داعية إسلامي، وباحث في مجمع البحوث الإسلامية، وعضو مجلس الشعب المصري، وهو أشهر المطالبين بتطبيق الشريعة الإسلامية عبر المجالس النيابية في التاريخ الحديث، ومن أكثرهم فصاحة وشجاعة وفاعلية.
كما يعد الشيخ صلاح أبو إسماعيل من ألمع قادة الصحوة الإسلامية -كما يقول الشيخ محمد الغزالي- ومن أنصعهم بيانًا، وأعمقهم إيمانًا، وكان يعتمد في دعوته إلى الإسلام على تفسير القرآن الكريم. واحتلت مقاومة العلمانيين والشيوعيين جانبًا بارزًا في حياته.
ولد الشيخ صلاح في قرية بهرمس مركز إمبابة محافظة الجيزة بمصر، يوم 17-3-1927م، في بيت معروف بحفاوته بالعلم والعلماء، فجده الأعلى كان إمامًا للخديوي إسماعيل، وأنجب ولدين تخرجا في الأزهر، أحدهما والد الشيخ صلاح الذي توفي في ريعان الشباب، فتولَّت أمه رعايته أحسن رعاية، وكان في البيت مكتبة حافلة بنوادر المطبوعات والمخطوطات، فعمل فيها بحثًا وتنقيبًا
نال الشيخ صلاح الثانوية الأزهرية، ثم التحق بكلية اللغة العربية وتخرّج منها عام 1954، ثم تحوّل إلى كلية التربية للمعلمين، حيث حصل على الأولية في دبلومها العالي للتربية وعلم النفس، ومن ثم عُين مدرسًا للدين والعربية في مدارس المتفوقين والمدارس النموذجية.
اشتغل الشيخ صلاح بالتدريس بعد تخرجه، ثم عُيّن مديرًا لمكتب شيخ الأزهر الشيخ محمد الفحام، قبل أن يصبح عضوًا في مجلس الشعب المصري. وعمل في التدريس فترة، ثم نقل مديرًا لمكتب شيخ الأزهر محمد الفحام واستمر في الوظيفة نفسها مع الدكتور عبد الحليم محمود.
وكان الشيخ صلاح أبو إسماعيل داعية إسلاميًا كبيرًا في المحافل والمساجد ووسائل الإعلام، كثير الاختلاط بالناس، يخطب فيهم منذ كان في سن الخامسة عشرة، فكانت فصاحته تأخذ بالألباب، وشارك في إلقاء محاضرات في كل من مصر والسودان وقطر والبحرين والإمارات والكويت والهند وإندونيسيا وسنغافورة وبريطانيا وأمريكا وغيرها، كما قدّم مئات الحلقات الإذاعية والتلفزيونية في إذاعات ومحطات تلفزيون دول الخليج، تناول فيها الإسلام بطريقة جذّابة وبأسلوب يشد المستمعين والمشاهدين، وكانت تحمل عناوين جذابة، مثل: “أسلوب الإسلام في بناء الإنسان”، و”العدل في الإسلام”، و”الإسلام والقتال”، و”اليهود في القرآن”.
وكان الشيخ صلاح حريصًا على نشر العلوم الشرعية، وضرب المثل في إنفاق المال والجهد في خدمة الدين، فساهم في إنشاء حوالي خمسين معهدًا دينيًا بالعديد من القري والمدن بكافة المحافظات، وشيّد في بلدته مسجدًا كبيرًا ومجمعًا ضخمًا للمعاهد الأزهرية، يضم مختلف مراحل التعليم، ورفض أن يطلق عليه اسمه، إلا أن الأزهر أطلق علية اسم الشيخ -بعد وفاته- تخليدًا لذكراه وإشادة بدوره وما بذله من جهد في خدمة الدعوة الإسلامية.
وكان الشيخ صلاح صاحب عقل راجح، وذكاء متوقّد، حتى صار محطّ احترام وتوقير من حوله، يلجؤون إليه للإصلاح بين المتخاصمين، وحلّ مشكلات المحيطين به، وتمتع في مصر والدول العربية بشعبية كبيرة، ولذا خاض الحياة النيابية مناضلاً في سبيل مبادئه، وعندما جرت الانتخابات البرلمانية في مصر عام 1976، اختاره الناس بجدارة ليمثلهم في مجلس الشعب المصري ومنحوه ثقتهم، وكان شعاره “أعطني صوتك لنصلح الدنيا بالدين”، وقد دخل البرلمان المصري من هذا الوقت ولم يتخلف عن اكتساب عضويته حتى وفاته سنة 1990م، وحالت شعبيته الجارفة دون إقصائه عن عضوية البرلمان حتى في تلك الأوقات التي جرى فيها تزوير الانتخابات بشكل فج وسافر.
وكان للشيخ صلاح أبي إسماعيل أنشطة برلمانية بالغة الاهمية، حيث قدم لمجلس الشعب مشروعات عديدة ترمي إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، ومن هذه المشروعات:
– الحدود الشرعية.
– الأحوال الشخصية.
– تطويع وسائل الإعلام لتوجيهات الدين.
– ترشيد ظواهر الحياة في مصر.
– رعاية المعوقين.
– منع الربا مع تقديم الحل البديل.
وتقدم الشيخ صلاح بكثير من الاستجوابات التي ترمي إلى حماية الدين وقيمه ومقاصده، ومن ذلك استجوابه الشهير لرئيس الوزراء المصري عن تصريح الرئيس الراحل محمد أنور السادات بأنه “لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة” وأن “قدوته مصطفى كمال أتاتورك”، وحشد في هذا الاستجواب البيّنات القاطعة على كمال السياسة الإسلامية وتفوقها على كل نظام في تأمين العدالة والوحدة والأمن لإنصاف البشر على اختلاف معتقداتهم. وقدمه إلى رئيس مجلس الشعب ليدرجه في جدول أعمال أقرب جلسة، لكن هذا لم يحدث، فذهب به إلى القصر الجمهوري حيث قدمه بنفسه إلى وزير الأوقاف آنذاك زكريا البري ليبلغه إلى رئيس الجمهورية.
كما عمل الشيخ صلاح أبو إسماعيل من خلال البرلمان المصري على إصدار قوانين موافقة للشريعة الإسلامية، وأسفرت جهوده عن تشكيل لجان في مجلس الشعب لإعداد هذه القوانين في الفترة من سنة 1978- 1982، ولكن الدولة تراجعت عن إصدارها فيما بعد وأنكرتها، غير أن الشيخ صلاح أبو إسماعيل لم يكف عن الإشارة إليها والمطالبة بإصدارها، خاصة وأنها مثلت تفاعلا إيجابين بين الشريعة الإسلامية والفقه الآخذ عنه من جانب، وبين القانون الوضعي وفقهه من جانب آخر.
ويروي فضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل بنفسه ما تم في هذا الشأن قائلا:
إن تطبيق الشريعة الاسلامية أمل الآمال وحلم الملايين في مصر وفى العالم الإسلامي كله، وقد امتحننا الله سبحانه وتعالى بثقة الجماهير وهى أعز ما يمنح وهى الشيء الذى لا يشترى بمال، وكنا نعلم منذ اللحظة الأولى أن الهيئة التشريعية هي الطريق الدستوري في مصر للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية…، وقد نجحت وصرت عضوًا في مجلس الشعب وقدمت مشاريع قوانين إسلامية عديدة وتجاوب الأعضاء وخضنا في سبيل ذلك مرحلة طويلة مريرة من الصراع وكنت أدور مع هدفي في تطبيق الشريعة الاسلامية فأغير مواقعي ولا أغير هدفي، ولأول مرة في تاريخ الحياة النيابية في مصر منذ عام 1922 إلى اليوم يتقرر أن تقنن الشريعة الإسلامية تمهيدًا لتطبيقها في يوم 18 ديسمبر 1978، وكانت فرحتنا لا تقدر يوم طلب رئيس مجلس الشعب أن يوافق المجلس على تكوين لجنة من 15 عضوًا كان لي شرف الانتماء إليهم لتقنين الشريعة الإسلامية واجتمعنا وتقرر أن ينطلق هذا العمل عبر لجان خمسة:
• لجنة الشئون الاقتصادية.
• لجنة الشئون الاجتماعية.
• لجنة الشئون المدنية.
• لجنة الشئون الجنائية.
• ولجنة المرافعات أو إجراءات التقاضي.
وكان لي شرف العمل مع لجنة إجراءات التقاضي مقرر لهذه اللجنة الموقرة التي ضمت أعلامًا من رجال الفقه والقانون، وعقدنا اجتماعات متواصلة، وحملت اللجنة عبء الدراسات المستوفية وخصوصًا في نقطتين حساستين ترتطمان بما يُنادَى به من ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية في مصر، تتعلقان بتولي غير المسلمين القضاء والشهادة، واستمعنا في هذا إلى آراء كثيرة وانتهينا بحمد الله تعالى ونعمته إلى أن يشترط في الفصل في القضايا بين المسلمين بعضهم مع بعض أو بين المسلمين وغيرهم أن يكون القاضي متمتعا بالأهلية الشرعية، أي أن يكون مسلمًا ويجوز أن يقضي قاض غير مسلم في القضايا التي أطرافها غير مسلمين، ولهذا الرأي سند في قول الله سبحانه وتعالى: ﴿فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ۖ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا ۖ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)﴾ ثم قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)﴾ (من سورة المائدة).
ثم جاءت انتخابات مجلس الشعب في شهر يونيو 1979 وأسفرت هذه الانتخابات عن تخلف الكثيرين، لعوامل ليس هنا مجال الخوض فيها، وظفر الآخرون. وكان لابد من تنظيم الصف بناءً على هذه الانتخابات واقترحت على رئيس مجلس الشعب أن يطلب من مجلس الشعب تنظيم هذه اللجنة من أجل الوفاء بدورها والقيام بأعمالها، ونتيجة لذلك عقد اجتماع في مكتب رئيس المجلس يوم الخميس الموافق 6 من ديسمبر 1979 حضره شيخ الأزهر ووزير الأوقاف ومفتى مصر وكثير من العاملين في لجان تطبيق الشريعة الاسلامية وكان من حسن الحظ أننا اللجنة الوحيدة التي أنهت عملها، ولكن يؤسفني أن هناك لجان قيل أنها ما خطت إلى الآن حرفًا، فأعلنت استعدادي -باسمي وباسم اللجنة التي كان لي شرف العمل معها- أن نحمل العبء، وأن نسلم المطلوب خلال شهر على الأكثر، وتمت الموافقة على ذلك.
وفى 1/7/1982 قرر مجلس الشعب المصري تحويل مشروعات القوانين الاسلامية إلى لجنة الشئون التشريعية والدستورية لاستكمال إجراءات إصدارها تطبيقا للشريعة الاسلامية، بعد أن ظلت اللجان المختصة المكونة من كبار العلماء ورجال القانون يعملون ليل نهار خلال أربعين شهرًا من الزمان حتى أنجزوا التشريعات الاسلامية في المدني والجنائي والاقتصادي والاجتماعي والبحري والتجاري والإثبات وقانون العقوبات والمرافعات. وقد راجع مجمع البحوث الإسلامية هذا العمل وأبدى ملاحظاته عليه، وتمت رعاية هذه الملاحظات والاستفادة منها، وكذلك راجعت محكمة النقض هذا العمل واطمأنت إلى سلامة المصطلحات القانونية التي طال إلف القضاة لها وتعاملهم معها.
وقد قاد الدكتور صوفي أبو طالب سفينة هذا العمل بمهارة فائقة، وإن كنا قد اختلفنا معه ونحن نستعجل تحقيق الأمل وندفعه بذلك دفعًا إلى استعجال أهل الذكر القائمين بالإنجاز. ثم قدر لهذا العمل العظيم أن يدفن في أدراج اللجنة التشريعية برئاسة المستشار حلمي عبد الآخر الوزير السابق لشئون مجلس الشعب، ونُحى الدكتور صوفي أبو طالب عن رئاسة المجلس ثم عن عضوية المجلس، إذ لم يدرجه الحزب الوطني الديمقراطي في قائمته التي ضمت مرشحيه في الفيوم وجاء الدكتور كامل ليلة رئيسا لمجلس الشعب فتنكر تماما للأمل في تطبيق الشريعة الإسلامية، ثم جاء الدكتور رفعت المحجوب وفوجئنا به يجحد وجود مشروعات القوانين الإسلامية بعد كل هذا الذى سبق وينشئ لجان استماع للتعرف على رغبات الشعب، وكأن الدستور لم يفصح عن هذه الرغبات، ثم انتهى الأمر إلى اتخاذ قرار من مجلس الشعب بتنقية القوانين الوضعية مما يخالف شرع الله، وهو ما يعد انصرافًا عن الانجاز العظيم لشرع الله، ثم سقط هذا القرار بانتهاء الدورة الماضية لمجلس الشعب وعدنا إلى درجة الصفر. أ. ه.
ورغم كل العراقيل والمماطلة التي واجهها الشيخ صلاح إلا أن ذلك لم يضعف عزمه وأقدم على تقديم مشروعات القوانين الاسلامية التي أعدتها اللجنة السابقة من جديد إلى مجلس الشعب في الدورة التالية كي لا تتذرع أي جهة داخل البرلمان بعدم وجود مشروعات قوانين إسلامية في مجلس الشعب، وبالرغم من ذلك فقد أُهملت كل تلك الجهود ولم تسفر عن شيء، وكأن شيئا لم يقدم!
المؤلفات
أكثر مؤلفات الشيخ صلاح كانت عبارة عن محاضرات مدوّنة، منها: “اليهود في القرآن الكريم”، و”شهادة حق في قضية العصر”، و”في تفسير القرآن الكريم”، و”تفسير سورة يوسف”، و”أسلوب الإسلام في بناء الإنسان”، و”العدل في الإسلام”، و”الإسلام والقتال”، “الشهادة- شهادة الشيخ صلاح أبو إسماعيل في قضية تنظيم الجهاد”.
وحبذا لو تصدر أحد الباحثين لرصد مداخلات الشيخ صلاح في مجلس الشعب طوال عضويته به على مدي ما يقرب من أربعة عشر عامًا، وجمعها ودراستها وفق السياق التي أحات بكل مداخلة منها.
الوفاة توفي في مطار أبو ظبي وهو يهم بالعودة إلى مصر يوم 28 مايو1990، ونقل إلى القاهرة ودفن في مقابرها.
_______________________________________
المراجع:
- كتاب “أقسمت أن أروى … حقائق ومواقف البرلماني الثائر صلاح أبو إسماعيل، للأستاذ/ سعيد سراج الدين.
- صلاح أبو إسماعيل، الجزيرة نت، الموسوعة، 29 يونيو 2016، متاح عبر الرابط التالي: .