يقدم الأستاذ الدكتور سامي جمال الدين في كتابه "تدرج القواعد القانونية ومبادئ الشريعة الإسلامية" دراسة معمقة تركز على العلاقة التفاعلية بين مصادر القانون الوضعي ومبادئ الشريعة الإسلامية. ينطلق البحث من فكرة أن النظم القانونية الحديثة لا يمكن أن تنفصل عن القيم والمبادئ التي تشكل عمادها الروحي والأخلاقي، وأن تطبيق مبدأ المشروعية يقتضي اعتماد آليات واضحة لترتيب القواعد القانونية وتحديد درجاتها من حيث القوة الإلزامية.
في المبحث التمهيدي يستعرض المؤلف المصادر الرسمية للقواعد القانونية، بدءًا بالدساتير كمصدر أعلى، مرورًا بالقوانين واللوائح، وصولًا إلى المصادر غير المقننة مثل المبادئ العامة للقانون والعرف. ويؤكد أهمية فلسفة التدرج باعتبارها الضامن لعدم تعارض القواعد، مشيرًا إلى المعايير الشكلية التي ترتبط بمراتب السلطات التشريعية، والمعايير المضمونية المستمدة من ثبات القيم، لا سيما مبادئ الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان.
يتناول الباب الأول في الفصل الأول منه القواعد المقننة، فيعرض دور الدستور كقمة هرم القوانين التي لا يجوز مخالفتها، ويعرض أمثلة عملية على الرقابة الدستورية في مصر منذ دستور 1971. ثم ينتقل إلى القوانين التي يجب أن تحترم المبادئ الدستورية، ليختتم هذا الفصل باستعراض اللوائح العادية والاستثنائية، مع توضيح حالات إصدار لوائح بقوة قانونية أثناء الطوارئ.
أما في الفصل الثاني فيتطرق الكتاب إلى القواعد غير المقننة، حيث يشرح طبيعة المبادئ العامة للقانون باعتبارها قيمًا قانونية تتجاوز النصوص المكتوبة، ويعرض كيفية اعتماد القضاء المصري والفرنسي لها عند غياب النص التشريعي أو تعارض القوانين معه. كما يخصص الباحث مساحة واسعة للحديث عن العرف، مبينًا الفرق بين العرف المفسر والمكمل والنمط المعدل، وموضحًا رفض العرف المعدل لأسباب تتعلق بحماية مبدأ المشروعية.
وينتقل الكتاب في الباب الثاني لبيان مكانة مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها ضمن تدرج القواعد القانونية، حيث يبدأ بتوضيح الفرق الجوهري بين الشريعة الإسلامية كأحكام قطعية وُرّدت في الكتاب والسنة، والفقه الإسلامي باعتباره اجتهادًا بشريًا متغيرًا. ثم يركز على الدور المادي للشريعة من خلال استلهام المقاصد في التشريعات، على غرار قانون الأحوال الشخصية والأوقاف، قبل أن يشرح كيف أصبحت أحكام الشريعة الرسمية مصادر قانونية ملزمة بعد تعديل المادة الثانية من الدستور المصري.
وفي الباب الثالث من الكتاب يعرض المؤلف نتائج تطبيق قاعدة التدرج، مثل بطلان القوانين المخالفة للدستور أو المبادئ العامة للقانون وبطلان اللوائح المخالفة للقوانين، مما يحقق الانسجام القانوني ويمنع التعارض بين القواعد. كما يناقش الباحث دور الرقابة الدستورية والقضائية والرقابة البرلمانية في ضبط مشروعية القوانين واللوائح، معتبرًا أن هذه الضمانات تشكل العنصر الرئيسي في حماية النظام القانوني واستقرار المجتمع.
ويخلص الدكتور سامي جمال الدين في النهاية إلى أن تدرّج القواعد القانونية هو الآلية الحيوية التي تضمن سيادة القانون وحماية الحقوق، إذ يسمح بتكامل مصادر التشريع المتعددة –الوضعي منها والشرعي– في إطار دولة قانون تلتزم بالمبادئ القطعية للشريعة الإسلامية ومبادئ حقوق الإنسان. ويؤكد أن هذا التكامل يمثل أساسًا متينًا لبناء مجتمع يحافظ على حرياته ويتجنب الاستبداد أياً كان مصدره.
رابط مباشر لتحميل الكتاب
* سامي جمال الدين، تدرج القواعد القانونية ومبادئ الشريعة الإسلامية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2013.
** الأستاذ بكلية الحقوق – جامعة الإسكندرية، والمحامي بالنقض والإدارية العليا والدستورية العليا.