موسوعة الفقه الإسلامي "فكرتها .. الغاية منها .. كيف يمضي العمل فيها"*

By الشيخ مصطفى أحمد الزرقا تشرين1/أكتوير 15, 2024 517 0

 

  • منشأ فكرة الموسوعة:

لما عقد مؤتمر "أسبوع الفقه الإسلامي" في باريس في بهو كلية الحقوق من جامعة السوربون أول شهر تموز ١٩٥١م، بدعوة من لجنة الحقوق الشرقية في المجمع الدولي للقانون المقارن، وظهر – من المحاضرات التي ألقيت في موضوعات شتى من مختلف شعب الحقوق والقانون في الفقه الإسلامي - ما في هذا الفقه الأصيل المؤثل من ثروة حقوقية ونظريات قانونية خالدة القيمة، اتخذ المؤتمر قراره التاريخي الذي من جملة ما جاء فيه ما ترجمته الحرفية كما يلي:

أ- إن مبادئ الفقه الإسلامي لها قيمة "حقوقية تشريعية" لا يمارى فيها.

ب- وإن اختلاف المذاهب الفقهية في هذه المجموعة الحقوقية العظمى ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات، وإن الأصول الحقوقية هي مناط الإعجاب، وبها يستطيع الفقه الإسلامي أن يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة والتوفيق بين حاجاتها.

ويأمل المؤتمرون في أسبوع الفقه الإسلامي أن تؤلف لجنة لوضع معجم للفقه الإسلامي يسهل الرجوع إلى مؤلفات هذا الفقه، فيكون موسوعة فقهية تعرض فيها المعلومات الحقوقية الإسلامية وفقًا للأساليب الحديثة[1].

فهذا الأمل الذي دعا إلى تحقيقه مؤتمر "أسبوع الفقه الإسلامي" الأول في باريس كان هو النواة الأولى لفكرة موسوعة الفقه الإسلامي التي أُنشئت لها لأول مرة لجنة خاصة في كلية الشريعة بجامعة دمشق سنة ١٩٥٥.

 

  • غاية الموسوعة:

إن دراسة الحقوق وعلم القانون اليوم تتجه إلى المقارنة بين الشرائع والنظم ليستفيد الاتجاه التشريعي والاجتهاد القضائي من أحسن النظريات الحقوقية وأقربها إلى العدل.

ولا شك أن الفقه الإسلامي الذي هو أغنى فقه عرفه التاريخ البشري في أمة من الأمم هو أولى بالاطلاع عليه والمقارنة به، ولاسيما في البيئات العربية التي تربطها به وشيجة النسب، لأنه تراثها الأصيل المجيد، العربي الأصول والمنابع، فضلاً عن غناه الواسع، وذلك لكي يمكن اتخاذه أساسًا للتشريع والاجتهاد القضائي في البلاد العربية والإسلامية.

ولكن باختلاف الزمن وتطور الأساليب والحاجات الثقافية أصبح فقهنا هذا وما فيه من جوهر نفيس، ونظريات حقوقية محكمة، ومبادئ قانونية سامية ذات قيمة خالدة، كل ذلك فيه أصبح محجوبًا عن أنظار الحقوقيين والمشرعين بغلاف من أسلوبه وترتيبه القديم، وعباراته المعقدة في كثير من كتبه، وبمراجعه الصعبة المسالك على غير المختصين، ولكن تطور الحياة وحاجاتها وتشعب الثقافة العامة جعلا الزمن أضيق أن من يسمح للباحث ببذل الجزء الكبير منه في المراجعة، وهذا ما يوجب على أبناء العربية اليوم تعبيد الطريق إلى هذا الفقه العالمي الضخم الذي أقام نظام العدل في مشارق الأرض ومغاربها نحو أربعة عشر قرنا، وواجه ألوان الحضارات، وحل جميع مشكلات الحياة بأحسن الحلول، وأعدل الأحكام، وأمرن القواعد في معالجة مشكلات اختلاف الزمان والمكان والأعراف والحاجات، بمذاهبه الاجتهادية المتعددة.

فغاية الموسوعة صياغة الفقه الإسلامي كما هو في مراجعه الأصلية وبأسلوب سهل، وتبسيط العبارات المعقدة التي تصادف فيه، دون أن يدخل الكتاب شيئًا من اجتهاداتهم الشخصية، مع الإشارة إلى اختلاف المذاهب والاجتهادات في كل موطن يكون فيه ذلك هامًا ومفيدًا، ثم ترتيب هذه الأحكام الفقهية الشرعية في الموسوعة ترتيبًا أبجديًا على حروف المعجم بحسب الحرف الأول، وما يليه من الكلمة العنوانية الدالة على الموضوع الفقهي.

فأحكام التقادم مثلاً تذكر تحت كلمة "تقادم" التي تأتي في حرف التاء المثناة. مع القاف، وأحكام عدة المرأة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها تذكر تحت كلمة "عدة" التي تأتي في حرف العين المهملة. مع الدال وما يليها.

والأحكام المتعلقة بالأجير العام والأجير الخاص مثلاً تذكر تحت كملة "أجير" التي تأتي في حرف الهمزة مع الجيم وما يليهما، وهكذا في كل موضوع فقهي، فكل باحث ولو غير فقيه مختص يستطيع أن يراجع في الموسوعة عن حكم الشريعة وآراء الفقهاء في كل موضوع بالنظر إلى ترتيب حروف كلمته، كما يراجع أي كلمة شاء في قاموس لغوي، لكنه في القاموس يراجع عن الكلمة ليرى معناها في اللغة، أما في الموسوعة الفقهية فيراجع عنها ليرى ما تحتها من أحكام الشريعة وفقهها في الموضوع، واختلاف المذاهب والآراء الفقهية في ذلك مع الإحالة على مواطن البحث في مراجعه الفقهية الأصلية من كتب المذاهب بذكر اسم الكتاب والجزء والصفحة واسم المطبعة وتاريخ الطبع ليرجع إليها من يشاء.

وهذه الموسوعة يقدر لها لتكون وافية كافية أن تبلغ ثلاثين مجلدًا فأكثر، ولاسيما أنها ستشتمل على جميع أقسام الفقه من عبادات ومعاملات وجنايات وعقوبات وقضاء وبينات وسياسة شرعية وأحكام الأسرة المعروفة اليوم باسم "الأحوال الشخصية" من النكاح إلى الميراث وما بينهما.

من هذا التعريف الموجز يتضح ما لفكرة الموسوعة الفقهية من شأن عظيم وما سيكون لتنفيذها من أثر عالمي في عالم التشريع والقانون يجعلها من الأعمال المخلدة.

وإن دولة الكويت التي تبني اليوم نهضتها بجد وسرعة ونشاط هي الجديرة بأن تجعل من هذا المشروع العلمي الجليل عنوانًا مشرقًا ومشرفًا لنهضتها المباركة.

لذلك رأت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن تتبنى هذا المشروع، وتجند له الكفاءات، وهي تأمل بفضل معونة فقهاء العالم الإسلامي الذين سيطلب إليهم أن يكتبوا فيما سيوزع عليهم من بحوث الموسوعة، وبفضل إدراكهم لهذا الواجب الإسلامي العام، أن تبرز هذه الموسوعة كاملة في أقصر زمن ممكن بالنسبة إلى طبيعة هذا المشروع العظيم.

 


* مقال منشور بمجلة الوعي الإسلامي، العدد (٢٦) صفر (١٣٨٧هـ) مايو (١٩٦٧م)، مستل من كتاب "علماء وأعلام كتبوا في بمجلة الوعي الإسلامي الكويتية"، ج1، مجلة الوعي الإسلامي، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، الإصدار الرابع عشر، 1432هــــ/ 2011م، ط1، ص524-526.

[1] انظر المجلة الدولية للحقوق المقارنة، العدد ٤ من السنة (۳) الصادر في تشرين الأول (أكتوبر) سنة ١٩٥١م.

 

Rate this item
(0 votes)
Last modified on السبت, 08 آذار/مارس 2025 03:55

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.