صدرت الطبعة الأولى من هذا للكتاب للدكتور محمد بن المدني بوساق[1] عن مركز الدراسات والبحوث التابع لأكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية بالرياض عام 2002م ضمن سلسلة تحمل الرقم 291.
وسعى الباحث في هذه الدراسة إلى عرض ما يتصل بالسياسة الجنائية في الشريعة الإسلامية دون تطويل ممل أو اختصار مخل ومن غير تفريع أو استطراد، وإنما سعى إلى رفع اللبس والغموض وطرد الوهم ودفع الشبهة وإقامة الحجة وإضاءة المحجة وكشف سر التألق والتفوق فيها.
وسعى الباحث من خلال دراسته إلى إعطاء صورة متكاملة عن السياسة الجنائية المعاصرة في النظم الوضعية بأمانة وحياد وفي أسلوب سهل وعبارة واضحة، قاصدًا من ذلك الوقوف على الوجوه التي تتفق فيها السياسة الجنائية المعاصرة مع السياسة الجنائية في الشريعة الإسلامية، وبيان أوجه الخلل والقصور ومواطن الضعف في السياسة الجنائية المعاصرة.
وكشفت الدراسة عن وجود مساحة مشتركة بين السياسة الجنائية في كل من القانون الوضعي والشريعة الإسلامية، لافتة إلى أن هذا التشابه قد يكون ناشئًا عن وحدة بعض الأهداف والاشتراك في الوسائل وكثير من المصالح، ولكن على الرغم من هذا التشابه بين السياستين فإن هناك العديد من الفروق والمميزات الجوهرية التي تتفوق بها السياسة الجنائية في الشريعة الإسلامية، أبرزتها الدراسة.
وقد اختتمت الدراسة بعدد من النتائج والتوصيات، وذلك على النحو الآتي:
أولاً: النتائج:
- وجود الكثير من الفروق والمميزات الجوهرية التي تتفوق بها السياسة الجنائية في الشريعة الإسلامية.
- فقدان السياسة الجنائية المعاصرة للمميزات الجوهرية التي تتميز بها الشريعة الإسلامية يًعد خللاً خطيرًا يُفضي إلى الفشل في الوصول إلى الأهداف المتوخاة والمقاصد المرجوة، ويظهر ذلك في ارتفاع نسبة الجريمة عامًا بعد عام، ومن تلك العيوب والمآخذ فقدان الأساس القطعي الذي ترسو عليه، فهي كشجرة منبتة ما لها من قرار، مما استتبع ضعفًا في الجدوى وتناقضًا في الطرح وتسفيها من اللاحق للسابق، فكلما ظهرت نظرية لعنت أختها ووصمتها بالبطلان والجهل والضلال، وإذا أضفنا إلى ذلك قلة المصادر التي تستقي منها، وكونها مبهمة تنتقل من علم إلى علم تبعًا للنوازل والصدف بينما نجد المصادر في الشريعة الإسلامية جلية وواضحة وكثيرة تمكن الباحث من استنباط واكتشاف الأصوب والأصلح والأنسب وأخطر ما يزلزل أسس السياسة الجنائية الوضعية عدم استقرارها على ثوابت تحفظ خصائص الإنسان ومصالحه العليا وقيمه السامية.
- من المآخذ على السياسة الجنائية في النظم الوضعية عدم القدرة على النظرة المستقلة عن الميول الشخصية من قبل المقننين والمنظمين، وقد أفضى ذلك إلى العجز عن مواجهة العوامل المنتجة للجريمة فإن التشوق إلى تحقيق أعلى مستوى من الأمن والتقليل من الجرائم إلى أدنى حد لا يصحبه في الغالب التخلي عن الأهواء والشهوات، وهو ما انتهى إلى المحال؛ لأن الجمع بين الضدين مستحيل فإن إباحة الإثارة الجنسية ومهيجاتها، وعدم حظر شرب المسكرات وغير ذلك لا يحقق الوقاية من الجريمة ولا يوصل إلى الأمن المنشود.
- إذا جمعنا إلى ما تقدم من المآخذ ضعف المشروعية فإن ذلك يجعل تحقيق أهداف السياسة الجنائية في غاية الصعوبة؛ لأن ضعف المشروعية أشعر المقننين برأفة زائفة وقصور في معرفة الأصوب والأصلح والأنسب، مما جعلهم يتمادون في تسويغ الأعمال الإجرامية بعوامل قهرية دون أن يقابلوها بمقاومة مناسبة، فَجَرَّهُم ذلك إلى التساهل والتخفيف الذي شجع على ارتفاع نسبة الإجرام وزيادتها باستمرار، ومن أخطر صيحات هذا الاتجاه هو المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام التي تُعد العائق الأخير لانتشار الجريمة بكثافة واتساع، كما أن حصر القوانين الوضعية للعقوبة في السجن بمختلف مسمياته والغرامة بأنواعها غالبًا ضيع فرصة الاستفادة من العقوبات المتنوعة وبدائل مختلفة للردع والإصلاح والعلاج.
- إن ترك الاجتهاد من قبل علماء الشريعة، وقلة الباحثين في السياسة الجنائية قد أسهم في إثارة الشبهات والنظرة الخاطئة للشريعة الإسلامية في هذا المجال.
ثانيًا: التوصيات:
- التزام ثوابت السياسة الجنائية في الشريعة الإسلامية بإقامة الحدود والحكم بالقصاص في جميع التشريعات بالدول العربية والإسلامية فإنها حصن حصين وسد مانع وسيف قاطع لدابر الجريمة.
- تكوين باحثين مجتهدين متخصصين يجمعون بين الأسس والمنطلقات بما فيها من مصادر ومقاصد وقواعد وثوابت وبين المعرفة الواسعة لمقتضيات العصر وعلومه ووسائله وبخاصة ما يتصل بالنفس والحياة الاجتماعية والاقتصادية لتكوين خبرة تراكمية تساعد على الوصول إلى أصوب ما يمكن وأصلح ما يمكن وأنسب ما يمكن في مكافحة الجريمة واستئصال جذورها وتحقيق أعلى مستويات الأمن والاستقرار، وإعداد قضاة متخصصين بالمواصفات السابقة مضافًا إليها التمكن من الدراسات الاجتماعية والنفسية ليكتسبوا الملكات الضرورية التي تمكنهم من حسن استعمال سلطتهم التفويضية في التفريد العقابي الذي يحقق المواءمة والملاءمة بين العقوبة والجريمة وشخصية الجاني من أجل ردعه وعلاجه وإصلاحه.
- تكوين رجال الأمن تكوينًا علميًا يجمع بين الضروري من علوم الشريعة بعامة، والتوسع في السياسة الجنائية في الشريعة الإسلامية بخاصة مع اكتساب الخبرات الأمنية والمهارات الشرطية الفكرية منها والبدنية وأعلى ما وصلت إليه التقنية الحديثة من وسائل مادية وفنون وأساليب في مكافحة الجريمة مع تحصينهم بالتربية الإيمانية لأنهم العين الساهرة على أعراض الناس وأموالهم وأنفسهم فوجب أن يتصفوا بالأمانة والحكمة وحسن التدبير والعدل والإنصاف واليقظة والفطانة والرحمة والقوة والشجاعة.
تقسيمات الدراسة:
تتكون الدراسة من أربعة فصول وخاتمة، وذلك على النحو التالي:
الفصل الأول: في مفهوم السياسة الجنائية في الشريعة والنظم.
الفصل الثاني: في اتجاهات السياسة الجنائية المعاصرة.
الفصل الثالث: في السياسة الجنائية في الشريعة الإسلامية بما فيها المصادر والمقاصد والقواعد وسياسة الوقاية والتجريم والعقاب.
الفصل الرابع: ملاحظات على اتجاهات السياسة الجنائية المعاصرة في ضوء الشريعة الإسلامية.
الخاتمة
رابط مباشر لتحميل الكتاب
[1] أستاذ القانون بكلية العدالة الجنائية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالرياض بالمملكة العربية السعودية.