صدرت هذه الطبعة الثانية من كتاب "فقه الشورى والاستشارة" للدكتور توفيق الشاوي[*]، عن دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع بالمنصورة جمهورية مصر العربية في 1413هــــ/ 1992م.
وبلغ عدد صفحات هذا الكتاب ما يقرب من 832 صفحة، حيث قدم المؤلف من خلاله نظرية تحليلية وعميقة عن الشورى، مما جعل هذا الكتاب بمثابة نقلة نوعية هائلة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، وأصبح مرجعًا لا غنى عنه في موضوعه، نظرًا لجدة الاجتهادات التي تضمنها، ولعمقها ورسوخ جذورها الشرعية، واستيعابها للقضايا المركزية التي تواجه العالم الإسلامي المعاصر.
أفرد الكتاب الكثير من النقاش لفكرة رئيسة تتعلق بتفعيل مبدأ الشورى، وهي فصل الجهاز التنفيذي في الدولة عن الجهاز التشريعي، وذكر أن تاريخ الإسلام لطالما كان المشرعون الفقهاء فيه مستقلين عن الخلفاء والأمراء، وبذلك استمرت الشورى في الأمور الفقهية والتشريعية وإن تعطلت في موضوع اختيار الحكام ومراقبتهم.
وفي مقارنته بين الشورى والديمقراطية، قرر الشاوي وجود فراغ تنظيمي في الشورى الإسلامية تحتاج إلى الملء باتباع الأساليب الديمقراطية مثل الانتخاب والتصويت، وحرية الرأي، بينما أشار إلى الفراغ الشرعي الموجود في الديمقراطية، مما يظهر الحاجة إلى ضبط الديمقراطية بالشريعة الإسلامية، ويبرز أهمية القيام بعملية تكاملية تستفيد الشورى من الديمقراطية في الآليات، وتستفيد الديمقراطية من الشورى في الضبط الشرعي "مما يعني أن ممارسة الشورى هي امتثال للوحي، وأن التزام الشورى لا يأتي فقط من باب المصلحة والمنفعة – كما هي الحال في الديمقراطية– إنما هي دين يتعبد به المسلم لربه سبحانه، سواء في حياته الخاصة مع زوجه وأبنائه، أم في حياته العامة في الحكم والسياسة".
وسعى المؤلف من خلال هذا الكتاب إلى الإجابة على تساؤل رئيس مؤداه: هل هناك أمل في عودتنا إلى الشورى التي أقامتها الإسلام وسار عليها مجتمعنا في عهد الخلافة الراشدة؟
وأكد الدكتور توفيق الشاوي على العديد من الملاحظات حول مبدأ الشورى، منها ما يلي:
- أساس الشورى بهذا المعنى الشامل: أن كيان الجماعة وحقوقها ومسئوليتها مستمدة من تضامن مجموع الأفراد الذين ينتمون إليها، وأن رأيها هو رأى مجموع أفرادها، وفكرها هو فكرهم، وعقلها هو مجموع عقولهم، وإرادتها الجماعية ليست إلا إرادة مجموع أفرادها -أو المكلفين منهم- وهذه الإرادة يعبر عنها قرار يتخذونه؛ بناء على تشاور وحوار يدور بينهم، ويتمتع فيه كل مكلف منهم بحرية اختياره وحرية التعبير عن رأيه ومناقشة الآراء الأخرى. إن مبدأ الشورى يعنى أن كل قرار ينسب للجماعة يجب أن يكون تعبيرًا عن إرادة جمهور الجماعة، أو مجموع أفرادها بشرط أن يتمتع الجميع بحرية كاملة في المعارضة والمناقشة، بل في الامتناع كذلك.
- الشورى بالمعنى العام في شريعتنا مبدأ قرآني، وأصل عام شامل لجميع شئون المجتمع، وتتفرع عنه قواعد وضوابط وأحكام متنوعة، تقيم لنا نظما اجتماعية وسياسية واقتصادية متكاملة ترسم للمجتمع منهاج التضامن والتكافل والمشاركة في الفكر والرأي والمال، إنها ليست مجرد مبدأ دستوري بل هي منهاج شامل وشريعة متكاملة. وسنرى في دراستنا للشورى أن شريعتنا يمكن أن تسمى شريعة الشورى بقدر ما تسمى شريعة الفطرة وشريعة السماء، إنها شريعة إلهية من حيث مصادرها السماوية؛ كما أنها تعتمد على مصادر اجتهادية هي الإجماع والاجتهاد، وكلاهما يفتح الباب للعقل والفكر في استنباط أحكامها ويمهد للأحكام سبيل النمو والتنوع والتطور في نطاق الفقه والعلم اللذين يواجهان تغيرات ظروف الزمان والمكان، وهذان المصدران -الإجماع والاجتهاد– يتجددان من خلال قناة الشورى والتشاور العلمي والفكري.
- إن غاية الشورى هي العدالة التي تقيم توازنا عادلا ودقيقا بين حرية الأفراد والجماعات من ناحية، وبين وجود سلطة عامة تفرض حدودا وقيودا على هذه الحريات الفطرية من الناحية الأخرى، وهذا التوازن يقيمه الفكر الحر والحوار المتبادل، والتشاور على أساس مبادئ ثابتة ومستقرة، تنبع من عقيدة وشريعة تسمو على إرادة الجميع وتهيمن على فكر الجماعة ونظامها، وبذلك تكون الشورى ميزانًا تمثل الحرية إحدى كفتيه، والسلطة والحكم الكفة المقابلة لها، وترتكز كلتاهما على محور شرعي ثابت مستقر من أصول الشريعة ومبادئها.
- أن الشريعة الإسلامية قد رسمت لنا الحدود الشرعية التي لا يجوز للشورى أن تتجاوزها، وهي حدود ثابتة خالدة طالما بقي الإسلام وبقيت شريعته.
- إن الشورى هي الطريق الذي رسمته الشريعة الإسلامية؛ لتحرير الشعوب من سيطرة العوامل المادية والنظريات والفلسفات التي تحرمها حرية التصرف في شئونها وحقها في تسيير أمورها جميعًا بقرارات شورية، يشارك فيها أفراد المجتمع وطوائفه متمتعين بحرية كاملة.
- الشورى تتعارض مع ما تدعيه بعض الفلسفات الأوروبية من وجود حتميات مادية أو جبرية تاريخية فرضت على المجتمعات تطورات معينة في الماضي، وتدعي أنها هي أيضًا التي تحدد تطورات المستقبل، إن الشورى على العكس من ذلك تؤكد أن مستقبل الإنسانية وشعوبها وأفرادها تحكمه إرادتها الحرة والفكر العاقل للأمم والشعوب وليس للمجتمعات المزعومة التي تروج لها تلك الفلسفات الافتراضية.
- يوجب الإسلام الشورى في جميع نواحي الحياة الاجتماعية، فلا يقتصر وجوبها على اختيار الحاكم وغير ذلك من الأمور السياسية، بل هي أساس العلاقات الاجتماعية بما في ذلك العلاقات الاقتصادية والمالية والثقافية وغيرها، والعلاقات بين الجماعات والهيئات والطوائف التي تدخل في تكوين الأمة.
- إن الشورى في الإسلام مبدأ إنساني أولاً، واجتماعي وأخلاقي ثانيًا، ثم هي قاعدة دستورية لنظام الحكم، لذلك فإن نطاق تطبيقها واسع شامل.
- إن التشاور أو الشورى ليست هدفًا لذاتها، وإنما هي مشروعة في الإسلام كوسيلة لتحقيق العدل وتنفيذ مقاصد الشريعة ومبادئها، ولذلك فإنها فرع من فروع الشريعة وتابعة لها.
- إن منظمة المؤتمر الإسلامي هي صورة جديدة لتطبيق مبدأ التشاور والشورى على المستوى الدولي، لكنها تأثرت بواقع مجتمعاتنا التي عطلت فيها الشورى في الحكم بعد انتهاء الخلافة الراشدة، ولكى نصحح مسارها يجب أن تقوم على أساس التطبيق الصحيح لمبدأ الشورى الحرة، وأن تكون نواة لفرع جديد من فروع الفقه الإسلامي ينظم علاقات الشعوب الإسلامية على أساس حقوق الإنسان وحرية الشعوب ووحدة الأمة.
تقسيمات الكتاب:
المقدمة العامة
الكتاب الأول: شريعة الشورى
الباب الأول: نظرية الشورى في الشريعة
الفصل الأول: المبدأ والمنهاج
الفصل الثاني: أحكام الشورى والاستشارة
الباب الثاني: الشورى في مصادر الفقه والتشريع
الفصل الثالث: الشورى في الإجماع
الفصل الرابع: الشورى في الاجتهاد
الكتاب الثاني: أمة الشورى
الباب الثالث: حرية الشورى
الفصل الخامس: الحرية جوهر الشورى
الفصل السادس: ثبات الأصول وحرية التنظيم والإجراءات
الباب الرابع: حكومة الشورى
الفصل السابع: الشورى هي الحكم الراشد
الفصل الثامن: الشورى ونظرية الضرورة
الكتاب الثالث: مستقبل الشورى
الباب الخامس: النهضة والوحدة
الفصل التاسع: النهضة
الفصل العاشر: الشورى هي الوحدة والتضامن
الباب السادس: خاتمة البحث
الفصل الحادي عشر: الحاضر
الفصل الثاني عشر: المستقبل
رابط مباشر لتحميل الكتاب
[*] الدكتور توفيق محمد إبراهيم الشاوي (15 أكتوبر 1918م- 8 أبريل 2009م) فقيه قانوني ومفكر الإسلامي، له العديد من المؤلفات القيمة، منها:
- فقه الخلافة الإسلامية وتطورها لتصبح عصبة أمم للعلامة السنهوري -الناشر: دار الرسالة– لبنان.
- الموسوعة العصرية للفقه الجنائي الإسلامي -الناشر: دار الشروق– مصر.
- فقه الحكومة الإسلامية بين السنة والشيعة.
- السنهوري من خلال أوراقه الشخصية -الناشر: دار الشروق- مصر.
- نصف قرن من العمل الإسلامي -الناشر: دار الشروق- مصر.
- الشورى أعلى مراتب الديمقراطية -الناشر: الدار السعودية للنشر والتوزيع– السعودية.
- اعترافات كوبلاند -الناشر: الدار السعودية للنشر والتوزيع– السعودية.
- فقه الشورى والاستشارة -الناشر: دار الوفاء– مصر.
- قصص البنوك الإسلامية “البنك الإسلامي للتنمية”- الناشر: الزهراء للإعلام العربي.
- كمين في بيروت (قصة) -الناشر: دار النشر والتوزيع الإسلامية – مصر.
- هندي في السجن الحربي (قصة) -الناشر: دار النشر والتوزيع الإسلامية- مصر.
- صمود الأزهر في الدفاع عن قيم الإسلام ومقدساته -الناشر: دار النشر والتوزيع الإسلامية– مصر.
- التعديلات التشريعية في قانون الإجراءات الجنائية -معهد الدراسات العربية العالية.
- نظرية التفتيش (باللغة الفرنسية)، طبعته جامعة القاهرة على نفقتها.