تأتي هذه الدراسة ضمن متطلبات نيل درجة الماجستير في الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود؛ بهدف تحرير مصطلح تطبيق الشريعة الإسلامية ومفهومه. وتجلية هذا المفهوم وتوضيحه فكريًا ليسهل التعامل معه من خلال رؤية شرعية إسلامية واضحة المعالم. وإبراز تفوق التشريع الإسلامي وتميزه على غيره من التشريعات الوضعية وأنه صالح للتطبيق في كل زمان ومكان.
وتكمن أهميتها -بحسب الباحث- فيما نجده اليوم من اضطراب عند بعض أبناء المسلمين في كثير من المفاهيم الإسلامية، ومن هذه المفاهيم "مفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية" وما يثار حوله من شبهات هدفها النيل من الأحكام الشرعية والتلبيس على الناس في دينهم عقيدة وشريعة والزعم بعدم إمكانية تطبيق الشريعة الإسلامية في هذا العصر الذي يموج بالمتغيرات والفتن وما يقوم به أعداء الإسلام من المستشرقين وغيرهم أو من بعض أبناء المسلمين الذين تأثروا بهم من العلمانيين وأصحاب المذاهب العقلية والفلسفية الذين تأثروا بالفكر الغربي والحضارة الغربية الحديثة وانبهروا بها، وأخذوا ينظرون إلى الدين الإسلامي بغير حقيقته ويقومون بإلصاق الشبه بهذا الدين عقيدةً وشريعةً ونظمًا وأحكامًا.
كما تبرز أهمية هذا البحث في إبراز قيمة التشريع الإسلامي وتميزه عن غيره من القوانين الوضعية سواء في جانبه العقدي والإيماني الذي ينظم علاقة الإنسان بخالقه من خلال معرفته للكون والوجود والحياة أو التي راعى فيها جانب المصالح والمنافع ومقاصد الشريعة أو التي تنظم حياة الناس وتراعي مصالحهم وتحميها، كما أن هذا التشريع الإسلامي قد تميز عن غيره من التشريعات والقوانين البشرية الوضعية لأنه جاء من عند الله سبحانه وتعالى وهو أعلم بشؤون الخلق وما ينفعهم في دنياهم وأخراهم.
وقد خلف الاستعمار الأجنبي في الأمة الإسلامية آثارًا خطيرة في مختلف نواحي الحياة، وفي تشويه صورة الإسلام لدى أبنائه والتشكيك في تعاليمه وأحكامه والانتقاص منها. كما كان للدور القوي الذي لعبته بعض الهيئات والمنظمات الدولية بما فيها منظمات حقوق الإنسان، أثر في إضعاف الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في مجال الحدود بدعوى أنها متعارضة مع مبادئ حقوق الإنسان العالمية.
ومما جاء في مقدمة الباحث للرسالة:
إننا لا ننكر أن الأمة الإسلامية في هذا العصر قد بدأت تتطلع إلى العودة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية نتيجة ما عانته من ويلات الظلم والقهر والاستعباد في ظل القوانين الوضعية، وما نراه اليوم من ردود فعل إيجابية تمثلت في عقد العديد من المؤتمرات الإسلامية حول تطبيق الشريعة الإسلامية وإنشاء العديد من اللجان كل ذلك محاولات للتطبيق ولا يمكن اعتبار ذلك شاملًا ولا كافيًا.
هذه المحاولات قد أحدثت ردود أفعال سلبية تمثلت في فئات معارضة لهذا الاتجاه ووقفت بكل إصرار وتبجح في وضع العراقيل والعقبات أمام تطبيق الشريعة الإسلامية وأخذت تثير الكثير من الشبهات والتلبيس حولها.
كما إن مفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية من المفاهيم الإسلامية الأكثر تداولًا منذ قرابة قرن من الزمن، وأصبح قضية من القضايا الهامة التي تشغل العديد من المفكرين الإسلاميين.
فلابد من تناول هذا المفهوم وتحرير مصطلحه حتى يتجلى لكل ذي عقل وبصيرة. وقد حاولت قدر الإمكان الإلمام بجوانب البحث مقتصرًا على مفهومه وبعض آثاره في حياة المسلمين دون الخوض في الجزئيات.
وقد خلص الباحث في دراسته تلك إلى النتائج الآتية:
أولًا: إن مفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية هو: "أن يكون الإسلام ممثلًا في شريعته هو الموجه للمجتمع المسلم في كل الميادين وكل المجالات المادية والمعنوية وأن تكون جميع نظم المجتمع وقوانينه إسلامية مع الاستفادة بما لدى الغير من أنظمة أخرى بشرط عدم تعارضها مع نصوص الكتاب والسنة.
ثانيًا: كان علم الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي في السابق علمًا واحدًا ولا يوجد فرقًا بينهما فلما تشعب هذا العلم وتعددت فروعه أصبح علم الشريعة علمًا شاملًا يضم علم الفقه وغيره من فروع علم الشريعة.
ثالثًا: إن لهذا المفهوم تجليات في جوانب الحياة المختلفة الفردية منها والجماعية، كما أن للمفهوم جوانب تطبيقية منها الجانب العقدي والخلقي والسياسي والقضائي والمالي والاقتصادي وغيرها، وأنه يستوعب جميع جوانب الحياة الإنسانية المختلفة فهو مفهوم شمولي تكاملي.
رابعًا: أن المصطلح المرادف لهذا المفهوم والظاهر في الكتاب والسنة هو "الحكم بما أنزل الله".
خامسًا: إن هذا المفهوم ليس جديدًا بل هو مستقر بحقيقته منذ هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ونزل عليه قوله تعالى: (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله) واستمر هذا المفهوم مستقرًا عند المسلمين إلى أن حكمهم الاحتلال الأجنبي فأزاح الشريعة عن الحكم في بلادهم.
سادسًا: إن أول انحراف حصل في هذا المفهوم كان في الجانب السياسي أما في مجال التشريع والقضاء فكان بعد غزو التتار للعالم الإسلامي ولكن ذلك لم يستمر طويلًا، كما أن دخول القوانين الوضعية للبلاد الإسلامية كان في عهد الدولة العثمانية بسبب فرض الدول الكبرى امتيازات عليها لتفرض هذه القوانين ومن نتائج الاستعمار الأجنبي في البلاد الإسلامية فرضه هذه القوانين وإبعاده الشريعة الإسلامية عنها.
سابعًا: إن الدعوة إلى هذا المفهوم بدأت عندما أخذت القوانين الوضعية تغزو البلاد الإسلامية وبعد الناس عن تحكيم الشريعة الإسلامية وكانت ضعيفة في بداية الأمر، ثم أخذت تظهر بشكل واضح بسبب الوعي لدى الكثير من أبناء المسلمين ونتيجة لعدم قدرة القوانين الوضعية على تلبية حاجات المجتمع.
ثامنًا: إن جهود الدعوة إلى هذا المفهوم تنوعت على مستوى العلماء وقادة الفكر، وعلى مستوى الدول وعقد لذلك العديد من المؤتمرات الدولية لدراسة الشريعة الإسلامية وتميزها عن غيرها من الأنظمة والقوانين الوضعية.
تاسعًا: إن لمفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية آثار إيجابية متنوعة في حياة المسلمين منها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقضائية وغيرها.
عاشرًا: إن التحول الذي طرأ على هذا المفهوم في بداية الأمر كان في بعض جوانبه السياسية إلا أن المسلمين كانوا ملتزمين أشد الالتزام بتمثل أحكام الشريعة وتطبيقها في شؤون حياتهم على المستوى الفردي والجماعي.
الحادي عشر: إن مفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية قد تمثله الرسول صلى الله عليه وسلم، في حياته ومن خلال بيانه الأحكام الشرعية التي أنزلت عليه عن طريق الوحي الإلهي وتطبيقها على نفسه وعلى أمته ويجب على المسلمين الالتزام بذلك قولًا وعملًا.
أما تقسيمات البحث، فكانت كالتالي:
يتكون البحث من مقدمة وأربعة مباحث، وخاتمة
المقدمة وتشتمل على :
1 - أهمية الموضوع وأسباب اختياره.
٢ - أهداف الموضوع.
- الدراسات السابقة .
٤ - منهج البحث.
المبحث الأول: دلالات مفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية.
المبحث الثاني: نشأة مفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية وتطوره .
المبحث الثالث: المصطلحات ذات الصلة.
المبحث الرابع: آثار مفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية.
الخاتمة : وتشتمل على أهم النتائج وأبرز التوصيات .
الفهارس وتشتمل على:
فهرس الآيات.
فهرس الأحاديث.
فهرس الآثار .
فهرس المصطلحات والكلمات الغريبة .
فهرس الأعلام.
فهرس المصادر والمراجع.
فهرس الموضوعات .
لتحميل ملف الرسالة