صدرت الطبعة الأولى من كتاب "دور أجهزة العدالة الجنائية في حماية حقوق ضحايا الجريمة- دراسة مقارنة ما بين القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية" لمؤلفه الدكتور عبد الكريم الردايدة*، بدعم من وزارة الثقافة الأردنية عام 2010م.
ويتمحور هذا الكتاب حول موضوع هام يتمثل في الحماية الجنائية لضحايا الجريمة، وذلك انطلاقًا من أنه إذا كان من مصلحة المجتمع –وهذه حقيقة مؤكدة- أن يُعاقب المسؤولون عن الأفعال الإجرامية، وأن يستعاد النظام العام الذي أهدرته الجريمة، فإن للمجني عليه وذويه أيضًا حاجة طبيعية ومشروعة في أن تشفى صدورهم بتوقيع القصاص على المجرم وفي أن يحصلوا على تعويض عن الأضرار التي أصابتهم.
ومما جاء في مقدمة الكتاب ما يلي:
الإنسان هو محور القانون الجنائي سواء أكان جانيًا أم مجنيًا عليه (ضحية)، وبتطور هذا القانون فقد أحاط الجاني بسياج من الحقوق التي تضمن له محاكمة عادلة وتنفيذًا للعقوبة لصون كرامته وآدميته، في حين أن هذا القانون قد أغفل حق المجني عليه في الحصول على إجراءات سريعة تمكنه من اقتضاء حقه في التعويض الجابر للضرر الذي لحقه من الجريمة، في الوقت الذي يقر فيه هذا القانون بأن الإنسان هو الذي يصلح - وحده دون غيره من الكائنات - أن يكون مجنيًا عليه في الجريمة.
ولما كان ذلك هو وضع الجاني، فإنه ومن جانب آخر ضنَّ المشرع الجنائي - في كثير من الدول - على المجني عليه (ضحية الجريمة) بأبسط حقوقه في الحصول على حقه أمام الضابطة العدلية في التحقيق الأولي والنيابة العامة في التحقيق الابتدائي وأمام المحاكم الجنائية في مرحلة التحقيق النهائي، فكثير من المحاكم العسكرية تحرم المجني عليه من الدخول في الدعوى الجنائية، وكثير من المحاكم الجنائية العادية تحرم المجني عليه من الاضطلاع بدور فاعل في إجراءات التقاضي، وبعض جهات التحقيق الابتدائي لا تسمع للمجني عليه إلا كشاهد في الجريمة.
هذا وقد ظل ضحايا الجرائم الجنائية ردحًا طويلاً من الزمن نسيًا منسيًا، نظرًا لتسليط الأضواء على حقوق المتهم من قبل المدارس الفقهية العديدة، التي ركزت جل اهتمامها عليه، وبسبب مناصرة الفلاسفة وحركات الدفاع عن حقوق الإنسان له، فقد شاءت إرادة الخالق عز وجل أن تتجه أنظار الفقه والمؤتمرات الدولية ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان والمواثيق الدولية العالمية والإقليمية والتشريعات الوطنية صوب ضحايا الجرائم الجنائية لأجل تكريس حقوقهم وحمايتها.
وقد شهدت الحقبة الماضية بروز حركة فكرية بين فقهاء القانون الجنائي، حيث كرست هذه الحركة جهدها لدراسة مشكلة المجني عليه من جميع جوانبها إلى الحد الذي برز معه علم جديد في نطاق الفقه الجنائي، يطلق عليه "علم المجني عليهVictimology" " وقد نجح هؤلاء الفقهاء - من خلال المؤتمرات والجمعيات العلمية - في طرح الموضوع على بساط البحث.
وحيث أن حق الضحية يبدأ منذ وقوع الجريمة، لذلك يجب العمل على كفالة هذا الحق له منذ أن تقع عليه الجريمة، وبخاصة إذا كان مرتكب الجريمة أحد أفراد السلطة العامة، إذ يكون تحت يده أدلتها ويمكنه التلاعب فيها كيفما يشاء على سلطته.
ومن هنا كان لزامًا على الفقه الجنائي الحديث، أن يعيد النظر في المركز القانوني للمجني عليه في النظرية العامة للجريمة والعقاب، وأن يتجه نحو الموازنة بين حقوق كل من الجاني والمجني عليه بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، وحق المجني عليه بعدم الإساءة إليه من قبل أجهزة العدالة الجنائية، وإذا ما تعرض لمثل هذه الإساءة فإن له الحق بالتعويض العادل وفي هذا الاتجاه تأتي هذه الدراسة، لتبين بأن الإجراءات الجنائية ليست أمرًا خاصًا بالدولة، على أساس أن المصلحة العامة هي محل الحماية الجنائية، وما لا بد منه هنا هو الاهتمام بالمجني عليه في الجرائم التي تشكل اعتداء على مصلحة فرد من أفراد المجتمع، وأساس ذلك أنه في مثل هذا النوع من الجرائم فإن المجني عليه أو ذويه هم الذين يتحملون بطريق مباشر الآثار الضارة للفعل الإجرامي والتي قد تدوم مدى الحياة.
ومن ثم فإنه إذا كان من مصلحة المجتمع –وهذه حقيقة مؤكدة- أن يُعاقب المسؤولون عن الأفعال الإجرامية وأن يستعاد النظام العام الذي أهدرته الجريمة، فإن للمجني عليه وذويه أيضًا حاجة طبيعية ومشروعة في أن تشفى صدورهم بتوقيع القصاص على المجرم وفي أن يحصلوا على تعويض عن الأضرار التي أصابتهم.
وتوصل المؤلف في خاتمة الكتاب إلى عدد من التوصيات، والتي يمكن إجمالها على النحو التالي:
- أن يتم عقد مؤتمر ثانٍ على غرار مؤتمر القاهرة الدولي، المنعقد عام ١٩٨٩، على مستوى جامعة الدول العربية، يتم فيه تناول كل المؤتمرات الدولية والإعلانات السابقة التي نادت بحقوق ضحايا الجريمة وإساءة استعمال السلطة، وذلك تحت مسمى (الإعلان العربي لحقوق ضحايا الجريمة وإساءة استعمال السلطة).
- أن يكون الهدف من هذا المؤتمر إلزام الدول العربية بتعديل تشريعاتها، وتضمينها كل ما يتعلق بصالح الأفراد والدول معًا، وإقرار حق التعويض عن كل الجرائم والإساءات الناجمة عن التعسف في استعمال السلطة، ليكون هذا صمام الأمان لكل صاحب سلطة في وزن القرار الذي سوف يتخذه بحق أي شخص (مثل القرارات الشرطية والقضائية الخاصة بالقبض والتوقيف والحبس الاحتياطي، والبعد عن أفعال التعذيب).
- أن تلتزم كل دولة، وفي مقدمتها الأردن، بإنشاء صندوق تابع لوزارة العدل يسمى صندوق التأمينات الخاص بحقوق الضحايا للتعويض، والذي سيكون مصدره حصيلة قيمة التبرعات والهبات والغرامات المحكوم بها في جرائم الاعتداء على النفس والمال، بحيث يغطي مسؤولية الدولة في تعويض المجني عليهم وضحايا الجريمة، وذلك من خلال لجنة قضائية يرأسها نائب عام من النيابة العامة، ويحددها قانون خاص ينظم عملها، وذلك تخفيفًا على المحاكم، وإسراعًا في إجراءات التعويض.
- ضرورة إنشاء محكمة خاصة في كل دولة تنظر في حقوق الضحايا بالتعويض.
- أن تكون المحكمة العليا المقترح إنشاؤها على مستوى جامعة الدول العربية المرجع الثاني بعد القضاء المحلي حال حدوث نزاعات بين دولتين، ومطالبة إحداهما بحق التعويض من الأخرى نظير ما اقترفته.
- أن تلتزم كل دولة بمسؤولياتها مع رعاياها المقيمين بالخارج إذا كانوا ضحايا لجريمة وقعت ضدهم على إقليم دولة عربية أو أجنبية، أو أصابهم ضرر نجم عن إساءة استعمال تلك الدول الأخرى لسلطاتها.
- نقترح أيضًا أن يقوم القاضي الجنائي بإصدار التعويض للمجني عليه في الأحكام الجنائية من ذمة الجاني، حتى لو لم يطالب المجني عليه بذلك، وأن يكون شرط الإفراج عنه مرهونًا ببراءة ذمته من حق التعويض.
- أن تلتزم الدولة بحق التعويض للمجني عليه من صندوق التعويضات في حالة عدم القبض على الجاني، حيث إن المسؤولية هنا تقع على الدول نفسها لتقصيرها في توفير الحماية لمواطنيها والقبض على الجناة في حال ارتكابهم للجرائم.
- أن تُلزم الدولة أصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال بالتأمين على أنفسهم ضد أخطار الخطف وابتزاز الأموال وقضايا النصب والاحتيال، حتى لا تتحمل الدولة الأعباء الكثيرة ودفع التعويضات لهم إذا أصبحوا ضحايا لمثل هذه الجرائم.
- أن تيسر الدولة إجراءات التقاضي الخاصة بالمطالبة بحق التعويض وتكفل ذلك لضحايا الجريمة بغير عوائق إجرامية ودون تكلفة باهظة.
- إن مشكلة المخدرات وتعاطيها وعلاج مدمنيها وضحاياها من عائلات مرتكبيها كبيرة جدًا، حيث إن تلك الأسر التي كانت تعتمد على رب الأسرة بحاجة إلى الأموال حتى تستطيع العيش، إذ إن هذه العائلات تُعد من ضحايا جرائم المخدرات، بعد أن أصبح المعيل ضحية ظروف مجتمعية متكاملة أدت به إلى التعاطي أو الإدمان وفقدان عمله ومصدر رزقه، فأصبح هو وأسرته عالة على المجتمع والدولة معًا، وبالتالي فإنني أقترح شمول هذه العائلات بالرعاية أسوة بضحايا الجريمة وإساءة استعمال السلطة.
- الدعوة إلى رعاية أسر المحكومين والموقوفين في مراكز الإصلاح والتأهيل باعتبار هذه الأسر من ضحايا الجريمة.
- تدريس البرامج التدريبية المتعلقة بضحايا الجريمة في الجامعات، وبخاصة كليات الحقوق وأقسام علم الاجتماع، وكذلك في المعاهد القضائية ومدارس وأكاديميات الشرطة والقضاء والمعاهد العسكرية.
- ضرورة إنشاء مكاتب وطنية للمساعدة الاجتماعية لضحايا الجريمة، وتوجيههم نحو سبل العيش المناسبة، وتوفير فرص العمل الممكنة لهم.
- تعريف ضحايا الجريمة بدورهم في نطاق الإجراءات القضائية وحقوقهم القانونية في التماس العدل والإنصاف من خلال القوانين والتشريعات القائمة.
- أن تهتم الجهات القضائية بحصول الضحايا على تعويض عادل من الجناة، وعلى تعويض من الدولة أيضًا إذا كان موظفوها مسؤولين عن الضرر الواقع على ضحايا الجريمة.
- أن تهتم الدولة بتنمية قدرات أجهزة العدالة الجنائية والمؤسسات الاجتماعية وتعزيز إمكانياتها، للمساعدة على الحفاظ على حقوق الضحايا، وذلك بعقد برامج تدريبية مشتركة لضباط الشرطة العاملين في مجال التحقيق والجريمة والمدعين العامين والقضاء، وإشراك المؤسسات والجمعيات غير الرسمية التي تقدم العون والمساعدة للضحايا وأسرهم.
تقسيمات الكتاب:
تناول هذا الكتاب الحماية الجنائية لضحايا الجريمة في ستة فصول دراسية، تناول الفصل الأول منه الإجراءات الوقائية لأجهزة العدالة الجنائية في حماية حقوق ضحايا الجريمة، وبين فيها التعريف بأجهزة العدالة الجنائية والوقاية في المجالين الاجتماعي والاقتصادي والوقاية أيضًا في المجالين التشريعي والأمني، ثم تناول الفصل الثاني حماية الضحايا في مرحلة التحقيق الأولي، ابتداءً بلحظة الشكوى ودخول ساحة المركز الأمني والتحقيق معهم وحقهم في الاستعانة القانونية، وحمايتهم من الإساءة والتعسف في استخدام السلطة والمسؤولية المدنية والتأديبية التي تترتب على أفراد الضابطة العدلية في حال تجاوزهم لاستخدام السلطة، وما يترتب على هذه الإجراءات من بطلان، نظرًا لمخالفتها القانون.
أما الفصل الثالث فقد تناول مرحلة التحقيق الابتدائي ودور النيابة العامة في حماية حقوق ضحايا الجريمة أثناء هذه المرحلة وحقهم في الطعن في الأوامر والقرارات الصادرة من المدعين العامين، إذا كانت هذه القرارات لا تحقق الحماية الجنائية لمصالحهم.
وأما الفصل الرابع فقد أُفرد لدور القضاء في حماية حقوق ضحايا الجريمة حيث ركز على حقوق ضحايا الجريمة في الادعاء بالحق الشخصي وحقوقهم أيضًا بالادعاء المباشر والطعن بالأحكام الصادرة من الجهات القضائية إذا كانت هذه الأحكام لا تخدم حقوقهم.
وفي الفصل الخامس تم استعراض أهم الاتفاقيات والإعلانات الدولية التي عقدت على المستوى الدولي، والتي كان لها الفضل في توفير الحماية والضمانة الأساسية لحقوق الضحايا وإساءة استعمال السلطة، وحق الضحايا بالتعويض والجهة الملزمة بذلك، ومن ثم تم استعراض أهم ما جاءت به الدساتير والقوانين الداخلية والوطنية من مواد تضمن حق تلك الضحايا بالتعويض.
وتم إنهاء الكتاب بالفصل السادس الذي تناول حق الضحية في التعويض في الشريعة الاسلامية والعرف والعادة عند العرب.
رابط مباشر لتحميل الكتاب
* العميد الدكتور عبدالكريم خالد محمود الردايدة: كاتب ومشارك دائم في مجلة الشرطة، ومجلة جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، حصل على بكالوريوس في القانون و العلوم الشرطية وبعدها دبلوم في الأمن العام، ثم دبلوم العلوم الجنائية، ثم ماجستير في العلوم الجنائية من كلية الدراسات العليا للشرطة في القاهرة، وحصل على ماجستير في القانون العام من جامعة عمان العربية، ثم حصل على درجة الدكتوراه في الحقوق تخصص القانون العام من جامعة عين شمس، نُشرت له عدة مؤلفات منها كتاب بعنوان "الجامع الشرطي في اجراءات التحقيق وأعمال الضابطة العدلية" وكتاب بعنوان "دور أجهزة العدالة الجنائية في حماية حقوق ضحايا الجريمة"، والعديد من الأبحاث منها بحث بعنوان: "الأساس القانوني لحق الضحية في التعويض"، بحث بعنوان: "تقييم إجراءات الشرطة الأردنية في تفتيش المنازل"، بحث بعنوان: "المركز الأمني الأردني ضمن مفهوم الأمن الشامل" ... الخ.