هذا الكتاب هو مقاربة بحثية أصلها رسالة ماجستير في مجال النظرية السياسية لدراسة واستيعاب السياق التاريخي لنشوء أو تبلور مفهوم السلطة السياسية داخل السياق الإسلامي من خلال الرجوع لعصر التكوين، وترى أن علم النظرية السياسية من العلوم التي لم تنل ذلك القسط الوافي من البحث داخل مجال العلوم السياسية -وخاصة فيما يتعلق بالتراث الإسلامي- من المختصين في المجالين معًا (الفقه والعلوم السياسية)، فهناك الكثير من الدارسات السياسية المحضة حول هذا الموضوع وهناك الكثير من الدراسات الفقهية التأصيلية، لكن الصورة لا تتضح دون بناء نموذج يعتمد على كلا المنهجين، فالنظرية السياسية الإسلامية مبنية عليهما معًا.
واستعرض الباحث في دراسته تطور مفهوم السلطة وتوابعه في الحضارة الغربية من اليونان وحتى مجموعة العقد الاجتماعي تاركين العصور الحديثة في كلا السياقين الأوروبي والإسلامي لدراسة أخرى. ثم انتقل لبحث مصادر تلك السلطة مفرقين في هذا السياق بين السلطة من حيث هي قدرة على الإجبار والقهر، والسلطة ذات الأحقية فيما اصطلح على تسميته لاحقًا بالشرعية.
وقد جاء في خاتمة الدراسة ما يأتي:
انطلقت الدراسة من فرضية وجود نظرية للسلطة السياسية داخل الفكر الإسلامي، وخصوصًا فترة الخلفاء الراشدين لما لهم من أهمية تشريعية داخل مدرسة أهل السنة والجماعة، وقد أثبتت هذه الدراسة أن:
(1) مفهوم السلطة السياسية هو مفهوم مشترك بين الحضارات الإنسانية، ولكل حضارة ظروفها الخاصة بها، وقد تطور داخل المجتمع الإسلامي تبعًا لمنظومة الأفكار الإسلامية، ويمكننا تعريف السلطة السياسية في العموم بأنها: «قوة عليا ذات شرعية ومساحة تأثير مباشر، وقابلية للتوزيع والانتقال»، ويميزها في النظرية الإسلامية مرجعيتها.
(2) تعاريف السلطة في الثقافة الغربية والإسلامية تغيرت على مدى العصور بتغير الظروف المنتجة لها، فتعاريف مفكري عصر النهضة مختلف عن العصور الوسطى، مع اتسام التعريف الإسلامي بنوع من الثبات كونه ينحدر من أصل واحد تقريبًا.
(3) مصادر السلطة السياسية تنقسم إلى نوعين؛ مصادر للقوة ومصادر للشرعية، وتنقسم مصادر القوة إلى ناعمة وخشنة.
(4) المصادر الناعمة للقوة السياسية هي القوة الكاريزمية والاقتصادية، أما الخشنة فهي القوة البدنية والعائلية والعسكرية.
(٥) مصادر الشرعية هي: الدم والعائلة والدين والتفويض، ولا تمنع المرجعية الإسلامية من اجتماع تلك المصادر معا في ذات السلطة الحاكمة، إلا أن الحاكم لديها هما المصدران الأخيران.
(٦) كانت الدولة الإسلامية في عهد مؤسس الدولة – النبي ﷺ ذات طابع ديني غير ثيوقراطي، بمعنى أن الشعب كان يعتقد بتأييد النبي بالوحي، لكن هذا لمن يمنع من المشاركة في العملية السياسية من خلال الاستشارة والإمارة.
(۷) زالت أي معالم يمكن أن تُسمى بالثيوقراطية بعد وفاة مؤسس الدولة وانتقال السلطة إلى الخليفة الأول أبو بكر الصديق.
(۸) استخدم المسلمون أسلوب البيعة للتأكيد على أحقية الشعب في تقرير حاكمه، وجعل أهل الحل والعقد وصاة عليه.
(۹) استخدم أسلوب التوصية من قبل أبي بكر لعمر إلا أن الشرعية أتت من بيعة الناس له.
(۱۰) استخدم عمر بن الخطاب طريقة مجلس الاختيار لتحديد الخليفة من بعده، وهي طريقة متعلقة باختيار أهل الحل والعقد لمن يتولى السلطة السياسية.
(۱۱) استخدم عبد الرحمن بن عوف طريقة الاستفتاء العام لتحديد الأولى من بين المرشحين لمنصب الخلافة، واشترط على المرشحين السمع والطاعة في حال اختيار الآخر.
(۱۲) القيود الواردة على السلطة السياسية في الفكر الإسلامي تأتي من مصدرين؛ شرعية وحقوقية.
(۱۳) احتوى الفكر الإسلامي على مؤسسات تقييد السلطة الحاكمة التشريعية والتنفيذية وهي مؤسسة أهل الحل والعقد والمشورة، ومؤسسة الحسبة، والقضاء، والمجتمع.
(١٤) طبيعة القيود الواردة على الدولة إما حقوقية وإما شرعية وإما مصلحية.
(١٥) حقوق الأقليات هي قيد من القيود على السلطة الحاكمة إلا في حال ظهرت لهم ولاءات خارج الدولة الإسلامية.
(١٦) المصلحة قيد مهم على سلطة الدولة، وقد ربط الكثير من علماء السياسة الشرعية طاعة الحاكم بكون أوامره موافقة المصلحة الجماعة البشرية التي يحكمها مع اتساقها مع النظام الإسلامي العام.
وأوصت الدراسة -بعد دراسة حيثيات مفهوم السلطة وتطبيقاته ومصادره وقيوده- بالآتي:
(۱) البحث في تطوير صيغ معاصرة لإجراءات اختيار الحكام وذوي السلطة موافقة للنظرية المدروسة في هذه الرسالة من خلال تحديد القيود الواردة على السلطة التنفيذية بشكل أكبر، وتحديد الشروط المطلوبة فيمن يستلم السلطة وطريقة تنفيذها.
(۲) البحث بشكل أعمق في التشابه والتخالف بين نظام البيعة ونظام العقد الاجتماعي، مما سيجعل التوفيق بينهما أكثر سهولة أو على النقيض تماما يجعله مستحيلا.
(۳) البحث في فلسفة نشوء السلطة في المجتمعات المسلمة بشكل منفصل عن النظرة الاستشراقية بهدف منح المجتمعات المسلمة خصوصيتها الديمغرافية والثقافية.
(٤) العمل على تطوير الخطاب السياسي في المجتمعات المسلمة؛ ليصبح أكثر وعيًا بالحقوق والواجبات ومهمات السلطات المختلفة مما يساعد على الاندماج السياسي السليم.
(٥) البحث بشكل أعمق في تطوير مبدأ الشورى؛ ليستوعب مهمات السلطة التشريعية في نظام الدولة الحديثة، ونشر الأبحاث بشكل مستمر على شكل مشاريع متتابعة.
(٦) وضع الخلاف المتعلّق بالخلافة بين الخلفاء الأربعة في موضعه كخلاف سياسي لا كخلاف ديني، حيث يتعامل معه على أساس المصلحة والمفسدة لا على أساس عقدي.
(۷) إجراء دراسات مشتركة بين كليات العلوم السياسية وكليات الشريعة ومراكز دراسة العالم المعاصر تبحث الآثار الناتجة عن تطبيق أو عدم تطبيق النظرية السياسية داخل المجتمعات المسلمة تاريخيًا وأثر المشاركة السياسية للمسلمين في الغرب بعيدًا عن تلك النظرية.
تقسيم الكتاب:
قسم المؤلف كتابه إلى ثلاثة فصول:
- الفصل الأول: عن مفهوم السلطة السياسية.
- الفصل الثاني: مصادر السلطة.
- الفصل الثالث: القيود الواردة على السلطة السياسية.

المصدر:
- يوسف القرشي، عن نظرية السلطة في الإسلام … دراسة في مفهوم السلطة السياسية ومصادرها والقيود الوارد عليها”، مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت، الطبعة الأولي، 2019، رابط الكتاب.


