هذه المحاضرة ألقاها الدكتور مصطفى الزرقا[*] في الملتقى السابع للفكر الإسلامي في تيزي- أوزو بالجزائر، في الفترة من 10-22 جمادى الثانية 1393 ھ/ 10-22 يوليو 1973م، حيث تناول فيها فضيلته جوانب ثلاثة:
- الجانب الأول: يتعلق بالشريعة الإسلامية في ذاتها بقطع النظر عن حظها من التطبيق في واقع حياة المسلمين اليوم عمليًا.
- الجانب الثاني: ما يسود الحياة فعلاً في البلاد الإسلامية من ألوان التشريع القائم النافذ فيها ومدى علاقته بشريعتهم الإسلامية.
- الجانب الثالث: الاتجاه الجديد في البلاد الإسلامية اليوم نحو التشريع الإسلامي وفقهه، والطريق الواجبة فيه.
ولخصت الدراسة واقع التشريع في البلاد الإسلامية على النحو التالي:
- في الأحوال الشخصية تعمل معظم البلاد الإسلامية بأحكام الشريعة الإسلامية إما مقننة من مختلف المذاهب كما في مصر وسورية والعراق والأردن والمغرب، أو غير مقننة مع التقيد بمذهب معين كالمذهب الحنبلي في المملكة السعودية، والمذهب المالكي في الكويت، والمذهب الحنفي في باكستان والمذهب الشافعي في إندونيسيا والصومال.
- أما الحقوق المدنية (المعاملات) فالبلاد العربية تنقسم بالنسبة لها إلى المجموعات التالية:
- مجموعة تعمل بقانون مدني أجنبي المصدر، وهي جمهورية مصر العربية، وسورية، ودول المغرب العربي الثلاث وليبيا والسودان.
- ومجموعة تعمل بالفقه الإسلامي مقننًا، وهي المملكة الأردنية والكويت إذ تطبقان مجلة الأحكام العدلية المستمدة كليًا من المذهب الحنفي منذ العهد العثماني مع اختلاف بين هذين البلدين في مدى الاستثناءات التي انتزعت بها موضوعات من المجلة واخضعت لتقنينات حديثة أجنبية المصدر.
- ومجموعة تعمل بالفقه الإسلامي غير مقنن ومن مذهب معين، وهي المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية.
- وبلد يعمل بقانون مدني أجنبي المصدر لكنه مطعم إلى حد ما تطعيمًا بالفقه الإسلامي وهو العراق.
أما البلاد الإسلامية غير العربية فمعظمها يسوده التقنين المدني الأجنبي الذي كان فيه من عهد الاستعمار، وبعضها يسوده تقنين مستحدث أجنبي المصدر.
وخلص المحاضر إلى أنه يظهر اليوم في البلاد العربية تحرك باتجاه الشريعة الإسلامية وفقهها وشعور بالتفريط السابق، وبوجوب الرجوع إلى الخط الإسلامي الذي لا ينفع المسلمين سواه ولا يصلح لهم، ولا ينجيهم من تألب الدول عليهم. وقد ازداد هذا الشعور بعد الكارثة الكبرى التي حقت بالبلاد العربية سنة 1967 التي انهزمت فيها الدول العربية في حرب الأيام الستة مع إسرائيل واقتطعت هذه من جسم البلاد العربية أجزاء ثمينة جدًا ذات قيمة عسكرية واقتصادية. على أن هذا الشعور بلزوم الرجوع إلى الله وشريعته، حتى بعد تلك الكارثة الكبرى، لم يكن عامًا في البلاد العربية بسبب مختلف التيارات الفكرية والعقائدية التي تسود نظم الحكم المختلفة فيها. والواقع أنه إذا كان توحيد التشريع في البلاد العربية كلها مصلحة أساسية وواجبًا محتمًا - وهو كذلك - فإنه لا يمكن بحال من الأحوال أن تجتمع هذه البلاد على قانون موحد أجنبي المصادر، وإنما تجتمع على شيء مستنبت من أرومتها الخالدة، ونابع من أعماق شريعتها الغراء السمحة وفقهها الغزير الفياض الذي لا ينضب معينه، وهو من أنفس وأثمن ما عرف تاريخ الأمم من شرع وفقه.
رابط مباشر لتحميل الدراسة
[*] الدكتور مصطفى الزرقا (1907-1999م) أحد أعلام الفقه في عصرنا، له العديد من المؤلفات القيمة منها ما يلي: الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد، أحكام الأوقاف، عقد التأمين وموقف الشريعة، شرح القانون المدني، نظرية العقد في القانون المدني السوري، فتاوى مصطفى أحمد الزرقا، روح الشريعة الإسلامية وواقع التشريع اليوم في العالم الإسلامي، التأمين وموقعه في النظام الاقتصادي وموقف الشريعة منه، الشريعة الإسلامية وصلاحها للتطبيق، التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب والرأي الشرعي فيها، المصارف ومعاملاتها وودائعها وفوائدها، الاجتهاد ومجال التشريع في الإسلام، نظام النظامين: حقيقته والرأي الشرعي فيه، صياغة قانونية لنظرية التعسّف باستعمال الحقّ في قانون إسلامي، الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد، القانون المدني السوري، الفعل الضارّ والضمان فيه: دراسة وصياغة قانونية، الاستصلاح والمصالح المرسلة في الشريعة الإسلامية وأُصول فقهها، الفقه الإسلامي ومدارسه، عظمة محمّد، مجمع العظات، السلسلة الفقهية والسلسلة القانونية، أحكام الأوقاف، في الحديث النبوي، بحوث فقهية ومقالات كثيرة، عقد البيع في الفقه الإسلامي، عقد الاستصناع وأثره في نشاط البنوك الإسلامية، باب تمهيدي لقانون مدني إسلامي، العقل والفقه في فهم الحديث النبوي، ديوان قوس قزح.