أصل هذه الكتاب هو رسالة ماجستير للباحث فاضل شاكر النعيمي، والتي تناولت نظرية الظروف الطارئة من منظور مقارن بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، وقد ساعدت جامعة بغداد على نشر هذا الكتاب الذي قامت بطبعه مطبعة دار الجاحظ ببغداد عام 1969م.
وقد تضمن الكتاب في بدايته نص تقرير جامعة القاهرة في تقييم الرسالة الماجستير، والذي أعده أستاذنا الدكتور صوفي أبو طالب رحمة الله عليه، ومما جاء في هذا التقرير ما يلي:
تقع هذه الرسالة في ٢١٤ صفحة من الحجم الكبير مطبوعة على الآلة الكاتبة وملحق بها بيان بمصادر البحث والمراجع العلمية في أربع صفحات.
وقد قسم الباحث رسالته الى ثلاثة أبواب قدم لها بمقدمة عامة واختتمها بخاتمة، وقد ناقش الباحث في المقدمة (ص1-23) أهمية اختيار الموضوع والتعريف بنظرية الظروف الطارئة وتطورها التاريخي في القانون الروماني الكنسي ثم في القضاء الإداري الحديث والقانون الخاص واتجاه الشرائع الحديثة إلى صياغة النظرية.
وأوضح أن هذه النظرية نشأت في القضاء الإداري تحت تأثير القاعدة التي تقضي بضرورة استمرار وانتظام المرفق العام. وبَيَّن أن بعض فقهاء القانون الخاص نادى بضرورة الأخذ بها رغم ما فيها من خروج على القاعدة الجوهرية، العقد شريعة المتعاقدين، وحاولوا رد هذه النظرية إلى بعض المبادئ العامة السائدة في القانون المدني، مثل مبدأ حسن النية أو الإثراء بلا سبب… إلخ. وانبرى فريق آخر من الفقهاء للرد عليهم ورفض الأخذ بها. وانتهى الأمر بتبني التقنينات الحديثة لهذه النظرية. ثم استعرض الباحث مجموعة القواعد والمبادئ العامة السائدة في الفقه الإسلامي والتي تستهدف رفع الحرج وإزالة الضيق والحرج، وتأسيسًا على هذه القواعد أباح الفقهاء فسخ عقد الإيجار بالعذر ووضع الجوائح في بيع الثمار وتعديل العقد في حالة تقلب قيمة النقود. وانتهى الباحث إلى ان هذه الحلول -في مجموعها- لا تخرج عن كونها تطبيقات لنظرية الظروف الطارئة بمفهومها في الفقه الغربي.
وعلى الرغم مما أبداه التقرير من ملاحظات، ولكن هذه الملاحظات –كما أكد التقرير- أنها لا تحط من قيمة الرسالة ولا تنل منها؛ إذ إن صاحبها ما زال في أول درجات السلم العلمي وأمامه متسع من الوقت لصقل مواهبه، وخاصة وأن هذه الرسالة كشفت عن الجهد الكبير الذي بذله في إعدادها.
وأرى واجبًا علي أن أسجل الملاحظات الآتية:
أولاً: توفيق الباحث في اختيار الموضوع: اختار الباحث موضوعًا حديث النشأة في الشرائع الحديثة ويحتل جانبًا كبيرًا من تشابك الظواهر الاقتصادية وتعقدها وبسبب تدخل الدولة الحديثة في كثير من الميادين الاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي أدى إلى إعادة النظر في كثير من النظريات القانونية بحيث يمكن التوفيق بين مصلحة الجماعة ومصلحة الفرد، بين مقتضيات العدالة واستقرار المعاملات.
ومن بين النظريات والمبادئ القانونية التي أعيد فيها النظر مبدأ سلطان الارادة، فقد اتجهت الشرائع الحديثة نحو التحلل من هذا المبدأ بما يتبع إصلاح ما اختل من توازن اقتصادي للعقد في الفترة ما بين انعقاده وتنفيذه فظهرت نظرية الظروف الطارئة.
وبينما يتباهى الفكر القانوني الغربي الحديث بقدرته على صياغة نظريات حديثة تعتمد أساسًا على التراث الروماني والكنسي ظلت كنوز الفقه الإسلامي حبيسة الكتب أو مكنونة في صدور العلماء المسلمين.
وبالرغم من المحاولات العديدة التي يبذلها الفلاسفة والفقهاء في الغرب نحو التوفيق بين مصلحة الفرد والمجتمع إلا أنهم عجزوا عن الوصول إلى صياغة قانونية للعلاقات الاجتماعية توفق بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، وأقصى ما أمكن الوصول إليه تغليب مصلحة الفرد على مصلحة الجماعة في بعض الشرائع أو تغليب مصلحة الجماعة وإذابة كيان الفرد داخلها في بعض الشرائع الأخرى، أما الفقه الإسلامي فقد تمكن منذ ثلاثة عشر قرنًا مضت التوفيق بين مصالح الفرد والجماعة بما يكفل صالح الجماعة دون القضاء على كيان الفرد واستقلاله.
والحلول الكثيرة التي أوردها الفقهاء تعكس بجلاء ووضوح هذا الاتجاه، ومن بين هذه الحلول مجموعة القواعد التي تسمح بالنزول على مقتضيات العدالة عندما تتعارض مع القوة الملزمة للعقد فأباحوا فسخ عقد الإيجار بالعذر ووضع الجوائح في البيع. وهذه الحلول تنتهي بصفة عامة إلى نتائج شبيهة بتلك التي تترتب على نظرية الظروف الطارئة.
ونحن أحوج ما نكون الآن إلى إبراز القواعد الفقهية الإسلامية لنفض عنها غبار الماضي ونجلوها ونخرجها في ثوب حديث يناسب روح العصر.
ورغم العقبات العديدة التي تقف في سبيل البحث في كتب الفقه الإسلامي ورغم الصعوبات العديدة التي تكتنف صياغة القواعد والحلول الجزئية في نظرية عامة فقد حاول الباحث في رسالته صياغة نظرية عامة للظروف الطارئة، وقد وفق في ذلك إلى حد كبير.
فصياغة نظرية عامة من حلول فردية متناثرة ليس بالأمر الهين، فالفقه الغربي الحديث لم يتوصل إلى ذلك إلا بعد دراسات فقهية طويلة ومنظمة للحلول الفردية الواردة في التراث الفقهي الروماني. وقد استمرت هذه الدراسة عدة قرون منذ صدور مجموعات جستنيان حتى قبيل صدور مجموعة نابليون.
لذلك كان الجهد الذي بذله الباحث في محاولة صياغة نظرية عامة للحوادث الطارئة من شتات القواعد الجزئية المبعثرة في كتب الفقه جهدًا يستحق الثناء، إذ عن طريق هذا النوع من البحث نستطيع تكوين نظريات فقهية إسلامية تصلح مصدرًا لقانون عربي موحد يحكم الأمة العربية في وقت قريب إن شاء الله وقد سبق أن أقام باحث مصري بصياغة نظرية عامة للتعسف في استعمال الحق أصبحت مصدرًا لبعض القواعد التي أخذت بها التقنينات العربية المعاصرة، وكان من الممكن أن تكون النظرية العامة للظروف الطارئة التي وضعها صاحب هذه الرسالة مصدرًا للتقنينات العربية المعاصرة لو أنها ظهرت قبل صدورها.
ثانيًا: سعة الاطلاع والدقة في البحث العلمي: تكشف هــــــذه الرسالة -في مجموعها-عن اطلاع واسع ومعرفة حقيقية بمصادر البحث ومظانها في الفقه الإسلامي في مختلف المذاهب. فقد تتبع الباحث آراء الفقهاء في مختلف المدارس بدقة تامة وفي صبر واناة. وتمكن من تمييز نظرية الظروف الطارئة عن غيرها من النظريات المرتبطة بها رغم دقة التمييز وصعوبته بسبب تداخل هذه النظريات.
ثالثًا: صياغة النظرية: وفق الباحث إلى حد كبير شتات الحلول الجزئية وصياغتها في نظرية عامة مستعملًا في ذلك المصطلحات الفقهية ذاتها، رغم أنها لم تكن من النظريات الموطأة الاكناف. لذلك أرى أن هذه الرسالة صالحة للمناقشة للحصول على درجة الماجستير من معهد الدراسات الإسلامية.
تقسيمات الدراسة:
- التقرير المقدم من قبل جامعة القاهرة حول تقييم الرسالة.
- المقدمة.
- الباب الأول: دراسة النظرية فقهًا وتشريعًا.
- الباب الثاني: تطبيقات النظرية في الفقه الإسلامي.
الخاتمة.
رابط مباشر لتحميل المقدمة والباب الأول
رابط مباشر لتحميل الباب الثاني والخاتمة