قُدمت هذه الدراسة إلى كلية الشريعة والقانون- جامعة أم درمان الإسلامية بأم درمان بالسودان، للحصول على درجة الماجستير، عام 2000م، تحت إشراف الأستاذ الدكتور محمود مصطفى المكي، ونُشرت على موقع "المنظومة".
وقد جاء في مقدمة هذه الدراسة ما يلي:
البحث في الدفاع الشرعي في القانون الدولي ظل فكرة تراودني منذ أن أعلن جورج بوش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية -عقب الهجوم عليها في صباح ١١ سبتمبر ۲۰۰۱م- أنَّ أمريكا سوف تستخدم حقها في الدفاع الشرعي عن نفسها. وقد كان مبلغ علمي في ذلك الوقت أنَّ الدفاع الشرعي عن النفس أو العرض أو المال أو عن نفس أو مال أو عرض الغير، هو حق في القانون الداخلي له تعريفه وشروطه الخاصة بالاعتداء وفعل الدفاع، إضافة إلى تجاوز حدود الدفاع وحكمه.
أما في المجال الدولي فلم يكن لدي علم بوجود ذلك الحق، ولذا قفزت في ذهني العديد من الأسئلة، وعلي سبيل المثال: هل الدولة مثل الفرد لا يثبت لها حق الدفاع الشرعي إلا في حالة توفر شروط محددة لنشوء الدفاع الشرعي واستعماله؟ وهل هنالك رقابة لاحقة له؟
موضوع الدراسة:
كانت الحرب هي الوسيلة الأساسية التي تستخدمها الدول لتحقيق سياستها القومية، فالحرب لم تكن ممنوعة في ظل القانون الدولي التقليدي، وفي تطور لاحق تم اللجوء إلي فكرة الحرب العادلة والحرب غير العادلة، حيث اعتبرت الأولى مشروعة، والثانية غير مشروعة في نظر فقهاء القانون، أما الفقه الإسلامي فقد حرم الحرب العدوانية منذ الوهلة الأولى.
في ظل عصبة الأمم تم تقييد الحرب ولم يظهر حق الدفاع الشرعي بشكل واضح؛ لأنَّ منع اللجوء للقوة لم يكن مطلقًا إضافة إلي أن الدول لم تحترم السلم الدولي، بل وقامت بتهديده علي رأسها فرنسا وبريطانيا، وبعد التوقيع علي ميثاق بريان كيلوج في عام ١٩٢٨م أصبح منع اللجوء للقوة عامًا ومطلقًا، واعتبر الاعتداء علي هذا المنع يشكل جريمة دولية، ومن ثم بدأت معالم حق الدفاع الشرعي تتضح منذ ذلك الوقت.
ومع قيام منظمة الأمم المتحدة في سنة 1945م تم النص علي المنع العام للجوء للقوة في المادة (2/4) من الميثاق والتي جاء فيها:
يمتنع أعضاء الهيئة جميعًا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق مع مقاصد الأمم المتحدة.
كما أصبح حق الدفاع الشرعي في ظل الميثاق، بوصفه استثناءً من المنع العام للجوء للقوة متجسدًا في مادة مستقلة، وهي المادة (٥١) التي تنص علي: "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن نفسها، إذا اعتدت قوة مسلحة علي إحدى أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلي أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي والتدابير التي يتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلي المجلس فورًا، ولا تؤثر تلك التدابير فيما للمجلس بمقتضى سلطته مسئولياته المستمدة من أحكام هذا الميثاق من الحق أن يتخذ -في أي وقت- ما يري ضرورة اتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي وإعادته إلى نصابه).
علي هدي من هذا النص يمكن تعريف حق الدفاع الشرعي الدولي بأنه ذلك الحق الذي يقرره القانون الدولي الجنائي لدولة أو مجموعة من الدول لاستخدام القوة لصد عدوان مسلح حال، يرتكب ضد سلامة إقليمها أو استقلالها السياسي بشرط أن يكون استخدام القوة هو الوسيلة الوحيدة لدرء ذلك العدوان ومتناسبًا معه، ويتوقف حين يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين.
أما تعريفه في الفقه الإسلامي فيعني الحق في رد العدوان عند وقوعه علي دولة مسلمة من جانب دولة أخري غير مسلمة أو من جانب إحدى الطوائف الإسلامية.
يتضح من المادة (٥١) وتعريف حق الدفاع الشرعي أنَّ العدوان يشكل عنصرًا جوهريًا لنشوء ذلك الحق. ولتعريف العدوان أهمية كبيرة إذ يمكِّن مجلس الأمن من أن يحدد علي ضوئه الدولة المعتدية والدولة المعتدي عليها، ومع تطور الأسلحة التقليدية والنووية وسرعة انطلاقها عبر القارات من مسافات بعيدة وجسامة قوتها التدميرية، قد تكون هنالك صعوبات في تحديد الدولة المعتدية ما لم تعلن هي نفسها عن مسئوليتها عن الاعتداء.
أهمية البحث:
موضوع هذا البحث أحكام الدفاع الشرعي في القانون الدولي أحسب أنه موضوعٌ حيٌ وهامٌ، ومن الممكن السعي في معالجته في القانون الدولي الجنائي علي غرار معالجته في القانون الجنائي الداخلي، إضافة إلي أنَّه من الموضوعات الحديثة التي لم تتم دراستها بشكل وافٍ في ظل القانون الدولي الجنائي، ولعلَّ السبب في ذلك هو حداثة القانون نفسه.
بعض الدول درجت في التوسع في تفسير المادة (٥١) تبعًا لأهوائها وتحقيقًا لأطماعها، ولما لهذا الحق من أهمية بالغة في القانون الدولي الجنائي، ووجود جدل فقهي وقانوني حول ماهيته وشروطه، كل ذلك كان دافعًا لاختيار هذا الموضوع، والذي وقفت فيه علي ما ظهر من تفسير للمادة (51)، وشروط حق الدفاع الشرعي التي تتماشى وهدف واضعي الميثاق من جهة ومقتضيات القانون الدولي من جهة أخرى، وتحقيقًا لذلك فقد مال الباحث إلى الأخذ بالتفسير الضيق للمادة (51)، والذي بموجبه لا ينشأ حق الدفاع الشرعي إلا إذا وقع هجوم مسلح فعلي على الدولة، مع خضوع هذا الحق لرقابة لاحقة من قبل مجلس الأمن الدولي.
مشكلة البحث:
تمثلت مشكلة البحث الجوهرية في أنه هل يمكن معالجة موضوع الدفاع الشرعي في القانون الدولي على غرار ما تم في القانون الجنائي الداخلي؟، وإن كانت الإجابة بالإيجاب ما هي طبيعة وأساس الدفاع الشرعي الدولي؟، وهل تلك الطبيعة هي واحدة في كل من القانونين؟، وكذلك الأساس أم أنَّ هنالك اختلاف بينهما؟، وإذا كان الفرد في القانون الجنائي الداخلي يتوقف عن فعل الدفاع حينما يتدخل رجال الشرطة أو الأمن في الدولة، فما هي اللحظة التي يتوقف فيها فعل الدفاع المتخذ من قبل الدولة المعتدي عليها في القانون الدولي؟.
الصعوبات التي واجهت الباحث:
تتمثل الصعوبات التي واجهت الباحث في الإعداد لكتابة هذا البحث في الآتي:
- عدم توفر المراجع العلمية الكافية في القانون الدولي الجنائي، ولعل ذلك بسبب حداثة هذا الفرع من القانون الدولي.
- عدم وجود مراجع وكتابات ودراسات كافية عن المحكمة الجنائية الدولية التي تبلور نظامها في مؤتمر روما ۱۹۹۸م ودخلت حيز التنفيذ في أول يوليو ٢٠٠٢م.
- معظم المراجع الأجنبية باللغتين الإنجليزية والفرنسية لا توجد لهما ترجمة للغة العربية.
- قلة المتوفر من مراجع داخل السودان أدَّى إلي الاتصال بجهات رسمية وشخصية للحصول علي بعض المراجع من خارج السودان مما زاد من التكلفة المالية.
منهج البحث:
- لقد حاول الباحث اتباع المنهج العلمي الموضوعي في هذا البحث، وذلك عن طريق الدراسة التاريخية والمقارنة التطبيقية.
- وحاول الباحث عرض المعلومات والأفكار والآراء المؤيدة لها والمعارضة وأدلة كل منهما بعيدًا عن التعصب.
- اعتمد الباحث في عرض الأدلة علي نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية ثم الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين في كتب الحديث وأمهات الكتب في المذاهب المعروفة ومصادرها الرئيسية، وفي مجال القانون علي النصوص القانونية المتعلقة بموضوع الدراسة والاستدلال بها وعرض آراء الفقهاء حولها.
- اتبع الباحث التسلسل التاريخي والتطور الذي طرأ علي كل من مبدأي منع اللجوء للقوة وحق الدفاع الشرعي في القانون الدولي الجنائي بوصفه استثناءً من هذا المنع، وذلك منذ العصور القديمة فالوسطى ثم الحديثة مرورًا بعهد عصبة الأمم وقيام منظمة الأمم المتحدة.
- تمت مقارنة موضوع البحث في الفقه الإسلامي الراسخ والذي تميزه مرجعية ثابتة متمثلة في الكتاب الكريم والسنة المطهرة، لن نضل أبدًا ما إن تمسكنا بهما، بما هو عليه الحال في القانون الدولي وذلك من جانب، ومن الجانب الآخر مع القانون الجنائي الداخلي بوصفه ذو تنظيم قانوني متكامل نسبيًا.
- قام الباحث بذكر التطبيق العملي مباشرة بعد الفكرة أو النتائج المعروضة كل ما كان ذلك مناسبًا، وتم إفراد مبحثٍ كاملٍ لتطبيق فكرة الدفاع الشرعي الجماعي المتمثلة في الرد علي العدوان الإسرائيلي على بعض الدول العربية في عام ١٩٦٧م، ولعل في ذلك فائدة ونفعًا بسبب الربط بين النظريات والواقع.
- سبق أن تمَّ تناول جانب من موضوع البحث بالدراسة في عام ١٩٧٣م، أي قبل أكثر من ثلاثين عامًا خلت، تلك الدراسة من المقارنة بالفقه الإسلامي الذاخر والمليء بالكنوز في موضوع البحث وغيره من موضوعات القانون وكافة أمور الشريعة الإسلامية الغراء، التي سبقت وتفوقت علي كافة الشرائع الأخرى والقوانين بوضع القواعد والأسس لتنظيم علاقة المجتمعات والدول ببعضها البعض، يجاهد المجتمع الدولي والداخلي للوصول إليها.
خطة البحث:
اشتملت الخطة علي مقدمة وفصل تمهيدي وأربعة فصول وخاتمة، تعرضت في الفصل التمهيدي إلى مفهوم ومجال القانون الدولي الجنائي، فتناولت ملامح القانون الدولي الجنائي في المبحث الأول، أنواع الجرائم الدولية في المبحث الثاني، والسمات العامة للمحاكم الجنائية الدولية في المبحث الثالث.
الفصل الأول جاء بعنوان مفهوم وحدود الدفاع الشرعي واشتمل علي تعريفه في المبحث الأول، والتكييف الفقهي في المبحث الثاني، واستقلاله عن المفاهيم المشابهة في المبحث الثالث والأخير.
تناولت في الفصل الثاني حق الدفاع الشرعي في النظم القانونية المختلفة، فتمَّ التعرض لحق الدفاع الشرعي ما قبل عهد عصبة الأمم في المبحث الأول، وفي كل من العرف الدولي في المبحث الثاني، المعاهدات الدولية في المبحث الثالث، القضاء الدولي في المبحث الرابع، والفقه الإسلامي في المبحث الخامس.
أما الفصل الثالث فقد تم تخصيصه لشروط استعمال الدول لحق الدفاع الشرعي، حيث تعرضت لجريمة العدوان في المبحث الأول، وشروط جريمة العدوان وفقًا للمادة (٥١) في المبحث الثاني، والقوة اللازمة لرد العدوان في المبحث الثالث، والأثر القانوني لحق الدفاع الشرعي في المبحث الرابع والأخير.
تعرضت في الفصل الرابع لمفهوم الدفاع الشرعي الجماعي، فتناولت ماهية حق الدفاع الشرعي الجماعي في المبحث الأول، وحق الدفاع الشرعي الجماعي وفقًا للمادة (٥١) في المبحث الثاني، والعدوان الإسرائيلي علي بعض الدول العربية عام ١٩٦٧م بوصفه تطبيقًا حيًا لموضوع هذا الفصل، وذلك في المبحث الثالث، وأخيرًا خلصت إلي خاتمة اشتملت علي بعض النتائج والتوصيات.
رابط مباشر لتحميل الدراسة