أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام

By د. عبد الكريم زيدان حزيران/يونيو 27, 2024 1094 0

 

أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه تقدم بها الدكتور عبد الكريم زيدان[1] إلى كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1962م، وبعد مناقشتها نال صاحبها درجة دكتور في الحقوق في الشريعة الإسلامية بمرتبة الشرف الأولى. وصدرت الطبعة الثانية من هذه الكتاب عن مؤسسة الرسالة ببيروت في عام 1982م.

ويُعد موضوع الكتاب من الموضوعات المهمة التي تستحق -على حد تعبير مؤلف الكتاب- بذل الجهد المستطاع لتجليته وتبيينه للناس؛ حيث إنه إذا كانت الشريعة الإسلامية بالنسبة للمسلمين دينًا وقانونًا، فهي بالنسبة لغير المسلمين قانون ما داموا يعيشون في دار الاسلام، ولذا فمن الخير لهؤلاء أن يحيطوا بهذه الأحكام فيعرفوا هذا الجانب من جوانب التشريع الإسلامي.

وحدد دكتور زيدان المنهج الذي التزم به خلال بحثه؛ حيث قال: "وقد التزمت في بحثي أن أكون وراء الشريعة دائمًا، استخلص أحكامها كما هي، فلا أطوعها لما تهوي نفسي، ولا أحملها ما لا تحتمل، ولا أقولها ما لم تقل.. ذلك لأني أعتقد أن الكتابة في الشريعة الإسلامية دين يحاسب عليه الإنسان، وإخبار عن شرع الله لا يجوز فيه التبديل والتحريف، فضلاً عن أن الأمانة في البحث تقتضي أن يكون الباحث بمعزل عن هواه. وقد ذكرت في المسائل التي بحثتها، أقوال المجتهدين التي وقفت عليها، لأن أقوالهم - فيما عدا المستندة إلى إجماع أو نصوص قطعية الثبوت والدلالة - تعتبر بحق من وجوه تفسير النصوص وفهم الشريعة واستنباط الأحكام من أدلتها، فهي لهذا  تدخل في دائرة الاجتهاد السائغ المقبول الذي يجوز الاحتجاج به، كما يجوز فيه الترجيح عند الاختلاف، ولهذا رجحت من أقوالهم ما بدا لي أنه هو الراجح، وما لم يظهر لي رجحانه سكت وحكيت الخلاف وذكرت الأقوال، إذ ما ينبغي الترجيح بلا دليل أو برهان، وقد أبديت رأيي في بعض المسائل الجديدة التي لها صلة في بحثي".

 

تقسيمات الكتاب:

قسم الباحث كتابه إلى باب تمهيدي وقسمين وخاتمة، وذلك على النحو التالي:

الباب التمهيدي:

حيث تناول الباب التمهيدي نظرة الشريعة الإسلامية إلى العالم وتقسيم البشر وديارهم على أساس العقيدة الإسلامية، فالناس أحد اثنين: مسلم غير مسلم، والديار: دار إسلام ودار حرب، وغير المسلمين أصناف شتى، وقد يكونون في دار الإسلام على أساس عقد الذمة أو الأمان المؤقت، ولهذا فقد بينت من هم الذميون، ومن هم المستأمنون، وما هي شروط عقد الذمة والأمان المؤقت وما يتعلق بذلك، ثم اختت الباحث هذا الباب ببيان المركز القانوني للذميين والمستأمنين من جهة تمتعهم بجنسية دار الإسلام أو عدم تمتعهم بها.

القسم الأول: أحكام الذميين والمستأمنين في علاقاتهم مع الدولة الإسلامية

تناول القسم الأول من الكتاب الحديث عن أحكام الذميين والمستأمنين في علاقاتهم مع الدولة الإسلامية، ولذا تم تقسيمه إلى بابين؛ حيث خُصص الباب الأول للكلام عن حقوقهم وواجباتهم، وبيان القاعدة العامة في تمتعهم بالحقوق والواجبات، ثم تحدث عن أنواع هذه الحقوق التي يتمتعون بها في دار الإسلام ، والواجبات التي يلتزمون بها نحو الدولة.

وأما الباب الثاني فقد تم تخصيصه للكلام عن جرائمهم، سواء أكانت ضد أمن الدولة وسلامتها أم كانت ضد الأشخاص والأموال، كما بين عقوبات المسلمين بسبب جرائمهم ضد الذميين والمستأمنين.

القسم الثاني: أحكام الذميين والمستأمنين في علاقاتهم مع الأفراد

تحدث القسم الثاني من الكتاب عن أحكام الذميين والمستأمنين في علاقاتهم مع الأفراد سواء أكانت علاقات أحوال شخصية أم علاقات مالية، ولما كانت هذه العلاقات، وما ينتج عنها من حقوق والتزامات، لابد لها من حماية من جانب القضاء، ولذا فقد تم الحديث عن مدى ولاية القضاء العامة على علاقاتهم القانونية والقانون الواجب التطبيق في هذه الحالة.

وتأسيسًا على ذلك فقد تم تقسيم هذا القسم إلى ثلاثة أبواب؛ حيث تناول الباب الأول أحكام الأسرة للذميين والمستأمنين (مسائل الأحوال الشخصية)، في حين تناول الباب الثاني أحكام معاملات الذميين والمستأمنين المالية، بينا عالج الباب الثالث مسألة خضوع الذميين والمستأمنين لولاية القضاء العامة.

الخاتمة

ذكر الباحث في خاتمة كتابه بعض مزايا الشريعة الإسلامية مع خلاصة ما مر من أبحاث ونتائج توصل إليها أو ظهرت له أثناء البحث، ومن أهم النتائج التي توصل إليها الباحث ما يلي:

  1. اتخذت الشريعة الإسلامية منذ نشأتها العقيدة الإسلامية أساسًا لبناء المجتمع وإقامة الدولة وتقسيم الناس، ورفضت بشدة ووضوح أي أساس آخر تقوم عليه كالجنس واللون، وعلى هذا الأساس الفكري الذي جاءت به صار الناس في نظرها صنفين: مسلمين وغير مسلمين، وصارت الديار: دار إسلام ودار غير إسلام، ومسلك الشريعة هذا هو المسلك السديد القويم الذي يسع الناس جميعًا ولا يضيق بأحد، فكل إنسان يستطيع بمحض إرادته واختياره أن يكون في هذا الصنف أو ذاك، أما الجنس أو اللون فلا يصلح واحد منهما أن يكون أساسًا معقولاً لتقسيم البشر وبناء المجتمع ، فضلاً عن كلا منهما بطبيعته ضيق لا يسع الخلق جميعًا، فليس بمقدور أحد أن يكون من الجنس الذي يهواه بعد أن وجد نفسه منسوبًا إلى جنس آخر سواه.
  2. لم تستعمل فقط ضريبة العشور أو ما يطلق عليها الضرائب التجارية للغرض المالي، وإنما استعملت لأغراض أخرى كالتوجيه الاقتصادي، وهذا يمكن ملاحظته في سياسة عمر بن الخطاب؛ حيث أنقص هذه الضريبة إلى النصف بالنسبة للمستأمنين الذين يجلبون الطعام إلى المدينة تشجيعًا لهم على جلبه، وهذا ما تأخذ به الدول في الوقت الحاضر حيث تخفض سعر الضريبة على الأموال التي تريد الدولة زيادة استيرادها.
  3. أخذت الدولة الاسلامية بقاعدة المعاملة بالمثل في فرضها الضرائب التجارية على المستأمنين، وهذا ما تأخذ به الدول الحديثة في الضرائب الجمركية.
  4. للدولة الاسلامية في الوقت الحاضر أن تنظم هذه الضريبة وجبايتها بالكيفية التي تراها ملائمة لهذا العصر، ولا تنقيد بالتنظيم الذي ذكره الفقهاء.
  5. القاعدة في الأحكام الجنائية سريانها على جميع الجرائم في دار الاسلام سواء كان مرتكبها مسلمًا أم ذميًا أم مستأمنًا؛ لأن الجرائم فساد في الأرض، والشريعة تكره الفساد وتمنعه فكان لابد من العقاب دفعًا لهذا الفساد، ولأن الأصل في الشريعة العموم في حق الكافة، وللدولة الإسلامية الولاية التامة على إقليمها مما يجعل تنفيذ أحكام الشريعة ممكنًا، ولأن الذمي التزم بالذمة أحكام الإسلام ، وكذا المستأمن بإعطائه الأمان التزم هذه الأحكام ما دام في دار الإسلام.
  6. في الأحوال الشخصية تبين أن أكثر أحكامها عند المسيحيين والإسرائيليين شبيه بما هو مقرر في الفقه الإسلامي أو قريب منه، والخلاف في الحقيقة إنما هو في الطلاق وفي بعض مسائل الزواج بالنسبة للمسيحيين.
  7. القاعدة العامة في المعاملات المالية، هي أن غير المسلمين كالمسلمين في أحكام هذه المعاملات، ولا يرد على هذه القاعدة إلا استثناءات قليلة جدًا ليست هي محل اتفاق بين الفقهاء، والراجح قول من لم يستثن من هذه القاعدة شيئًا عدا مسألة جواز تعاملهم بالخمر والخنزير رعاية لما يدينون به.

 

رابط مباشر لتحميل الكتاب

 


[1] الدكتور عبد الكريم زيدان (1921م - 2014م)، فقيه عراقي من علماء أهل السنة في العراق، وأحد علماء أصول الفقه والشريعة الإسلامية، ووزير أوقاف عراقي سابق عام 1968م، وعمل أستاذًا للشريعة الإسلامية ورئيس قسمها في كلية الحقوق بجامعة بغداد سابقًا، وكان عضوًا بالعديد من المجامع العلمي الإسلامية، كما أن له مؤلفات عديدة أخرى في الشريعة الإسلامية وفي الفقه الإسلامي وفي الفقه المقارن، منها: "نظام القضاء في الشريعة الإسلامية"، و"القصاص والديات في الشريعة الإسلامية"، و"القيود الواردة على الملكية الفردية للمصلحة العامة في الشريعة الإسلامية"، و"الكفالة والحوالة في الفقه المقارن مع مقدمة في الخلاف وأسبابه"، و"المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية"، و"نظرات في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية".

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الخميس, 27 حزيران/يونيو 2024 18:07

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.