علم الاجتماع القانوني والضبط الاجتماعي

By د. إبراهيم أبو الغار آب/أغسطس 11, 2025 189 0

يتناول كتاب "علم الاجتماع القانوني والضبط الاجتماعي"* للدكتور إبراهيم أبو الغار** العلاقة بين البنية الاجتماعية والأنساق القانونية بأسلوب علمي ومنهج تحليلي. ويمثل هذا الكتاب جهدًا تأسيسيًا في التعريف بعلم الاجتماع القانوني، الذي يُعد فرعًا حديثًا في منظومة العلوم الاجتماعية. وهو العلم الذي يدرس الظاهرة القانونية باعتبارها نتاجًا اجتماعيًا، تختلف زاويته عن تلك التي ينطلق منها فقه القانون التقليدي. ففي حين ينظر الفقه القانوني إلى القاعدة القانونية باعتبارها قاعدة مجردة، ينظر إليها علم الاجتماع القانوني كنتاج للواقع الاجتماعي، من حيث ظروف نشأتها، والآثار التي تترتب على تطبيقها، ودورها في الضبط الاجتماعي.

ينطلق المؤلف في مقدمة الكتاب من إشكالية طالما أرّقت هذا الحقل المعرفي: النزاع بين أهل القانون ورجال الاجتماع حول مشروعية علم الاجتماع القانوني، إلا أن المؤلف يذهب إلى أن علم الاجتماع القانوني لا يناقض القانون، بل يعمّق فهمه ويجعل منه أداة أكثر اقترابًا من الواقع وأكثر تحقيقًا للعدالة، حينما يواكب نبض الجماهير ويتصل بالبنية الاجتماعية التي ينبثق منها.

ويطرح الكتاب تصورًا نقديًا حول القوانين الوضعية، معتبرًا أنها رغم كثرتها لا تحقق دائمًا الطمأنينة الاجتماعية ولا تحدّ من الجريمة، ما لم تكن منبثقة من الواقع الاجتماعي ومرتبطة بالمصادر العليا للقيم كالشريعة الإسلامية، التي يرى المؤلف أن لها أولوية في التشريع، تنفيذًا لنص المادة الثانية من الدستور المصري، وطلبًا لأحكام أكثر عدلاً وردعًا.

يتوزع محتوى الكتاب على تسعة فصول، يبدأ الفصل الأول منها بتحديد موقع القانون بين فقهاء القانون وعلماء الاجتماع، مع شرح التمييز بين المذهب الفردي والاجتماعي، وتحديد طبيعة العلاقة بين القانون والأنساق القيمية الأخرى، مثل الدين والعرف والأخلاق. كما يناقش العلاقة بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، مؤكدًا دور الشريعة كمصدر أصيل للتشريع.

في الفصل الثاني، يتناول المؤلف المذاهب المختلفة التي فسّرت نشأة القانون، ويقسمها إلى مذاهب شكلية تهتم بالنصوص والصياغة، وأخرى اجتماعية تتناول القانون كوسيلة لضبط الواقع وتوجيهه، بما في ذلك النظريات الفلسفية مثل القانون الطبيعي والتطور التاريخي، والمناهج الواقعية التي تستند إلى دراسة الواقع الاجتماعي القائم.

أما الفصل الثالث، فيستعرض الاتجاهات الفكرية التأسيسية التي مهدت لظهور علم الاجتماع القانوني، متوقفًا عند إسهامات أفلاطون، وأرسطو، وابن خلدون، ومونتسكيو، وفلاسفة العقد الاجتماعي، إلى جانب مفكرين في القانون الجنائي، وتاريخ القانون، والأنثروبولوجيا.

في الفصل الرابع، ينتقل المؤلف إلى دراسة المساهمات الحديثة في هذا العلم، متتبعًا الجهود التي قدّمها علماء الاجتماع وفقهاء القانون في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وكيف أسهمت هذه المدارس في ترسيخ موقع علم الاجتماع القانوني كمجال مستقل.

ويُفرد المؤلف الفصل الخامس لموضوع الضبط والتنظيم الاجتماعي، فيتناول مظاهر هذا التنظيم، وأهمية العادات والأعراف والرأي العام في تحقيق الاستقرار الاجتماعي، مستعينًا بنظريات القوة الاجتماعية كما طوّرها كبار علماء الاجتماع.

أما الفصول من السادس إلى التاسع، فهي تحليل لنظريات السلطة في عدد من السياقات الفكرية والمدارس الاجتماعية، بدءًا من الفلسفات القديمة مثل أفلاطون وأرسطو، ثم مرورًا بالمدارس الفرنسية (كونت ودوركايم)، والألمانية (تونيز، مانهايم، زيمل)، والأمريكية، حيث يعرض نماذج السلطة كما تصوّرها المجتمع الصناعي المعاصر.

 

يمثل هذا الكتاب مرجعًا هامًا لفهم الديناميات التي تحكم العلاقة بين القانون والمجتمع، ويُعد بمثابة دعوة مفتوحة للمشرعين كي لا يصوغوا القانون في معزل عن الواقع الاجتماعي والثقافي، بل يتّحدوا مع علماء الاجتماع وعلماء الدين لبناء منظومة قانونية تستمد قوتها من الواقع ومن المرجعية القيمية العليا.

 

لتحميل ملف الكتاب

 

 

* كتاب صادر عن مكتبة نهضة الشرق- جامعة القاهرة، 1985م.

** أكاديمي مصري.

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الثلاثاء, 12 آب/أغسطس 2025 18:21

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.