خمسون مفكرًا أساسيًا معاصرًا: من البنيوية إلى ما بعد الحداثة*

By جون ليشته** آب/أغسطس 14, 2025 144 0

يقدم الكتاب نظرة مركّزة لأهم المفكرين الذين أثّروا في الفكر المعاصر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم. ويعمل ليشته في كل فصل من الفصول الخمسين على تبسيط الأفكار المعقدة ورصد المراجع والمصادر ذات الصلة، بحيث يصبح الكتاب مرجعًا حيويًا لفهم مسار الفكر في نصف القرن الأخير.

يُشير ليشته في مقدمة الكتاب إلى أن ما بعد البنيوية "ترفض جميع الافتراضات الفكرية التي تقف عليها البنيوية" وتؤكد على النسبية وعدم الثبات في المعاني. في جانب السيميائية (علم الدلالة)، يذكر الكتاب باختصار أسماء مثل رولان بارت (مؤسس السيميولوجيا البنيوية) وكلود ليفي-ستروس (مؤسس الأنثروبولوجيا البنيوية)، مبينا كيف فهمت العلامات الثقافية واللغوية كأنظمة مكونة من عناصر مترابطة.

يتناول الكتاب أولًا التيار البنيوي (Structuralism) الذي أسسه فرديناند دو سوسير في علم اللغة، ويركز على فكرة أن الثقافة واللغة تتشكل وفق أنظمة بنيوية خفية. ثم ينتقل إلى مراحل ما بعد البنيوية (Post-Structuralism)، التي تضم مجموعة مفكرين فرنسيين في الستينيات والسبعينيات نقدوا الثوابت البنيوية. من أبرز هؤلاء ميشيل فوكو وجاك دريدا، حيث ركز فوكو على علاقة السلطة والمعرفة في المؤسسات، وجاك دريدا على مفهوم التفكيكية وأساليب تفتيت النصوص والمفاهيم الراسخة.

 كما يشمل الكتاب فصولًا عن مفكرين آخرين في هذا الميدان مثل جيل دولوز وجوليا كريستيفا، ويعرض بإيجاز حياة وأفكار هؤلاء وما يربطهم بالبنية والمعنى.

في القسم الخاص بالحداثة وما بعدها، يعرّج الكتاب على التحولات الفكرية التي أطلقت عليها تسمية ما بعد الحداثة. فكما عرّف جان-فرانسوا ليوتار هذا المصطلح بأنه «التشكك في السرديات الكبرى»، يشرح ليشته كيف شككت تيارات ما بعد الحداثة في الافتراضات الكبرى للعقل والهوية والتاريخ. يدعو هذا التيار إلى نقد الفرضيات المطلقة في العلوم والفلسفة، إذ يرى أن الحقيقة والمعرفة نسبيتان ومشروطتان بالسياق الاجتماعي والتاريخي.

ومن بين مفكري ما بعد الحداثة الذين يوردهم الكتاب كلا من جان بودريار (الذي درس أثر المحاكاة والتصوير في الثقافة) وجاك دريدا (الذي ينظر إلى كل واقع بأنه ذو بنية خاصة). وبشكل عام، يغطي الكتاب أيضًا مواضيع مثل الحداثة، ما بعد الحداثة، وما بعد الإنسانية من خلال عرض لسير ومؤلفات هؤلاء المفكرين وأهم أفكارهم.

ختاما؛ يعد هذا الكتاب مرجعًا مهما للقراء المتخصصين وغير المتخصصين على حد سواء. فهو يقدم عرضًا شاملًا لتاريخ الأفكار في خمسين سنة الأخيرة ويتيح للقارئ فهم التحولات المعقدة في الفكر من البنيوية إلى ما بعد الحداثة. بهذا المعنى، وبين كتب الدراسات الفكرية المعاصرة يقدم باعتباره دليلًا معرفيًا فريدًا ومصدرًا مركزيًا لمن يريد استيعاب منطلقات التيارات الفكرية الكبرى في العصر الحديث.

ولا تخفى أهمية الكتاب في دراسة السياقين الثقافي والاجتماعي المؤثرين في القانون الوضعي وفي فلسفته وفي بيئته، وفي شرح الفكر الحضاري الغربي وتطوراته في النصف قرن الآخير، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي تفسير ما بعد الحداثة، وفي بيان أهم مقولات المفكرين الرئيسيين المؤسسين للأفكار السائدة في الحضارة الغربية المعاصرة بما لها -شئنا أم أبينا- من تأثير فعال في عالمنا العربي والإسلامي!

 

لتحميل ملف الكتاب

 

* جون ليشته، ترجمة فاتن البستاني، خمسون مفكرًا أساسيًا معاصرًا: من البنيوية إلى ما بعد الحداثة، المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولي: بيروت، 2008.

** جون ليشته (John Lechte) هو عالم اجتماع أسترالي متخصص في النظرية الاجتماعية والثقافة المعاصرة. يشغل حاليًا منصب أستاذ في قسم علم الاجتماع بجامعة ماكواري الأسترالية، وله خبرة طويلة في البحث والنشر حول الفكر الحديث والثقافة المعاصرة. وقد كان ليشته من تلامذة الفيلسوفة جوليا كريستيفا، وهو يولي اهتمامًا خاصًا للتحليل النفسي والبنيوية والسيميائية في أبحاثه. وبناءً على ذلك، يجمع كتابه بين منظور معمّق لكل مفكر وأسلوب عرضه في التاريخ الفكري الحديث.

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الخميس, 14 آب/أغسطس 2025 17:10

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.