أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه تقدم بها الدكتور محمد بن عبد الله إبراهيم السحيم -القاضي الأسبق بالمحكمة الجزائية بالرياض- إلى كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وذلك في 18-6-1433هـــــ، وحصل على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى والتوصية بطباعتها.
وصدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب عن دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع بالمملكة العربية السعودية في عام 1436هـــــ.
وتبرز أهمية دراسة موضوع استقلال القضاء في الفقه الإسلامي من عدة جوانب، أبرزها الباحث على النحو التالي:
- دخوله الأصيل في موضوع القضاء، الذي لا تخفى مكانته، وكونه مبدًأ من مبادئه التي يقوم عليها، وضمانة لتحقيق العدل من خلاله؛ ولذا كان النص على استقلالية القضاء صراحةً في كل دستور.
- حمايته قوة القضاء وهيبته القاطعة لكل محاولة من شأنها التأثير سلبًا عليه.
- إظهار مكانة القضاء الإسلامي، وسبقه، وانفراده بضمان استقلاليته بصورة عملية مثالية دقيقة، يظهر بها عُوار كل تشريع أرضي؛ لتبقى شريعة الإسلام - كما أرادها الله - حاكمة خاتمة في كل زمان ومكان، وفي ذلك إبراز لمحاسن الدين، ودعوة لتحكيمه في شتى بقاع العالم، ورد للفرى المختلقة حوله.
- ما يستدعيه واجب البيان والنصح من ضرورة تجلية الصورة الحقة الشاملة لاستقلال القضاء، سيما في ظل ثورة الأنظمة، وإثارة وسائل الإعلام لمثل هذا الموضوع، وفتح باب الحوض فيه لمن يحسن ومن لا يحسن؛ دفعًا للإيهام، وإزالة اللبس.
- إظهار ذلك الجهد المضني المبذول من قبل فقهاء الإسلام في تحديد معالم استقلال القضاء الإسلامي، وتتبع جزئياته، مستنیرین بهدي الوحيين؛ مما يشكل ثروة فقهية تستحق الإبراز والإشادة، سيما وأن تلك الثروة لم تجمع - حسب علمي - في رسالة علمية تلم شتاتها، وتحرر مسائلها.
تقسيمات الكتاب:
اشتملت الدراسة على مقدمة، وتمهيد، وأربعة أبواب وخاتمة اشتملت على أهم النتائج، حيث تناولت المقدمة: أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، وأهدافه، والمنهج المتبع في البحث، وخطته، في حين تناول التمهيد: حقيقة القضاء، وحكمه، ومقاصده، وخُصص الباب الأول: لدراسة حقيقة استقلال القضاء، وحكمه، في حين تناول الباب الثاني: ضمانات استقلال القضاء، وأما الباب الثالث فقد عالج موانع استقلال القضاء، وتناول الباب الرابع: أثر استقلال القضاء.
وجاءت الخاتمة لتشتمل على أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة، ومن هذه النتائج ما يلي:
- يُقصد باستقلال القضاء انفراد القاضي بإصدار الأحكام في الوقائع بالطرق الشرعية وفق اجتهاده، دون تدخل من غيره أو تأثير عليه.
- إن الاستقلال مبدأ من مبادئ القضاء التي يقوم عليها، وهو وسيلة لتحقيق مقصد العدل الذي شرع لأجله القضاء.
- أن حكم استقلال القضاء الوجوب، إلا إذا كان الاستقلال مؤديًا إلى خلل في تحقيق العدل تحققًا أو ظنًا، أو كان قضاء القاضي مخالفًا للاختصاص؛ فيمنع حالئذٍ.
- من المقاصد الشرعية لاستقلال القضاء: تحقيق سيادة القضاء، وعدالته، وهيبته، وقوته، ونزاهته.
- أن كفاية القاضي المالية من ضمانات استقلال القضاء الواجبة في بيت المال، والقدر الأدنى منها: ما يتحقق بالاستغناء المالي بطرق مشروعة.
- تحريم أخذ القاضي الأجرة من الخصوم إلا عند الحاجة؛ كعدم فرض رزق له من بيت المال، أو كان ذلك الرزق لا يفي بحاجته وحاجة من يمونه.
- جواز اتجار القاضي بنفسه حال الحاجة، أو كان عن طريق وكيل لا يعرف به وإن لم تكن حاجة، وفيما عداهما المرد إلى غلبة ظن حصول المفسدة بالإتجار؛ فيحرم حال تحقق المفسدة، ويباح حال انتفائها، ويكره عند الشك.
- إن اجتهاد القاضي من ضمانات استقلاله، وذلك الاجتهاد مطرد في جميع العملية القضائية: فهمًا للواقعة، وتقديرًا للبينات، ووصفًا للواقعة، وتحديدًا للدليل الشرعي الملائم، وإصدارًا للأحكام.
- تقنين القضاء أنواع متعددة تضبط باعتبارات أربع، قد تجتمع كلاً أو بعضًا، وقد تنفرد، وتلك الاعتبارات هي: الشمول، والموضوع، والمذهب، والإلزام، ولم يقع خلاف فيها إلا في الإلزام، والأظهر عدم جوازه.
- يتحدد موقف القاضي من التقنين بالنظر إلى الإلزام بالتقنين واجتهاد القاضي، فإن كان القاضي مجتهدًا فالمتعين عليه اتباع ما أداه إليه اجتهاده - بإجماع العلماء-، وإن كان مقلدًا فتعامله مع التقنين كتعامله مع سائر الأقوال الفقهية، والأصح في ذلك: أن يقلد قول من يراه أوثق في دينه وعلمه.
- وجوب رجوع القاضي إلى أهل الخبرة فيما ليس له فيه خبرة، وذلك مما لا يتعارض مع الاستقلال؛ إذ هو طريق لسلامة حكمه.
- إن مخالفة القاضي للاختصاص الولائي من موانع الاستقلال؛ إذ هي مسوغ للتدخل في قضائه بالتوقيف والنقض، ولا يستثنى من ذلك إلا ما أجازه ولي الأمر، أو كان الحكم داخلاً في الولاية السابقة التي لم يعلم القاضي بتغيرها.
- الظاهر من حال القضاة السلامة والعدالة والنزاهة؛ استصحابًا لأصل العدالة في المسلم - عند من يرى ذلك-، وتغليبًا للظاهر على الأصل المرجح في أن الأصل في المسلم عدم العدالة.
- الأصل عدم تهمة القاضي، إلا أن ثمة مواضع تقوى فيها التهمة؛ فتكون مانعة من الاستقلال؛ إذ يمنع القاضي من القضاء فيها، وتسوع التدخل في قضائه، وتلك المواضع هي: القضاء للأقارب: من أصول، وفروع، وزوجة، دون الحواشي، وقضاؤه لمن تربطه به مصلحة قائمة محققة له نفعًا دنيويًا حقيقةً أو ظنًا، وقضاؤه على عدوه ذي العداوة الدنيوية الظاهرة، وقضاؤه بعلمه، وقضاؤه حال وجود ما يمنع فهمه ويشغل فكره، ووجود التهمة في هذه المواضع لا يلزم منه زوال النزاهة والعدالة.
- كراهة قضاء القاضي فيما أفتى فيه قبل الترافع.
- شمول تنفيذ الأحكام يستلزم استيعاب القضاء الشرعي لحوادث النزاع، وانضواء الناس تحت سلطان القضاء وتحاكمهم إليه، وشمول تنفيذ أحكامه لهم وعليهم دون استثناء.
- الأصل في الحكم القضائي البيان، ولا ينتقل عنه إلا بدليل يثبت فقد صفة التعيين أو الإلزام الواجب تحققها في هذا الحكم.
- تفسير الحكم القضائي - حال ثبوت غموض فيه - لا يكون إلا عن طريق مصدره إن كان باقيًا على ولاية القضاء، وإلا فإن المسؤول عن التفسير جهة قضائية فردية أو جماعية يحددها ولي الأمر، وذلك من لوازم استقلال القضاء وآثاره.
رابط مباشر لتحميل الكتاب