حق الدفاع الشرعي في القانون الدولي: حالة النزاع الفلسطيني الإسرائيلي

By ممدوح محمد يوسف عيسى تشرين2/نوفمبر 11, 2023 690 0

قُدمت هذه الدراسة إلى كلية الحقوق- جامعة الشرق الأوسط بالأردن، للحصول على درجة الماجستير، عام 2013م، تحت إشراف الأستاذ الدكتور محمد يوسف علوان، ونُشرت على موقع "المنظومة".

وقد جاء في مقدمة هذه الدراسة ما يلي:

إن حق الدفاع الشرعي كان ولا يزال من أكثر الموضوعات القانونية المثيرة للجدل بين فقهاء القانون لما به من جدلية قانونية وفلسفية تثير شهية أي باحث في القانون، وليس الخلاف جديدًا في القانون الدولي حيث تمتد جذوره بعيدًا في أعماق الفكر القانوني ولم يكن طي النسيان أثناء وضع الميثاق.

حيث إن جميع النظم القانونية تعترف بحق الدفاع الشرعي، وأن هذا الحق معترف به منذ العصور الأولى لوجود الإنسان على الأرض، وبقي هذا الحق وما زال في ظل التنظيم الدولي الحديث (ميثاق الأمم المتحدة)، ويعتبر هذا الحق من الحقوق الحتمية للحق في البقاء، والمحافظة على النفس، وهذا مما يجعل استخدام القوة دفاعًا عن النفس مشروعًا، سواء في ظل التشريعات الداخلية للدول أم في ظل التنظيم الدولي ضد أية دولة معتدية.

وقد نصت القوانين والتشريعات الداخلية والدولية على الدفاع الشرعي ووضعت ضوابط وشروطًا باعتباره حقًا أصيلاً يتمتع به الفرد، كما تتمتع به الجماعات والدول، فبموجب نص المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء "الأمم المتحدة" وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى مجلس الأمن فورًا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس بمقتضى سلطته ومسئولياته المستمدة من أحكام هذا الميثاق من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه".

كرست المادة (51) من الميثاق حق الدفاع الشرعي، واعتبرته استثناء على قاعدة حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية، ويرجع تبرير هذا الحق إلى أنه لا يمكن أن تترك الدولة ضحية الهجوم المسلح دون إنقاذ حتى تتمكن الأمم المتحدة من العمل على نجدتها.

ويعد حق الدفاع الشرعي من الحقوق الطبيعية التي تتمتع بها الدول كافة كنتيجة حتمية للحق في البقاء والمحافظة على النفس، وجاء النص عليه في المادة (51) لوضع الضوابط المتعلقة بشروط وكيفية ممارسته حتى لا تشتط الدول في استعمال هذا الحق وتتعسف به. وحق الدفاع الشرعي وفقًا لميثاق الأمم المتحدة ليس مطلقًا بدون قيود، فهو من ناحية مقيد بتعرض الدولة المعتدى عليها لعدوان مسلح، ومن ناحية ثانية مقيد بأن تمارسه الدولة المعتدى عليها مؤقتًا حتى يتحمل مجلس الأمن مسؤولياته في اتخاذ التدابير الفعالة ضد الدولة المعتدية، ومن ناحية ثالثة فهو يخضع لرقابة مجلس الأمن، وبالتالي تلتزم الدولة التي تمارسه بإبلاغ مجلس الأمن فورًا بالتدابير التي اتخذتها لممارسة حق الدفاع الشرعي.

فالدفاع الشرعي ينصرف إلى الحالة التي ترد فيها دولة ضحية لعدوان مسلح حال على هذا العدوان دفاعًا عن وجودها واستقلالها، وهو حق "طبيعي" و "أصيل" للدول وظيفته رد العدوان إلى أن يباشر الجهاز المختص (مجلس الأمن) سلطاته وصلاحياته في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين.

ومن خلال نص المادة (51) المذكورة نجد أنه قد وضع ضوابط لهذا الحق، وهذا لا يمنع من أن هذا النص به من الغموض أكثر ما به من الوضوح، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ما إمكانية تطبيق هذا النص والمقصود هنا نص المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة على الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.

مشكلة الدراسة:

إذا كان حق الدفاع الشرعي هو حق أصيل للدول كما للأفراد طبقًا لقواعد القانون الدولي، وأيضًا هناك تحريم اللجوء إلى استعمال القوة لفض المنازعات بين الدول فهذا الحظر أو المنع هو مبدأ مستقر في القانون الدولي طبقًا لنص المادة (2 فقرة 4) من ميثاق الأمم المتحدة، وبرغم عمومية وشمولية تلك المادة فهي تصل بالتحريم ليس فقط لاستعمال القوة بل لمجرد التهديد باستعمال القوة وهذا للحفاظ على السلم والأمن الدولي.

وعلى ذلك فلابد من البحث والتنقيب عن معيار إباحة استعمال القوة من خلال حق الدفاع، وكذلك حظر استعمال القوة لفض المنازعات بين الدول والمحرم تطبيقًا لنص المادة (2 فقرة 4) من ميثاق الأمم المتحدة. ثم إن الآراء الفقهية والاجتهادات القضائية ستكون هي الأخرى محل عناية الدراسة الحالية، ويعزي تعدد الآراء بين هؤلاء الفقهاء واختلافهم فيما بينهم إلى اختلاف توجه كل فقيه عن الآخر فضلاً عن التباين في ثقافة وأيديولوجية كل منهم.

هدف الدراسة:

هدف الدراسة هو البحث في حق الدفاع الشرعي في القانون الدولي وحالة النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي بصفة خاصة، وأن النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي هو واحد من أكثر النزاعات التي أرقت ولا تزال تؤرق المجتمع الدولي باعتبار أن هذا النزاع هو أقدم النزاعات الموجودة على الساحة الدولية والعلاقات الدولية المعاصرة منذ إنشاء منظمة الأمم المتحدة على الإطلاق.

فالهدف هو في الأساس تأصيل حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه المشروعة طبقًا للقانون الدولي، إلا أن هذا التأصيل يواجه في الحقيقة وجهة نظر أخرى تدعي أن لإسرائيل كذلك وطبقًا لذات القانون الحق في الدفاع عن نفسها، والدراسة ليست هنا لتأريخ النزاع، وإنما الهدف فقط للبحث والتدقيق والتنقيب من خلال القانون الدولي عن تلك المفارقة، وليس هناك تناقض بين الحق في مقاومة الاحتلال وبين الحق في الدفاع الشرعي.

فمن المعروف قانونًا أن إسرائيل دولة معترف بها وذات سيادة والدولة المعترف بها لها السيادة على أرضها وبحرها وسمائها، وعند خرق سيادتها من خلال عدوان أو اعتداء فهنا ينشأ لها الحق في الدفاع عن سيادتها.

ومن الجدير بالذكر أن منظمة التحرير الفلسطينية قد اعترفت بدولة إسرائيل، ويثار التساؤل عن أثر ذلك على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، وهذا ما تحاول الأطروحة الإجابة عليه.

أهمية الدراسة:

  • ترجع أهمية الدراسة في محاولة إسقاط النصوص القانونية للقانون الدولي، والخاصة بالدفاع الشرعي على حالة النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، ولا يتفق ميثاق الأمم المتحدة لجوء الدول الأعضاء بذات المنظمة إلى استخدام القوة ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال لأية دولة ومقاصد الأمم المتحدة، وقد أباح ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة في حالات معينة منها حالة قيام مجلس الأمن باتخاذ تدابير القسر لحفظ السلم والأمن الدولي تطبيقًا لأحكام الفصل السابع من الميثاق، وكذلك حالة الدفاع الشرعي والتي تنص عليها المادة (51) من ذات الميثاق.
  • ومن الأهمية كذلك للدراسة الوضع القانوني للمقاومة المسلحة في الأراضي المحتلة في العموم، وخاصة دراسة الوضع القانوني للمقاومة الفلسطينية إزاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
  • ومن الأهمية أيضًا التطرق إلى التنظيم الدولي للنزاعات المسلحة أو التهديد باستخدام القوة، وقد جاء النص صريحًا في المادة الثانية في فقرتها الرابعة على أنه "يمتنع أعضاء المنظمة جميعًا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة"، وهذا النص يتطلب البحث في فكرة حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية وبمضمون هذا الحظر والبحث في الطرق المشروعة لاستخدام القوة.

فرضيات الدراسة:

من الشيء المهم والمجدي لأية دراسة أن تكون لها إضافة لما سبق أن قُدم في ذات الموضوع، وإلا سيكون ما يُقدم عبارة عن تكرار لما قُدم وإعادة لما سبق، وهذا ما لا يجوز علميًا.

أولاً: من الأسئلة التي وضعت للبحث فإن الإجابة عليها -وهذا ما ترمي إليه الدراسة- هو البعد عن الجانب السياسي لموضوع حق الدفاع الشرعي طبقًا لقواعد القانون الدولي بالرغم من أنه لا يمكن فصل السياسة عن القانون في مثل هذه القضايا، وبالرغم من وجود جوانب لا يمكن التفريق بينها، ولكن التركيز على الجوانب القانونية أكثر من السياسية.

ثانيًا: إذا كان مبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية أمرًا واجبًا قانونًا فهل الاستثناءات الواردة على هذا المبدأ سواء الواردة في ميثاق الأمم المتحدة أم التي قال بها فقهاء القانون الدولي، ولا أقصد هنا أن المبدأ والاستثناء يناقض بعضهم البعض ولكن ما أعنيه هو الأساس القانوني للاستثناء، وهذا يؤدي إلى البحث عن ماهية حق الدفاع من خلال التمييز بينه وبين غيره من المفاهيم القانونية الأخرى، وكذلك أساس حق الدفاع الشرعي، وأيضًا أنواعه مما يجعلني أوضح التباين في موقف فقهاء القانون الدولي والخاص بالفكرة ذاتها.

ثالثًا: بما أن الدراسة ترمي إلى بيان الحالة الفلسطينية - الإسرائيلية وعلاقتها بحق الدفاع الشرعي فلابد من الوصول إلى تعريف الاحتلال وحقوق الشعوب المحتلة، وأيضًا واجبات المحتل من قبل الشعب المحتل، وكذلك الإجابة عن مفهوم حق الكفاح المسلح وسنده القانوني، ثم هل هناك فرق بين شعب محتل لم يعترف بدولة الاحتلال وبين شعب محتل اعترف بدولة الاحتلال على سبيل المثال كمعاهدة السلام بين الشعب الفلسطيني والإسرائيلي، وما هو أثر ذلك على الحق في الدفاع الشرعي أو عدمه.

 

منهجية الدراسة:

ارتكزت الدراسة الحالية على المنهج التحليلي النقدي، وذلك لتحليل النص القانوني سواء بالسلب أو بالإيجاب اعتمادًا على تعدد آراء رجالات الفقه والقضاء للقانون الدولي، كما لابد من الأخذ في الاعتبار أن المنهج التحليلي سيؤدي إلى النقد، ولذا فالمنهج النقدي لا بد منه لغايات الدراسة، وخلال تحليل النص القانوني وإسقاطه على الحالة الفلسطينية - الإسرائيلية يمكن التوصل إلى المعيار القانوني لحق الشعب الفلسطيني في الدفاع الشرعي في إطار القانون الدولي.

 

تقسيمات الدراسة:

  • الفصل الأول: الإطار العام للدراسة.
  • الفصل الثاني: ماهية حق الدفاع الشرعي في القانون الدولي.
  • الفصل الثالث: ممارسة حق الدفاع الشرعي و ضوابطه.
  • الفصل الرابع: حق الشعب الفلسطيني في الدفاع الشرعي وتقرير مصيره في ظل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
  • الفصل الخامس: الخاتمة، النتائج والتوصيات.
  • قائمة المراجع.

رابط مباشر لتحميل الدراسة

Rate this item
(0 votes)
Last modified on السبت, 11 تشرين2/نوفمبر 2023 07:06

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.