هو الفقيه القانوني والمفكر الإسلامي، الدكتور توفيق محمد إبراهيم الشاوي، والذي ولد في 15 أكتوبر 1918م، الموافق 9 محرم 1337هـ بقرية الغنيمية بمركز فارسكور بمحافظة دمياط بمصر.
بدأ حفظ القرآن الكريم في صغره قبل أن يلتحق بالمدرسة الابتدائية في مدينة المنصورة ليلتحق بالمدرسة الابتدائية. ثم أتم حفظ كتاب الله كاملًا قبل أن يحصل على شهادة الابتدائية بتفوق. وفيما بعد التحق بالمدرسة الثانوية بالمنصورة، وحصل منها على الشهادة الثانوية عام 1937م، وكان ترتيبه الثاني على القطر المصري، ثم التحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، وتخرج منها بتفوق كذلك، حيث حصل على المركز الثاني في الترتيب بعد زميله “محمود جمال الدين زكي”، فتم تعيينه مدرسًا مساعدًا في الكلية في عام 1941م، ثم عمل فترة وكيلًا للنائب العام في النيابة بالمنصورة لمدة سنتين قبل أن ينتقل منها إلى الجامعة في عام 1944م.
وعندما فُتِحَ باب البعثات في عام 1945م سافر د. الشاوي إلى فرنسا لدراسة الدكتوراه في جامعة باريس، وحصل عليها في نهاية عام 1949م ليعود إلى مصر، ويعيَّن مدرسًا بكلية الحقوق بجامعة القاهرة ولكنه استبعد من الجامعة مع عدد كبير من الأساتذة في عام 1954م لأسباب سياسية، فاستدعته الحكومة المغربية للتدريس في كلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط، وعُيِّن قاضيًا بالمحكمة العليا بالرباط عام 1959م، ثم عُين أستاذ بجامعة الملك محمد الخامس، ثم مستشارًا بالمجلس الأعلى لمحكمة النقض المغربية، ثم مستشارًا قانونيًّا للبرلمان المغربي.
عمل مديرًا للمؤتمر الإقليمي لمكافحة الجريمة لدول الشرق الأوسط من عام 1953م حتى عام 1954م. وكان قد اختير مستشارًا قانونيًا لوفد الجامعة العربية لدى هيئة الأمم المتحدة في دورة 1948م ودورة 1950 بباريس. ثم انتقل بعد ذلك إلى تدريس الفقه المقارن في جامعة الملك عبد العزيز بجدة في عام 1965م، حينما تعاقدت معه وزارة البترول كمستشارٍ قانونيٍّ لإدارة الثروة المعدنية في جدة، ثم عيَّنه الملك فيصل رحمه الله عضوًا بالمجلس الأعلى لجامعة الرياض وفي عام 1966م منحته المملكة العربية السعودية جنسيتها بعد أن أُسقطت عنه الجنسية المصرية لأسباب سياسية.
عاد د. توفيق الشاوي للتدريس في كلية الحقوق بجامعة القاهرة في عام 1974م، وبعد تقاعده استمر يعمل في المحاماة والاستشارات القانونية ثم عمل أستاذًا للقانون المقارن بكلية الاقتصاد جامعة الملك عبد العزيز، من 1976 – 1982.
تزوج من ابنة العلامة الدكتور عبد الرازق السنهوري (نادية)، والتي شاركته الطريق وساعدته في تحقيق بعض أعمال والدها ونشرها.
تميز د. توفيق الشاوي بجهوده العملية إلى جوار جهوده العلمية، فكان له أنشطة متعددة ومتنوعة في دعم حركات التحرر على امتداد العالم العربي والإسلامي، فكانت له تواصلاته وعلاقاته المتشعبة برجال الحركات التحررية في هذه البلاد مثل الشيخ أمين الحسيني والفضيل الورتلاني وعلال الفاسي ومصالي الحاج والحبيب بورقيبة وغيرهم، كما تبنى قضاياهم فى المحافل خاصة أثناء عملة كمندوب للجامعة العربية لدى هيئة المم المتحدة عام 1949 و1950م، وفي الجزائر طرح فكرة إنشاء اتحاد للكتاب والمفكرين في ندوة “قضايا المستقبل” سنة 1995، وتطورت الفكرة بعد ذلك على يد عدد من العلماء كان في مقدمتهم الشيخ القرضاوي، حتى تأسس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
الشاوي وفكرة البنوك والمدارس الإسلامية:
عمل توفيق الشاوي على ترسيخ الفكر الإسلامي في المؤسسات الاقتصادية فكان ممن شاركوا في وضع فكر بنك فيصل الإسلامي وغيره من البنوك، بتكليفٍ من الملك “فيصل” -رحمه الله-، كما تعاون مع “تنكو عبد الرحمن” -عندما كان الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي- في إعداد اتفاقية تأسيس البنك الإسلامي للتنمية، ثم شارك الأميرَ “محمد الفيصل” وأصدقاءه من دعاة الاقتصاد الإسلامي في تأسيس بنك فيصل الإسلامي بالخرطوم عام 1978م، والقاهرة عام 1979م، وبقي عضوًا بمجلس إدارة هذا البنك عشر سنوات، كما أسس البنك الإسلامي للتنمية بجدة عام 1971، 1974م.
ولقد استمر تعاونه مع الأمير “محمد الفيصل” في مشروعه لإنشاء مدارس المنارات وإدارتها، ابتداءً من عام 1971م والاتحاد العالمي للمدارس العربية الإسلامية الدولية الذي أنشئ تحت إشراف منظمة المؤتمر الإسلامي وحكومة المملكة العربية السعودية عام 1976م، وأصبح عضوًا مؤسسًا بالاتحاد العالمي للمدارس العربية والإسلامية الدولية، وهو الاتحاد الذي يتمتع بصفة عضو مراقب بمنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية.
من أهم مؤلفات الدكتور الشاوي في فقه الشريعة:
1. كتاب “سيادة الشريعة في مصر”: تناول هذا الكتاب مسألة حاكمية الشريعة والحوارات المطولة التي دارت حولها في مصر خصوصًا، والوطن العربي بشكل عام. حيث ناقش الشاوي فيه العديد من الموضوعات، مثل: الإجماع على سيادة الشريعة، ومسألة سيادة القانون، ومدى شرعية هذه القوانين، وما المستلزمات التي يجب توافرها لسيادة الشريعة فيما يخص التشريع المصري، كما تطرق لمناقشة أساس تحكيم الشريعة والأصالة الفكرية الإسلامية، والعلاقة بين سيادة الشريعة وسيادة الدولة، وشرعية نظام الحكم الوطني، والإسلام والعلاقة بينه وبين القومية، وبينه وبين الديمقراطية وغيرها من المذاهب وهل هي علاقة عداء أم وفاق؟ وغير ذلك من التساؤلات والموضوعات التي ناقشها الشاوي بعمق واستفاضة.
2. كتاب “فقه الحكومة الإسلامية (بين السنة والشيعة)”: والذي استهدف توحيد النظر إلى الحكومة الإسلامية في كل من الفكرين السني والشيعي، مؤكدًا على أن تحقيق هذا الهدف يُعد ممكنًا، إذا توصل الشيعة إلى البيعة الحرة أساسًا للخلافة والولاية العامة، وإذا تطهر فقه السنة من الاعتراف بإمامة الغلبة والظهور، فعند ذلك سيتم الإجماع على مبدأ الشورى الحرة أساسًا للولاية.
3. كتاب “الشورى أعلى مراتب الديمقراطية”: تناول الدكتور توفيق الشاوي في هذا الكتاب فكرة التكامل أو التصالح بين الشورى والديمقراطية، حيث أشار إلى انقسام المفكرين والإسلاميين بين معارض لهذا التصالح ورافض له، وبين مؤيد يرى انهما متكاملان ولا تعارض بينهما، وأكد الشاوي على انتمائه للتيار الثاني، حيث رأى أن المفاضلة أو الموازنة بين الديمقراطية والشورى لا تعني التناقض، ولا تمنع التكامل، بل توجبه على من يريدون مقاومة الانحراف في النظم التي تتخذ تزييف الشعارات وسيلة للاستبداد.
4. كتاب “فقه الشورى والاستشارة”: جاء هذا الكتاب المهم في مجلدين، وبلغ عدد صفحاته 843 صفحة، حيث قدم المؤلف نظرية تحليلية وعميقة عن الشورى، مما جعل هذا الكتاب بمثابة نقلة نوعية هائلة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، وظل مرجعًا لفترة طويلة في المستقبل نظرًا لجدة الاجتهادات التي تضمنها، ولعمقها ورسوخ جذورها الشرعية، واستيعابها للقضايا المركزية التي تواجه العالم الإسلامي المعاصر، وأفرد د. الشاوي الكثير من النقاش لفكرة رئيسة تتعلق بجدوى الشورى وهي فصل الجهاز التنفيذي في الدولة عن الجهاز التشريعي، وذكر أن تاريخ الإسلام لطالما كان المشرعون الفقهاء فيه مستقلين عن الخلفاء والأمراء، وبذلك استمرت الشورى في الأمور الفقهية والتشريعية وإن تعطلت في موضوع اختيار الحكام ومراقبتهم.
وفي مقارنته بين الشورى والديمقراطية، قرر الشاوي وجود فراغ تنظيمي في الشورى الإسلامي تحتاج إلى الملء باتباع الأساليب الديمقراطية مثل الانتخاب والتصويت، وحرية الرأي، بينما أشار إلى الفراغ الشرعي الموجود في الديمقراطية، مما يظهر الحاجة إلى ضبط الديمقراطية بالشريعة الإسلامية، ويبرز أهمية القيام بعملية تكاملية تستفيد الشورى من الديمقراطية في الآليات، وتستفيد الديمقراطية من الشورى في الضبط الشرعي (مما يعني أن ممارسة الشورى هي امتثال للوحي، وأن التزام الشورى لا يأتي فقط من باب المصلحة والمنفعة – كما هي الحال في الديمقراطية– إنما هي دين يتعبد به المسلم لربه سبحانه، سواء في حياته الخاصة مع زوجه وأبنائه، أم في حياته العامة في الحكم والسياسة).
مؤلفاته:
- فقه الخلافة الإسلامية وتطورها لتصبح عصبة أمم للعلامة السنهوري -الناشر: دار الرسالة– لبنان.
- الموسوعة العصرية للفقه الجنائي الإسلامي -الناشر: دار الشروق– مصر.
- فقه الحكومة الإسلامية بين السنة والشيعة.
- السنهوري من خلال أوراقه الشخصية -الناشر: دار الشروق- مصر.
- نصف قرن من العمل الإسلامي -الناشر: دار الشروق- مصر.
- الشورى أعلى مراتب الديمقراطية -الناشر: الدار السعودية للنشر والتوزيع– السعودية.
- اعترافات كوبلاند -الناشر: الدار السعودية للنشر والتوزيع– السعودية.
- فقه الشورى والاستشارة -الناشر: دار الوفاء– مصر.
- قصص البنوك الإسلامية “البنك الإسلامي للتنمية”- الناشر: الزهراء للإعلام العربي.
- كمين في بيروت (قصة) -الناشر: دار النشر والتوزيع الإسلامية – مصر.
- هندي في السجن الحربي (قصة) -الناشر: دار النشر والتوزيع الإسلامية- مصر.
- صمود الأزهر في الدفاع عن قيم الإسلام ومقدساته -الناشر: دار النشر والتوزيع الإسلامية– مصر.
- التعديلات التشريعية في قانون الإجراءات الجنائية -معهد الدراسات العربية العالية.
- نظرية التفتيش (باللغة الفرنسية)، طبعته جامعة القاهرة على نفقتها.
وفاته:
توفي الدكتور توفيق الشاوي 12 ربيع الثاني 1430هـ، الموافق يوم 8 أبريل 2009م، عن عمر يناهز 91 عامًا، وتم تشييع جنازته بمسجد الفاروق بحي المعادي بالقاهرة.
_____________
المصادر:
– توفيق الشاوي، موسوعة معرفة، https://2u.pw/9hK1Yn9.
– سعد العتيبي، الشيخ توفيق الشاوي رجل المشاريع الإسلامية الصامت، صيد الفوائد، https://2u.pw/HO9t1fg.
– الدكتور توفيق الشاوي، هود ويكي، https://2u.pw/zR1iz7P.
– توفيق الشاوي، ويكي وحدت، https://2u.pw/Hufczh2.
– سالم سعيد، إبداعات الشاوي في كتابه الشورى والاستشارة، 13 سبتمبر 2020، https://2u.pw/W0LW2wp.