حماية الصحفيين ووسائل الإعلام أثناء النزاعات المسلحة*

   تأليف: د. ماهر جميل أبو خوات

عرض: سمير محمد شحاتة

حظيت قضية حماية الصحفيين العاملين في مناطق النزاع المسلح باهتمام دولي كبير في الآونة الأخيرة، حيث كشفت أحداث الحرب الأمريكية على العراق عام ٢٠٠٣م عن تلك المأساة التي لحقت بالصحفيين ورجال الإعلام، فسقط العشرات منهم ما بين قتيل وجريح، وتم اختطاف العديد منهم، فى تحول خطير ينبئ عن تعمد الأطراف المتحاربة لهذا الاعتداء، في مخالفة واضحة وصريحة للقانون الدولي الإنساني.

وقد كشفت حوادث الاعتداء على الصحفيين في الحروب التي وقعت مؤخرًا، ضعف الحماية الدولية للصحفيين ووسائل الإعلام أثناء النزاعات المسلحة، وبأن مشكلة الصحفيين العاملين في مناطق النزاع لا يجب أن تعالج في إطار حماية المدنيين بصفة عامة؛ لأن الصحفي هو شخص مدني بالفعل، وإنما ينبغي أن يكون هناك وضع قانوني خاص يتعامل مع تلك التجاوزات التي تحدث للصحفيين.

وفي هذا الكتاب المكون من مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، عرض فيه الفصل الأول "وضع الصحفيين ووسائل الإعلام في القانون الدولي الإنساني" لأهم النصوص التي تناولت حماية الصحفيين ووسائل الإعلام أثناء النزاعات المسلحة، وأن القانون الدولي الإنساني بفرعيه الكبيرين، وهما قانون لاهاي وقانون جنيف ينظمان تلك الحماية، ولكن هذا التطور ارتبط في المقابل بتطور التغطية الإعلامية للحروب.

ولاشك أن ظاهرة الاعتداء على الصحفيين ووسائل الإعلام قد بلغت حدًا من الخطورة في النزاعات الأخيرة التي وقعت حول العالم، ولم يعد الأمر هو مجرد الاعتداء على صحفي، بل أصبحت اعتداءات منظمة ترتكبها الأطراف المتحاربة في غالب الأحيان عن عمد، من قتل واختطاف الصحفيين إلى قصف محطات الإذاعة والتليفزيون، ومعدات وسائل الإعلام، وبدت هذه الظاهرة تمثل تهديدًا ضمنيًا للأمن الدولي عن طريق تقييد حق الشعوب في الحصول على المعلومات وفى تلقي الأخبار، مما حدا بالمنظمات الصحفية والعالمية أن تطلب من الأمم المتحدة في أكثر من مناسبة إصدار قرار دولي عن طريق مجلس الأمن لأجل توفير حماية أفضل للصحفيين العاملين في مناطق النزاع المسلح.

ويشير المؤلف إلى أن تطور وسائل الإعلام واستخدام الأقمار الصناعية في عمليات البث، واستطاعة أجهزة التليفزيون أن تنقل للمشاهد في نفس اللحظة ما يقع من أحداث في الجانب الآخر من العالم، وكذلك الدور الذي تلعبه الإذاعات الدولية ووكالات الأنباء في ربط العالم من خلال مراسليها المنتشرين فى كل مكان، كل ذلك انعكس على التغطية الإعلامية للحروب مما حدا بأجهزة الإعلام الدولية، وبما لديها من إمكانات رهيبة في وسائل الاتصال تمكنها من التواجد في قلب الأحداث أن تعتمد على الصحفيين ورجال الإعلام المستقلين في غالب الأحيان لتغطية أحداث الحروب دون حاجة لأن يلتحقوا بالقوات.

وأصبح لهؤلاء المراسلين المستقلين دور مهم في كشف حقائق الحرب، وفى حمل الأطراف المتحاربة على احترام القواعد الإنسانية التي تطبق في وقت النزاع المسلح، وجعل الرأي العام الدولى وسيلة ضغط على المتحاربين، ومن هنا تزايدت خطورة الحرب على الصحفيين المستقلين، وأصبح الاعتداء عليهم أمرًا شائعًا في النزاعات الحديثة.

وعالج الفصل الثاني "حماية الصحفيين ووسائل الإعلام من آثار الأعمال العدائية" عن طريق التذكير بأهم المبادئ الواردة في القانون الدولي الإنساني، والتي تُلزم الأطراف المتحارية باتخاذ الاحتياطات اللازمة عند القيام بهجوم يمكن أن يؤثر على الصحفيين ووسائل الإعلام، وفي المقابل يقع على عاتق الصحفيين ووسائل الإعلام التزامات متقابلة حتى لا يتعرضوا لمخاطر الأعمال العدائية، لذلك يبدو من المفيد التزام توخي الحذر والحيطة التي تقع على عاتق أطراف النزاع التي تُعد أو تُقرر القيام بهجوم يمكن أن يؤثر على الصحفيين ووسائل الإعلام، وفي المقابل وحتى يتمتع الصحفيون ووسائل الإعلام بالحماية التي يتمتع بها الأشخاص المدنيون والأعيان يجب أن يبتعدوا عن أي مساهمة أو مشاركة في العمل العسكري.

وقد أجمعت النصوص في المادة الثالثة عشرة من اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية المنعقدة في لاهاي عام 1907م، واتفاقية جنيف لعام 1929م المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب، والتي نصت على معاملة المراسلين أو المخبرين الصحفيين الذين يقعون في قبضة العدو كأسرى حرب، ثم جاءت المادة (4/1) من اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949م على أن الصحفيين المراد حمايتهم هم الصحفيون المعتمدون لدى سلطات الجيش الذين يتبعونه، ويحملون بطاقة أو تصريحًا يدل على ذلك، ويتمتعون في هذه الحالة بوضع أسير الحرب عندما يقعون في قبضة العدو، أما الصحفيون المستقلون غير المعتمدين فعندما يقعون في قبضة أحد أطراف النزاع، تطبق عليهم أحكام القانون الدولي الإنساني فيما يتعلق بالاعتقال أو الاحتجاز الإداري أثناء النزاعات المسلحة.

وحري بالذكر أنه لا توجد في القانون الدولي الإنساني أحكام تقضى بمعاملة مراسلي الحرب في حالة وقوعهم في الأسر معاملة خاصة، فحمايتهم تندرج في إطار الحماية العامة المكفولة لجميع الأسرى، وقد جاءت اتفاقية جنيف الثالثة لعام ١٩٤٩م والمتعلقة بمعاملة أسرى الحرب، وبعض أحكام البروتوكول الإضافي الأول لعام ۱۹۷۷م ليكفلان حماية الأسرى والمعاملة الواجبة لهم منذ وقوعهم في الأسر، وحتى الإفراج عنهم وعودتهم إلى ديارهم وأوطانهم.

ويقصد بأسير الحرب كل مقاتل يقع في قبضة العدو أو في أيدى الخصم، وأسير الحرب لا يقتصر فقط على أفراد القوات المسلحة، وإنما هناك فئات أخرى لأسرى الحرب.

وعرض الفصل الثالث لمسألة الاعتداء على الصحفيين ووسائل الإعلام بوصفها جريمة حرب، وقيام المسئولية الدولية للدولة عن أفعال قواتها المسلحة التي تنتهك حماية الصحفيين ووسائل الإعلام، وبالمثل تثور المسئولية الجنائية الفردية بالنسبة للأشخاص الذين اقترفوا الجرائم في حق الصحفيين، كما يحق للصحفيين الضحايا أو لورثتهم الحصول على تعويض عن الأضرار التي أصابتهم.

وتمثل المبادئ الأساسية والخطوط التوجيهية حول الحق في الانتصاف والجبر لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والتي اعتمدتها لجنة حقوق الإنسان عام 2002م دعامة أساسية للصحفيين والأفراد المضارين من جرائم الحرب في المطالبة بالتعويض من جراء ما لحقهم من انتهاكات للقانون الدولي الإنساني أثناء النزاعات المسلحة، حيث تحدد المبادئ الاساسية الضرر "بأنه الحادث نتيجة لأفعال أو حالات إهمال تشكل انتهاكًا لقواعد حقوق الإنسان أو القانون الدولي الإنساني".

ولا شك أن هذه المواثيق يستفيد منها أي صحفي أو ورثته عند المطالبة بالتعويض الفردي أمام المحاكم الوطنية أو الدولية.

وفي المطلب الثاني من الفصل الثالث المعنون "إدلاء الصحفيين بالشهادة عن الجرائم التي ترتكب في أوقات النزاع المسلح"، أشار المؤلف إلى أنه لا شك أن للصحفيين ورجال الإعلام دورًا بالغ الأهمية في ضمان مزيد من الاحترام للقواعد الإنسانية التي تطبق في وقت النزاع المسلح، فالتقارير المكتوبة أو المسجلة أو المصورة التي يبعثون بها من موقع النزاع، يستطيعون أن يؤثروا بها على الرأي العام؛ لأنها تكشف عن الجرائم التي يرتكبها المحاربون انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، وعندما يشهد الصحفيون في مثل هذه الانتهاكات، فإن من واجبهم أن يكشفوها، وبالتالي يُمثل الرأي العام الموجه بوسائل الإعلام وسيلة ضغط شديدة على المتحاربين.

وعلى الرغم من قيمة الشهادة كدليل لإثبات أو نفي الجرائم في النظم القانونية الداخلية أو الدولية، إلا أن الالتزام بقول الحقيقة أمام القضاء ليس مطلقًا وعامًا، وإنما هناك من يجب عليهم بحكم مهنتهم على أسرار هذه المهنة حتى في مواجهة القضاء، وهؤلاء الأشخاص يطلق عليهم أصحاب السر المهني.

وقد أورد المؤلف في نهاية الكتاب بعض المقترحات والتوصيات من أجل دعم حماية الصحفيين ووسائل الإعلام في النزاعات المسلحة، وهي كالاتي:

1) ضرورة تعريف الصحفيين ورجال الإعلام قبل العمل في مناطق النزاع بالقانون الدولي الإنساني، وأن يُعقد لهم دورات تدريبية في هذا المجال حتى يكونوا ملمين بالمبادئ الأساسية لهذا القانون.

2) تحسين مستوى الحماية الراهنة المقدمة للصحفيين، ومن بينها الحاجة القائمة لإعداد اتفاقية دولية لحماية الصحفيين تتضمن بدورها، إذا دعت الضرورة إيجاد شارة للصحافة تهدف إلى حماية الصحفيين العاملين بوسائل الإعلام المتواجدين في مناطق النزاع المسلح.

3) إنشاء لجنة مهنية دولية تكون مسئولة عن تلقي أسماء الصحفيين ورجال الإعلام العاملين في مناطق النزاع المسلح، وتختص بالتحقيق في مراعاة الصحفيين للمبادئ الصحفية المهنية من ناحية، وفي حوادث الاعتداء على الصحفيين ووسائل الإعلام من ناحية أخرى.

4) إعادة النظر في مسألة إدلاء الصحفيين بالشهادة أمام المحاكم الجنائية الدولية، وإعطائهم حصانة مطلقة للمثول كشهود أمام هذه المحاكم، نظرًا لخشية اعتبارهم شهودًا محتملين من قبل الأطراف المتحاربة، ومن ثم يصبحون أهدافًا للهجمات، ولذلك يجب منحهم نفس الحكم المقرر لأعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر فيما يتعلق بالمحافظة على سرية معلوماتهم.


* صدر هذا الكتاب عن دار النهضة العربية بالقاهرة عام 2008م، بينما نُشر هذا العرض في مجلة الديمقراطية التابعة لمؤسسة الأهرام، مج: 9، ع: 33، 2009م.

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الأحد, 17 كانون1/ديسمبر 2023 13:57

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.