القراءة الجديدة للنص الديني*

By أ. د. عبد المجيد النجار** تشرين1/أكتوير 11, 2024 1268 0

 

تمهيد

شاءت إرادة الله تعالى أن تكون رسالته الخاتمة إلى البشرية وحيا مشكلاً في لغة هي اللغة العربية، سواء كان ذلك الوحي معجزا وهو القرآن الكريم، أم غير معجز وهو الحديث النبوي الشريف. وقد يكون من وجوه الحكمة في ذلك أن هذه اللغة بلغت في سلم اللغات الإنسانية الذروة في سعة الألفاظ، وفي ثراء أساليب النظم، مما جعلها أكفأ اللغات في حمل المعاني مهما بلغت من الدقة، وأقدرها على أدائها من تلقاء منشئها إلى متلقيها.

وقد نشأت لهذه اللغة بالتراكم قواعد وضوابط في حملها للمعاني باللفظ أو بالنظم، وهي قواعد وضوابط تواضع عليها أهل هذه اللغة بصفة تلقائية عبر التخاطب، ثم استخلصت من واقعها ذلك لتصبح مقننة في علوم تتوارثها الأجيال، وتتعامل على أساسها في تأليف المعاني ونقلها بين المتخاطبين، بحيث أصبحت تلك المعاني لا يمكن أن تحمل للغة في أن تفهم منها إلا من خلال تلك القواعد والضوابط التلقائية أولا، والمقننة بعد ذلك، فإذا ما رام المخاطب أن يصوغ معانيه في لغة لا تخضع لها، أو رام المتلقي أن يفهم المعاني المحمولة باللغة على ذلك النحو، انعدم التواصل الصحيح بين الطرفين، فلا يصل المعني من الطرف الأول كما أراده إلى الطرف الثاني نتيجة لذلك الخلل في أحد الطرفين أو في كليهما.

وبما أن اللغة ضرب من الرمز فإن حملها للمعنى لفظا ونظما فيما يضمنه المنشئ إياها من المعني قد لا يكون في كل الأحوال مطابقا لما يتلقاه المتلقي منه، بالرغم من مراعاة كل منهما للقواعد والضوابط، إذ من طبيعة الرمز أن يتراوح في الدلالة على معناه بين الوضوح الذي يبلغ درجة اليقين، وبين ما دون ذلك، مما قد يصل إلى درجة الاحتمال لأكثر من وجه من وجوه المعاني، سواء فيما يتعلق بقصد المنشئ أم بفهم المتلقي.

وقد كانت هذه الطبيعة الرمزية للغة مدخلا لأن يجد فيها كثيرون في مختلف العصور سببا لتفسير الكلام المنطوق أو المكتوب على وجوه قد يبتعد فيها المعنى المستخرج منها عن المعني المراد لمنشئه، بحسب مقتضيات القواعد إلى درجة أن ينتهي الأمر في بعض الأحيان إلى تحميل كلام المنشئ ما يريد القارئ من رأي، إعراضا عما يتحمله الكلام في ذاته من المعنى بحسب قوانينه التي بني عليها، وقد يتجاوز هذا المنحى درجة العفوية والتلقائية والإسقاط غير المشعور به إلى أن يصبح نظرية مصنوعة مبررة تضفى عليها صفة العلمية لتصبح طريقة شرعية في التخاطب اللغوي بين الناس، وخاصة فيما يتعلق بالتواصل اللغوي بين الأجيال، وهو حينئذ يصبح متجاوزا لمنطقة الاحتمال في الدلالة اللغوية، ليشمل منطقة اليقين فيها، فيما يشبه أن يكون إهدارا مطلقا للدلالة الموضوعية للغة. وقد كان هذا المنحى في الفهم شاملا للكلام البشري وللكلام الذي يعتبره المؤمنون وحيا من الله تعالى.

وقد كان للنصوص الدينية[i] في المجال الإسلامي حظ وافر من هذا المنحى التأويلي الذي يبتغي استخلاص المعاني منها خارج ما تقتضيه قواعد اللغة، إذ قد وجد قديما وحديثا من ينتحي منحى التأويل الذي لا يكتفي أحيانا بالوقوف عند حد ما تقتضيه الاحتمالات في دلالة اللغة على معانيها باللفظ أو بالنظم، وإنما يتجاوز ذلك إلى إهدار تلك الدلالة أصلا في مجال ما هو قطعي يقيني منها، فإذا بالنص الديني قرآنا وحديثا لا يتحصل منه معنى مستقر، وإنما يصبح عند هؤلاء حمالا لما يحملونه هم من المعاني السابقة عن قراءتهم له الناشئة من معتقداتهم أو من أهوائهم أو من جهلهم، وقد يضيق هذا التأويل عند البعض ليقتصر على قسم من النص الديني، وقد يتسع عند آخرين ليعمه جميعا فلا يبقي حاملا لمعنى ثابت من الدين.

لقد عُرفت قديما فرق وأفراد بمسلك التأويل للنص الديني على هذا النحو المتردد بين الاقتصاد والتوسع، وإذا كان المعتزلة قد عرفوا بتأويل لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تأويلا ركبوا فيه مركب الشطط، إلا أنهم بقوا به في دائرة ما يلتمس فيه وجه للدلالة مهما كان قريبا أو بعيدا، ولكن فرقا من الصوفية الغالية والباطنية ركبوا من التأويل لنصوص الدين مركبا أهدروا به الدلالة اللغوية بصفة مطلقة أو تكاد، فإذا بهذه النصوص عندهم لا يتحصل من معناها شيء يضبطه قانون، وإنما تسقط عليه المعتقدات والأهواء، كما قاله بعض غلاة الصوفية من أن المقصود بقوله تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر/ 99) هو أن تعبد الله حتى درجة معينة في الاقتراب منه، ثم يرتفع عنك التكليف بالعبادة فتكون في حل منها لتجوز في حقك كل المعاصي[ii].

وفي العصر الحديث نبتت في العالم الإسلامي فرقة من المؤولة للنص الديني تشبه في بعض الوجوه تلك المؤولة القديمة مع اختلاف الدوافع والأسباب والمناهج، وتداعى أفرادها من المشرق والغرب ليتعاملوا مع هذا النص تعاملا في استخلاص المعاني منه تجاوزوا به مجال الاحتمالات التي تجيزها الدلالة الظنية ليقتحموا مجال الدلالة القطعية فيهدروها بتأويل لا تبقي من المعاني الموضوعية شيئا يتحصل بقواعد اللغة وضوابطها التي بنيت عليها، والتي على أساسها حمل لسان العرب معاني الوحي، فأفضى الأمر بهم إلى أن لم يبق من الدين الذي عرفه المسلمون طيلة أربعة عشر قرنا شيء ثابت. وتحاول هذه الورقة أن تستجلي هذه الظاهرة في قراءة النص الديني من حيث واقعها ومبادئها وأساليبها في التأويل، ثم تبين وجوه الخطأ في تلك المبادئ والأساليب، لتنتهي إلى كشف تهافتها كما كشف تهافت المؤولة القديمة.

 

1.  ظاهرة القراءة الجديدة للنص الديني:

أولاً- الجذور والواقع

إن ظاهرة التأويل في قراءة النص الديني على النحو الذي وصفنا لم تنقطع عبر الزمن، فما من عصر إلا وتتواصل فيه نحلة قديمة في التأويل على نفس المنوال من قبل جيل جديد، أو تنبت فيه نحلة جديدة فرقة أو أفرادا تمضي في تأويل النص بما يخالف مقتضى قواعد اللغة وقوانينها، فكما أسقطت فرق الباطنية قديما أحكام العبادة بتأويل: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر/ ٩٩) على أن اليقين هو درجة من درجات الاقتراب من الله تعالى[iii] أسقطها أيضا حديثا محمود محمد طه وأتباعه بذات التأويل أو بما يشبهه، وكذلك الأمر في نحل أخرى من غلاة الصوفية وأصناف المتأولة.

ومنذ بضعة عقود بدأت تظهر في العالم العربي على وجه الخصوص نحلة جديدة في تأويل النص الديني، لئن التقت مع نحل قديمة في بعض نتائج التأويل إلا أنها انفردت عنها بمنهج خاص بها، وبطرق وأساليب في التأويل جديدة هي أيضا. وقد بدأت إرهاصات لهذه النحلة في الظهور منذ أوائل القرن الماضي، إذ وجدت نزعة تأويلية للنص الديني ذات صلة بالثقافة الغربية في الغالب، ولكنها ظلت زمنا تمثل ظاهرة فردية[iv]، إلا أنه منذ بعض السنوات أصبحت هذه الظاهرة تمثل ظاهرة جماعية ينتمي إليها أفراد من مختلف الأقطار العربية والإسلامية، تجمعهم أفكار متطابقة أو متقاربة، ويوحدهم أو يكاد منهج مشترك، وهو ما يسمح بأن يقع تصنيفها على أنها نحلة واحدة مهما يكن بين أفرادها أحيانا من اختلاف، فمثل هذه النحل قديما تنشب الاختلافات بين بعض أفرادها في بعض الجزئيات والتفاصيل، وإن تكن مجتمعة على أسس عامة ومبادئ مشتركة.

تمتد هذه النحلة التأويلية للنص الديني على رقعة العالم العربي مشرقا ومغربا، ويكاد لا يخلو بلد من ممثلين لها ومنتمين إليها، وإن كان البارزون فيها بالتأليف والتنظير والتقرير ليسوا بالعدد الكبير. ونذكر من هؤلاء على سبيل المثال: من مصر نصر حامد أبو زيد[v]، وجمال البنا، والعشماوي، ومن السودان محمود محمد طه[vi]، ومن سوريا محمد شحرور[vii]، ومن تونس عبد المجيد الشرفي[viii] ومحمد الشرفي[ix]، ومن فرنسا محمد أركون أصيل الجزائر[x]. ويتبع هؤلاء جملة من المؤلفين ممن هم أقل شهرة منهم، ولكنهم يمشون على ذات طريقهم، كما يتبعهم جملة من الطلبة الذين اعدوا بإشرافهم أطاريح جامعية تنحو نفس المنحى التأويلي الذي عليه أساتذتهم[xi].

ثانيا- خصائص الظاهرة

إذا كنا لا نعلم ما إذا كان أصحاب هذه النحلة يقيمون بينهم علاقات ذات منحي ترتيبي مذهبي، إلا أنه من الثابت أن التوافق بينهم قائم فيما يتعلق بالأسس الكبرى التي تقوم عليها رؤاهم التأويلية، وهو ما تشهد به إحالات بعضهم على بعض في مؤلفاتهم، ولقاءاتهم في ندوات ومؤتمرات علمية تعنى بذات المبادئ والأفكار، وذلك ما يسمح بأن يصنفوا ضمن تيار واحد يوشك أن يصبح فرقة من فرق التأويل ذات خصائص جامعة، ومنهجية قائمة، ونتائج من الأفكار والرؤية بينة. ومن أهم ما يبدو من تلك الخصائص الجامعة ما يلي:

أ- الانتماء إلى الإسلام، وتصنيف الرؤى على أنها رؤى إسلامية ناشئة بالاجتهاد في فهم الدين من داخل دائرته المرجعية، وبناء على قراءة نصوصه المؤسسة، فهذا الملمح يبدو بينا عند كل من ينتمي إلى هذا التيار، بل يدعي هؤلاء أن قراءتهم للنص الديني أفضت بهم إلى فهم للإسلام يمثل الفهم الحق، وإلى تقديمه للناس على أنه هو الإسلام الصحيح المستخلص من أصوله، فمذهبهم إذن ليس هو بنقد خارجي للإسلام شأن ما يفعله المستشرقون حينما يدرسون الإسلام من خارج دائرته، فينتهون إلى آراء لا يدعون هم أنفسهم أنها آراء إسلامية، وإنما هو اجتهاد على رأيهم من داخل النص الديني.

ب- لطابع العلماني لهذه النحلة التأويلية، فأغلب المنتمين إليها إن لم يكونوا جميعا هم من العلمانيين الذين يعتبرون الدين شأنا شخصيا لا علاقة له بالشأن الاجتماعي العالم، ومنهم من ينتمي إلى العلمانية اليسارية التي تعتبر الدين في أبعاده الغيبية باطلة من أصله، وربما كان بعضهم بتمسح بمسحة روحية صوفية، ولكنها ليست إلا ظاهرية، أما الجوهر فهو علماني. كما يشترك أصحاب هذا الاتجاه في أنهم جميعا ليسوا من المختصين علميا في العلوم الشرعية، المتمرسين بتراثها تمرسا عميقا، وإنما هم في أغلبهم من المختصين في العلوم الإنسانية والفلسفية، أو في العلوم التطبيقية والهندسية، وإن كان بعضهم مطلعا اطلاعا واسعا على التراث الإسلامي في جانبه الحضاري.

ج- الاتصال الواسع من قبل الكثير من أصحاب هذه الوجهة بدوائر ثقافية غربية استشراقيه ودينية، إما اتصالا دراسيا علميا إذ أغلبهم -إن لم يكونوا جميعا- هم ممن درسوا في الجامعات الغربية، وبعضهم أصبح يدرس فيها، وإما اتصالات بالتعاون البحثي عبر مؤسسات ومنظمات ذات اهتمامات استشراقية دينية، وهو ما بدا جليا في الدائرة المرجعية التي يتحرك فيها هؤلاء بالاقتباس والاستشهاد والاحتجاج، إذ لا يخلو مؤلف من مؤلفاتهم التأويلية من ذلك بشكل واسع[xii].

د- توفر أغلب أصحاب هذه الوجهة التأويلية على كفاءة عالية في مناهج البحث، وفي صناعة التأليف، فأغلبهم من الأساتذة الجامعيين الذين لهم باع في التمرس بالأساليب الحديثة في البحث استخداما للمصادر، وتحليلا للأفكار، واستنتاجا للنتائج من مقدماتها، وتركيبا للآراء والمواقف، وذلك بقطع النظر عن مدى صحة تلك النتائج التي توصلوا إليها، وقد كان لتلك البراعة المنهجية دور ذو بال في كثير من الأحيان في تلبيس يذهب ضحيته من لم يكن من المختصين في العلوم الشرعية والتراث الإسلامي المتمرسين به[xiii].

 

2. المبادئ الأساسية للقراءة الجديدة

إن المتتبع للمسلك التأويلي الذي سلكه أتباع هذه النحلة، والمستقرئ لوجوه التأويل التي مارسوها، يتبين أن هذا المسلك يقوم على أسس ومبادئ أسسوه عليها، إن لم يكن بصفة تنظيرية مصنوعة فبصفة عملية كانت فيها هذه الأسس تمثل خلفيتهم المرجعية التي توجههم في تأويلهم للنص الديني، ومما يساعد كثيرا على فهم تلك التآويل وتقييمها الوقوف على تلك الأسس بالتبين لطبيعتها ومحتواها، استخلاصا من مجمل التصرفات التأويلية التي انبنت عليها، واستفادة من بعض البيانات المباشرة التي وردت في شأنها. ولعل من أهم تلك الأسس ما يلي:

‌أ.          الشك في موثوقية النص الديني

يتصف موقف هؤلاء المؤولة الجدد بصفة عامة بالشك والتشكيك في موثوقية النص الديني من حيث صدوره عن النبي (صلى الله عليه وسلم) على الصورة التي استقر عليها ووصلنا بها، وهو شك وتشكيك يتعلقان بالقرآن الكريم والحديث النبوي على حد سواء، وإن اختلف في الطبيعة والدرجة بالنسبة لكل منهما اختلافا أفضى إلى تردد بين نفي المشروعية أصلا عن كون هذا النص مصدرا للدين، وبين الاعتراف بها مع شائبة نقص فيها يضعفها ولكن لا يلغيها.

ففيما يتعلق بالحديث النبوي يكاد يجمع هؤلاء المؤولة الجدد على أن الحديث النبوي كما ورد في المدونات المتداولة بين المسلمين يفتقر في كونه صادرا عن النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى الموثوقية التي يرتقي بها إلى أن يكون مصدرا للدين؛ ولهذا فإنهم في مجمل تأويلهم استبعدوه أن يكون حجة لهم في تقريراتهم التأويلية، كما استبعدوه لذات السبب أن يكون حجة عليهم في مقام الحوار معهم فيما ينتهون إليه من آراء.

ويسوق هؤلاء على مبدئهم هذا مستندات تكاد لا تخرج عن تلك المستندات التي عرضها في ذات الشأن جملة من المستشرقين الذين تعرضوا للحديث النبوي بالدرس، وذلك من مثل القول بأن الحديث النبوي تعرض لعملية الانتقاء والاختيار والحذف التعسفية التي فرضت في ظل الأمويين وأوائل العباسيين أثناء تشكيل كتب الحديث المدعوة بالصحيحة، "لقد حدثت عملية الانتقاء والتصفية هذه لأسباب لغوية وأدبيه وثيولوجية وتاريخية"[xiv]، أو القول بأن الشك في صحة الحديث النبوي جملة يسببه "هذا التزايد الفاحش للحديث الصحيح من النصف الأول من القرن الثاني إلى النصف الأول من القرن الثالث للهجرة من ١٧ (صحت عند أبي حنيفة) إلى ٣٠٠٠٠، ٤٠٠٠٠، ألا تكفي هذه الأرقام وحدها للشك في صحة ما ينسب إلى النبي وكلها روايات آحاد؟ فلقد تفاقم الوضع إلى حد لا ينفع فيه مجرد التحري الذي قام به البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب المجاميع في القرن الثالث الهجري"[xv]. كما يقول أحد هؤلاء الموؤلة ويرتقي إنكار حجية الحديث عند بعض المؤولة إلى اعتبار أن تلك الحجية منفية عنه بالأمر النبوي نفسه، فـــ"إن شأن الحديث لعجيب حقا فلقد احتفظ هو ذاته بما يفيد نهي الرسول عن تدوينه، وأمره بألا يكتب عنه سوى القرآن، أي بما ينسف مشروعيته من الأساس، أراد النبي أن يكون القرآن وحده النبراس الذي يهدي المسلمين في حياته وبعد مماته"[xvi]. وإذا كان بعض المؤولة قد اعترف بشيء من الحجية للحديث النبوي فإنها حجية لا تتجاوز ما يتضمنه من إرشادات عامة وأسس كلية تشرح ما جاء في القرآن الكريم من تعاليم أخلاقية كونية، "وما سوى ذلك من الأقوال والأفعال يجب أن يدرج في سياق الوجود الاجتماعي للشخص التاريخي، بمعني أنها أقوال وأفعال غير ملزمة للمسلمين في العصور التالية"[xvii]، وهكذا ينتهي الأمر إلى نزع المشروعية عن السنة مصدرا من مصادر الدين، إن بصفة مطلقة أو بصفة قريبة منها.

وأما فيما يتعلق بالقرآن الكريم فإن أصحاب هذه النحلة يعتبرونه هو المصدر المشروع للدين، وهو بالتالي الذي ينبغي الاقتصار عليه في فهم الدين واستخلاص أحكامه، ولكنهم يحيطونه أيضا بجملة من الشكوك والمؤاخذات التي من شأنها أن تضع موثوقيته من حيث التطابق بين ما هو بين يدي المسلمين اليوم وبين ما جاء به النبي (صلى الله عليه وسلم) موضع الشك، وذلك جراء ملابسات تتعلق بجمعه وتدوينه وترتيبه، وكان لهذه الشكوك آثارها في تأويل المعاني القرآنية المتعلقة بالأحكام العملية على وجه الخصوص.

ومما يثير الاستغراب في هذا الشأن أن المؤلفات التي اطلعنا عليها من أدبيات هؤلاء المؤولة لم يحدد أصحابها تحديدا بينا قاطعا طبيعة القرآن فيما إذا كان وحيا من الله تعالى نزل على محمد (صلى الله عليه وسلم) ليبلغه للناس، أو هو إنتاج بشري من النبي نفسه كما ذهب إلى ذلك من تناول القرآن بالدرس من المستشرقين، فبقي موقفهم من هذا الأمر ملتبسا مثيرا للظنون، بل إن بعض آراء المستشرقين التي تعتبر القرآن إنتاجا بشريا تجدها تتردد عند بعض أصحاب هذه النحلة، وهو ما يبدو في شرح أحدهم لحقيقة الوحي حينما قال: "فالوحي إذن هو مصدر علم النبي، أي تلك الحالة الاستثنائية التي يغيب فيها الوعي وتتعطل الملكات المكتسبة، ليبرز المخزون المدفون في أعماق اللاوعي بقوة خارقة لا يقدر النبي على دفعها ولا تتحكم فيها أرادته"[xviii]. وإزاء هذا الالتباس في تحديد مصدرية القرآن الكريم، وإزاء هذه الإشارات المؤمنة بالمصدرية البشرية عند بعض هؤلاء المؤولة لا يملك الدارس إلا أن يقف موقف الشك في كون بعض أتباع هذه النحلة على الأقل يؤمنون بالمصدرية الإلهية للقرآن الكريم.

وينطلق كثير من هؤلاء المؤولة في شكوكهم بموثوقية القرآن الكريم من مبدأ أنه نقل من النبي إلى من بعده شفويا ثم كتابة، وأن النقل هو في أصله غير موثوق به أن يكون المنقول مطابقة صورته عند المنقول منه لصورته عند المقول إليه، إذ لابد أن يحدث اختلاف بين الصورتين مهما كان عليه الناقل من درجة في الصدق والتحري[xix]، ثم إن تحول المنقول من صورته الشفوية إلى صفته المكتوبة يعرضه لا محالة إلى تفاوت بين الصورتين بالزيادة أو بالنقص أو التغيير، إن بأقدار كبيرة أو صغيرة[xx]، وكل هذا من شأنه أن يضع القرآن كما وصل إلينا في دائرة الشك بالنسبة لصورته التي صدر بها عن النبي الكريم.

وقد حظي تدوين القرآن الكريم عند أصحاب هذه النحلة بنصيب وافر من سببية الشكوك فيه، والآراء في ذلك لا تخرج عن تلك الشكوك التي أبداها المستشرقون منذ ما يقارب من الزمن.

ومن تلك الشكوك أن القرآن الكريم لم يقع تدوينه كله في عهد النبي، بل إن أصحاب النبي "دونوا في حياته بعض الآيات، وهكذا تشكلت نسخ جزئية على أشياء مادية غير كافية"[xxi]  كما يقول أحدهم، ويضيف آخر مستكملا قوله: "بينما دونت رسالة محمد بعيد وفاته"[xxii] ، وذلك ما يفضي إلى اعتبار أن بعض القرآن على الأقل تأخر تدوينه إلى ما بعد وفاة النبي، مما أدى إلى وجود فجوة زمنية بين صورة القرآن الشفوي وصورة القرآن المدون تسمح باحتمال التغاير بحق الصورتين، وانتهى الأمر إلى أن أصبحت الصورة التي تلاها النبي على أصحابه وهي «القرآن» مغايرة للصورة التي دونت فيما بعد وهي (المصحف)، وأصبح "الترادف التام بين القرآن والمصحف والذكر والكتاب ليس بديهيا على النحو الشائع بين القدماء وأتباعهم السلفيين، وينبغي أن يكون موضوع بحث عميق، واستقصاء قد يؤدي إلى نتائج مخالفة للحلول التي رأوها"[xxiii]، وقد لعبت السلطة السياسية على رأي بعض هؤلاء في هذا التغاير بين الصورتين دورا كبيرا، إذ استعملت نفوذها لإقرار صورة بعينها من صور القرآن أثبتتها مصحفا، ومنعت صورا أخرى وأتلفتها[xxiv].

ولعل من مظاهر ذلك التفاوت بين صورتي القرآن والمصحف على رأي بعضهم ما انتهى إليه المصحف من ترتيب يخالف الترتيب التاريخي الذي كان عليه القرآن، وهو ترتيب يبدو فيه التغيير متمثلا في ضرب من الاعتباطية التي صار بها المصحف ترتيبه لا يخضع لأي معيار عقلي في منطقي[xxv]. ولا يضير وقوع هذا التغيير في القرآن ذلك الوعد الإلهي بحفظه؛ وذلك لأن الذكر الذي وعد الله بحفظه هو المحتوى وليس الظرف، هو مضمون الدعوة فيما انطوت عليه من تبشير وإنذار، ومن توجيه وإرشاد، وليس الألفاظ والتعابير التي صيغت فيها تلك الدعوة[xxvi]، ولا غرابة في ذلك فإن بعض الآراء تذهب إلى أن الذي نزل على النبي من الله تعالى أنما هي المعاني، وأما اللغة فهي من تعبيره نفسه، وهذا الرأي "هو في الحقيقة أقرب المواقف من المعقولية الحديثة"[xxvii]  كما يقول أحدهم.

إن هذه الشكوك في موثوقية النص الديني قرآنا وحديثا من شأنها لا محالة أن تسمح بضرب واسع من التأويل لذلك النص، إذ ما دام الأمر على هذا النحو فإنه يمكن للدارس أن ينطلق في درسه من افتراض صور أخرى للقرآن غير هذه التي وصلت إلينا، وأن تستدعى المعاني منها بدل أن تستدعي من الصورة المتداولة بيننا، ويمكن أن يقع العثور في شواذ الروايات والأخبار وضعافها ومتروكاتها التي تدعي صورا أخرى للقرآن على ما يسعف هذه الوجهة التأويلية مما قد نضرب له أمثلة فيما يلي من هذا البحث.

‌ب. الظنية المطلقة لدلالة النص الديني

يقرر أصحاب هذه النحلة في معظمهم أن النص الديني المتمثل في القرآن الكريم بل والمتمثل في الحديث النبوي هو نص ظني الدلالة بصفة مطلقة، إن ثلاثة من كبار المنظرين لهذا المذهب التأويلي على الأقل يتبنون هذا الرأي ويدافعون عنه، ويرتفعون به إلى أن يكون أحد أسس مذهبهم، وقد عبر أحدهم عن ذلك بقوله: "بغض النظر عن احتماله (أي القرآن) مثل كل النصوص المكتوبة والدينية التأسيسية منها على وجه الخصوص لعدد يكاد يكون غير محدود من التأويلات حتى في الآيات التي تبدو في الظاهر صريحة، فإن الأصوليين لم يراعوا فيه لا الغايات المرصودة من الحلول الظرفية التي احتوى عليها، ولا السياقات المخصوصة التي وردت فيها الآيات التي كانت محل عنايتهم"[xxviii].

ولا يذهبن الظن إلى أن هذه الاحتمالية المطلقة إنما تتعلق بالأحكام الشرعية دون الأحكام العقدية، إذ هي احتمالية شاملة لكل أحكام القرآن، وهو ما يذهب إليه منظر ثان على نحو صريح إذ يقول: "القرآن هو عبارة عن مجموعة من الدلالات والمعاني الاحتمالية المقترحة على كل البشر، وبالتالي فهي مؤهلة لأن تثير أو تنتج خطوطا واتجاهات عقائدية متنوعة بقدر تنوع الأوضاع والأحوال التاريخية التي تحصل فيها أو تتولد منها... فالقرآن نص مفتوح على جميع المعاني ولا يمكن لأي تفسير أو تأويل أن يغلقه أو يستنفذه بشكل نهائي"[xxix]، وإلى ذات هذا الرأي ذهب المنظر الثالث[xxx]، الأمر الذي يجعل من هذه الفكرة مبدأ أساسيا من مبادئ هؤلاء المؤولة فيما سلكوه من تأويل.

‌ج. حاكميه الواقع على النص الديني

نقصد بالواقع ما يؤول إليه تطور الحياة البشرية من أوضاع في الفكر والسلوك، وما تنتهي إليه تلك الحياة من أحوال متمثلة في الأوضاع الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وسواها. والمقصود به عند هؤلاء المؤولة هو ذات هذا المعنى مع تحيين له بما وصلت إليه الحضارة الحديثة من أوضاع في مختلف أوجه الحياة.

هذا التأسيس للواقع الذي تجري به الحياة البشرية قيّما على الدلالة النصية يكاد يكون قاسما مشتركا بين المنتمين لهذا المذهب التأويلي، وهو ما يرتقي به إلى أن يكون أساسا من أسس ذلك المذهب. ومما قاله بعضهم في ذلك: "... أما المسار الثاني، فيتمثل في ترك مفهومي الإسلام والتراث مفتوحين أي غير محددين بشكل نهائي ومغلق، لأنهما خاضعان للتغير المستمر الذي يفرضه التاريخ"[xxxi]، ومن البين أن المقصود بما يفرضه التاريخ ما ينتهي إليه الواقع الإنساني من أحوال. ومما قاله آخر في ذلك: "في تقديرنا أن العودة للسياق الاجتماعي الخارجي، السياق المنتج للأحكام والقوانين، وتحديد أحكام النص على ضوئها، يمكن أن يمثل دليلا هاديا لا لفهم الأحكام فقط، بل يفتح باب الاجتهاد لتطويرها على أساس تأويلي منتج"[xxxii]، والمقصود بالسياق الاجتماعي الخارجي إنما هو الوضع الذي يجري به الواقع الاجتماعي. وهكذا ينتهي الأمر في هذه القراءة للنص الديني إلى أن تكون قراءة متأسسة على تحديد أحكام النص على ضوئها، يمكن أن يمثل دليلا هاديا لا لفهم الأحكام فقط، بل يفتح باب الاجتهاد معاني ذلك النص بحسب ما يجري به الواقع من أوضاع، لتكون تلك الأوضاع في منقلباتها غير المتناهية هي الحاكمة على مدلول النص الديني.

‌د. إهدار التراث باعتباره فهما للنص الديني

الرسالة الإسلامية هي تلك الرسالة المضمنة في النص القرآني وفي نص الحديث النبوي، وقد نظر المسلمون في هذا النص وكونوا من نظرهم هذا فهما لهذه الرسالة ولئن كان هذا الفهم يختلف في بعض الجزئيات والفروع فإن أصوله العامة وفروعه التي علمت من الدين بالضرورة ظلت قدرا مشتركا في إفهام المسلمين، يتدينون به اعتقادا وسلوكا، من يوم نزل الدين إلى يومنا هذا، وهو ما استقرت عليه الأمة خالف عن سالف في إجماع شمل جميع طوائفها وأجيالها وعلمائها وعامتها، معتبرة أن ذلك هو الدين الحق الذي تضمنته نصوص الوحي، وبشر به النبي (صلي الله عليه وسلم).

ولكن هؤلاء المؤولة الجدد كان لهم في هذا الأمر رأيا آخر، وملخص هذا الرأي أن الدين الذي جاء به النبي (صلي الله عليه وسلم) هو هذا الدين الذي تدينت به الأمة طيلة أربعة عشر قرنا، وإنما هو دين آخر ما تزال النصوص متضمنة إياه، وتنتظر من يستخرجه منها بإفهام أخرى، ليست هي تلك الأفهام التي استقرت عليها الأمة.

والسبب في كون الرسالة الإسلامية التي تدين بها المسلمون ويتدينون ليست هي الرسالة التي جاء بها النبي؛ هو أن فهم تلك الرسالة كما تم من قبل الجيل الإسلامي الأول، وكما ضبطه وأرساه العلماء وخاصة منهم الفقهاء بعد ذلك كان فهما خاطئا، وتوالى الخطأ بالتناقل إلى اليوم، فهؤلاء جميعا كأنما قد غفلوا من الوجه الحق من الإسلام، وهو وجه "طمسه التاريخ، وأنكر طاقاته الإبداعية، فلم يتعود المسلمون كشفه والتنقيب عن خفاياه وأسراره ودلالاته، ولم يتفطنوا في الأغلب حتى إلى وجوده ذاته، لا لتقصير منهم أو عجز أو ما أشبه ذلك، بل لأن ظروفهم وطبيعة ثقافتهم لم تكن تسمح لهم إلا بما اهتدوا إليه وطبقوه"[xxxiii]. ولما كان هذا الإسلام الذي يتدين به الناس تشكل في الأفهام في الفترة الإسلامية الأولى "فإن التاريخ لأحداث القرن الأول للهجرة يستلزم إعادة النظر في أكثر من مسلمة، ولاسيما فيما يتعلق بوفاء الأجيال الإسلامية الأولى لمبادئ الرسالة، وهي التي كانت مدعوة إلى تجسيدها"[xxxiv].

وإذا كان المسلمون عامة قد وقعوا في هذا الالتباس في فهم الدين الفهم الصحيح فإن العلماء منهم والفقهاء بصفة خاصة هم الذين يتحملون المسؤولية في ذلك، فالفقهاء قد شيدوا فقها جوانب عديدة منه "صنعها أناس ضدا على المبادئ القرآنية"[xxxv]، وقواعد الفقه التي وضعها الفقهاء ليست في حقيقتها ذات طبيعة دينية، وإنما هي قواعد من وضع بشر، فكانت منافية للعدل والمساواة وحقوق الإنسان[xxxvi]. وإنما سلك الفقهاء هذا المسلك تاركين الوجه الحق من الإسلام إلى الوجه الخاطئ منه، إما لما كانت تسلط عليهم من ضغوط من قبل المجتمع الرجالي المستبد على النساء[xxxvii]، ومن قبل السلاطنة السياسيين، وإما خضوعا منهم لدواعي الأهواء التي زينت لهم حب الجاه والترؤس والترف، والبذخ[xxxviii].

ومادام الأمر على هذا النحو من أن المسلمين عامة والعلماء والفقهاء منهم خاصة قد فهموا الدين على غير وجهه الحقيقي، بقطع النظر عن كون ذلك نشأ عن قصور أو تقصير، فإنه يكون من الحق أن يكون باب الفهم الصحيح للدين مفتوحا ليلجه الوالجون من تلقاء تأويل جديد يفضي إلى استحضار الوجه الحق من الدين، وهذا الباب هو الذي يلجه اليوم هؤلاء المؤولة ليكون هذا المعنى أساسا من أسسهم فيما يرومونه من تأويل، وأما الفقهاء والعلماء الذين أسسوا هذا الفهم السائد للدين، فـ "من أدراهم أن المسلمين لن يتبنوا في المستقبل فهما أعمق وأفضل من فهم لم يسد في النهاية إلا أقل من أربعة عشر قرنا، وهي فترة قصيرة في عمر الإنسانية الطويل؟"[xxxix].

‌ه. ذاتية القراءة للنص الديني

يتردد في مؤلفات المؤولة الجدد كثيرا فكرة ترقى إلى أن تكون أساسا من أسسهم في التأويل، وهي فكرة الذاتية المطلقة في قراءة النص الديني، وبالتالي في التدين بما تفضي إليه تلك القراءة. وخلاصة هذه الفكرة أن النص الديني يخاطب الإنسان خطابا مباشرا بصفة فردية، ويحمله مسؤولية قراءته ونتائجها بصفة فردية أيضا؛ ولهذا فإنه من حق الفرد أن تكون له قراءته الخاصة لهذا النص ينتهي فيها إلى ما يرتضيه من مدلول بحرية مطلقة لا يحتكم فيها إلا إلى ضميره، خاصة وأن هذا النص مفتوح على أحتمالات من المعاني غير متناهية كما أسلفنا بيانه، وبالتالي فإنه لا حق لأحد في أن يعيب على آخر قراءته لهذا النص، والنتيجة التي يتوصل إليها منها، أو يمنعه من هذه وتلك.

 

3. طرق التأويل في القراءة الجديدة

اتخذ تأويل النص الديني عند هؤلاء المؤولة مسارات عدة، تختلف في أشكالها، ولكنها تلتقي في نتائجها. ويجمع هذه المسارات أن المعاني والأحكام والمطلوبات والمنهيات التي يتضمنها النص الديني لا ينبغي أن تحمل على ظاهرها سواء في الدلالة اللغوية على المعاني في ذاتها، أم في المدى الزمني الذي يمتد إليه الخطاب، أو في المدى البشري الذي يشمله الأمر والنهي، وإنما تصرف عن ذلك الظاهر إلى وجوه أخرى قد تكون مخالفة له إن قليلا أو كثيرا، لتكون تلك الوجوه من المعاني والتكاليف هي المقصود من النص، ولتكون بالتالي هي الدين الحق الذي يتضمنه ذلك النص، مهما كان مخالفا لما استقرت عليه الأمة في الفهم والتطبيق بإجماع منذ نزول الدين إلى اليوم، وإذا كانت المسارات التأويلية التي سلكتها المؤولة الجديدة متعددة ومتنوعة آخذة من مسارات قديمة ومضيفة إليها أخرى جديدة، فلعل المسارات الأساسية الهامة التي ترجع إليها فروع وتفاصيل كثيرة تتمثل في المسارات التالية:

‌أ.          التأويل الزمني:

فإن هذا التأويل الزمني يمكن تفريعه إل فرعين: التأويل الزمني بالحال الجماعية، والتأويل الزمني بالحال الفردية.

أولا- التأويل الزمني بالحال الجماعية

عرف هذا التأويل باسم يكاد يصبح مصطلحا له، وهو (تاريخية النص الديني)، ومعناه في الجملة أن الكثير مما تضمنه النص الديني من مطلوبات ومنهيات إنما هو متجه بالخطاب التكليفي إلى مخاطبين في زمن معين حينما يكونون على وضع من الحياة معين، وأما الآخرون الذين يكونون في زمن غير ذلك الزمن، وفي وضع غير ذلك الوضع فإنهم لا يكونون مشمولين بذلك الخطاب النصي؛ ولذلك فإنهم يحق لهم بل يجب عليهم أن يفهموا النص في حق ما يتوجب عليهم على غير ما يقتضيه ظاهر الخطاب الذي هو متجه إلى آخرين في زمن غير زمنهم، وفي أوضاع غير أوضاعهم.

إن القرآن الكريم بحسب هذا التأويل فيما تضمنه من أحكام كثيرة كان يعالج أوضاع الناس زمن نزوله، وهي أوضاع تقتضي طبيعتها أن لا يكون لها علاج ناجع إلا بتلك الأحكام، فإذا ما تغيرت تلك الأوضاع في أجيال لاحقة فإن المؤمن في هذه الأوضاع الجديدة "لا يضيره أن لا يرى فيما فرض من تفاصيل العبادات والمعاملات متى وجدت وهي قليلة جدا سوى أثر لمقتضيات الاجتماع في عصر ولا سيما الحديثة منها في مشارق الأرض ومغاربها"[xl]، فيكون إذن في حِل من تلك الفروض بمقتضى أوضاعه الجديدة، وله أن يعتبر الخطاب القرآني بصيغة يا أيها الناس أن "المقصود بالناس هنا الجماعة الأولي التي كانت تحيط بالنبي، والتي سمعت القرآن من فمه لأول مرة"[xli].

وهكذا "لا ينبغي أن يكون تنفيذ عقوبة معينة كما هو الشأن في القصاص والسرقة وغيرهما محسوبا على الخضوع لأوامر إلهية لا صلة لها بالزمان والمكان بل هي مما اقتضته ضرورات الاجتماع والأخلاق، وهي أمور متغيرة وغير مستقرة، تتأثر بعوامل عديدة منها الثقافي ومنها الاقتصادي والسياسي"[xlii]، وهذا يعني أنه إذا تغيرت ضرورات المجتمع وأخلاقه عما كان عليه الأمر زمن نزول القرآن بأحكام العقوبات فإنه يصبح في حد منها، وذلك بقراءته على ضوء الواقع الجديد.

وما يقال عن الحدود في هذا الشأن يمكن أن يقال أيضا عن العبادات وهي التي تبدو أكثر ديمومة وثباتا في أفهام المسلمين وأعمالهم. إلا أنه مع ذلك فطريقه العبادة التي التزمها المسلمون على عهد نزول القرآن ليست بملزمة لمن يأتي بعدهم إذا ما تغيرت ظروف الحياة، بل يمكنهم أن يأتوا من هذه العبادات بما يلائم ظروفهم الجديدة، فإذا كان النبي على سبيل المثال "يؤدي صلاته على نحو معين فكان المسلمون يقتدون به، إلا أن ذلك لا يعني أن المسلمين مضطرون في كل الأماكن والأزمنة والظروف الالتزام بذلك النحو... (فثمة أصناف) أخرى من الناس ممن أعوضوا عن الصلاة، أو يعيشون تمزقا بين الواقع والمنشود، ألا يحق لها أن تكون وفية لما يأمرها به دينها من دون الالتزام بما قرره السلف في هذا الشأن (شأن الصلاة) بكل تفاصيله؟"[xliii]، وإذن فإن الأحكام الدينية بما فيها العبادات هي في الإلزام بها رهينة الأوضاع الاجتماعية وليست لها صفة الإلزام المطلق، وللمسلمين في كل زمن أن يقرأوا النص الديني قراءة يخرجون فيها بفهم تحدده في أوضاعهم متجاوزين ما يحمله ظاهر ذلك النص من التكاليف التي كانت بحسب ذلك الظاهر تخاطب أوضاع الناس في المرحلة الزمنية التي نزل فيها الدين[xliv].

ثانيا - التأويل الزمني بالحال الفردية

هذه الحال التأويلية شبيهة بما قبلها إلا أن التأويل الزمني فيها يتعلق بما يحدثه الزمن من تغيير في حال الفرد وليس في أوضاع الجماعة أو الأمة، فالدين كله إنما غايته عند القائلين بهذا التأويل هي أن يترقى الإنسان بتدينه روحيا في اتجاه مثاله الأعلى وهو الله تعالى، وأحكام الشرع متمثلة في العبادات على وجه الخصوص إنما شرعت بغاية تدريب الإنسان على هذا الترقي الروحي، فإذا ما ترقى الإنسان بطريق هذه العبادة، ووصل إلى الدرجات المبتغاة من الرقي أصبحت الأوامر النصية بالعبادات لاغية في حقه، لأنها قد استنفذت أغراضها، فيصبح إذن في حل منها، ويصبح متأولا للنص على هذا الأساس.

إن الأحكام عامة وأحكام العبادات خاصة على رأي المؤولة الجدد لا يتم استنباطها "على أساس سليم بالتمسك بحرفيتها في نوع من عبادة النص، بل بالبحث من روحها ومغزاها ومراعاة القصد منها حتى تكون العبادة لله وحده، ويكون ضمير المسلم هو الحكم الأول والأخير في مدى الاستجابة للتوجيه الإلهي"[xlv]، وعلى سبيل التمثيل بعبادة الصلاة فإن (النبي صلى الله عليه وسلم) كان يؤدي صلاته على نحو معين، فكان المسلمون يقتدون به، إلا أن ذلك لا يعني أن المسلمين مضطرون في كل الأماكن والأزمنة والظروف للالتزام بذلك النحو على فرض أنه كان فعلا موحدا ولم يطرأ عليه أي تغيير أثناء فترة الدعوة"[xlvi]، وإذن فإن للمسلم أن يقرأ النص الديني الآمر بالعبادات قراءة يتحرر فيها من أشكالها الظاهرة ليمارس عبادته صلاة وصياما وسواهما بما يمليه عليه ضميره، وبما يحقق من المقصد الأعلى للعبادة.

‌ب. التأويل اللغوي:

اعتمد بعض المؤولة الجدد في تأويلهم للنص الديني على فلسفة لغوية وجدوا فيها مدخلا لذلك التأويل، وهي فلسفة تقوم على تحليل طبيعة اللغة في دلالتها على المعاني، وذلك بالأخص فيما إذا كانت المدلولات موضوعية تحملها اللغة خارج المتلقي، أو هي مدلولات تتولد بالأساس في ذهن المتلقي لتتحدد بعد ذلك برموز اللغة، وكذلك فيما إذا كانت اللغة تدل على المعاني بذاتها، أو أن للسياق الذي تدرج فيه مدخل في تلك الدلالة، وعناصر هذه الفلسفة اللغوية بعضها قديم وبعضها حديث، وقد استثمرت من قبل بعض هؤلاء المؤولة لتأويل النص الديني.

والوعي الثقافي يختلف باختلاف الأزمان والأجيال، بل قد يختلف باختلاف الأفراد في الزمن الواحد وفي الجيل الواحد؛ ولذلك فإن المدلول اللغوي للنص الواحد قد يكون مختلفا بين جيل وآخر، بل بين شخص وآخر من نفس الجيل، من معاني النص قد يكون مخالفا لما يفهمه جيل أخر أو فرد أخر منه، إذ هو لا يحمل في ذاته معنى موضوعيا يلتقي الجميع في فهمه، وإنما يتحدد معناه بالوعاء الثقافي الذي يتنزل فيه بالتلقي[xlvii].

هذه الفكرة الفلسفية طبقها بعض المتأولة الجدد على النص الديني قرآنا وحديثا، فقالوا: "إن الخطاب الإلهي خطاب تاريخي، وبما هو تاريخي فإن معناه لا يتحقق إلا من خلال التأويل الإنساني، أنه لا يتضمن معنى مفارقا جوهريا ثابتا له إطلاقية المطلق وقداسة الإله"[xlviii]، وإذا كان القرآن على هذا النحو من عدم تضمنه معنى موضوعيا مفارقا، وبما أنه من جهة أخرى "هو نص موجه للناس في سياق ثقافة بعينها (وهي ثقافة من نزل بين ظهرانيهم)"[xlix]، فإن النتيجة تكون أن المعني القرآني هو ذلك المعني الذي ينطبع في أذهان المتلقين بحكم ما تنتجه ثقافتهم من عملية التلقي للنص القرآني، وبما أن ثقافة المتلقي للنص القرآني تتغير من زمن إلى زمن فإن المعني القرآني الذي يحصل في أذهان أهل زمن ما من ذوي ثقافة معينة ليس هو المعني الذي يصلح منه في أذهان أهل زمن آخر من ذوي ثقافة أخرى، وذلك ما يسمح بتعدد المعاني القرآنية بحسب تعدد الثقافات والأزمان.

إن هذا التأويل اللغوي يسمح بقراءة للنص الديني تنتهي إلى إهدار كثير من الأحكام الدينية الأساسية منها والفرعية؛ وذلك لأن هذه الأحكام يمكن بمقتضى الأساس الفلسفي اللغوي لهذا التأويل أن يفهمها كل أهل زمن وفق الوعي الثقافي الذي يكونون عليه، فلا يكون لها أذن معنى ثابت، فإذا ما يفهم عند أهل زمن على أنه مطلوب يصبح عند غيرهم مفهوما على أنه غير مطلوب، وإذا ما يفهم عندهم على أنه منهي عنه يصبح عند غيرهم مفهوما على أنه مباح نتيجة تغير الثقافات بين الأزمان.

‌ج. التأويل المقاصدي:

إذا كانت أحكام الدين فيما تضمنته من تفاصيل وضوابط وحدود تهدف إلى تحقيق مقاصد معينة هي المعروفة بمقاصد الشريعة، فإن المؤولة الجدد احتفوا بتحقيق المقاصد دون تفاصيل الأحكام وضوابطها، وانتهجوا في ذلك مسارا تأويليا للنص الديني سموه بالتأويل المقاصدي، وهو تأويل ينتهي بالنص الديني إلى إهدار الأحكام المتعلقة بضبط الأفعال من حيث الأمر والنهي، ويعتبر فقط المقاصد من تلك الأحكام، بحيث إذا تحققت بدونها أصبحت هي لاغية في هذه القراءة التأويلية.

وفي شرح هذا المعني يقول أحد المؤولة: "إن التأويل المقاصدي هو التأويل الأنسب من الوجهة الدينية، وينبغي ألا يطول البحث في تحليل الكلمات، بل لابد من البحث وراء المعاني الحرفية عن روح القرآن، وتناول كل مسالة حسب وضعها ضمن المقاصد الإلهة الشاملة، ويقتضي هذا البحث إدماج عامل الزمان، فيمكن أن تكون القاعدة (أي الحكم الشرعي) صالحة لوقت معين، لكنها إذا أصبحت لمرور الزمن وتغير الأوضاع غير ملائمة ينبغي أن نتمكن من تغييرها"[l]، وهذا التغيير إنما هو بسبب كونها لم تعد محققة لمقاصدها، أو كون مقاصدها أصبحت تتحقق بغيرها، وفي كل الحالات فينبغي أن تقرأ الأحكام في الإلزام بها أو عدم الإلزام قراءة تحقق مقاصدها دون التفات إليها في ذاتها؛ ولذلك فإنه على سبيل المثال فيما يتعلق بحد السرقة "لا حرج البتة في التخلي عنه، واستبداله بعقوبات أخرى تتماشي والأوضاع التي تعيشها المجتمعات الإسلامية الحديثة، طالما يمكن تحقيق الغرض منه بوسائل أخرى"[li].

إن هذه القراءة التأويلية المقاصدية للنص الديني هي قراءة كفيلة بأن تغير الأفهام في استخلاص معاني الأحكام من نصوصها ليصبح الأمر نهيا والنهي أمرا إذا ما تبين للقارئ أن مقصد الحكم لا يتحقق به بل يتحقق بحكم غيره، فيصبح ذلك الغير هو المطلوب خلافا لما يقتضيه ظاهر النص، وهو ما يقتضي على سبيل المثال إمكان أن يفهم من النص القرآني حلية الربا بدلا من حرمته، وأن يفهم بطلان عقوبات الحدود بدلا من وجوبها، بل يصل الأمر إلى إلغاء العبادات من صلاة وصوم وحج وزكاة على النحو الذي هي محددة به، وذلك إذا ما تحققت مقاصدها في ترقية الروح وتحقيق العدالة بأشكال أخرى منها أو حتى بدون تلك الأشكال أصلا، ذلك هو ما يفهم من كثير من النتائج التي انتهى إليها بعض هؤلاء المؤولة من قراءتهم لأحكام العبادات في القرآن الكريم[lii].

‌د. التأويل العلمي:

هو ضرب من التأويل للنص الديني ينسب نفسه إلى العلم بمعنى العلوم الحديثة طبيعية ورياضية، وذلك بأن يقع تأويل النص على أساس بعض القوانين الطبيعية والرياضية لتصرف معانيه عن ظواهر دلالاتها اللغوية المتعارف عليها وتحمل بمقتضى هذه القوانين التي يكتشفها الإنسان تباعا على مدلولات أخرى مخالفة لما تقتضيه ظاهر اللغة وما استقرت عليه أفهام المسلمين منذ نزول الدين إلى اليوم.

وإذا كان هذا الضرب من التأويل ليس منتشرا على نطاق واسع بين المؤولة الجدد إلا أن قول بعضهم به يجعله مبررا لأن ندرجه ضمن مسارات التأويل في هذه الظاهرة من باب الاستيفاء والتقصي مهما يكن عليه هذا التأويل من غرابة، خاصة وأن ثمة بوادر تشير إلى أنه قد يكون سائرا في طريق التوسع والانتشار.

والمثال الأبرز لهذا التأويل الرياضي ما شرحه أحد المؤولة فيما يتعلق بما جاء فى النص الديني من أمر بالتزام حدود الله تعالى وعدم تعديها، وحدود الله هي الخطوط الفاصلة بين ما هو مسموح بفعله على وجه الوجوب أو الندب أو الإباحة، وما هو غير مسموح به على وجه المنع أو الكراهة، وذلك فى كل ما أمر الله تعالى به وما نهى عنه، وليس الأمر خاصا بالمعنى الاصطلاحي المتعلق بالعقوبات.

وبحسب ما يرى هذا المؤول فإن كل أوامر الله تعالى ونواهيه تنحصر بين حدين أعلى لا يمكن الصعود فوقه، وحد أدنى لا يمكن النزول تحته، وذلك متحقق بالنظر إلى الأحكام الشرعية في جملتها كالحد الأعلى المتمثل في أحكام السرقة والقتل، وهو ما لا يمكن الصعود فوقه بالتشديد، والحد الأدنى المتمثل في تحريم النكاح من المحارم النصوص عليها، وهو ما لا يمكن النزول تحته بالتساهل تحليلا لبعض هذه المحارم.

وعلى سبيل المثال فإنه إذا كان الحد الأدنى في حكم الشريعة تحريم المحارم المنصوص عليها فإنه لا يمكن بحكم القانون الرياضي النزول تحت ذلك الحد بإضافة محارم أخرى، ولكن يمكن الصعود فوقه بمنع الزواج من بعض الأقارب غير المعدودين من المحارم كبنات العم والعمة والخالة إذا بين علم الطب أن لذلك آثارا سلبية على النسل، أو بين علم الاقتصاد أن له آثارا سلبية على توزيع الثروة، ولا يكون في ذلك تجاوز لحدود الله لأنه ليس فيه نزول تحت الحد الأدنى.

أن الأسس المبدئية المنهجية التي انبنت عليها هذه القراءة، والتي شرحها أصحابها بشيء من التفصيل تسمح للدارس أن يستكمل صورة التدين الذي تدعو إليه هذه القراءة، وذلك بأن يجري ما لم يقع فيه تفصيل على نسق ما فصلته القراءة، ووفق الأسس المنهجية التي رسمتها وجرت عليها، وحينئذ فإنه يمكن أن نرصد النتائج التي انتهت إليها هذه القراءة ممثلة في صورة الدين الذي بينته ودعت إليه. ولعل أهم هذه النتائج تتمثل فيما يلي:

  • نزع الثقة بمصدر الدين.
  • نزع صفة الموضوعية عن الدين.
  • إلغاء الفهم السائد للدين.
  • التشريع لدين جديد:

تشطب هذه القراءة الجديدة الدين السائد إما باعتباره فهما خاطئا من أساسه، أو باعتباره كان حقا في الزمن الماضي ولم يعد كذلك لتغير الزمن، وذلك لتؤسس لفهم جديد من خلال النص الديني، وهو فهم يشبه أن يكون حقيقته دينا جديدا وإن كان بعض أصحاب هذه القراءة ينكرون هذا التعبير بالدين الجديد أو بالشريعة الجديدة مع عملهم على تحقيق محتوى هذا التعبير[liii] مما يثير شكوكا بأن الأمر ذو صلة بالتقية على نحو من الأنحاء.

وقد اعتمد بعض هؤلاء المؤولة تعبيرا عن الفهم الجديد للدين مصطلح "الرسالة الثانية للإسلام"، أو "الوجه الثاني لرسالة الإسلام"، إشارة إلى أن الرسالة الأولى هي التي استقر عليها فهم الأمة للإسلام، والرسالة الثانية هي الرسالة التي لم تفهم والتي آن أوان فهمها لتكون هي الدين الحق الذي تبشر في القراءة الجديدة[liv].

إن الفهم الجديد للدين الذي تنتجه هذه القراءة هو فهم قد ينتهي من حيث المبدأ إلى مخالفة كل ما هو سائد من فهم سواء تعلق الأمر بالمرتكزات العقدية أو بالشرائع والأخلاق فـ "كل ما يتصل بجانب العقائد والتشريعات -الأحكام والحدود خاصة- من نصوص يدرجها الخطاب الديني في خانة الثوابت التي يجب أن ينقل فهمها عن الأسلاف. لا اجتهاد في مجال العقيدة، هذا ما يعلنه الخطاب الديني متجاهلا أن العقائد تصورات مرتهنة بمستوى الوعي، وبتطور مستوى المعرفة في كل عصر"[lv].

وعلى هذا الأساس من التأصيل للفهم الجديد ألغت هذه القراءة الجديدة قسما من المعتقدات من مثل وجود الملائكة والجن والسجلات التي تدون فيها الأعمال، وصور الثواب والعقاب وعذاب القبر ونعيمه ومشاهد القيامة والسير على الصراط، واعتبرت ذلك كله تصورات أسطورية[lvi]. كما ألغت أحكام الحدود، باعتبارها عقوبات غايتها الإيلام، وأصبحت اليوم عقوبات وحشية همجية بغيضة[lvii]، وألغت جزءا كبيرا من أحكام الأسرة كجواز التعدد، والنسب المحددة للميراث، وذلك لمنافاتها للعدل والمساواة بين الرجل والمرأة[lviii]، وألغت العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج في ضوابطها وحدودها التي استقرت عليها عند المسلمين، وتركتها للمسلم يفهمها بحسب تأويله الخاص، ويمارسها بالكيفية التي يراها مناسبة لظروفه، فالتوجيه الديني المتعلق بهذه العبادات جاء توجيها عاما، وقد مارسها النبي بمقتضى ذلك العموم على غير كيفيات محددة، والتحديدات والتفصيلات التي وصلت بها إلينا إنما هي من وضع المسلمين فيما بعد، ولذلك فنحن لسنا ملزمين بها، فيمكن إذن أن نمارسها على أي كيفية ارتأيناها وأملتها علينا ضمائرنا[lix]. وانتهت هذه القراءة أيضا إلى ما يشبه إباحة بعض أنواع من الزنى وإخراجه من دائرة التحريم الذي أثبتته قطعيات النصوص[lx].

 

5. القراءة الجديدة في الميزان

قد لا يسمح هذا المقام بتوجيه النقد إلى كل ما توصلت إليه هذه القراءة الجديدة للنص الديني من النتائج التفصيلية، بمقتضى أسسها المنهجية التي قامت عليها، والأساليب التأويلية التي اعتمدتها، وذلك فضلا عن كون كثير من هذه النتائج متمثلة في تفاصيل من الآراء والأحكام قد وقع الرد عليها من قبل الكثيرين بشكل واسع لا يحتاج إلى مزيد من البيان، وخاصة منها تلك التي استصحبتها هذه القراءة من قراءات تراثية سابقة، أو من الدراسات الاستشراقية للإسلام في نصوصه الدينية على وجه الخصوص. ونرى من الأفيد في التعليق على هذه القراءة أن نوجه العناية بنقد الأسس التي انبنت عليها، والمسارات التي انتهجتها في التأويل، فعندما تسقط الأصول تتبعها الفروع بصفة تلقائية، على أننا سنعرض لبعض التفاصيل بالنقد حينما نرى ذلك مفيدا.

وإذا كان الأمر يتعلق بقراءة النص الديني لتحصيل مفهوم من خلاله للدين الذي يحمله، فإن هذه القراءة تقتضي من الناحية المنهجية أن تكون منطلقة من طبيعة ذلك النص ذاته فيما يدعيه لنفسه من حقيقة.

‌أ.          طبيعة النص الديني وطبيعة قراءته

مقصودنا بالنص الديني في هذا المقام هو القرآن الكريم والحديث الشريف، كما حددنا ذلك في مطلع هذا البحث. وطبيعة هذا النص هو أنه وحي من الله تعالى أنزله على نبيه ليبلغه للناس، أما القرآن فبمعناه ولفظه، وأما الحديث فبمعناه دون لفظه الذي هو من الإنشاء النبوي، سوى الحديث القدسي على بعض الأقوال[lxi]. واللغة التي صيغ بها هذا النص هي اللغة العربية، وهي لغة بلغت زمن نزول الوحي درجة من الرقي أصبحت معها جارية وفق قواعد وضوابط في تأديتها للمعاني سواء من حيث الألفاظ في ذاتها أم من حيث النظم الذي تنتظم به في سياقاتها المختلفة التي يرد فيها الكلام.

ومن أهم الخصائص في طبيعة هذا النص الديني أنه نص رسالي، وذلك على معني أنه نص يحمل جملة من المعاني المتعلقة بالوجود بقصد تبليغها للناس كي يفهموها أولا ويعملوا بها ثانيا، ثم يحاسبوا عليها إيمانا بها وعملا بمقتضاها. إنه ليس إذن نصا يحمل تأملات ذاتية، أو فلسفة شخصية، أو يعرض وجهة نظر خاضعة للمناقشة، تفهم على الوجه الذي تقتضي إرادة القارئ أن تفهم به، ويؤخذ منها ويرد بحسب تلك الإرادة. هذه هي طبيعة هذا النص الديني كما جاء هو ذاته يبينها، ويعرض نفسه على الناس على أساسها.

إن القارئ لهذا النص الديني يجب عليه منهجيا أول ما يجب أن تكون قراءته محكومة بالطبيعة التي ركب عليها، والخصائص التي تميزه عن سائر النصوص.

وأول ما يقتضيه ذلك أن تكون قراءة هذا النص قراءة استكشافية، تعمل على كشف ما يحمله من المعاني، وضبط وتحديد ما يبشر به من رسالة تقوم على الأمر والنهي، وذلك كله وفق ما تقتضيه قواعد اللغة التي صيغ بها، وحسب ما جاء فيه من إرشاد لقواعد الفهم والاستكشاف. إنها ليست إذن قراءة ذوقية تبغي مجرد المتعة الفنية، ولا هي قراءة ترفيهية تبغي مجرد التريض الفكري، ولا هي قراءة تحليلية تبغي دراسة الوضع الثقافي والحضاري لمنشئها وللعصر الذي أنشئت فيه، إنها ليست كل ذلك، بل هي قراءة مستكشفة للمراد الرسالي لمنشئ النص وفق طبيعته اللغوية، وفي نطاق طبيعته التي هو بها وحي من الله تعالى.

وحينما حددت طبيعة النص الديني في هذا الاتجاه من الوصف بالبشرية على نحو من الأنحاء، والوصف بالتاريخية، والوصف بالظنية فإن القراءة التي مورست عليه كانت في طابعها العالم قراءة إسقاطية، على معنى أنها قراءة تحمل النص من المعاني والأحكام ما هو حاضر سلفا في الأذهان بمقتضى انتماءات مذهبية ومواقف أيديولوجية ليقال إنّ مراد النص الديني هو تلك المعاني والأحكام الإيديولوجية المسبقة باعتبارها أحد الاحتمالات الممكنة لهذا النص مادام نصا مفتوحا على احتمالات غير متناهية، وغابت بذلك أو تكاد القراءة الاستكشافية التي تبحث عن مدلول النص من خلال ذاته وبمقتضى قوانينه الدلالية ووفق طبيعته التي تشكل حقائقه الأساسية.

لقد كان أغلب هؤلاء القراء الجدد للنص الديني ممن تكونوا ثقافيا على الفكر الغربي، وتشبعوا بهذا الفكر حتى أصبحت كبرى قضاياه مسلمات بالنسبة إليهم لا تقبل الجدل، فجاءوا بتلك المسلمات ليسقطوها على النص الديني باعتبارها مدلولا من مدلولاته، واحتمالا من احتمالاته. لقد كان من تلك المسلمات على سبيل المثال فكرة التغير المطلق التي انبنت عليها الفلسفة الغربية في تقديرها للطبيعة كما بدا في نظرية التطور، وفي تقديرها للقيم الإنسانية كما بدا في المذهب الأخلاقي الاجتماعي، وفي تقديرها للماهية الإنسانية ذاتها كما بدا في الفلسفة الوجودية، فهذه الفكرة حملها أصحاب هذه القراءة ليسقطوها على النص الديني ذاهبين إلى أن النص لا يحمل قيما موضوعية ثابتة، وإنما قيمه كلها متغيرة بتغير الظروف والأوضاع، فينبغي إذن أن يؤول ليحمل في كل وضع على ما يناسبه من المعاني والأحكام في تغير قد لا يكون له قرار.

 

‌ب.  موثوقية النص الديني

كان الطعن في موثوقية النص الديني على النحو الذي فصلناه سابقا أحد المداخل الأساسية التي دخل منها هؤلاء المؤولة لقراءة تأويلية لهذا النص، إذ لما كان الحديث النبوي غير موثوق به في الجملة مما ينفى عنه مشروعيته في المصدرية الدينية، فإن ذلك يفتح مجالا واسعا لتأويل القرآن على نطاق واسع، إذ هو في أغلبه كلي عام تفصله السُنّة، فإذا ما استبعدت السُنّة انفتحت كلياته وعمومياته على احتمالات ليس لها حصر. أما القرآن نفسه فإذا ما وقع الميل به إلى الصفة البشرية على نحو أو آخر كما فعل بعض المؤولة، وإذا ما وقع التشكيك في مطابقة النص (المصحفي) للنص (القرآني) الذي قرأه النبي شفويا كما فعل آخرون منهم، فإن المجال فيه يصبح مفتوحا للتأويل ميلا به نحو التاريخية في الأحكام التي هي خصائص النص البشري، واستبعادا للإطلاق فيها الذي هو من خصائص الكلام الإلهي؛ ولذلك فإن موثوقية النص الديني تعتبر إحدى المحددات الأساسية لكيفية قراءته، وإحدى الموازين لتقييم تلك الكيفية.

أولا- موثوقية الحديث النبوي

إن القرآن الكريم وهو المصدر الأعلى للدين يشرع للحديث النبوي أن يكون هو أيضا مصدرا له، ومن أوضح ما جاء في ذلك قوله تعالى: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر/ ٧)، وما الأمر النبوي والنهي إلا هو الذي أصبح متعارفا عليه باسم الحديث النبوي؛ ولذلك فإنه من المستغرب حقا أن يقول أحد المؤولة أن النبي نفسه قد نفى عن حديثه شرعية أن يكون مصدرا للدين، وذلك لما ورد عنه من نهي عن أن يكتب عنه سوى القرآن[lxii]، والحال أن القصد من ذلك النهي واضح جلي وهو التحوط من أن يختلط ما هو قرآن بغيره في عصر ليست فيه من وسائل التمييز ما نعلمه اليوم[lxiii].

وأما الطعن في الحديث جملة أن يكون مصدر تشريع على أساس أنه داخله الوضع فلم يعد التمييز بين صحيحه وباطله أمر ممكنا، فإنه تجن على الحقيقة، يبدو أول ما يبدو في أن هذا المبدأ حينما نسوقه في الحديث النبوي فإنه من باب أولى أن نسوقه أيضا في حق كل أثر قولي أنساني سابق عليه أو معاصر له، وحينئذ فإننا سنكون في شك مطلق من كل التاريخ البشري إلى تخوم عصرنا الحديث الذي استقر فيه التدوين الكتابي، ولك أن تتصور حينئذ مصير التاريخ الإنساني أحداثا وآدابا وعلوما وفنونا، فاستبعاد الوثائق الدالة عليها لعدم موثوقيتها سيحدث لا محالة ارتباكا في الثقافة الإنسانية ليس له نظير.

ولئن كان الحديث النبوي قد داخله الوضع حقا فإن هذا النص قد حظي من العلوم المنهجية التي تميز صحيحه من سقيمه بما لم يكن له سابقة ولا لاحقة في التاريخ الثقافي الإنساني، وهي تلك العلوم المنهجية التي تتحرى الصادق من غيره في الرواية المنقولة، وقد عدت بحق مفخرة من مفاخر الثقافة الإسلامية شهد بها الحكماء من خارج دائرة هذه الثقافة قديما وحديثا. وما ذكر من سبب للشك في المدونة الحديثية كون أبي حنيفة لم يثبت عنده من الحديث الصحيح سوى سبعة عشر حديثا، ثم أصبحت الأحاديث الصحيحة تعد بالآلاف بعد ذلك بقرن إنما هو في حقيقته سبب لثبوت الموثوقية وليس سببا للشك فيها، إذ المسلمون لما عرفوا تسرب الوضع إلى الحديث النبوي أمسكوا على الاحتجاج به إلا فيما أيقنوا بصحته، ثم جعلوا يمحصون المرويات النبوية تمحيصا صارما، فأدخلوا في دائرة الاحتجاج كل ما ثبت عندهم صحته، وهكذا تنامي حجم الحديث الصحيح بتنامي جهود التمحيص وأساليبه حتى بلغت أعداد الصحيح منه آلافا، وهو وضع طبيعي لا ينهض حجة للطعن في الموثوقية بل هو حجة لها لا حجة عليها.

إذا كانت قراءة النص الديني من حقها بل من واجبها أن تتحرى إلى أقصى درجات التحري في ثبوت الحديث النبوي لتكون نتائجها في استكشاف المراد من ذلك النص أقرب ما يكون من الحق، فإن قيامها على شطب الحديث ابتداء أن يكون مصدرا للدين لانتفاء صفة الموثوقية عنه ليس له من مبرر معقول؛ لأن هذا الحديث لا يمكن أن يكون كله منحولا، وذلك بالنظر إلى الحركة الهائلة التي قامت لتمييز صحيحة من سقيمه. وما إخال هذه المقدمة المستبعدة للحديث النبوي التي قامت عليها هذه القراءة على أساس ظنية الثبوت إلا حلقة من الحلقات التي تسمح بالقراءة التأويلية الإسقاطية للنص الديني، إذ إهدار الحديث النبوي جملة ينتهي إلى إلغاء القسم الأكبر من البيان الديني، ويفتح إذن الباب واسعا للتأويل.

ثانيا- موثوقية النص القرآني

ليس من مجال بحثنا في هذا المقام أن نثبت أن القرآن الكريم هو وحي إلهي تنتفي عنه أي صفة بشرية، إذ مجال الحوار مع هذه القراءة الجديدة هو المجال المحدد بادعاء الانتماء إلى الدائرة الإسلامية، والإيمان بكون القرآن وحيا هو الأساس في ذلك، ولكن نعرض بالنقد لبعض ما اعتمدته هذه القراءة من تشكيك في موثوقية القرآن من حيث انتقاله من النبي مقروء إلى المسلمين بعد ذلك مكتوبا ليكون ذلك التشكيك مدخلا لبعض التأويل في قراءة النص القرآني.

ولعل أخطر ما استحدث من مدخل للتأويل هو الادعاء بأن لغة القرآن هي لغة نبوية وليست إلهة كمعانيه كما مرت الإشارة إليه، إذ عندما تكون هذه اللغة بشرية فإن مجال التأويل فيها يكون أوسع وأيسر، والحقيقة أن هذا الإدعاء ليس له من مستند سوى بعض الأقوال الشاذة التي رواها بعض المؤرخين للقرآن الكريم على سبيل استكمال صورة المرويات التي تقتضيها موضوعية البحث وليس على سبيل ما تحمله في ذاتها من وجاهة. إن الفيصل في هذه القضية هو ما يقدم به القرآن نفسه للناس فيما إذا كانت لغته نبوية بشرية أو إلهية، وهو ما لا ينبغي تجاوزه إذا ما وجد بحال من الأحوال وإلا وقعت القراءة في الإسقاط الخارجي المخل بالموضوعية. وقد جاء في القرآن الكريم بيان جلي في هذا الشأن، وهو قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا) (يوسف/ 2)، فالمعاني لو كانت هي النازلة وحدها من الله تعالى لا توصف بأنها عربية، وإنما الألفاظ ونظمها هي التي توصف بذلك، وبالتالي فإن الألفاظ هي إذن التي نزلت مع معانيها من الله تعالى على النبي، فلغة القرآن ومعانيه كلها وحى إلهي[lxiv].

أما فيما يتعلق بصورة القرآن مقروءة وصورته مكتوبة وما عسى أن يكون قد حدث بينهما من تفاوت كما يدعيه أصحاب هذه القراءة وفق ما أوردناه سابقا، فإن هذا الادعاء فيه هو ادعاء مستصحب من شُبه بعض المستشرقين[lxv]، وهى شبه ناشئة من الغفلة عن حقيقة من الحقائق الثقافية المتعلقة بهذا الشأن، وهي حقيقة أن تحمل المسلمين للقرآن الكريم حال نزوله وبعد ذلك إلى يوم الناس هذا وإلى ما بعدها إنما كان تحملا الأصل فيه هو الصورة المحفوظة في الصدور المؤداة شفويا، وأن تدوينه بالكتابة هي صورة رديفة للصورة المحفوظة زيادة في الضبط وليست هي الأصل في الصورة القرآنية؛ ولذلك فإننا لو تصورنا اختفاء جميع المصاحف على وجه الأرض فإن الصورة القرآنية سوف تبقي قائمة كما هي لأنها محفوظة في الصدور على وجه من الدقة أعلى مما هي محفوظة به في المصاحف.

وقد كانت الصورة المحفوظة للقرآن الكريم واضحة جلية في العهد النبوي، تتكامل شيئا فشيئا بتكامل نزوله، وتتحملها شريحة واسعة من أفراد أمة عرفت بالحفظ لمطولات القصائد الشعرية من سماع واحد، فلما انتهى نزول القرآن كان مجموعا على صورته النهائية في صدور الجم الغفير من الناس وعلى رأسهم النبي الكريم، وكانت تلك الصورة هي الأصل الذي تم على أساسه ما وقع بعد ذلك من جمع وتدوين.

ومع هذه الصورة المحفوظة فقد كان القرآن يدون بالكتابة حال نزوله، حتى كان عند وفاة النبي مكتملا كله بالتدوين خلافا للشبهة المدعاة من أنه أو بعضا منه دون بعيد وفاة الرسول (صلي الله عليه وسلم)[lxvi]. وحينما تم جمع القرآن مكتوبا في عهد الخليفة الأول ثم أن عهد الخليفة الثالث إنما كان يجمع من مدوناته لتتألف منه صورة مكتوبة تطابق الصورة المحفوظة التي هي الأصل الحاصل مكتملا بينا، وذلك على سبيل في التحري والتوثيق، فلقد كان المكتوب يجمع إذن على أساس المحفوظ بطريقة علمية عجيبة في الضبط والدقة.

وما قيل من أن صورا أخرى من القرآن غير هذا الذي انتهى إلينا كانت قد ضاعت أو صودرت متمثلة في مصاحف بعض الصحابة مثل مصحف عبد الله بن مسعود هو قول مردود؛ وذلك لأن ما كان عند بعض الصحابة من مصاحف شخصية كان مطابقا في صورته للمصحف الذي جمعه عثمان (رضى الله عنه)، إلا أنها ربما قد تكون مشتملة على بعض الشروح والتعليقات الخاصة بصاحب المصحف نفسه، فمنع عثمان لتلك المصاحف أن تتداول كان تحوطا لأن يحصل بمرور الأيام توهم لكون تلك الشروح داخلة ضمن النص القرآني، وإذا كان بعض أصحاب تلك المصاحف تشبث أول الأمر بمصحفه، فذلك كان من باب الاعتزاز به، وإلا فإن الجميع انتهى بهم الأمر إلى الموافقة على المصحف العثماني، ولو رأوا فيه اختلافا عن مصاحفهم ما وافقوا عليه وسلموا به.

والادعاء بحصول تغيير في القرآن الكريم بتدوينه على ترتيب غير ترتيبه الزمني لا يخضع لأي أساس منطقي هو ادعاء مردود أيضا؛ وذلك لأن الترتيب التوفيقي للقرآن الذي هو مدون به الآن في المصحف كان ترتيبا مصاحبا لنزوله، فأيما أية نزلت على النبي إلا أمر كتابه أن يضعوها مكانها التوقيفى من سورتها[lxvii]، فلما اكتمل النزول كان الترتيب التوقيفي مكتملا، وهو ترتيب يبلغ القمة في المنطقية والتناسب والترابط، بل هو أحد مظاهر الإعجاز القرآني، وذلك ما كان مناط بيان واف من المنطقية والتناسب والترابط، بل هو أحد مظاهر الإعجاز القرآني، وذلك ما كان مناط بيان واف من قبل كثير من العلماء والدارسين للقرآن الكريم يمكن أن يراجع في مظانه التي لو اطلع عليها هؤلاء المؤولة ما أطلقوا هذا الحكم الخاطئ[lxviii].

وبناء على هذا فإن الصورة القرآنية المكتوبة متمثلة في المصحف العثماني كانت مطابقة تمام المطابقة للصورة المحفوظة التي حملها الصحابة بالتواتر على النبي الكريم، دون أن تحدث فجوة بين الصورتين لا من حيث التاريخ فقد كانتا متلازمتين من أول نزول القرآن، ولا من حيث واقع الجمع، فقد كان هناك أصل ثابت هو المحفوظ جمع المكتوب ليكون مطابقا له، فطابقه تمام المطابقة، سواء من حيث ذات المادة القرآنية، أو من حيث ترتيبها آيات وسورا على النحو التوقيفي الذي عليه المصحف المتداول بين الناس، فهذا النص القرآني هو إذن موصول في سنده المتواتر من نزوله على النبي الكريم، إلى تبليغه إياه للناس ملفوظا، إلى جمعه مكتوبا، إلى تداوله بين الناس مصحفا سيارا بين المسلمين قاطبة. وإنما تسربت الشكوك في موثوقيته إلى هؤلاء المؤولة استنادا على شبه أسقطت عليه إسقاطا دون تثبت، خاصة وأنهم ليس من بينهم من هو مختص ضليع في العلوم الإسلامية، ولعل ذلك وافق عندهم منازع من الهوى للتأويل بما يسمح بإسقاط الأفكار المسبقة على النص القرآني، وهو خلل منهجي قد يكون عند البعض غير مقصود، وقد يكون عند آخرين مقصودًا.

إن اللغة التي نزل بها القرآن وصيغ بها الحديث الشريف هي لغة استقرت عبر زمن طويل على قوانين وقواعد في الدلالة على المعاني لفظا ونظما، وهي بتلك القوانين والقواعد تحمل المعاني الموضوعية من المنشئ إلى المتلقي، إذ يحملها المنشئ وفقها مراده من المعاني، ويتطلب المتلقي تلك المعاني وفقها أيضا[lxix]، وذلك هو مقتضى الصفة الرسالية في النص الديني، ولو كان الأمر كما يدعيه التأويل اللغوي على النحو الذي وصفنا ما كان للبعد الرسالي في هذا النص معنى، إذ يكون دور اللغة هو إثارة ما في ذهن المتلقي من المعاني بحكم تكونه الثقافي لا حمل رسالة من آمر إلى مأمور ومن ناه إلى منهي، فالقول بهذا التأويل اللغوي هو إذن يلغي البعد الرسالي في النص الديني، وهو جوهر هذا النص وغاية وجوده.

إن النتيجة التي انتهت إليها القراءة الجديدة للنص الديني بالفعل، والتي يمكن أن تنتهي إليها بتحكيم مبادئها وأساليبها هي أنها سينشأ منها دين يمكن أن يسمى بأي اسم سوى اسم الدين الإسلامي. وإذا كان من حق كل إنسان أن يختار الدين الذي يرتئيه حقا، متحملا مسؤولية اختياره، فإنه ليس من حق أي كان أن يبني له دينا ذاتيا ثم يدعي أنه هو المقصود بنصوص الوحي، دون التفات إلى مقتضيات تلك النصوص فيما بنيت عليه من قوانين اللغة، وفيما وصفت من الدين الذي تبتغيه، وفيما أرشدت إليه من منهجية في فهم ذلك المبتغى، وإنما بعمل إسقاطي تصنع فيه الأفكار خارج النص ثم تقحم فيه إقحاما متعسفا تأباه القواعد المنهجية في البحث، كما تأباه القواعد الأخلاقية العامة، وذلك ما نحسب أن القراءة الجديدة سقطت فيه.

 

رابط مباشر لتحميل الدراسة

 


*مقال الدكتور عبد المجيد النجار مقدم إلى مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدورة السادسة عشرة بالإمارات العربية المتحدة- دبي- بتصرف.

** أستاذ الشريعة الإسلامية- باريس.

[1] نعني بالنص الديني في هذا البحث النص القرآني ونص الحديث النبوي.

[2] راجع في ذلك: عبد الرحمن بدوي- مذاهب الإسلاميين: ٧٨٩ وما بعدها.

[3] راجع: البغدادي- الفرق بين الفرق: 380.

[4] نذكر من ذلك على سبيل المثال: محمود صدقي، الذي كتب مقالا بعنوان ((الإسلام هو القرآن وحده)) ونشر في مجلة المنار عدد: ٩، سنة: ١٩٠٦، وذهب فيه مذهبا تأويليا كان إرهاصا للقراءة الجديدة الظاهرة اليوم.

[5] عرض تأويله بالأخص في كتابه: ((مفهوم النص)) و((النص، السلطة، الحقيقة: الفكر الديني بين إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة)).

[6] راجع كتابه: الرسالة الثانية في الإسلام.

[7] راجع كتاب: القرآن والذكر.

[8] أهم آرائه في خصوص ما نحن بصدده ضمنها كتابيه: لبنات، والإسلام بين الرسالة والتاريخ.

[9] راجع كتاب: الإسلام والحرية: الالتباس التاريخي.

[10] عرض آراءه في جملة من كتبه من أهمها: الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد، وقضايا في نقد العقل الديني، والفكر الإسلامي: قراءة نقدية. وتاريخية الفكر العربي الإسلامي، والفكر الأصولي واستحالة التأصيل.

[11] راجع جملة من هذه الأطاريح في قائمة المراجع لــ: عبد المجيد الشرفي- الإسلام بين الرسالة والتاريخ.

[xii] يذكر في هذا الخصوص الصلة الوطيدة لمحمد أركون بالاستشراق الفرنسي خصوصا والأوروبي عموما، كما يذكر صلة عبد المجيد الشرفي بالدوائر الدينية المسيحية في إيطاليا على وجه الخصوص، وقد وجد نصر حامد أبو زيد ملاذا آمنا بالأقسام الاستشراقية في الجامعات الهولندية لما واجهته مشاكل في مصر بسبب آرائه في قراءة النص الديني. ومما تجدر ملاحظته في هذا الصدد أن كتاب محمد الشرفي: "الإسلام والحرية: الالتباس التاريخي"، أنجز ضمن مشروع يسمي نفسه مشروع ((الإسلام والإنسانية))، وهو مشروع عالمي مشبوه الأهداف، وقد نشر بمساهمة القسم الثقافي للسفارة الفرنسية بالمغرب. كما تجدر ملاحظة أن كتاب عبد المجيد الشرفي: "الإسلام بين الرسالة والتاريخ"، قد أنجز خلال إقامة متفرغة بمعهد الدراسات المتقدمة ببرلين كانت على حساب هذا المعهد.

[xiii] يتميز من بين هؤلاء جميعا عبد المجيد الشرفي بكفاءته المنهجية العالية، وبأسلوبه العربي المتين، وبسعة اطلاعه على التراث الإسلامي على وجه العموم، وهو لذلك يعتبر أكفأهم أيضا في نصرة هذه الوجهة التأويلية التي يلتقون عليها، وفي الترويج لها والدفاع عنها.

[xiv] أركون- تاريخية الفكر العربي الإسلامي: 146.

[xv] عبد المجيد الشرفي- الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 159، وقد أشار الباحث في الهامش إلى أن الحديث حتى وإن كان متواترا فإن ذلك لا يفيد الصحة، إذ التواتر لا يفيد اليقين، ولذلك فإن القوانين الوضعية الحديثة لم تجعل منه حجة إثبات.

[xvi] نفس المرجع: ١٧٦.

[xvii] نصر حامد أبو زيد- النص، السلطة، الحقيقة ١٧، وراجع في ذات الفكرة: عبد المجيد الشرفي- الإسلام بين الرسالة والتاريخ: ٩٣، ٩١.

[xviii] عبد المجيد الشرفي- الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 42.

[xix] راجع: نفس المرجع: 137.

[xx] راجع: أركون- الفكر الأصولي واستحالة التأصيل: ١٣٥، وراجع أيضا شرح المترجم في التعليق أدناه.

[xxi] أركون- الفكر الإسلامي: ٨٥، وراجع أيضا: الفكر الأصولي واستحالة التأصيل: ٤١.

[xxii] عبد المجيد الشرفي- الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 44.

[xxiii] عبد المجيد الشرفي- لبنان: 120.

[xxiv] راجع: أركون- الفكر الأصولي: ٢٨٤، وهو يشير إلى ما فعله عثمان رضي الله عنه من إقرار المصحف الإمام، ومنع تداول غيره.

[xxv] راجع: نفس المرجع: ١٣٥، وراجع أيضا لنفس المؤلف: الفكر الإسلامي، نقد واجتهاد: 90.

[xxvi] عبد المجيد الشرفي- الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 50.

[xxvii] نفس المرجع: 37.

[xxviii] عبد المجيد الشرفي- الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 156، وراجع نفس الفكرة في: ص 85.

[xxix] أركون- تاريخية الفكر العربي الإسلامي: 143.

[xxx] من أقوال نصر حامد أبو زيد في هذا الشأن قوله: "لا اجتهاد في مجال العقيدة، هذا ما يعلنه الخطاب الديني متجاهلا أن العقائد تصورات مرتهنة بمستوى الوعي وبتطور مستوى المعرفة في كل عصر" (من كتاب: النص، السلطة، الحقيقة: 134).

[xxxi] أركون- الفكر الإسلامي، قراءة علمية، 20.

[xxxii] نصر حامد أبو زيد: النص، السلطة، الحقيقة: ١٣٩. وراجع في ذات المعني: ص 144. ومما قاله محمد الشرفي في هذا الشأن بصدد تعليقه على حكم الإرث- الإسلام والحرية، الالتباس التاريخي: 122: "قد كان صالحا في ذلك العصر، بل كان مثار إعجاب أحيانا، ولكنه ينبغي أن يتجاوز اليوم، لأن الظروف قد تبدلت بعيدا، والأحوال تغيرت تغيرا كبيرا".

[xxxiii] نفس المرجع: ٨٧.

[xxxiv] نفس المرجع: ١٣٨. ومما قاله المؤلف في ذات المعنى- نفس المرجع: 98 "لم يتبن الصحابة والتابعون ثم الأجيال المتعاقبة السائرة على خطاهم سوى الحلول التي تتجلى لنا اليوم منقوصة، غير مرضية، إن لم نقل مزيفة؟".

[xxxv] محمد الشرفي- الإسلام والتاريخ: الالتباس التاريخي: ٦٤.

[xxxvi] راجع نفس المرجع: 97.

[xxxvii] راجع نفس المرجع: 111.

[xxxviii] راجع: عبد المجيد الشرفي- الإسلام بين الرسالة والتاريخ: ٩٩، ١٥١، ١٥٠. وراجع شواهد كثيرة على كون الفقهاء قرروا الوجه الخاطئ من الدين وتركوا الوجه الحق منه في: محمد الشرفي- الإسلام والحرية: ٨١، ٨٦. وعبد المجيد الشرفي- الإسلام بين الرسالة والتاريخ: ١٠٦ وما بعدها، 148، 158.

[xxxix] عبد المجيد الشرفي- الإسلام بين الرسالة والتاريخ: ٩٣. وقد خصص المؤلف كل كتابه هذا لشرح هذا المعني، واختار له عنوانا يعكس محتواه، إذ يوحي بأن الإسلام الذي هو رسالة جاء بها النبي ليس هو الإسلام الذي تحقق في التاريخ. ولنفس هذا الغرض ألف محمد الشرفي كتابه: الإسلام والحرية، الالتباس التاريخي، وهو عنوان يوحي بنفس المعني.

[xl] عبد المجيد الشرفي- الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 61.

[xli] أركون- الفكر الأصولي: ٣٠.

[xlii] عبد المجيد الشرفي- الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 85.

[xliii] نفس المرجع: 62- 63.

[xliv] إن هذا التأويل القائم على تاريخية الأحكام الدينية يمثل قدرا مشتركا بين جميع من ينتمي إلى المؤولة الجدد، وإن ببعض الاختلاف في التفاصيل.

[xlv] عبد المجيد الشرفي- الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 61.

[xlvi] نفس المرجع: ٦٣. وراجع للكاتب فيما يتعلق بعبادة الصوم مؤولة بنفس المنهج- لبنان: ١٦٥ وما بعدها.

[xlvii] راجع تقرير هذه الفكرة الفلسفية اللغوية وشرحها في: نصر حامد أبو زيد- النص، السلطة، الحقيقة: ٨٠ وما بعدها.

[xlviii] نصر حامد أبو زيد: النص: السلطة، الحقيقة: ٣٣.

[xlix] نفس المرجع: ٨٦.

[l] محمد الشرفي- الإسلام والحرية- الالتباس التاريخي: ١٣٨.

[li] عبد المجيد الشرفي- الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 70.

[lii] راجع قراءة عبد المجيد الشرفي لأحكام العبادات في: الإسلام بين الرسالة والتاريخ: ٥٩ وما بعدها، وفي: لبنان: ١٦٥ ومل بعدها.

[liii] قال محمد الشرفي- الإسلام والحرية: ١٤٥: "لئن كان لكل من محمد الطالبي ومحمود محمد طه طريقته في التفكير فإنهما يشتركان في الدعوة إلى تعويض تشريع ديني بتشريع ديني أخر، وهو مالا نوافقهما عليه"، ولكنه في الفقرة التي تلي هذا القول ينقض المؤلف رأيه هذا، ويؤسس فعلا لشريعة جديدة.

[liv] عنون محمود محمد طه كتابه الذي شرح فيه فهمه الجديد للدين ب ((الرسالة الثانية في الإسلام))، وتردد عند عبد المجيد الشرفي مصطلح ((الوجه الثاني للرسالة))، ومما قاله في ذلك- الإسلام بين الرسالة والتاريخ: ٨٧: "يتعين الرجوع إلى وجه الرسالة الثانية، ذلك الذي طمسه التاريخ، وأنكر طاقاته الإبداعية، فلم يتعود المسلمون كشفه والتنقيب عن خفاياه وأسراره ودلالاته، ولم يتفطنوا في الأغلب حتى إلى وجوده ذاته".

[lv] نصر حامد أبو زيد- النص، السلطة، الحقيقة: ١٣٤.

[lvi] راجع: نصر حامد أبو زيد- النص، السلطة، الحقيقة: ١٣٥.

[lvii] راجع: محمد الشرفي- الإسلام والحرية، الالتباس التاريخي: ٨٩.

[lviii] راجع: عبد المجيد الشرفي- الإسلام بين الرسالة والتاريخ: ٨٢ وما بعدها، والإسلام والحداثة: ١٥٣ وما بعدها.

[lix] راجع شرحا وافيا لهذه المعاني المعلّقة بالعبادات في: عبد المجيد الشرفي- الإسلام بين الرسالة والتاريخ: ٥٩ وما بعدها، ومما قاله في ذلك متعلقا بالصلاة ص ٦٣: "إن أصنافا أخرى من الناس ممن أعرضوا عن الصلاة، أو يعيشون تمزقا بين الواقع والمنشود، ألا يحق لها أن تكون وفية لما يأمرها به دينها من دون الالتزام بما قرره السلف في هذا الشأن بكل تفاصيله"، ومما قاله أيضا فيما يتعلق بعموم العبادات وبالصلاة على وجه الخصوص، ص: ٦٢: "تكفي نظرة سريعة على ما عجت به الموسوعات الفقهية في كل المذاهب لإدراك البون الشاسع بين التفاصيل المدرجة فيها من جهة، ومجرد حث القرآن على إقامة الصلاة من جهة أخرى. ورغم ذلك فلا تتعلق تلك التفاصيل إلا بما يمكن القيام به في صنف واحد من المجتمعات زال الآن أو هو في طريق الزوال، من حيث طرق العيش وأنماط الإنتاج التي يتميز بها".

[lx] مما قاله محمد الشرفي في ذلك- الإسلام والحرية، الالتباس التاريخي: ٨٥ "يتحتم حصر معنى الزنا في العلاقة الجنسية بين رجل وامرأة أحدهما متزوج، لأن هذه العلاقة فقط يمكن اعتبارها جناية"، وعلى ذلك فإن العلاقة الجنسية بين الخطيبين مثلا لا تعتبر زني بل هي أقرب إلى السلوك الإنساني العادي (ص 116).

[lxi] راجع تفاصيل ذلك في: محمد عبد الله دراز- النبأ العظيم ١٥.

[lxii] عبد المجيد الشرفي- الإسلام بين الرسالة والتاريخ: 176.

[lxiii] راجع في هذه المسألة: محمد عجاج الخطيب- المختصر الوجيز في علوم الحديث: ٦٥ وما بعدها.

[lxiv] راجع في ذلك: محمد عبد الله دراز- النبأ العظيم: ٢١.

[lxv] راجح شبه المستشرقين فيما يتعلق بالقرآن في: محمد حسين علي- المستشرقون والدراسات القرآنية. ودائرة المعارف الإسلامية، مادة (القرآن).

[lxvi] راجع الرد على هذه الشبهة بالتفصيل في كتابنا: القرآن الكريم: ٦١.

[lxvii] راجع روايات كثيرة في هذا الشأن في: السيوطي- الإتقان: 1/ 60 وما بعدها.

[lxviii] يمكن الرجوع في ذلك مثلا إلى: أبو جعفر بن الزبير في كتابه: البرهان في مناسبة ترتيب القرآن، وأبو بكر النيسابوري والسيوطي في كتاب: أسرار التنزيل، وكتاب تناسق الدرر في تناسب السور. ويمكن أن يراجع في هذا الموضوع: الزركشي- البرهان: 1/ 34، والسيوطي- الإتقان: 2/ 108.

[lxix] راجع: الشاطبي- الموافقات: 2/ 50، حيث يبين كيف أن الناظر في القرآن والحديث، ينبغي أن ينظر فيهما بحسب مقتضيات اللغة العربية كما كانت عند نزول الوحي.

Rate this item
(0 votes)
Last modified on السبت, 08 آذار/مارس 2025 03:56

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.