(1)
ما تكاد رياح الدعوة إلى العلمانية تخبو حتى تنبعث من مرقدها من جديد، متدثرة بأردية مستحدثة، وأزياء متجددة، قد تختلف في مرآها ومظهرها، لكن الجوهر المستكن وراء تلك المرائي والمظاهر يظل ثابت الملامح متصلب القسمات.
بيد أنه ينبغي لنا أن نعترف منذ البدء أن العلمانية حين ارتدت ثوبها الأخير، وهو ثوب التنوير لدى بعض سَدَنَتِهِ قد بدت أكثر حِنْكَةً، وأمهر أسلوبًا، ومن ثم أعمق احتياجًا إلى مزيد من التأمل والتحليل!
لقد كان دعاة العلمانية من قبل يُسْفِرون عن وجوههم علانية ودون مواربة، فالعلمانية لديهم تعني ببساطة - فصل الدين عن مناحي الحياة، وعزله عن واقع البشر، فَحَسْبُ الدين - فيما يشتهون- أن يقبع في ركن قصي من أركان الحياة البشرية الفردية منها والاجتماعية، وأن يغلق على نفسه دور العبادة ويستغرق في طقوسها، ولا بأس عند أكثر العلمانيين سماحة أن تهتز له المشاعر، أو تهفو إليه العواطف، أو تَخْفِقَ له القلوب!
بل لا بأس – عند أكثر العلمانيين حذقًا ومهارة- من أن تنبعث في دائرة الدين اتجاهات متحجرة تَدَّعِي الانتساب إلى السلف الصالح، ثم تستخدم هذا الانتساب المُدَّعَى في صرف اهتمام جماهير الأمة – تارةً- صوب قضايا كلامية عقدية دقيقة، ما كان ينبغي لها أن تُغادر قاعات الدرس ومجالس العلماء، وتارةً صوب توجيه اهتمام هذه الجماهير إلى فرعيات فقهية لا تكاد تنفُذُ من المظهر إلى الجوهر في جمودٍ فكري منغلق، وشكليةٍ حرفيةٍ متزمتة ضيقة.
لا بأس من ذلك كله - لدى أولئك – العلمانيين – متى توقفت خُطى دور الدين عند هذه الحدود، أما أن يضطلع الدين بدوره في تنظيم حياة البشر، أو ضبط واقعهم أو توجيه مناشط سلوكهم، أو بعث الحيوية الحضارية في عروقهم، فذلك كله -عند العلمانيين جميعًا- هو المحذورُ المنكور!!
لكنَّ سَدَنةَ التنوير –وإن كانوا على ذلك من المجمعين- يتخذون في الدعوة إلى العلمانية والترويج لمبادئها منحى أكثر ابتداعًا، فبعد أن كانت العلمانية عند الأقدمين تسعى- ببساطة وعلانية- إلى عزل الدين عن المجتمع والحياة، إذا بأحد أولئك السَّدَنَةِ يجهر قائلًا: من ذا الذي يملك قوة فصم الدين عن المجتمع والحياة؟ إنَّ العلمانية - كما يُضيفُ بالنص الحرفي- هي الحماية الحقيقية لحرمة الدين والعقيدة والإبداع، بل إن الإسلام – كما يقول في جُرأة بالغةٍ – هو الدين العلماني بامتياز؛ لأنه لا يعرف سلطة الكهنوت!!
في سبيل التمهيد لهذه الأطروحة المبتدعة، يُقيم ذلك القائل تفرقة مصطنعة بين «الدين» من جهة "والفكر الديني" من جهة أخرى فجميع ما سطره علماء المسلمين ومحققوهم فهمًا من القرآن الكريم والسنة المطهرة، واستخراجًا لدلالاتهما، واستنباطا لأحكامهما يندرج تحت مسمى "الفكر الديني" الذي لا يُمثل - في هذا الزعم – الدين نفسه، وإنما هو عِبءٌ عليه وقيد على طلاقته، بل إن هذا الفكر الديني يحمل ادعاء ضمنيًا بالقدرة على الوصول إلى القصد الإلهي، دون إدراك أنه بذلك يدخل في منطقةٍ شائكةٍ هي منطقة الحديث عن الله!!
والذي تهدف إليه العلمانية – حسب هذا الفهم – إنما هو إزاحة هذا «الفكر الديني»، وليس الدين نفسه!!
هذه الأطروحة التنويرية تتضمن في خبيئتها الخادعة دعوة جهيرة إلى تجريد الدين نفسه - ممثلاً في القرآن الكريم بشكل رئيس - من كل دور في واقع المسلمين، وذلك بإهدار جميع دلالاته التي حملها إلى البشرية من الأوامر والنواهي والتشريعات الاجتماعية والحياتية، والتي ضبطت معاقدها جحافل من أفذاذ العلماء والمحققين على مدى التاريخ الإسلامي، بزعم أن ذلك كله يندرج تحت مُسمى «الفكر الديني»؛ لكي يصير هذا الدين - بعد تلك التعرية – مجردًا من مضامينه الدلالية، خاوي الوفاض من توجيه المجتمع، وضبط حركته، قابلاً لكل قراءة شاردة أو هوى منفلت، ثم تصحو الأمة بعدئذٍ على «دين» قد أُفرِغَ من محتواه إفراغًا، ولم يبق منه سوى إطارات عامة مُفتحة الأبواب لا تستعصم في فكر جانح أو رأي جامح، ثم تكتمل حلقات تلك الهجمة التنويرية المستحدثة بما يُلوح به صاحبها - ترهيبًا وتخويفًا- بأن هذا الفكر الديني حين يضبط دلالات النصوص الشرعية، أو يُرسخُ في وعي الأمة الأصول المستنبطة من الكتاب والسنة، فكأنه ينفُذُ إلى القصد الإلهي ويتحدث باسم الله!!
ولا يُمكنُ للمرء في هذا المقام إلا أن تعتريه الدهشةُ من هذه القدرة الفائقة على خلط المفاهيم في جُرأة بالغة واقتحام جسور، فهل يمكن لامرئ تمرس بشيء من المعرفة بالإسلام أن يغفل عن تلك البدهية العُظمى من بدهيات الإسلام، وهي أن القرآن الكريم ما أنزله الله تعالى إلى البشرية إلا رسالةً خاتمةً ناطقةً بمُرادات الله تعالى من البشر أمرًا أو نهيًا، قضاءً وتشريعًا، سلوكًا وتطبيقًا لكي تُحاسب تلك البشرية عليها – بعدئذٍ - طاعةً أو معصيةً، ثوابًا وعقابًا؟
وهل يُمكن لذي عقل مُستقيم إلا أن يفهم أنه لا بد لتلك الرسالة الجليلة ذات الخطر العظيم أن تكون كاشفة عن تلك المرادات كشفًا لا إبهام فيه ولا إيهام؟ وإلا فكيف يتم التزام تلك الطاعة أو اجتناب تلك المعصية إن لم يكونا - من الوضوح والبيان – على أتم درجاتهما وأكمل مراتبهما؟
ثم أي فهم إذًا هذا الذي يدعي أن هذا الوضوح والبيان الذي نطقت به آيات هذا الكتاب المعجز، والذي اضطلعت بتفصيله جهود علماء الأمة إنما هو ولوج إلى المنطقة الشائكة وهي الحديث باسم الله؟
كيف يصح في الأذهان أن ينقلب فهم دلالات القرآن الكريم الذي يسَّره الله تعالى للذكر، وجعله قرآنا عربيًا غير ذي عوج إلى حديث باسم الله؟
أليس القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه؟ أو ليس هو الله تعالى الذي نزل أحسن الحديث؟ ألسنا حين نسمع القرآن الكريم فإنما نسمع كلام الله؟ فأين إذًا الحديث باسم الله؟
أما كان الأجدر لو كانت أفهامُ المسلمين للأوامر والنواهي الإلهية في القرآن الكريم حديثًا عن الله، ودخولاً في تلك المنطقة الشائكة المحرمة – كما يقول صاحب هذا الزعم – أن يتضمن القرآن الكريم أمرًا للناس بالصمت والسكون، وتوجيهًا لهم أن يمسكوا عن كل فهم في الدين؛ حذرًا من أن يكون ذلك نفاذًا إلى القصد الإلهي، أو حديثًا عن الله سبحانه؟
ولئن كان الأمر كذلك، فما الحاجة إلى تضمين تلك الأوامر والنواهي في القرآن الكريم أصلاً وابتداءً؟ أو ما كان الأولى حينئذٍ أن يكون القرآن الكريم – وحاشاهُ - مُجرد نصائح عامة فضفاضة لا تحمل أمرًا ولا نهيًا ولا تشريعًا ولا تنظيمًا؟!
ثم أقول أخيرًا: إن مأساة رهطٍ من التنويريين والعلمانيين تتجسد – في بعض جوانبها- أنهم مولعون باستعادة تاريخ الكنيسة في العصور الوسطى الأوروبية، ثم نسج خيوطه المهترئة ذاتها على وقائع التاريخ الإسلامي في تبسيط هازل لا يملون من تكراره، فهل خطر ببال أحد من علماء الأمة - مُتقدِّميها ومُتأخريها - ذات يوم أن يكون رأيه حديثًا عن الله وهو يتلو قوله تعالى تعليمًا لرسوله الكريم: ﴿وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ (الأعراف: ۱۸۸).
(2)
يتساءل أحد سدنة التنوير تساؤلاً مبدئيًا فيقول: إذا كان الإسلام دنيا ودينا، وإذا كانت العلمانية هي الدنيوية، فلماذا رفض العلمانية ومعاداتها؟ ثم يتابع قائلاً بالنص الحرفي: إن من يرفض العلمانية وينكرها، فإنه يهدف في حقيقة الأمر إلى ارتهان الدنيا لصالح الدين، كما يهدف أيضًا إلى نفي الإنسان ونفي العالم؛ ممَّا يُؤَدِّي في النهاية إلى إحلال الله تعالى في الواقع العيني المباشر !!
لا يحتاجُ المرء -بادئ ذي بدء- إلى جَهدِ كبير ليدرك أن هذا التساؤل المبدئي البريء في ظاهره -عن السبب في رفض العَلْمَانِيَّةِ ومعاداتها- ليس في حاجة إلى جواب بقدر ما هو باعث على الدهشة والاستغراب، فمن أبجديات المعرفة بالعلمانية أنها ليست مجرد الدنيوية وحدها، بل هي الدنيوية التي تحمل في باطنها (نَفي) مَا عَدَاهَا، إِنَّهَا الدنيوية مشروطة بإقصاء تشريعات الدين عن واقع الحياة وإزاحتها كضابط لسلوك البشر، وتنحيتها كميزان توزنُ به تصرفاتهم وأفاعِيلُهم وأنماط سلوكهم، وإلا فهل يتصوَّرُ مَن يُدْرِكُ أبسط بدهِيَّاتِ الإسلام أن يرفض الإسلام الدنيا حين تسترشد بأوامر الدين ونواهيه، وتنضبط بتشريعه وتنظيمه؟ هل يَتَصَوَّرُ أحدٌ يُدرك من تلك البدهيات شيئًا أن يرفض الإسلام - وهو الدِّينُ الذي نَهَضَتْ على قواعده تلك الحضارة الشامخة التي ازدهرت بها دنيا الناس علمًا ومَدَنِيَّةٌ- تلك الدنيا ويُعادِيها؟
ثُم تتوالى دعاوى عَلْمَانِيَّة التنوير، بعضها فوق بعض :
فأولى تلك الدعاوى المُفتَرَاةِ: أَنَّ مَن يَرْفُضُ العَلْمَانِيَّة، فَإِنَّهُ يَهْدِفُ إِلى "ارتهان الدنيا لصالح الدين"، ومن ثَمَّ، فَإِنَّ العَلْمَانِيَّة هي التي تتكفّل - طبقًا لهذا الزعم- بتحرير الدنيا من أن تقع رهينة للدين، أو حبيسة في نطاق أوامره ونواهيه، أو مضبوطة بضوابط نظمه وتشريعاته.
لو أنا تابعنا خطوات هذا المنطق التنويري حتى نهاياته القصوى لحق لنا أن نقول بالمثل: إنَّ القيم الوضعية البشرية –هي الأخرى- ترتهن الدُّنيا، وتحبسها في نطاقها، وتَكُونُ قَيدًا على حركتها، وحينئذ فأي الارتهانين أصدق قيلاً وأهدى سبيلاً؟ ارتهان الدنيا بقيم البشر النسبية الرجراجة حيث تُكَالُ قِيمُ الحَقِّ والعدل والخير بمكيالين، بل بعدة مكاييل، أم ارتهانها بقيم الإسلام الثابتة ومعاييره الرَّاسِخَةِ، حيث تتصف تلك القيم بالمطلقية والديمومة، فلا تميل مع الأهواء، ولا تتأرجح مع الأغراض: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾ (المؤمنون: ۷۱(.
وإذا نحينا حديث الارتهان جانبًا، فلماذا يترسخ في أذهان العَلْمَانِيِّينَ جميعًا ودون استثناء - أنَّ الدِّينَ والدُّنيا غَرِيمَانِ لدودان، وأن أحدهما لا يُكتب له بقاء إلا بإقصاء الآخر وإلغائه جزءًا أو كُلَّا؟ ألا ينطوي كيان الإسلام - تاريخًا وحضارة وعمرانًا – على حقيقة متجذرة في بنيته العميقة، وهي ذلك التآزر المصيري الجوهري بين الدين والدنيا، والذي بدونه – أعني هذا التآزر- ما قامت لهذا الكيان الشامخ قائمة، برغم ما اعتراه في بعض فترات التاريخ من عثرات ونتوءات: تمتلك الأمة - في مذخورها الذاتي – ما يُمكنها من تجاوزها وتلافي مسبباتها؟
وثانية تلك الدعاوى التنويرية المفتراة: أنَّ من يرفضُ العَلْمَانِيَّةَ، فَإِنَّهُ – برفضه هذا - ينتهي إلى نفي الإنسان والعالم، ومن ثُمَّ فَإِنَّ رَفع لواء العَلْمَانِيَّةِ - طبقًا لهذه الدعوى – هو الذي يضمن للإنسان والعالم جميعًا أن ينعتقا من هذا النفي، وأن يعودا إلى موقعهما في خضم الحياة، بعد أن نفاهما الدين وأسقط اعتبارهما!!
وللمرء أن يتساءل: أي إنسان هذا الذي نفاه الإسلام وهو الكائن الذي كَرَّمَهُ الله تعالى وفضله على كثير من خلقه، وأسجد له الملائكة، وجعله الخليفة في الأرض؟ وأَيُّ عَالَم هذا الذي نفاه الإسلام، وهو الكون الذي جعله الله تعالى مجلى لأسمائه الحسنى، ومظهرًا لصفاته العليا، وأتقن صُنعه، وأحسن تدبيره؟
فهل ينتفي هذا الإنسان وذاك العالم، وتذوب حقيقتهما، وتذوى كينونتهما حين يُطِيعُ هذا الإنسان – في رحاب ذلك العالم – أمرَ رَبِّهِ ونهيه، وشرعه وقضاءه؟ وأي عقل رشيد يعي أبسط مقتضيات الألوهية والربوبية، ثُمَّ يذهب به الشطط إلى أن الإنسان والعالم كليهما لا يدرءان عن نفسيهما النفي – كما تزعُمُ عَلْمَانِيَّةُ التنوير - إلا بالتمرد على الأوامر والنواهي الإلهية، والتَّخَلّص من تبعة الالتزام بها؟
أفليس تمرُّد الإنسان على التشريع الإلهي، وخُلُو العالم من أوامر الله تعالى ونواهيه -هو الذي يؤدي إلى النفي الحقيقي للإنسان والعالم؛ لأنَّه يَبْتُرُ صِلَتهُما بالميزان الإلهي الذي وضعه الحق سبحانه في عمق أعماق الكون، وإلى تشويه الغايات القصوى من الوجود وانحصارها في آفاق الحياة الآنية المحدودة، بل وإلى اغتراب الإنسان عن عمقه الروحي المتأصل في أعماق ذاته؟
أي نفي أشقى للإنسان والعالم حين تنحَصِرُ غايات ذلك الإنسان في رغائب ذاته، وتنحسر تحت سقف دنياه، بلا امتداد إلى ما وراءهما، أو استشراف إلى ما فوقَهُما؟!
وثالثة تلك الدعاوى التورية المفتراة: أَنَّ مَن يَرفُضُ العَلَمَانِيَّة ملتزمًا بعدئذ بأوامر الله تعالى ونواهيه: فإنَّه يقوم بإحلال الله تعالى في الواقع العيني المباشر.
وربَّما كانت هذه الدعوى أكثر أخواتها جرأة وجسارة، لكنها أظهرها تهافتًا وبطلانًا؛ فاعتقاد المسلم أنَّه: ﴿إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾ (الشورى: ٥٣)، من جهة، وأنه تعالى: ﴿عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرُ﴾ (البقرة: ٢٠)، من جهة أخرى، وبأنَّه مُكَلَّفٌ بالتزامِ شرع الله تعالى ومنهجه في الكون يشكلان جانبًا جوهريًا من عقيدته الصحيحة، لكن أخَطَر في الأذهان – ولو لبرهة من الزمان - أن شيئًا من ذلك مُؤَدُّ إلى إحلال الذات الإلهية في الواقع العيني المباشر، أم أنَّ إيمان المُسلِمِ بِعَالِمِ الْغَيْبِ الْمُفَارِقِ لِعَالَمِ الشَّهَادَةِ يتسامَى بِهِ عَن هذا التَّصَوُّرِ ويعصمه من الانزلاق إليه والوقوع فيه؟
ثُمَّ أَي عقل هذا الذي يَتَوَهَّمُ أَنَّ إرجاع المسلم لشئون الكون كلها إلى الله تعالى غاية ومصيرًا، أو أن امتثال أوامره واجتناب نواهيه تُمثلُ إحلالاً له سبحانه في عالم الحس المباشر، وهو الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير؟
ومن العَجَب أَنَّ فريقًا من الذين ينتمون إلى السلفيَّةِ المُدَّعَاةِ، يُعْطُون أصحاب هذه الدعوى المفتراة الذريعة في شيء مما يزعمون - برغم تنائي الديار - وذلك حين يَتَدَنَّى التصور الاعتقادي التنزيهي لديهم إلى أفهام حَرْفِيَّة ضَيَّقة لنصوص الكتاب والسُّنَّةِ؛ تدنو بهم إلى قريب من دَرَكِ التشبيه والتجسيم!!
ثُمَّ أقول أخيرًا: أي مصير بائس ستئول إليه شخصية الأمة حين تصاب بهذا الانقسام الحاد في بنيتها الفكرية الواعية بين دنيا يُراد لها أن تنفصل عن الدين، وبين دين يُرَادُ له أن يُفَرَّغَ مِن مضمونه ويجرَّدَ عن دَورِهِ؟ أَوَلَيْسَ الخاسر في ذلك كله هو الإنسان؟!
رابط المقال الأول: هنا
رابط المقال الثاني: هنا
_________________
* مقالان مستلان من مجلة الأزهر؛ المقال الأول نُشر في ج: 1، السنة 98، المحرم 1446هـــــ/ يوليو 2024م، ص22-24، والمقال الثاني نُشر في ج: 2، السنة 98، صفر 1446هـــــ/ أغسطس 2024م، ص260-262.
** عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.