صدرت الطبعة الأولى من كتاب العالم الإسلامي المعاصر لمؤلفه الدكتور جمال حمدان[1] عن دار نشر عالم الكتب بالقاهرة عام 1971م، ويُعد هذا الكتاب دراسة في جغرافية الإسلام، تعالج فصولها القليلة مجموعة منتخبة ومترابطة من جوانبه الحيوية ومشاكله المعاصرة المؤثرة، أكثر مما تحاول مسحًا جامعًا أو مانعًا للعالم الإسلامي سواء في ماضيه أم في حاضره.
وقد حاول الدكتور جمال حمدان أن يبرز مكانة الدين في الدراسات الجغرافية، حيث كتب يقول: "وللدين مكانه المقرر في الدراسات الجغرافية، كما أن للجغرافيا اهتمامًا تقليديًا بالأديان، ويكفي أن نشير في هذا الصدد إلى العمل الموسوعي الكبير لبيير ديفونتين «الجغرافيا والدین "Gérgraphie et Religion"»، فضلاً عن كتابات فلير وبومان وهنتنجتون وغيرهم من كبار الجغرافيين. والواقع أن الأديان تشكل غلافًا غير مادى -الغلاف الروحي كما يسمى noosphere- يمكن أن يضاف إلى طبقات الغطاءات المادية المتعددة التي تغلف سطح الكرة الأرضية".
كما أوضح في مقدمة الكتاب أنه ليس المقصود بجغرافية الإسلام دراسة الجغرافيا الإقليمية للعالم الإسلامي، فمثلها -هذا بديهي حتى- هو مجرد دراسة «إقليم خاص» لا أكثر ولا أقل، إلا أنه لغرض خاص مفهوم ومن زاوية اهتمام خاصة مطلوبة. المقصود – بالتعريف - هو دراسة الإسلام في ذاته من حيث هو ظاهرة في المكان له توزيعه وامتداده الجغرافي الخاص في اللاندسكيب وعلاقاته الإيكولوجية [البيئية] معه، ومن حيث هو عامل مؤثر في إقليمه وفي تشكيل تاريخه وحياة سكانه وتكوين أو تلوين وجه النشاط البشري أو العلاقات الاجتماعية فيه، بما في ذلك على الأخص الجوانب السياسية الداخلية وتوجيه السياسة الخارجية والمشاكل الدولية... الخ".
ومن هذا المنطلق أردف قائلاً: "ومن هذا المنظور، فإن جغرافية الإسلام يمكن أن تقع، جنبًا إلى جنب مع أصلها الكبير جغرافية الدين بعامة، داخل فرع أو أكثر من فروع الجغرافيا البشرية، ولكنها لن تخرج في التحليل النهائي عن هذا الجذر الأب. فلقد يعدها البعض فصلاً من الجغرافيا الاجتماعية التي تتناول المجتمع في بيئته الطبيعية، بينما قد يراها آخرون أدخل في الجغرافيا الحضارية التي تهتم أكثر بنواحي الحضارة المادية واللامادية في إطارها المكاني. على أن الجوانب السياسية بكل ثقلها وخطرها - أقليات خارج أو داخل الوطن، مشكلات طائفية محلية أو قومية، علاقات دولية أو ارتباطات عالمية... الخ. - هذه جميعًا واضح مكانها التصنيفي على الفور في الجغرافيا السياسية. كذلك فإن أبعاد الماضي من الموضوع، اجتماعية كانت أو حضارية أو اقتصادية أو سياسية، هي بسهولة جزء من الجغرافيا التاريخية. وعلى أية حال، فإن من الخير والمفيد لجغرافي الإسلام أن يذكر دائمًا أنه يعمل في النهاية داخل دائرة الجغرافيا البشرية، بحدودها العريضة ووحدتها المترابطة.
وأكد الدكتور جمال حمدان على أن "دراسة كهذه، تعتمد في الأساس على الحقائق العلمية الدقيقة، نصطدم من أسف بعدم كفاية الأرقام اليقينية الوثيقة أو الحديثة. فالأرقام المتاحة كثيرًا ما تختلف، أحيانًا إلى حد التضارب، كما قد لا يتيسر لنا منها إلا أرقام تقادمت بعض الشيء. وقد كان علينا أن نعتمد على ما أتيح لنا، ربما على علاته، ومن الناحية الأخرى فبديهي أن الدراسة بعيدة كل البعد عن الدين كدين وعقيدة، ولا شأن لها بطبيعة الحال بالمواقف الخاصة أو الشخصية أو العاطفية أو التعصبية، وإن سجلت المشاكل التي قد تعكسها أو تثيرها مثل تلك المواقف. هناك تشريح، نعم، ولكنه علمي موضوعي محايد، دون تحيز أو تجريح، ولسوف تؤدى هذه الدراسة بعض غرضها إذا جاءت حافزًا إلى مزيد من الأبحاث في هذا المجال الخصب، فنحن اليوم في حاجة حقيقية إلى الكثير منها".
تقسيمات الدراسة:
قسم الدكتور جمال حمدان دراسته عن العالم الإسلامي المعاصر إلى أربعة فصول؛ قدم لها في مقدمة دراسته، وذلك على النحو التالي:
«الفصل الأول: من جغرافية الإسلام:
والفصل الأول من البحث الحالي يجيب - ولا أكثر - على السؤال الأول في الجغرافيا وهو: أين؟ إنه رحلة تقصى حقائق، ينظر إلى الخريطة الخام فحسب، وحصيلته هي التوزيع الجغرافى للإسلام. ربما تحصيل حاصل كما قد نقول؛ ولكنه وحده يمدنا بالمادة الأولية الضرورية لكل بناء يتلو.
الفصل الثاني: نظرية عامة في مورفولوجية العالم الإسلامي
إذا كان الفصل الأول مجرد نظرة، فإن الفصل الثاني نظرية مجردة. فهنا محاولة لصب الخامة التوزيعية الغفل في قالب أو نمط مورفولوجى ذى شكل معطى ومنطق حاكم، والنظرية التي نقدم – جديدة فيما نأمل – هي نظرية الإقليم العقدي أو المناطق الحلقية لها نواة وأطراف بينهما انحدارات، وبها نختزل كل هيكل العالم الإسلامي وتركيبه الداخلي في معادلة إقليمية مركزة، أو خطة مكثفة كالبذرة أو مضغوطة كالكبسولة.
الفصل الثالث: خريطة العالم الإسلامي
وكما يترابط الفصلان السابقان، يؤلف الفصلان الثالث والرابع وجهين لشيء واحد، ويمثلان معًا دراسة في الجغرافيا السياسية. ففي البدء نطالع خريطة الإسلام السياسية كما هي، فنصنف دول العالم الإسلامي بحسب كثافاتها السياسية المختلفة، دولاً إسلامية أو نصف إسلامية أو دول أقليات إسلامية، مع تحليل المشاكل السياسية المترتبة وتشخيص أعراضها.
الفصل الرابع: نظرية الوحدة الإسلامية
يحاول الفصل الأخير أن يحدد الدور السياسي للإسلام، كما كان بالفعل في الماضي، وكما ينبغي علميًا أن يكون في المستقبل: آفاقه وحدوده، طبيعته وإمكانياته، كل أولئك بعيدًا عما يحاول البعض أن يلحقه به من تحريف أو استغلال».
رابط مباشر لتحميل الكتاب
[1] الدكتور جمال حمدان (1928م - 1993م) أحد أعلام الجغرافيا المصريين، وصاحب موسوعة شخصية مصر "دراسة في عبقرية المكان"، والتي تُصنف على أنها أهم موسوعة جغرافية تاريخية حول مصر، ويُذكر أن الدكتور جمال حمدان عكف على كتابتها لعشر سنوات متوالية من عام 1975م إلى 1984م.