صدرت الطبعة الثانية من كتاب "التعبير عن الإرادة في الفقه الإسلامية- دراسة مقارنة بالفقه الغربي" للدكتور وحيد الدين سوار[*]، عن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع بالجزائر في عام 1979م.
وتسعى الدراسة إلى تحديد موقف الفقه الإسلامي في مجال التعبير عن الإرادة، وتحديد ما إذا كان الفقه الإسلامي يتشيع لنظرية الإرادة الظاهرة كما يستفاد من المذكرة الإيضاحية لمشروع التقنين المدني المصري -أصل القانون المدني السوري- إبان تسويغها لإنجاز المشروع للإرادة الظاهرة)، أم أنه على العكس من ذلك ينحاز إلى الإرادة الباطنة كما جرى على لسان بعض الباحثين؟.
ويبدو إن الإجابة على التساؤل السابق له أهمية قصوى، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار أن الخلاف حول المسألة السابقة إنما هو من أمهات المسائل التي احتدم الخلاف حولها في مجال القانون المدني وتجاوز الصراع حولها مجال النظر الفقهي إلى مجال التطبيق في ميدان النظم القانونية.
ولا شك أيضًا أن الإجابة على التساؤل السابق تتضح أهميتها بصورة كبرى في مجال التشريع المقارن؛ ذلك أن الفقه الإسلامي قد غدا موضع اهتمام رجال القانون في الغرب منذ أعلن الأستاذ لامبير Lambert الفقيه الفرنسي المعروف، في المؤتمر الدولي للقانون المقارن الذي انعقد في مدينة لاهاي عام ۱۹۳۲م، تقديره الكبير للفقه الإسلامي، ثم جاءت قرارات مؤتمر لاهاي للقانون المقارن المنعقد عام ١٩٣٧م معترفة بحيوية الشريعة الإسلامية وقابليتها للتطور، واستقلالها عن غيرها من التشريعات، وصلوحها لأن تكون مصدرًا من مصادر التشريع عامة. وكذلك قرارات مؤتمر المحامين الدولي المنعقد في لاهاي عام ١٩٤٨م، فقد جاءت معترفة بدورها بما في التشريع الإسلامي من مرونة وأهمية موصية اتحاد المحامين الدولي بأن يقوم بتبني الدراسة المقارنة لهذا التشريع والتشجيع عليها.
ويتجلى أخيرًا هذا الاهتمام بالمؤتمرات التي تقيمها شعبة الحقوق الشرقية من المجمع الدولي للحقوق المقارنة تحت اسم «أسبوع الفقه الإسلامي» ولقد عقد آخرها في 23-7- 1952م في كلية الحقوق بجامعة باريس برئاسة الأستاذ ميو Millot أستاذ الفقه الإسلامي في تلك الكلية، إذ أصدر المؤتمرون فيه قرارًا يعترف بما لمبادئ الفقه الإسلامي من قيمة تشريعية لا يمارى فيها، وبما ينطوي عليه اختلاف المذاهب الفقهية في هذا النظام القانوني العظيم من ثروة في المفاهيم الحقوقية، وصناعة هي مناط الإعجاب، يتيحان لهذا التشريع الاستجابة لمطالب الحياة الحديثة والتلاؤم مع حاجاتها.
وأوضح الباحث الطريقة أو المنهج الذي سلكه في دراسته؛ حيث أشار إلى أنه انتهج طريقة موضوعية تاريخية مقارنة؛ وفسر هذا المنهج قائلاً: "فهي موضوعية لأنها تعتمد النصوص أولاً وعلى هذا لسنا نبدأ بنظرية كي نوجه تفسير النصوص على هداها، بل نقطة البداية لدينا هي النصوص نفسها نرتفع منها وعن طريقها هي بالذات لنستخلص النظام الفقهي الإسلامي الذي ندرسه، وعلى هذا لن يكون همنا التقريب السريع بين النظم بل سندرس النظام الفقهي الإسلامي طبقًا لروحه الخاصة محتفظين له بنقطة بدايته، وعلى هذه الخطة السديدة سار قبلنا أستاذنا الجليل الدكتور عبد الرزاق السنهوري.
وهي طريقة تاريخية لم نقف فيها عند الكتب المتداولة للمتأخرين فحسب بل مددنا ببصرنا إلى أمهات الكتب الفقهية في الماضي البعيد لنستقي النصوص -مطمئنين- من ينبوعها الصافي الأصيل، وقبل أن تتعرض لما قد يشوب النقل أحيانًا من تبديل أو تغيير، وستلمس ثمار هذه الطريقة بوجه خاص عند تحقيقنا لشرط السماع في الإيجاب والقبول.
وهى طريقة مقارنة ليست تقتصر على الفقه الإسلامي بل تتناول التقنين الوضعي، وهي ليست تنحصر في مذهب واحد بل تتناول كل المذاهب، ذلك لأن الاقتصار على مذهب واحد لا يعطي، فيما نرى، صورة كاملة عن حقيقة الفقه الإسلامي، فلابد لجلاء هذه الحقيقة من دراسة جميع المذاهب لكى نتعرف إلى ذلك الفيء التشريعي الظليل الذي استظل به الوطن الإسلامي فلبي حاجاته على أحسن شكل وأتم صورة. هذا وسنعمد إلى التعويل على المذهب الأقرب إلى روح المصدرين الرئيسيين الكتاب والسنة، إذ في القرب من هذين المصدرين خلاص مما ينتاب الصناعة الفقهية أحيانًا من مجافاة لمبدأ العدالة وإغراق في التعويل على استقرار التعامل.
تقسيمات الدراسة:
قسم الباحث دراسته إلى باب تمهيدي، وقسمين، وذلك على النحو التالي:
الباب التمهيدي: النزعة الموضوعية في الفقه الإسلامي.
القسم الأول: دور التعبير عن الإرادة في تكوين التصرف القانوني:
تمهيد: التصرف القانوني والواقعة القانونية.
الباب الأول: التعبير المُلقى والتعبير المُتلقى:
الفصل الأول: إظهار الإرادة.
الفصل الثاني: إعلام الإرادة.
الباب الثاني: طرق التعبير عن الإرادة:
الفصل الأول: التعبير عن الإرادة بمظاهر خارجية غير اللفظ.
الفصل الثاني: التعبير عن الإرادة باللفظ.
الباب الثالث: نظرية الإرادة الظاهرة:
الفصل الأول: تأصيل نظرية الإرادة الظاهرة.
الفصل الثاني: الصرائح والكنايات.
الفصل الثالث: النظرية العامة للخلاف بين التعبير والإرادة.
الباب الرابع: نظرية السبب:
الفصل الأول: نظرية السبب في الفقه الغربي.
الفصل الثاني: نظرية السيب في الفقه الإسلامي.
القسم الثاني: دور التعبير عن الإرادة في تحديد آثار التصرف القانوني:
الفصل الأول: التفسير.
الفصل الثاني: شرعية آثار التصرف القانوني.
الفصل الثالث: القوة الملزمة للعقد.
رابط مباشر لتحميل الكتاب
[*] أستاذ القانون المدني- كلية الحقوق- جامعة دمشق، حاصل على دكتوراة في الحقوق من جامعة القاهرة، وعلى الشهادة العالية من كلية الشريعة في جامعة الأزهر.