بقلم: أ. وائل أنور بندق
ربما نجد أن الكثيرين من رجال القانون العرب لا يعرفون هذا الفقيه العظيم، رغم شهرته العالمية الواسعة، وإسهاماته العلمية البديعة غير المنقطعة حتى الآن، لذلك وجب علينا التعريف به وبإسهاماته، وربما أجد أن التعريف به هو (فرض عين) يقع على عاتقي، بحكم صداقتنا الممتدة منذ سنوات طويلة، وقد بدأت هذه الصداقة التي أعتز بها -أيما اعتزاز- بعدما عرَّفَني عليه الصديقان المشتركان الراحلان العظيمان الدكتور هشام صادق والدكتور سمير تناغو.
والدكتور أمية علوان هو عدة فقهاء في فقيه واحد، أو فلنقل هو مثال بارز على الفقيه الموسوعي الذي لا يقف على أعتاب تخصص واحد، بل هو موسوعة قانونية متحركة في شتى فروع القانون، وله صولات وجولات في الشرائع القانونية العالمية: الشريعة الإسلامية والأنجلو أمريكية واللاتينية والجرمانية.
والأهم من كل ذلك أنه متابع جيد لكل ما يُنشر من كتب وأبحاث على مستوى العالم، وقد تعودت منه على عادة علمية محببة إلى قلبي، وهي أنه يتصل بي مرتين أسبوعيا من ألمانيا، يوم الثلاثاء ويوم الجمعة، وكل مكالمة لا تقل مدتها عن ساعة، نتناقش فيها في كل ما هو جديد في مجال القانون والشريعة والاجتماع، وقد تعودت على أن أمسك القلم وأنا أتحدث معه في الهاتف خشية أن تتوه مني ملاحظة من ملاحظاته القيمة.
إن ما أقوله عن الفقيه الكبير ليس مجرد حماس طارئ أو تكريم لأستاذ وصديق، وإنما أخشى أن يكون أقل مما يجب أن أذكره عنه، وهو أمر يدركه الجيل الرائد من رجال القانون في مصر الذين يعرفون لهذا الفقيه العظيم قدره ومقداره.
وقد تعلمت من خبرة الحياة أن الفقيه العظيم هو خُلُق عظيم وإنسان عظيم، وتلك حقيقة تتجسد بشكل كبير في الدكتور أمية علوان، فهو إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يمد يده بالتشجيع وبالخير لكل من يعرفه أيًا كانت جنسيته.
ولعل أهم خصاله الشخصية أنه رغم هجرته الي الغرب إلا أنه متمسك بمصريته وقوميته بل وباستعماله للغة العربية رغم أنه يجيد عددًا من اللغات، وأتذكر بخصوص اعتزازه باللغة العربية أنني كنت في زيارة له بمنزله في القاهرة منذ عدة سنوات، وأردنا الاطمئنان وقتها على الراحل الجليل الدكتور أحمد صادق القشيري قبل وفاته فقام الدكتور أمية بالاتصال بمكتب القشيري وكان رد السكرتيرة باللغة الإنجليزية بحكم أن المكتب هو من أهم مكاتب المحاماة الدولية فما كان من الدكتور أمية إلا أن قال لها “يا سيدتي أنا في مصر وأحدثك بالعربية فحدثيني بها”.
وفي مرة أخرى قال لي إذا أرسلت لك إيميل من ألمانيا باللغة الإنجليزية فاعلم أن ذلك ليس من قبيل التفرنج، وإنما المشكلة في استعمال الكيبورد باللغة العربية سأحلها قريبا.
والفقيه الكبير يعمل حاليًا أستاذًا للقانون المقارن والقانون الإسلامي بمعهد القانون المقارن بجامعة هايدلبرج بألمانيا، وهذا هو معقله التاريخي منذ حصوله على الدكتوراة.
وقد ولد د. أمية علوان في الأول من أغسطس عام 1932 في القاهرة، لأب عمل مدرسًا بدار العلوم، وكان وكيلًا لوزارة المعارف، وكان الأب الأستاذ حسن علوان من فطاحل اللغة العربية، واشترك في تفسير القرآن الكريم في ثلاثين جزءًا كما كتب عددًا من الأبحاث والكتب في البلاغة والأدب.
وتخرج الدكتور أمية من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام ١٩٥٣ وكان أول دفعته، وكان من الدفعة نفسها الدكتور أحمد فتحي سرور والدكتور عوض محمد عوض، ثم حصل د. أمية بعد ذلك على دبلومي القانون الخاص والقانون العام في عامي 1954 و1955، ثم سافر إلى فرنسا وحصل منها على دبلوم في القانون الروماني وتاريخ القانون من جامعة رين.
وبعدها سافر إلى ألمانيا وحصل على الدكتوراة بتقدير ممتاز من جامعة هايدلبرج عام 1962 حول “النيابة من منظور قانوني وتاريخي مقارن”.
وعمل منذ هذا التاريخ بمعهد القانون المقارن وصار مديرًا أكاديميًا لهذا المعهد لفترة طويلة من الزمن، وكان مسئولًا عن أقسام الدول العربية، وإثيوبيا، وإيران.
وفي يومي 7 و 8 أكتوبر الماضيين أُقيم في ألمانيا مؤتمر علمي بمناسبة بلوغ الفقيه المصري العظيم الدكتور أمية حسن علوان سن التسعين، وقد أقيم المؤتمر بالتعاون بين جامعة هايدلبرج (معهد القانون المقارن)، وجمعية القوانين العربية والشريعة الإسلامية بألمانيا، وسوف يصدر كتاب تذكاري هناك بهذا المناسبة عبارة عن مجموعة دراسات مهداة إلى الدكتورة أمية علوان، وسوف أتشرف بالمشاركة ببحث فيه حول “دور قدري باشا في الدراسات المقارنة”، وببحث مشترك مع أستاذي الراحل الدكتور سمير تناغو عن “القانون واجب التطبيق على ميراث المسيحيين”.
مؤلفاته:
في الواقع أنه من الصعب حصر إسهامات وأبحاث الفقيه الكبير باللغات الالمانية والفرنسية والعربية إلا أننا سنعطي أمثلة على بعض إسهاماته الفردية أو المشتركة، وهي:
– تحديد النسل والإجهاض في الإسلام- مساهمة في قانون الدول النامية في: القانون المقارن والتوحيد القانوني.
– مشكلة تحديد النسل والإجهاض- الرأي السائد للدولة والدوائر الدينية في البلدان الإسلامية.
– قانون العقود الفرنسي.
– الاعتراف بأحكام الطلاق في مصر ولبنان.
– الاعتراف بأحكام الطلاق في المغرب وقانون الطلاق اليهودي/ المغربي.
– الاعتراف بأحكام الطلاق الألمانية في مصر- طلاق الأقباط.
– الهبة في القانون اللبناني.
– قانون التبني السوري والإسلامي.
– ترجمة اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات البرية (CITES)، مترجمة إلى العربية بتكليف من أمانة هذه الاتفاقية في جنيف.
– حق مندوب المبيعات (المندوب الوسيط) في المعاملات التجارية العربية الألمانية.
– إجراءات الوصايا العراقية وقانون الإرث.
– شركات المساهمة (في القانون التركي).
– قانون الشركات التركي.
– النظام القانوني في المملكة العربية السعودية.
– قانون الميراث والضرر والتأمين على الحياة اللبناني.
– القانون المصري المشترك بين الأديان في المحاكم الألمانية.
– النظام القانوني المغربي.
– المشاكل القانونية للزواج المختلط (الألماني- الهندي).
– القواعد الشرعية في الإسلام وحقوق الإنسان.
– القانون الإسلامي وتطبيقه بواسطة المحاكم الغربية.
– تعدد الزوجات في القانون الباكستاني.
– شكل الزيجات بين المصريين والألمان في مصر من منظور التنازع الألماني للقوانين.
– رأي حول الأسرة الأجنبية وقانون الميراث، الشرق الأدنى والأوسط وأفريقيا وآسيا.
– قوانين الأسرة والميراث الإيرانية وتطبيقها في المحاكم الألمانية.
– الطلاق في القانون الإيراني والولاية القضائية الأساسية للمحاكم الألمانية.
– تعليقات عامة على قانون الأديان وقانون الأحوال الشخصية في العراق.
– الطلاق الإرادي في مواجهة قانون الكنيسة الشرقية المتحدة المعمول به في سوريا.
– مبادئ يونيدروا للعقود التجارية الدولية الترجمة إلى العربية (بالاشتراك مع الأستاذ الدكتور محيي الدين علم الدين والأستاذ الدكتور حسام لطفي).
– تعليق على المادة الخامسة (2) من اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها.
– عدم قبول الدعاوى القضائية بسبب “الزواج العرفي في القانون المصري”، في: “التغلب على الحدود- الحفاظ على المبادئ”.
– أسئلة عملية مختارة في قضايا الميراث الألمانية الجزائرية.
– نهر النيل”، في “موسوعة ماكس بلانك للقانون الدولي العام – المجلد السابع” (الناشر: مطبعة جامعة أكسفورد)، 2012، ص 681-697.
– إجراءات تنفيذ الأحكام السورية في ألمانيا.
إن ما قلناه عن الفقيه الكبير هو غيض من فيض، وهو يستحق أكثر بكثير من هذا المقال المرتجل بمناسبة تكريمه في ألمانيا.
وإنه ليحق لنا التساؤل في نهاية مقالنا: لماذا لا نحتفي بعلمائنا كما يحتفي بهم الغرب؟!