عالم أزهري مصري، شارك في ثورة 1919 واعتقل على إثرها، نال الدكتوراه في جامعة السوربون الفرنسية، وكتب عن علاقة الإسلام بالأديان الأخرى بطريقة منطقيّة. اهتم في كتاباته بمبادئ علم الأخلاق في القرآن الكريم.
المولد والنشأة:
ولد محمد بن عبد الله درّاز يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني 1894 في محلة دياي مركز دسوق، إحدى قرى دلتا مصر، وكان بيت أسرته بيت علم وخلق وورع، وكان والده من كبار علماء الأزهر.
الدراسة والتكوين:
حفظ القرآن الكريم ولما لم يبلغ العاشرة من عمره، والتحق بالمعهد الديني في الإسكندرية عام 1905 ثم بالأزهر، وحصل على شهادة العالِمية عام 1916، وعُيّن مدرّسا فيه.
سافر عبد الله درّاز في البعثة الأزهرية إلى فرنسا عام 1936 حيث درس علم الاجتماع والفلسفة والتاريخ ومقارنة الأديان بجامعة السوربون، وحصل على الدكتوراه في الجامعة نفسها بمرتبة الشرف الممتازة عام 1947 عن رسالتيه “التعريف بالقرآن” و”الأخلاق في القرآن” باللغة الفرنسيّة. وطبع لاحقا بعنوان “دستور الأخلاق في القرآن”.
ودفع كتابه “دستور الأخلاق في القرآن”، بعض الباحثين إلى الاهتمام بعلم الأخلاق القرآني، فألف داوود رهبر كتابه “رب العدالة”، وألف توشيهيكو إيزوتسو كتابه “المفهومات الأخلاقية الدينية في القرآن”، وغيرهما. وسبب تأليفه أن دراز لاحظ “فراغًا هائلًا” في علم الأخلاق العام يتمثل في إغفالٍ متعمّدٍ لعلم الأخلاق القرآني لدى الباحثين الغربيين، رغم “أن الإضافة القرآنية في هذا الباب ذات قيمة لا تقدر.
وكان د. دراز يقرأ كل يوم 5 أجزاء من القرآن الكريم، وما ترك هذه العادة يومًا واحدًا في أثناء الحرب العالمية، واحتلال ألمانيا لفرنسا التي كان يعيش بها.
الوظائف والمسؤوليات:
بعد عودته إلى القاهرة، اشتغل بالتدريس في جامعة القاهرة ودار العلوم والجامعة الأزهريّة، وأستاذا للتفسير في كلية أصول الدين مع أساتذته الكبار، حيث بدأ تأثّره بالشيخ محمد عبده في طريقة تفسيره، وخاصّة فيما يتناول مبدأ الوحدة المعنوية لكل سورة من سور القرآن.
وفصل عبد الله درّاز من وظيفته إثر اعتقاله لمشاركته في ثورة 1919، لكنه أعيد إلى عمله بالأزهر وتولّى منصب وكيله، وانتخب نائبا بين عامي (1938-1942) ثم أعيد انتخابه عام 1945 لكنه استقال منه في العام التالي بعد تعيينه مديرا للأزهر.
التجربة العلمية والسياسية:
اشترك عبد الله درّاز في ثورة 1919 في مصر، وفي أنشطة “جمعيّة الشبّان المسلمين” التي أسّسها الشيخ محب الدين الخطيب وكان من أعلامها.
كما مثّل الأزهر في المؤتمر العالمي للأديان في باريس عام 1939ن وألقى كلمة شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي، وكتب عن علاقة الإسلام بالأديان الأخرى بطريقة منطقية، ولم يحتطب في حبل المستشرقين، إضافة إلى أنه كان كثير التجوال والرحلات.
يعرف عن الشيخ عبد الله درّاز أنه ساهم في النشاطات الثقافية والدعوية التي كانت تقوم بها نوادي “جمعية العلماء المسلمين الجزائريين” في فرنسا، حيث تابع النشاط الإصلاحي للإمام عبد الحميد بن باديس وتبادل معه الرسائل.
كما ربطته علاقات متينة برجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين خاصة مع الشيخ الفضيل الورتلاني ممثل الجمعية في فرنسا في الثلاثينيات، ثم رئيس مكتبها بالقاهرة في الأربعينيات والخمسينيات.
وقد كتب الشيخ محمد عبد اللطيف درّاز -وهو ابن عم عبد الله درّاز- عن علاقة الأخير بعلماء الجزائر، وذلك في مقال نشرته جريدة البصائر في بداية أكتوبر/تشرين الأول 1954
تعرف الشيخ عبد الله درّاز على مالك بن نبي في باريس عام 1936، وهو اللقاء الذي ذكره بن نبي في مذكراته، وكشف أنه ساعده على تحسين لغته الفرنسية، بينما أطلعه الشيخ عبد الله درّاز على الأوضاع في المشرق العربي، وشوّقه إلى دراسة علم التفسير في الجامع الأزهر. ونظرا لتقديره للشيخ عبد الله درّاز، كلّفه بن نبي بكتابة تقديم لأول كتاب له، وهو “الظاهرة القرآنية” الذي صدر في الجزائر عام 1946 عن مكتبة النهضة الجزائرية.
وقد وصف الإمام محمد البشير الإبراهيمي عبد الله درّاز بأنه عالم من غير الطراز المعروف، يمتاز بدقّة الملاحظة وسعة الأفق وسداد التفكير، و”ينفرد بخصوصيّة يندر جدا أن نراها على أكملها في عالم من علمائنا الدينيين، وهي العناية بدراسة أحوال المسلمين في جميع الأقطار، والافتتان بالبحث عن حركاتهم ونهضاتهم وعلائق بعضهم بالبعض، بحيث تحادثه في هذا الباب فتشرف على بحر متلاطم بالمعلومات الصحيحة المدقّقة عن المسلمين وحكوماتهم وجمعيّاتهم”.
كما ذكر الشيخ عبد الله الأنصاري أن من شمائل عبد الله درّاز، “الفطنة والذكاء والحِلْم والأناة والتواضع والوداعة والوفاء والجرأة والإقدام والشهامة والصلابة في الحق ولباقة الحديث ولين العريكة والحدب على المرافقين”.
وكتب الشيخ يوسف القرضاوي عن أستاذه الشيخ عبد الله درّاز قائلا: “ما حدثنا وجلسنا إليه إلا وجدناه مشغولا بأمر الإسلام وهموم المسلمين”.
التجديد:
اهتم دراز بالأعمال التجديدية حيث أسس علمين جديدين، هما علم «أخلاق القرآن» وعلم «مصدر القرآن». ففي الأول كتب كتابه دستور الأخلاق في القرآن وفي الثاني ألف كتابيه: النبأ العظيم ومدخل إلى القرآن الكريم. أدرك دراز أنه يسلك دروبا غير مطروقة، وأن عليه أن يبدأ عملا تأسيسيًا في هذين العلمين. ويتجلى تجديد دراز في علوم القرآن من خلال المنهج الذي اتبعه. كما انطلق من الدراسة التحليلية للرسالة القرآنية منطقيًا وتاريخيًا. وهذه منهجية تجديدية مفارِقة للمنهج المتوارث. ومن ثمراتها نقل القرآن من السياق الثقافي العربي، ووضعه في سياق العالمية.
المؤلفات:
-النبأ العظيم، نظرات جديدة في القرآن، والذي استطاع من خلاله الإثبات بالأدلة العقلية والتاريخية والحالية بأن القرآن كلام الله، وأنه يستحيل أن يكون مكذوبًا أو مختلقًا أو محرفًا.
-الدين، بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان. وهو من أبدع ما كُتب حول مسائل فلسفة الدين، حتى على المستوى الغربي.
-دستور الأخلاق في القرآن (بالفرنسية- مترجم إلى العربية) وهذا الكتاب هو رسالة الدكتوراه التي تقدم بها المصنف للسوربون باللغة الفرنسية، وقد طبعت النسخة الفرنسية عام 1950م على حساب مشيخة الأزهر الشريف. وقام بالتعريب والتحقيق والتعليق: د. عبد الصبور شاهين، مراجعة: د. محمد السيد بدوي، مجلد واحد في أكثر من 800 صفحة.
– مدخل إلى القرآن الكريم عرض تاريخي وتحليل مقارن (بالفرنسية- مترجم إلى العربية) أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه
– من خلق القرآن.
– المختار من كنوز السنة النبوية: شرح أربعين حديثا في أصول الدين.
– نظرات في الإسلام.
-أصل الِإسلام.
– العبادات: الصلاة – الزكاة – الصوم – الحج.
– الصوم تربية وجهاد.
-زاد المسلم للدين والحياة.
– وله رسائل وبحوث في موضوعات كتبها للمشاركة في مؤتمرات علمية، مثل رسالته عن (الربا) التي قدمها لمؤتمر الحقوق الدولي في باريس سنة 1951م، ورسالته عن (الإسلام والعلاقات الدولية) ورسالته عن (موقف الإسلام من الأديان الأخرى)، وبحثه (مبادئ القانون الدولي العام في الإسلام). وله كتب شرع فيها، وظهر منها بعض الملازم ولم يكملها، مثل كتاب: (الميزان بين السنة والبدعة).
-ومن أعماله أيضا: المختار، ورأي الإسلام في القتال، وبين المثالية والواقعية، والأزهر الجامعة القديمة الحديثة، ومجموعة أحاديث إذاعية في الدين والأخلاق، ومجموعة من المحاضرات والمقالات النافعة
الوفاة:
سافر في يناير سنة 1958م إلى باكستان لحضور المؤتمر الإسلامي في مدينة لاهور، وألقى فيه بحثًا بعنوان “موقف الإسلام من الأديان الأخرى وعلاقته بها”، فتوفي في لاهور في أثناء انعقاد المؤتمر في 6 يناير 1958م، 14 جمادى الآخرة 1377هـ، رحمه الله.
وقد رثاه شاعر الأزهر حسن جاد بقصيدة مطلعها:
سل الأزهر المعمور ما باله اغتدى .. من الهول مغشيا عليه وغاشيا
_____________
المصادر:
– العلامة محمد عبد الله دراز، الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، 5 يوليو 2019، https://2u.pw/2EsMOU8 .
– محمد عبد الله درّاز.. ابن الأزهر والسوربون، الجزيرة نت، 13 نوفمبر 2016، https://2u.pw/ot7aWpu.
– محمد عبد الله دراز، هنداوي، https://2u.pw/K3t6faS.