كتاب “الغرب والإسلام- قراءة في رؤي ما بعد الاستشراق”*

By المؤلف: رسول محمد رسول تشرين1/أكتوير 10, 2023 596 0

يتناول هذا الكتاب تحوّلات بعض الرؤى الجزئية -الأمريكية والأوروبية- التي تدرس الإسلام المعاصر، كونه مزاحمًا دينيًا وسياسيًا في واقع العلاقات الحضارية والثقافيّة والسياسية المعاصرة.

يقف المؤلف عند عدد من الرؤى الأمريكية التي تسعى إلى توجيه الدعوة للتصورات السياسية الأمريكية المغالية في عدائها للإسلام المعاصر بضرورة إعادة النظر في نواياها تجاهه؛ كما يتناول عددًا آخر من الرؤى في ألمانية والسويد وفرنسا، التي تصبّ في المجرى التصحيحي ذاته، وهو المجرى الذي يسميه المؤلف “رؤى ما بعد الاستشراق”.

ويختتم الكتاب بقراءات في فكر المثاقفة عن الإسلام وحداثة الغرب الأولى؛ وعن العلاقة بين الإسلام والعولمة في ضوء جدليّة الاجتهاد والتنافذ مع العصر؛ وعن موضوع الإسلام والمثاقفة الجديدة، كذلك يتطرق إلى عولمة الهوية، ويؤشر إلى مخرج لأزمة العلاقة بين العقل والتاريخ.

من مقدمة الكاتب:

“ها هي الألفية الثانية مضت بما فيها من أحداث ووقائع كانت على الدوام تغير مجرى التاريخ وتتحكّم في تحولاته ومصائر البشر فيه، ومثلما كانت الأديان قوة فاعلة في كل هذه المجريات، ها هي الأديان تعود اليوم قوة أكثر فاعلية في التاريخ عامة، وفي تاريخ تصارع القوى خاصة، ومنذ نحو نصف قرن تقريبًا عاد الإسلام، كأحد الأديان الأكثر مزاحمة بين الأديان الأخرى، إلى حيز التداخل والتفاعل مع اتجاهين يبدوان في الظاهر متباعدين نسبة إلى الحس العام لدى المسلمين وغيرهم، إذ نلاحظ العودة إلى البعد السياسي المزاحم في الفكر الإسلامي من جهة وإلى الانفتاح على واقع الإسلام المعاصر في علاقاته المتبادلة مع الأديان والثقافات الأخرى ودخوله بطرق جهادية ونضالية مزاحمة مع القوى الحضارية والثقافية من جهة أخرى. إنَّ هذا التداخل الجديد بشكليه كان موضع اهتمام الغرب المسيحي واليهودي المعاصر على السواء، بل ومخاوفه وقلقه، فأخذ تسميات عدة، منها: الإسلام السياسي، الأصولية الإسلامية، الإرهاب الإسلامي، الرهاب الإسلامي، واشتقاقات أخرى مثل الإسلاموية والرهبوية الجديدة وغيرها، حسب سياقات التعبير اللغوية والرؤى التأويلية إلى ظاهرة الإسلام المعاصرة.

خلال هذا الاهتمام، اعتمد الغرب المعرفة والمؤسسة بكل عطاءيهما التداولي لقراءة الإسلام المعاصر وتعددت أوجه الرؤى، منها ما هو سلبي وآخر إيجابي، لكن الأول هو الغالب على مدى عقود طويلة. إلا أن متغيرات العصر حتمت ظهور رؤى جديدة كان منها أن تعيد المركزية الغربية النظر في موجهاتها بإزاء الإسلام المعاصر، فالذي جرى في الأدبيات الغربية التي تدرس الظاهرة الإسلامية المعاصرة أنها غالبًا ما تسقط مفاهيمها الخاصة بالمزاحمات الدينية اليهودية والمسيحية في دار الغرب على الديانة الإسلامية، فمصطلح «الأصولية» هو نتاج للماكنة المعرفية الأمريكية حين ظهوره مطلع القرن العشرين. كما أن ما ساعد على ولادة رؤى إيجابية، نطلق عليها رؤى ما بعد الاستشراق، هو وجود الجاليات الإسلامية الوفيرة في عددها داخل الدول الأوروبية والغربية الأخرى، حيث تبين -عن كثب- للغرب أن حدة الإرهاب عند المسلمين هي أقل مما يتصوّرون في الماضي عندما عززت المؤسسة الاستشراقية هذا التصور رغم وجود إحصائيات ترى إن 10% من الإرهابيين في العالم هم من المسلمين.

إن توصيف الأسباب التي أدت إلى تحوّل الرؤية الغربية إلى الإسلام، يتطلب جهدًا كبيرًا، فأسباب الواقع التي أشرت إليها تجاورها أسباب فكرية وفلسفية، فهناك من سعى إلى تقويض المركزية الغربية مثل الفيلسوف الفرنسي “جاك دريدا” الذي نقض المركزية الغربية ودعا إلى فك المركز باتجاه الأطراف، لكن هذا اليهودي أراد فك المركز لفرض خلق مراكز أُخرى تتحكم في مصير جغرافية ما، ومثال إسرائيل، وجودها في قلب الوطن العربي هو أنموذج لدعوته، كما أن دعوة الرؤية البنيوية الى إحلال العلاقة تتضمن دعوة صريحة للتفكير بالآخر كما هو دون مسبقات رؤيوية، إلى جانب ذلك هناك رؤية “ميشيل فوكو” الفيلسوف الفرنسي الذي اقترح تجاوز المناطق المعرفية التقليدية التي انكب عليها الفكر منذ أكثر من ألفي عام إلى غيرها، وهي دعوة ضمنية إلى دراسة الهامش، والأطراف الحضارية والثقافية على ضوء منهجيات استقرائية وفي أمريكا ومنذ الستينات دعا مارشال هو دغسون إلى ضرورة إعادة النظر بالإسلام المعاصر واللجوء إلى مفاصله برؤية مختلفة.

ها هنا، في فصول هذا الكتاب نستقري الرؤى الجديدة في نظرتها إلى الإسلام من خلال اتجاهاتها الثلاثة وبالتالي المواقف الأمريكية في نظرتها إلى الإسلام المزاحم أو الإسلام السياسي والأصولي، فهناك رؤى إيجابية نجدها في الرؤية الأمريكية العامة تجاه الإسلام، لدى مارشال هو دغسون ووليم زارتمان وصاموئيل هنتنجتون كدالة سلبية تفرض المقارنة بين المواقف (السلبية والإيجابية)، ثم ديل إيكلمان وتيموثي ميتشل وجون ايسبوسيتو وغراهام فولر.

في الفصل الثاني عكفتُ على استقراء مواقف أوروبية جديدة ومختلفة في نظرتها إلى الإسلام المعاصر، بدأت بالرؤى الألمانية لدى جيرنوت روتر، ثم فريدمان، بوتنر وليس بعيدًا عن ألمانيا استقرأت رؤية مختلفة قادمة من السويد هذه المرة مع “إنجمار كارلسون” وهو يدرس الإسلام المعاصر على ضوء جدلية الخوف المتبادل بين الغرب والإسلام، بعد ذلك التوقف عند واحدة من أهم رؤى الاختلاف في المنظور الفرنسي إلى الإسلام المعاصر تلك هي مساهمة الباحث الفرنسي الكبير برتراند بادي، الذي دعا إلى نقض الحداثة الشمولية والالتفات إلى الحداثات الهامشية ومنها تجربة الحداثة في البلدان الإسلامية الحديثة والمعاصرة

إنَّ هذه الرؤى مجتمعة أحسبها معبّرة عن رؤى جديدة لدى الأمريكان والأوروبيين في دراسة الإسلام المعاصر، كنتُ قد أسميتها في كتاب سابق لي (برؤى ما بعد الاستشراق) كونها تنحو إلى الاختلاف في قراءة الظاهرة الإسلامية وبقدر ما تستند إلى منزع تأويلي نراها تركن إلى الاستقراء والمعاينة المباشرة لمعطيات هذه الظاهرة.

إيمانًا مني بأننا مثلما ننظر أيضًا ونتابع بجد وبإخلاص الرؤى المغايرة للرؤى السلبية، لا بد أن نفيد منها ونستخلص ما يمكن أن يسوغ لنا الحوار مع الغرب على أساسها ضمن منطلقات التعارف البشري والحضاري والثقافي. ليس القصد من هذا الكتاب الاحتفال بهذه الرؤى ولا التبشير مجددًا بالفكر الغربي حول الإسلام، مع مهمة ذات قيمة ثقافية وفكرية ضرورية، إنما القصد هو المتابعة لفكر الاختلاف ومعطيات المثاقفة الجديدة لا أكثر.

لقد اختتمت الكتاب بفصل ثالث يتضمن قراءات أخرى في فكر المثاقفة عن الإسلام وحداثة الغرب الأولى، ثم العلاقة بين الإسلام والعولمة في ضوء جدلية الاجتهاد والتنافذ مع العصر وقراءة في موضوع الإسلام والمثاقفة الجديدة، وختمت الكتاب بشيء عن عولمة الهوية ومخرج لأزمة العلاقة بين العقل والتاريخ”.

رابط الكتاب للاطلاع

__________________

* المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت، الطبعة الأولى، 2001م.

** كاتب وفيلسوف عراقي متخصص في الفلسفة الألمانية، ولد في الكوفة عام 1959. ودرس الفلسفة في عدد من الجامعات العربية، وصدرت له عشرات المؤلفات في الرواية والفلسفة والدراسات النقدية من أبرزها كتاب (فتنة الأسلاف: هيدغر قارئًا كانط)، وكتاب (إنسان التأويل).

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الثلاثاء, 31 تشرين1/أكتوير 2023 08:57

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.