهُ، ولا مَشيئة في تسيير هذا الوجودِ لسواه؛ ولَكِنَّ ذَلِكَ لا يَمْنَعُ مَسئوليَّة العَبدِ عن أَفعاله، واستحقاقه عليها الجَزاء المُلائِمَ.
وناقش المؤلِّفُ قَضيَّةَ تَعليل أَفعالِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَمَا انْجَرَّ تَبَعًا لها من خوض في الحُسنِ والقُبح خَوضًا غَرِقَ فِي لُجَّتِهِ كَثيرٌ ونَجَا إِلَى سَاحِلِهِ من وفَّقه الله، ونَحَا المؤلَّفَ فِي ذَلِكَ إِلى أَنَّ خَلْقَ الأَشياء فَوقَ تَقدير العبيد لها بالحُسْنِ والقُبْحِ؛ فالغايات التي يُدركونهـا إِنَّـمـا هـي بعـد إنشاء الكون، وما بث فيه وما يُحكم به من أسرار ونواميس؛ فآراءُ الفَلاسِفَةِ والمُتَكَلِّمِينَ كَلامٌ فيما وَقَعَ بعد الوقوع، وما وَقَعَ لَا يَصِحُ أَن يَكُونَ حَاكِمًا على مَن أَنشَأَهُ وأَبْدَعَهُ، فَمِنْ فُضُولِ القَولِ البَحثُ فيما لا تُدرِكُهُ العُقولُ إلَّا أَمَاني، والذي ينبغي الكَفُّ عَمَّا لا تَحتَمِلُهُ الطَّبَائِعُ البَشَرِيَّةُ، والمَفْزَعُ إنَّما هو لِكَمالِ التسليم للقُدرةِ الإلهيّةِ والإرادةِ العَلِيَّةِ الَّتِي لا تُقَيَّدُها عِلَّةٌ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو العليم الحكيمُ اللطيفُ الخَبيرُ.
ثُمَّ يَمَّمَ المؤلّفُ وَجهَهُ شَطْرَ الوَحدانية في العِبادَةِ، التي تعني أَلَّا يُعبَدَ سوى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وتِلكَ نَتيجة لازِمَةٌ لَوَحدَانِيَّةِ الذَّاتِ العَلِيَّةِ، وقد جَحَد المشركونَ بَدَهِيَّاتِ العُقولِ بفصلهم اللازمَ عـن المـلـزومِ، فالإسلام والشِّركُ نَقيضان لا يجتمعان.
وثانيهما: ألا يُعبد الله إلا بما شَرَعَ، فلا تترك السُّنَّةُ إلى البدعة، ولا يترك الوحـي إلـى الهـوى، ومـن هـذا حـرَّرَ المُؤلِّفُ قاعدةً مُفادها: أَنَّه لا وساطة بين العبدِ ورَبِّهِ، سالِكًا في ذلك سَبِيلًا مُتَجافيًا عن بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ، بوَسَطيَّةٍ تَنْأَى عن إفراط وتفريط.
ثُمَّ أَقبل المؤلِّفُ على مُناقشة مبحثِ جَرَيانِ الخَوارِقِ للـعـادات عـلـى أَيْدي غَيرِ الأنبياء، وهو ما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بِقَضِيَّةِ كَرامَاتِ الأَوْلياءِ، ويرى المؤلّف أنَّه لا يوجدُ دَليلٌ عَقلي أو نَقْليٌّ يَمنعُ وُجودَ الخَارِقِ على أَيدي بعض النَّاسِ، ولكن ليسَ هُناكَ دَليلٌ قَطعيٌّ يوجِبُ اعتقاد ذلك عند البعض، كما أَنَّ جَرَيانَ الخارقِ لا يَرفَعُ صاحبه إلى مرتبةِ التَّقديس، لا في حياته ولا بعــد مَمَاتِهِ، وخَوارق العادات يجريها الله علـى أيـدي الصالحيـن إكرامًا لهم ومعونةً، وأمـا خـوارق العادات لغيــر أهـل الـصــلاح فهـي مـن قبيل الاستدراج.
وَوَصَلَ قِطارُ حَديثِ المؤلّفِ إلى شَطْرِ كلمةِ الشَّهادَةِ، الَّتي تَتَضَمَّنُ مَعْنَينِ جَليلين:
أحدهما: أنَّ الإسلام - الَّذي تُعَدُّ هذه الشهادة مفتاح بابِـهِ- لَيسَ مِـن عَمَلِ مُحَمَّدٍ ﷺ، بـل إِنَّـه فيـه رَسُولٌ مُبَيِّن وليسَ مُنْشِئًا.
وآخرهما: أنَّ الإيمـان بـأنَّ سيدنا مُحَمَّدًا ﷺ رَسولُ اللَّهِ يوجِبُ الأَخذَ بكل ما جاءَ به من أَوامِرَ وَنَوَاهٍ.
ويَضَعُ المؤلِّفُ قَوَاعِدَ حَاكِمَةً في إطارٍ مُسْتَقَى مِنَ التَّصَدِيقِ بِمَضمونِ الشَّهادَتَينِ:
إحداها: أنَّ الأحكام التكليفيَّةَ النَّبَوِيَّةَ هِيَ مِن عِندِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ما دامت قد ثَبَتَتْ بِطَرِيقِ قَطعي لا شُبهة فيه.
وثانيتُها: الاعتقادُ الجَازِمُ بأنَّ القُرآنَ الكَرِيمَ قد أَنزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَنَّه بعباراته ومعانيه وأحكامِهِ مِن عندِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَأَنَّهُ حَقٌّ لَا يَأْتِيهِ الباطلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِـنْ خَلْفِهِ.
وثالثتها: الإيمانُ بأنَّ القُرآنَ كَلامُ اللهِ يَسْتَلْزِمُ عَقيدَةً وَعَمَلًا وَسُلوكًا؛ فمَن يَعتقدُ تَحريم ما أَحَلَّ اللهُ تعالى بالنَّص في القرآن الكريم لا يؤمنُ بالقُرآنِ، ومَن يَسْتَحِلَّ مَا حَرَّمَ اللهُ تعالى بالنَّصَّ فِي القُرآنِ لا يؤمنُ بالقُرآنِ، وكذلكَ مَن يَزِعُمُ أنَّ الأحكام التكليفيَّة ليست في مصلحة الناس، أو أنَّ القوانينَ الوَضْعِيَّةَ أَعْدَلُ مِنَ التَّشريعات الإلهيَّةِ، وَيَلُفُ لَفَّهُ مَنْ يُحاوِلُ أَنْ يُخْرِجَ القُرآنَ الكَريم عن ظاهرِهِ بغَيرِ سَنَدِ سَائِغِ مِنْ نَقْلٍ صَحِيحٍ أَو عَقْلٍ صريح، ثُمَّ يَزْعُمُ ذَلِكَ تَأويلاً، وما هو إلا تَحريفٌ يَغُرُّ المَخْدوعِينَ، ولا يَنْفُقُ لَّدَى المُتَّقِينَ.
ثُمَّ يَتَطَرَّقُ المؤلِّفُ إِلى الحَديثِ عن الإيمانِ بالغَيبِ والرُّسُلِ جَمِيعًا واليوم الآخر؛ فالإيمانُ بالغَيبِ هو فَرْقُ مَا بَينَ الدِّينِ وَالزَّنْدَقَةِ المَارِقَةِ التي لا تخضعُ إلا للمادة وحدها، ويَرسُمُ المؤلِّفُ لَوحَةً مُتَبَايَنَةَ الألوانِ للتعامل الإنساني مع قضيَّةِ الغَيبِ، رابطًا بينَ اتَّساع أُفُقِ العَقلِ السَّدِيدِ وبروزِ مِنْطَقَةِ الإيمانِ بالغَيبِ خِلافًا لِمَنْ حَالَ أَوهَامَ شُكوكِهِ عَقْلَا، أَمَّا الإيمان بالرسل السابقين فهو من ضَرورةِ الرِّسالَةِ المُحَمَّدِيَّةِ، التي تُمَثْلُ آخِرَ لَبِنَةٍ فِي صَرْحِ الرّسالاتِ الإلهية، ومن البَدَهيَّاتِ أَنَّ الإيمان بالرُّسُـل السابقين ومـا أُنزَلَ عليهـم مـن كُـُتـبٍ ومـا أُوتــوهُ مِن شَرائعَ إِنَّمَا يَعنـي الإيمان بما جاءَ مِن عندِ اللهِ مَحْضًا لَم يُشَبْ بتحريفٍ أو تبديلٍ أو تغييرٍ.
أما الإيمان باليوم الآخر، بما يَتَضَمَّنُهُ مِن أَهوَالٍ وَمَنازِلَ مِن بَعث وحشر.. وغَيرِ ذَلِكَ، فهو الحقيقةُ المُطْلَقَةُ الَّتِي لا مِـراء فيها؛ فالإيمـانُ بالبعث والحياةِ الآخِرَةِ قَرينُ الإيمان بالغَيبِ؛ لأَنَّ البَعثَ ليسَ أَمْرًا مَشْهُودًا بين أيدينا، بل هو والحَياةُ الآخرة أمـرانِ مُغَيَّبانِ، والقياس المادي القاصِرُ مَبْناهُ النَّظَرُ المَحْسوس، أما القياسُ القُرآني فهو قياسُ المَنْطِقِ المُستقيم؛ لأنَّه قياس ما يَقَعُ علـى مـا قـد وَقَعَ مِـن شواهد وأدلَّةٍ.
وقد قَرَّرَ المؤلِّفُ أَنَّ نَعِيمَ الآخِرَةِ وعِقابَها أَمـــرانِ ماديَّانِ مُدْرَكانِ بالحِس، لا مَعْنَوَيَّانِ فقط كما أَفَكَهُ المُتَخَرِّصـونَ، وَأَنَّهمـا خـالـدانِ دائمـانِ لا ينقطعانِ ولا يَفْنَيان.
وقد أَثْبَتَ المؤلّفُ الشَّفاعة يومَ القيامةِ مُقَيَّدَةَ بإِذنِ الرَّحمنِ للشافع، وارتضائِهِ شأن المشفوع له، كما دَلَّتْ على ذلك النصوص.
ثُمَّ خَتَمَ المُؤلِّفُ كِتابَهُ بِإثباتِ رُؤية المؤمنينَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يـومَ القيامةِ، ولَعَلَّ في ذلك فألَ خَيرٍ وحُسْنَ خاتمةٍ لهذا المؤلَّفِ حِسّا وَمَعْنَى، الَّذِي حَرَصَ فيه مؤلّفه على الاقتصار على أُصولِ العَقيدةِ، مُعتَمِدًا على النصوص الصريحةِ القَطْعِيَّةِ؛ ما جَعَلَ كِتابَهُ هَذا إحياءً لمـا دَرَسَ مِـن مَلامحِ الوَسَطِيَّةِ، وعلامةً يَؤُوبُ إليها شُدَاةُ أَنوارِ السَّعادَةِ الأَبَدِيَّةِ.
محتويات الكتاب:
- مُقَدِّمَة.
- تقديم بقلم: أ.د/ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق.
- تقديم فضيلة الأستاذ الدكتور حسن الشافعي عضو هيئة كبار العلماء.
- ترجمة المؤلف.
- العلم بالأحكام الإسلامية.
1- التَّوحِيدُ:
- أركان الوحدانية.
- الوحدانية في الذَّاتِ.
- التَّأْوِيلُ والظَّاهِرُ والمُسْتَبِهَاتُ.
2- الوحدانية في الخَلقِ والتَّكْوِينِ:
- تعليلُ أَفعالِ اللهِ تَعَالَى.
- الوحدانية في العِبادَةِ.
- لا وَسَاطَةَ بَينَ العَبدِ وَرَبِّهِ.
- الخوارق للعادات على أَيْدِي غَيْرِ الأنبياء.
3- شَهَادَةً أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ:
- الإيمان بالغيب واليوم الآخر والرسل السابقين.
- الإيمان بالغيب هو فرق ما بين الدين والزندقة.
- الإيمان بالرسل السابقين.
- الإيمان بالبعث والقيامة.
- الحياة الآخرة.
- المادية والمعنوية في الثواب والعقاب.
- الشفاعة يوم القيامة.
- رؤية الله تعالى يوم القيامة.
- الإيمان بالغيب واليَومِ الآخِرِ وَالرُّسُلِ السَّابِقِينَ.
- الإيمان بالغَيبِ هُوَ فَرقُ مَا بَينَ الدِّينِ والزَّندَقَةِ.
- الإِيمَانُ بالرُّسُلِ السَّابِقِينَ.
- الإيمان بالبعث والقِيامَةِ.
- الحياة الآخِرَةُ.
- الشَّفَاعَةُ يَومَ القِيامَةِ.
- رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى يَومَ القِيامَةِ.
- ثَبَتُ المَصادِرِ والمَرَاجِعِ الَّتِي رَجَعَ إِلَيْهَا المُعْتَنِي بِالْكِتَابِ.
رابط مباشر لتحميل طبعة مجمع البحوث الإسلامية
رابط تحميل طبعة هيئة كبار العلماء
* وُلد فضيلة الشيخ محمد أبو زهرة عام ١٨٩٨ بمدينة المحلة الكبرى، واستحفظ القرآن، ودخل المكاتب الراقية، وكان منهاجها كمنهاج المدارس الابتدائية القديمة، لولا أنها ينقصها اللغة الإنجليزية واستعيض عنها بدراسات دينية وعربية، وبعد أن حفظ القرآن الكريم دخل الجامع الأحمدي في عام ١٩١٣م حتى عام ١٩١٦م؛ حيث دخل مدرسة القضاء الشرعي، ونال شهادة العالمية من درجة أستاذ عام ١٩٢٥م، ثم حصل على شهادة دار العلوم العليا من الخارج عام ١٩٢٧م، ثم درس بتجهيزية دار العلوم، والقضاء الشرعي والمدارس الثانوية، حتى نقل إلى كلية أصول الدين مدرسًا، ونُقل إلى كلية الحقوق مدرسًا حتى أصبح أستاذًا ورئيسًا لقسم الشريعة الإسلامية بها ثم وكيلا للكلية، وعين عضوًا بمجمع البحوث الإسلامية منذ إنشائه، كما عين بجامعة القاهرة، وله مؤلفات قيمة بلغت أربعين كتابًا في: التاريخ، والملل والنحل، والشريعة الإسلامية، وتفسير القرآن الكريم. توفي إلى رحمة الله تعالى عام 1394ه/ 1974م.