حول المنهجية الإسلامية: مقدمات وتطبيقات

By أ.د. سيف الدين عبد الفتاح نيسان/أبريل 07, 2025 802 0

 من المهم أن نؤكد في البداية أن الحلقات المترابطة بين النظام المعرفي والمنهاجية الإسلامية ومناهج التعامل مع مصادر التأسيس والمرجعية (القرآن والسنة) ومناهج التعامل مع التراث (الإسلامي والغربي) فضلا عن منهاجية التعامل مع الواقع، هي من أهم الأمور التي تجعل من أحد أصول فاعلية النظام المعرفي أن يكون قادرًا على أن يولد رؤى وإمكانات منهجية على شاكلته.

ومن المهم كذلك أن نشير إلى أن النظام المعرفي واحد من حلقات موصولة بين النظام القيمي، والنظام العقدي، وأن لكل هذا تأثيرًا وتفاعلا لا يمكن أن يُنكر أو يُغفل.

  • وفي إطار التمثيل لهذا الوصل فإن "الغيب" كمفهوم عقدي، ومن أهم أصول العقيدة، هو جزء لا يتجزأ من البنية المعرفية، له من الدلالات والتأثيرات على عالم المنهجية. ذلك أن مفهوم الغيب بما يحويه من غيب كلي مطلق، وغيب نسبي أصغر إنما شكل أحد عنصرين في تحقيق عدم تبديد الطاقات الذهنية في مناقشات فلسفية لا طائل من ورائها (الغيب الكلي الأكبر) وهذا تكفل به الوحي والحكمة في تدبر المعاني والشعور بالقصور المستولي على جملة البشر.

أما العنصر الثاني فإن الغيب النسبي أو الأصغر هو من أهم موجهات ودافعيات المعرفة والعلم والتحصيل، وهنا تأتي الآيات ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (طه: 114)، ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (الإسراء: 85)، ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ (النساء: 113)، للتعبير عن النسق المفتوح للمعرفة والعلم في إطار إدراك القصور واستمرار التحصيل وضرورات الاجتهاد، وإحداث التراكم، وحدوث الحوادث وتجدد الوقائع والأقضية، هذا كله يغني النسق المعرفي المفتوح وعملية إحسان القراءة.

  • إن البحث في دائرة بناء المنهجية الإسلامية هو نقلة معرفية مهمة تنقل دائرة تعامل العقل المسلم من دائرة التكفير واللغة الاتهامية والسجالية، إلى دائرة التفكير بالظواهر والعوالم المختلفة (عالم الأفكار والأشخاص والأشياء والأحداث والنظم والرموز)، وهي منهجية تستلهم أصول التفكر والتدبر والنظر العميق والسير في الأرض، ذلك أن الجنوح للتكفير هو عمل سهل ويسير، أما الاتجاه صوب عمليات التفكير فهو نصب وكد واجتهاد.

وإذا كان تفكير التكفير يورث كثيرًا من المآسي والظواهر النكدة، فإن التفكير ينمي الطاقات الذهنية ويرقي الإمكانات المنهجية.

  • وكذلك فإن البحث في بناء المنهجية الإسلامية يمثل نقلة نوعية أخرى في عمليات التربية العقلية والبحثية، وتتمثل في الانتقال من دائرة الفكر الآبائي الآسر والارتكان إليه، إلى دائرة الفكر المستقل والمستمر والمتجدد في إطار من تربية العقلية الكاشفة، والناقدة، والفارقة، والواعية والبناءة البانية. وهي أمور تعين على استكشاف المنهجية وعمليات البناء المتعلقة بها.
  • ويحسن ونحن نشير إلى هذه المقدمات أن نذكِّر بضرورة إرساء قواعد التفكير المنهجي من أجل اكتشاف السنن، باعتبار ذلك من أهم مقدمات التفكير الواعي الفعّال، فإن الهدف من السير "في" الأرض هو اكتشاف السنن ما دام الواقع المعاش لا يتيح للمرء أن يرى الصورة بكافة أبعادها أو كاملة الزوايا، وكذلك فإن السير "في" الأرض ليس سيرًا في المكان، ولكنه عبرة بالزمان والتعرف على سنن فاعليات الإنسان، فالسير وعي وسعي بكل عناصر الساحة الحضارية، وقانون "العاقبة" هو المهيمن على فاعليات البشر، وهي سنن عدل واستقامة.

السنن وفق هذا الاعتبار عمل منهجي يجسد عناصر الرؤية للعلاقة بين حلقات الزمن المترابطة (الماضي والحاضر والمستقبل)، واكتشاف السنَّة وتفعيلها في التفكير يعني يسر فهم الماضي وحسن فهم الحاضر، وعمق استشراف المستقبل والمآل، وهي كلها تتواصل في حلقات مناهج النظر والتفكير:

التفكير بالحال والتفكير بالأفعال والتفكير بالمجال، والتفكير بالمستقبل، وهي كلها تولّد مناهج تفكير ومناهج تدبير ومناهج تسيير ومناهج تغيير ومناهج تأثير وفاعلية وتمكين.

  • والمنهاجية والمنهج([1]) مفهومان متمايزان ومفصلان، فالمنهاجية هي علم دراسة الطرائق وتكوينها وبنائها وتفعليها وتشغيلها، فهي منهج المناهج بهذا الاعتبار، أما المنهج أو المناهج ففيه مفردات هنا أو هناك، وأدوات ووسائل، وقواعد وخطوات وإجراءات هي من مكونات المنهاجية ولكن تستوعبها، ذلك أن علم المنهاجية يتواصل في رؤية فيما قبل المنهج وفيما بعد المنهج في سياق واصل ورابط بين هذه المنظومة والعناصر المنهاجية وعمليات التفعيل والتشغيل المرتبطة بها، ومن اليسير أن ندرك أن المنهاجية كتأسيس وبناء، وتفعيل وتشغيل، هي إمكانية وعقبة، ﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ﴾، والعقبة المتعلقة ببناء المنهجية هي من أهم تحديات مناهج التفكير والتدبير وهي من العقبات والتحديات الكبار التي لا تستحق فقط الاهتمام بل ربما هي جديرة بالاقتحام.

وانطلاقًا من هذه المقدمات الأولى، والمقومات الكبرى يحسن في البداية أن نقرر أن مصادر التأسيس المرجعية فضلا عن كتابات التراث يمكن أن تحرك عناصر منظومة معرفية متكاملة يتولد عنها (النظام المعرفي) و(علم المنهاجية) فضلا عما يتركه ذلك من تأثير على الواقع البحثي من ناحية والواقع المعاش بكافة تنوعاته من ناحية أخرى([2]).

ومن المهم أن نقرر كذلك أن عناصر النظام المعرفي الإسلامي، وبناء المنهاجية المتولدة عنه والمنبثقة منه عمليات لم تكتمل بعد، وربما لم يبذل فيها الجهد اللائق بها بحيث تؤصل قاعدة معرفية منهجية صلبة تناطح المتاح في حقل المناهج الغربية، والجاهز في سياق الأدوات البحثية والاقترابات المختلفة لمعالجة الظواهر المتنوعة وطرائق تناولها.

وتبدو لنا عناصر عدم الاكتمال في عدة مظاهر مختلفة أهمها:

  • أن الموضوعين ربما كتب لهما بعض التأصيل، ولكن هذا التأصيل كان خاليا من عناصر التفعيل وآليات التشغيل.
  • أن الموضوعين كتبت فيهما كتابات متناثرة بحيث لم تحدث التراكم المطلوب والتنسيق بين الجزئيات على النحو المأمول.
  • أن الاجتهادات في هذا المقام ظلت فردية، فرضها الاهتمام البحثي، وأحيانا أخرى التحديات المنهاجية الغربية، إلا أن هذه الاجتهادات ظلت قاصرة بحكم فرديتها، مقصرة بحكم طاقتها.
  • أن هذه الموضوعات ذات الطبيعة النظرية تظل في حالة إهمال لطغيان الاهتمام بالحركي على حساب التنظيري، والاهتمام بحركة الواقع بآنياتها وتتابعاتها على حساب التأمل الفكري والتأصيل النظري، كما أن هناك بعض تصورات جعلت الحصيلة ضئيلة مقارنة بالحاجة الملحة لعملية التأصيل:
  • أن البعض تصور أن قوة المصادر التأسيسية تجعل الكلام بها وعنها، قوة لمن يتحدث بها، حتى لو تحدث بلغة غير منظمة أو غير منضبطة. هذا التساهل خلق حالة من البحث العائم على سطح الظواهر، والغائم بحيث لا تتبين عناصره الأساسية أو ملامحه الأصيلة.
  • *أن البعض رأى أنه لا فصل بين المصادر التأسيسية والمرجعية ومحاولات اجتهاده ورؤيته، فبدأ يتحدث عن أن ذلك رأي الإسلام وما عداه باطل، وهذا موقف الإسلام وما عداه ضلال، وبدت الاجتهادات لا في نطاق التداول والمشورة البحثية بل في نطاق التقرير والأمر، والنفي لأي رؤى قد تتحفظ هنا أو تضيف هناك أو تعدل أو تطلب العرض للأمر على أشكال مختلفة وربما تقترح أنماطًا متنوعة في الصياغة.

وقد عنى ذلك ـ ضمن ما عنى ـ الحديث عن المنهج في إطار شعارات مرفوعة من غير تفعيل، على الرغم من صلاحيتها للتفعيل كنماذج، كما تصلح لنقلها للغير لمناقشتها، فضلا عن إمكانيات محاكاتها بشكل واع في نماذج أخرى.

  • أن الحديث في هذا المقام قد دار في نطاق العموميات والكليات من دون الانطلاق إلى البحث في العمليات والآليات والإجراءات.

وربما بناء على ذلك، نظر البعض إلى الفلسفة الإجرائية نظرة احتقار لاهتمامها بالتفصيلات، وإذا كان حديث الكليات هو من الأمور المهمة، فإن حديث الإجراءات بترجمة الكليات إلى إجراءات هو من الموضوعات الأهم. وليس معنى ذلك الاكتفاء بأحدهما عن الآخر.

إن نهج الصحابة (رضوان الله عليهم) والذي عبر عنه أحدهم بقوله كنا نحفظ الآية أو الآيتين فلا نغادرهما حتى نعمل بهما. يعني عناصر القراءة المتكاملة والتفكير المتوازن بين أصول الحفظ العقلي، والحفظ العملي بالتطبيق في الواقع. فكان العمل بهما تفكيرًا متواصلًا وتدبرًا للمعاني والمطلوبات والمنهيات وطرائق الالتزام وفهم الواقع وتقديراته، وفروض الوقت وما يقتضيه ذلك، وفقه الحال بكل مفاصله، وفقه المآل بكل استقبالاته وكل تأثيراته، والبحث في أصول الفاعلية والتمكن، وتحويل عناصر القدرة بالإرادة من عناصر الممكن إلى حيز الإمكان إلى فاعلية التمكين. إنها العقلية الإجرائية([3]) ذات الحجية العالية، والتي تترجم العلم إلى عمل يسهم في نجاح حركة العمل موصولة بالفاعلية بغض النظر عن محتوى العمل وغاياته ووسائله في تلك العقلية الإجرائية النفعية المحضة، التي تتحرك صوب التمكين الواقعي. أما أصول التمكين للحق والصواب فهي في الشجرة الطيبة: ذات الأصل الثابت، وفرعها في السماء، موصولة أرضها بسمائها، موصولة قاعدتها بغاياتها، موصول تأسيسها بعلوها، وهي دائمة العطاء بالفعل الإنساني والإذن الإلهي، في حركة عطاء دائم متجدد ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾([4])، ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾([5])، فما بين التمكين في الرؤية والتفكير في الرفعة بالعمل الصالح علاقة تنتج التمكين والتثبيت والتأصيل لعالم المؤمنين وعالم أفكارهم وأشخاصهم وأشيائهم وأحداثهم في الواقع الممتد زمانًا ومكانًا وإنسانًا.

ومن أصول الجمع بين القراءتين أن نقرأ الجزئي ضمن الكلي، أو نحول الكلي إلى إجرائي، وأن نسكن الإجرائي في الكلي. عمليات بعضها من بعض لا تنفصل ولا ينبغي لها ذلك([6]). هذا هو معنى العلاقة الحميمة بين الفكر والعمل، بين النظر والحركة، فأصل "الأصل" "الوصل" على ما يؤكد الطوفي([7]).

  • إلا أن عناصر عدم الاكتمال تلك وحال التشوش البحثي والمنهجي هي في واقع الأمر تشكل الحالة الداعية الواعية الساعية إلى التفكير بعملية البناء المنهجي في منظورها الإسلامي، بإسهاماته المتراكمة في هذا المقام وتحديد أصول ذلك البناء، وإمكانات تفعيله، وقدرات تشغيله فضلا عن علاقته بالأنساق المنهجية المغايرة وإمكاناته ـ ضمن شروط متعددة؛ وذلك بالتعامل معها وتناولها وفق أصول:
  • المنهج النقدي
  • المنهج المقارن
  • المنهج الاصطفائي

وفي إطار هذه الرؤية الكلية والتكاملية وفق أوزانها العدل تتأسس لبنات البناء.

الإطار المنهجي: بين الإمكانات المنهاجية الغربية المتاحة والمنهاجية الأصيلة والبديلة:

  • مفهوم المنهج:

﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾([8])، فالمنهاج هو الطريق الموصل للمقصد، وبقدر اكتمال المقصد وبيانه يكون المنهاج المؤدي إليه كذلك([9])، والمنهج ودراسته لا يمكن أن يكتمل إلا بالفطنة لما يمكن تسميته بما قبل المنهج، أي الأساس الذي لا يقوم المنهج إلا عليه، فالمنهج ينقسم إلى شطرين: شطر في تناول المادة وشطر في معالجة التطبيق([10])".

فالمنهاجية تعتبر علم بيان الطريق والوقوف على الخطوات أو الوسائط والوسائل التي يتحقق بها الوصول إلى الغاية والمقصد على أفضل وأكمل ما تقتضيه الأصول والأحوال([11])، وأهم خصائصها الوضوح والنظامية والضبط والعمق في التحليل والتفسير، وفقدان أي وظيفة من تلك يفقد المنهاجية جوهرها ومعناها.

  • الوعي المنهجي:

من الضروري الإشارة إلى الوعي المنهجي؛ ذلك أن افتقاد هذا الوعي يجعلنا ننحرف بالمنهاجية ووظيفتها، بل قد يتطرق بنا الأمر إلى الإطلاق على بعض منها اسم المنهج، رغم أنها لا تمت لهذه التسمية بصلة. فالمنهاجية في حقيقتها تعد مصدرًا لابتغاء الرشد وتحقيق الوعي، فإذا كان المنهج هو الطريق الموصل إلى المقصد فإنه يفرض علم الطريق وبيان الوصول، وبقدر صحة منطلقاته وسلامة وجهته يكون قيامه مقام المرشد الأمين الذي يبين معالم الطريق.([12])

وتفرض الدراسات الإسلامية ذلك التأصيل للفكر المنهجي لتحقيق التحصين الثقافي والتميز الحضاري، وضرورة العودة إلى الجذور والينابيع الأساسية والتمكن من العلوم الأصيلة لتراثنا، واستئناف البناء على الأصول الحضارية والثقافية الإسلامية، ليأتي التجديد من مواضع صحيحة، مبنيًّا على أصول سليمة، وتحكم حركته ضوابط شرعية، ويقف على أرض صلبة في مواجهة كل ما يحاصره أو يطارده ليرده عن دينه إن استطاع، ويتحقق به الصلاح المطلوب لعمارة الأرض والقيام بأعباء الاستخلاف الإنساني عن جدارة وأهلية واستحقاق.

ومن الحقائق التي هي في حاجة إلى التأكيد الدائم والتنبيه المستمر أن غياب المنهج وفقدان الضوابط الشرعية يؤديان إلى الفوضى الفكرية في الحياة العلمية والثقافية وهو ما يتمثل في ضياع المقاييس وكثرة التكرار والاجترار والتبعثر وضياع الرؤية الشاملة، وعدم إبصار الأولويات، وتوالي النكسات الفكرية والسياسية، والتجاوز في دخول الساحة الفكرية ومحاولة المساهمة فيها ممن يحسن ذلك وممن لا يحسنه، والاجتراء على القول في الدين وتفسير مقولاته ونصوصه بلا فقه ولا علم. فلكل علم منهجه وأهله وضوابطه؛ لذلك تبقى الحاجة ماسة إلى الكتابات المكثفة في المنهج، بعد هذه الفوضى الفكرية التي تسود حياة المسلمين الثقافية، والتي تشكل بحق أزمة في المنهج.([13])

ويبقى المطلوب دائمًا إشاعة علوم المنهج في الأمة بشكل عام، واستمرار تناولها بالبحث والدرس والنقد والموازنة والترجيح، حتى يشكل البحث في المنهج مناخًا عامًّا ينشأ عليه عقل الأمة ويشكل جوهر وعيها بالمنهج والشرعة. ولا خيار ونحن نحاول إصلاح ما فسد وتقويم ما انحرف وإحياء ما غُيِّب أو اندرس وتجديد الأمة بدينها، إلا بالعودة لتمثل العلوم الأصيلة، واكتساب المناهج التي قامت عليها حضارتنا وتراثنا (الوعي بالمادة).

إلا أن هذا التمثل لا تكتمل عناصره ولا مكنات تفاعله إلا (بفقه عملية التطبيق) والتي تعني الوعي بأمرين:

الأول: أنه من المطلوب أن نقف مع العلوم الأصيلة لوصلها بواقع الحياة بعد أن توقفت وأصبحت تجريدات بعيدة عن الواقع، ومقولات نظرية ومنظومات محفوظة لا تلد فقها ولا تدخل واقعا، ولا شك أن هذه الدراسات المنهجية ليست مقدسة لذاتها، وإنما تكتسب قيمتها بما تقدمه من نتائج تنعكس حضاريًّا وثقافيًّا على حياة الأمة؛ لأنها في نهاية المطاف من علوم الآلة التي تكتسب للاستخدام، ومن المؤسف حقًّا أن الكثير من هذه العلوم التي تشكل المنهج الأساسي للعقل المسلم لم يبق لها في حياتنا إلا القيمة التاريخية، أما القدرة على الاستفادة من الماضي وصناعة الحضارة فلا تكاد تذكر، خاصة على مستوى المنهاجية([14]). إن هذه الخطوة الإيجابية التي تشكل جوهر التجديد على المستوى الفكري والمنهجي إنما تقود إلى الوعي بالأمر الآخر.

الثاني: أن منهاجية التلفيق، والتجديد من خارج، إنما تعبر عن إخفاق على المستوى المنهجيّ ساهم في تكريس التخلف وتنميته؛ لأن هذه المنهاجية أخطأت جوهر المنهج ذاته بينما قاست الواقع الحضاري للأمة بغير مقياسه الصحيح، وقومت البناء على غير أسسه ودرست ظواهره بغير أبجدياته وعناصر خصوصياته، واعتبرت الحضارة الغربية وعلومها هي المقياس لكل حضارة، وهو أمر آن الأوان لمراجعته بل ومواجهته.

ومن هنا تبدو عملية الوعي المنهجي ذات عناصر متعددة متفاعلة([15]):-

  • الوعي بالمادة ومصادر التنظير المنهجي الإسلامي.
  • الوعي بالإمكانات المنهاجية الغربية المتاحة ومراجعتها.
  • الوعي بالتطبيق المنهجي والتعامل مع مصادر التنظير الإسلامي.
  • الوعي بالصعوبات.
  • القدرة على ترجمة ذلك الوعي في عملية بناء منهاجية متكاملة تتعلق بالحديث عن الكليات والإجراءات في عملية متصلة غير مقطوعة عن النظام المعرفي ولا ممنوعة من عمليات التفصيل والتشغيل.

 


منهاجية التغريب والتراجع إلى مواقف الفكر الدفاعي:

إن الحديث عن منهجية التغريب هو أمر من قبيل التجاوز، وهي في جوهرها ـ أي المنهجيةـ تجد مصادرها وأسسها ومظاهرها في كتابات الاستشراق، ومؤلفات التنمية، والكتابات الغربية المتعددة في الوطن العربي والشرق الأوسط، فضلا عن ذلك كتابات معظم المتغربين الذين احتذوا بالفكر الغربي حذو القذة بالقذة، وانحشروا معهم في جُحر الضب، وهي منهاجية تتعامل مع مختلف الظواهر المتعلقة بالمسلمين والإسلام والواقع العربي خاصة، وفق منظومة المفاهيم الغربية وقياسًا عليها، ولا تحسن إلا بالاستعانة بالمناهج الغربية من دون نقد أو مراجعة([16])، وهي حتما تعتمد في ذلك على مصادر غربية تجعل مقولاتها ومفاهيمها المعيار. وهي لا تقف عند هذا الحد بل تنطلق في سبيل تحقيق الإحلال لهذه المفاهيم والمناهج والمقولات والمصادر وتكريس وجودها، والتعامل معها على أنها العلم المعاصر وكل ما عداها ليس بعلم، وتسعى إلى تهميش كل منهج أو مفهوم أو مصدر ينبع من حضارة غير حضارة الغرب، وتؤكد تخلفه وعدم صلاحيته وفقدانه للفاعلية. وكل هذه الكتابات ما زالت ترث منهاجية الاستشراق ـ قديمها وحديثها ـ في معالجة كل فكر مغاير أو مناقض.

وليس من قبيل المصادفة أن يبدأ الاستشراق بالهجوم على العقيدة في البداية، ثم تشويه النظم التي ارتبطت بالخبرة الإسلامية، وأخيرا الانتقال إلى رسم سياسات للحركة وعملية الإنماء، حتى تكون عملية الإحلال راسخة، وعلى هذا تعد معظم الكتابات الغربية في التنمية السياسية والشرق الأوسط ليست إلا استشراقًا جديدًا اتبعت نفس أصول منهاجية الاستشراق، وإن اختلفت أساليبها وأشكالها وأدواتها المنهاجية.

وتشترك هذه الكتابات في الغالب الأعم في سمة أساسية هي عرض الحجة ونقيضها في دراسة الإسلام والمسلمين، ومن ثم تشير إلى مجموعة الحجج ونقيضها في دراسة الإسلام وعدم قدرته على مواجهة قضايا العصر، كما لم تترك بابا إلا وطرقته من أجل تحقيق مقاصدها([17])، هذا الوضع ربما استدعى موقف الدفاع من جانب الباحثين المسلمين، دون الفطنة إلى أن الاستغراق في هذا الموقف ليس إلا تبديدًا للطاقة الذهنية، والتي تجعل من رد الفعل محور حركتها الفكرية، ويتخذ هذا الموقف الدفاعي([18]) أكثر من شكل:

  • اتجاه التفاخر.. والذي يحاول إثبات أن الغرب بنى أصول حضارته على أسس المعرفة الإسلامية آنذاك.
  • اتجاه التبرير والاعتذار، والذي يجهد في الدفاع عن شبهة هنا أو هناك، دون أن يدري أن هذا أحد أهداف منهاجية التغريب والاستشراق.
  • اتجاه افتراض التشابه بين عناصر أو مفاهيم في الفكر الغربي والرؤية الإسلامية، وهو توجه يجهد فكره في إحداث عملية تلفيق قد لا تقوم على أساس منهجي.

وهذه الاتجاهات قد يكون لها ما يبرر قيامها بهذا العمل، وقد تكون أدت أهدافها في حينها، لكنها ظلت الطرف السلبي، القابل والمفعول به لا الفاعل، وقد آن لها ألا تغفل عن الخطورة وتنتقل من موقف ردود الأفعال إلى عملية البناء الفكري والمعرفي والمنهجي.

قضايا حول المنهاجية:

تتناول هذه النقطة الحديث عن المنهاجية وصعوبات تطبيقها. وتثار بهذا الصدد مجموعة من الملاحظات الخاصة بتطبيق المنهاجية وطبيعة النظر إليها، ومجموعة أخرى من الملاحظات تتعلق بقضايا نظرية مهمة.

فأما عن الملاحظات الخاصة بتطبيق المنهاجية في الدراسات الاجتماعية عمومًا يمكن القول:

  • إن كافة المناهج المتاحة والمسيطرة والغالبة لدراسة أي قضية أو ظاهرة من ظواهر العلوم الإنسانية والاجتماعية إنما تعود إلى نتاج الفكر الغربي في تطوره؛ حيث تستخدم هذه المناهج بلا أدنى مراجعة أو فحص.
  • إن معظم الدراسات الاجتماعية المعاصرة شأنها في ذلك شأن معظم الدراسات الإنسانية تنظر إلى المنهاجية ـ على أهميتها ـ من حيث تطبيقها البحثي بنوع من التساهل الشديد والتبسيط المخل؛ إذ لا تعالج هذه القضية في إطارها الكلي من فقه المعرفة، والذي يشمل (تاريخ العلم وتطوره ـ نظرية المعرفة ـ فلسفة العلم وأطره المرجعية، علم اجتماع المعرفة والمنهاجية). ومن ثم أصبحت قضية "اللياقة المنهاجية" و"صلاحية المنهاجية" وتكافؤ المنهج مع الظاهرة المراد دراستها بعيدة عن تفكيرها. وظل التطبيق المنهجي ـ رغم ادعاء كل دراسة أنها ستستخدم مجموعة المناهج والأدوات البحثية ـ هامشيًّا، بل ربما لا تستخدم المنهجيات المشار إليها في بداية الدراسة مطلقًا، ولا يكون لها أدنى تأثير في مجرى الدراسات الإنسانية والاجتماعية، وصار التعرض لها في بداية البحث ليس إلا نوعًا من الاستكمال أو "سد الخانة".
  • وفي هذا السياق ظل تطبيق المنهاجية الغربية بتنوعاتها في العلوم الإنسانية والاجتماعية لا باعتبارها مناهج بحثية قابلة للنقد والمراجعة، بل طبقت باعتبارها مسلمات لا يرقى إليها شك غير قابلة للنقد.
  • رغم أن هناك محاولات ـ على ندرتها ـ قد أخذت على عاتقها النقد لهذه المناهج، فإنها في جوهرها ظلت تمارس هذا النقد الجزئي من على أرضية الغرب ذاته، وما تبع ذلك من تعديلات جزئية على المنهاجية ذاتها ،وتناست هذه الدراسات جميعًا الرؤية الكلية للمنهاجية وبحثها في إطار "فقه المعرفة"، ولم تطرح مجموعة من التساؤلات التي تشكل في جوهرها مضمون الملاحظات الخاصة بقضايا من طبيعة نظرية تؤثر بدورها على عملية التطبيق المنهجي لها، هذه الرؤى غير مانعة من القدرة على الاستفادة من المنهجية الغربية بما تقدمه من أدوات يمكن انتخاب واصطفاء ما يمكن منها أن يشكل أدوات فاعلة في الدراسة للظواهر المختلفة، على أن يتم تسكينها بل وتمثلها في سياق أنساق المنهاجية الإسلامية وانسجامها في أصول النظام المعرفي الإسلامي.

هذه الملاحظات النظرية يمكن صياغتها في مجموعة من التساؤلات المهمة([19]):

  • هل يمكن الفصل في المنهاجية بين فلسفتها وأصولها، وبين طريقة البحث، وأدواتها ووسائلها؟؟
  • ويتبع التساؤل السابق: هل من الجائز في ظل الاختلافات الواضحة بين الاستنادات الفلسفية لمناهج متعددة، تحقيق ما يمكن تسميته "بالتكامل المنهجي" بين مناهج متنافرة ومتناقضة، أم أن قضية التكامل المنهجي تصير بذلك غير ذات معنى أو مضمون؟
  • هل من الجائز نظريًّا وتطبيقيًّا تجزؤ المنهاجية؟ أو بعبارة أدق: هل يمكن تحويل المنهاجية ـ بإدخال تعديل شكلي عليها ـ عن أصولها واستناداتها الفلسفية؟ وإذا كان الأمر ممكنًا فهل المنهج يظل هو هو، أم لا يصح أن يطلق عليه حتى اسمه السابق؟
  • وكذلك هل من المقبول علميًّا استخدام المنهاجية الغربية، في حين تعاني معظم مفاهيمها الأساسية التي تشكل أهم مكوناتها ـ من الغموض ـ أو التعدد في المعاني إلى حد التعارض والتناقض مثل: الطبقة ـ الوظيفة..الخ؟
  • إنه من البين أن المنهج لا يجوز أن يبرز مجردًا من مقولاته ونماذجه ومفاهيمه الأساسية لأنه تشكل فيها ومن خلالها. ومن ثم فإن المنهج الذي تكون عبر دراسة النمط الحضاري الغربي أو النمط الرأسمالي يحمل لا محالة هذا النمط فيحاول إعادة إنتاجه بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إذا ما تدخل في دراسة نمط آخر أو حالات تنتسب لحضارة مختلفة، أو بعبارة أخرى يصبح النمط الغربي معياره في رؤية الأنماط الأخرى، ويظل مقياسه فيما يصدره من أحكام عليها، كما أن المقولات التي يكون المنهج قد أنتجها وسميت باسمه تصبح كالطوق في عنقه فلا يستطيع أن يتحرر منها أو يتحرك في أية دراسة إلا من خلالها أو بتأثيرها.. وكل منهج يحمل في مكنوناته موضوعات ومفاهيم حول: الدين والأمة والفكر والثقافة والاقتصاد والاجتماع والكون والطبيعة والأخلاق والقيم وما إلى ذلك. فهل يمكن استخدام هذه المقولات والمفاهيم المشتقة من تجربة المجتمعات الإسلامية؟ وهل يمكن تعديتها تلقائيًّا وآليًا وبصورة عفوية دون فحص التميز والاختلاف والفروق بين رؤية الإسلام لهذه المفاهيم وبين الرؤية الغربية لها؟ وأخيرًا هل يمكن فهم الإسلام من خلال ما تحمل مناهج الغرب من مقولات حول الدين مثلا.. وكذا النمط المجتمعي الإسلامي؟ أم أن قراءة النمط المجتمعي الحضاري يجب أن تكون ضمن منطقه الخاص، منهج لا يقرأ النمط المجتمعي الحضاري المحدد إلا من خلال منطقه الخاص النابع من آليات حركته ومختلف مكوناته، فضلا عما يلزم ذلك من تفهم وتطبيق أبجدياته([20]).

كل هذه القضايا تزكي ضرورة نقد أصول المنهاجية الغربية المتاحة وفق منهج كلي، لا جزئي ينتقد الفروع متغافلا عن الأصول، وهذه القضايا تعد أهم دواعي بناء منهاجية بديلة وأصيلة للدراسات السياسية الإسلامية، وتظل عملية الاستفادة من بعض مفردات المنهجية الغربية (خاصة في مجال الأدوات) أمرا مهما، ولكن في سياق هذه الرؤية الكلية والشاملة لا تفقد معها المنهاجية اللياقة في التناول أو الفاعلية في التطبيق.

  • المنهاجية الأصيلة والبديلة:

تأسيسًا على تلك الرؤية النقدية للنماذج الغربية المنهاجية المتاحة لدراسة الظواهر المختلفة في العلوم الإنسانية والاجتماعية وتجدر الإشارة إلى أهم عناصر المنهاجية البديلة:

  • المبادئ الأساسية للمنهاجية الإسلامية:

من المهم أن نؤكد أن بلورة النظام المعرفي من خلال استخراج الدلالات الحضارية المترتبة عليها هي الركيزة الأساسية ونقطة الانطلاق الهامة؛ لأي تنظير مجدٍ في مجال منهاجية البحث المتعلقة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية وتفعيل العقلية يعني ضمن ما يعني أنه لا بد من "إبعاد منهاجية الفكر الإسلامية عن مناهج الجدل والفلسفة الفاسدة وانغماساتها النظيرة في أمر التفسيرات العقيمة بشأن الكليات الإلهية.. والتي أفسدت على الأمة حياتها ومسئولية سعيها في هذه الحياة، وأدت إلى عجزها عن القيام بدورها في الهداية والقيادة ومجابهة التحديات.. ومن أهم هذه المبادئ الأساسية التي يجب تفهمها وتمثلها ومراعاتها إطارًا ومنطلقًا وأساسًا للفكر الإسلامي والمنهجية الإسلامية وللعمل والممارسة الإسلامية الحياتية: " التوحيد ـ وحدة الخلق (النظام الكوني ـ الخليقة ـ تسخير الخليقة للإنسان)ـ المعرفة ووحدة الحقيقة ـ وحدة الحياة (الأمانة الإلهية ـ الخلافة ـ الشمولية)ـ وحدة الإنسانية ـ تكامل الوحي والعقل ـ الشمولية في المنهج والوسائل".([21])

  • بناء المفاهيم الإسلامية والتأصيل المنهجي:

إذا كانت المفاهيم تشكل اللبنات التي منها تؤسس المنهاجية فإنه ما من عمل منهاجي إلا ويكون قوامه عملية التأصيل للمفاهيم.([22])

إلا أن التأصيل للمفاهيم لا يمكن أن يكون شتاتًا لا جامع بينها، وفرقة لا رابط لها، وفوضى وتعددا لا ضابط عليها. فهي منظومة يشكل الإطار المرجعي أهم روابطها وضوابطها؛ حيث يتيح وضع المفاهيم في مواضعها وإخراجها من قوالبها المستقلة لتوصل فيما بينها، وتشغيلها في تشكيلاتها المتباينة في اتجاه معلوم، في سبيل تحقيق القصد من المنهجية، فالأطر المرجعية هي الكفيلة بتأكيد فعالية المنهجية؛ إذ يتوقف عليها ضبط وتحريك الوحدات الجزئية وإقامة العلاقات الارتباطية بينها، وتمييز المستويات وترتيب الأولويات في ضوء المنظومة القيمية التي تنطوي عليها هذه الأطر.. فالعلاقة وثيقة بين الأطر والمفاهيم؛ فحيث يقدم الإطار الضابط الناظم للمفاهيم، فإن دعائم الإطار تقدمها المفاهيم.

وعلى هذا تبدو عملية التكامل المنهجي لا تتخذ نفس مسار الفكر الغربي الذي بدأ يهتم بهذه القضية محاولا الجمع بين المناهج بعد اكتمالها، وهذا النهج في حقيقته إنما يعبر عن محاولة تلفيق شديدة تخفق غالبا في نتائجها لعدم توافر أهم مكونات التكامل المنهجي؛ نظرًا لاختلاف القيم الأساسية والفلسفة الكامنة خلف المناهج المتناقضة. ولكن الرؤية الإسلامية تختلف في مسارها؛ فهي تعتبر منذ البداية أن التكامل في مجال المفاهيم هو قاعدة الأساس في التكامل المنهجي. ومن الجدير بالإشارة أن تكامل المفاهيم يطرح من جانب الرؤية الإسلامية على مستويات أربعة: الأول: يشير إلى التكامل داخل المفهوم الواحد (عناصره ومستوياته)، والثاني: يشير إلى تكامله مع منظومة المفاهيم الإسلامية الأخرى بشكل تفرضه طبيعة هذه الرؤية، والثالث: يشير إلى أن المفهوم الواحد يصلح كأساس للتعبير عن منظومة من المفاهيم بمفرده، فمفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يشمل كل معروف أو منكر في الشرع؛ حتى يدخل فيه نسق الشريعة كلها ومفاهيمها، والرابع: يشير إلى ارتباط كل منظومة المفاهيم بقصد أساسي وهو "التوحيد".([23])

ويعد بناء المفاهيم الإسلامية ضرورة منهجية على المستويين التنظيري والحركي في آن واحد ـ انطلاقًا من أن الإسلام بوصفه منهج حياة شاملًا يلعب دورًا جوهريًّا في حركة الإنسان الحضارية. وترجع هذه الضرورة إلى كون المنهج ـ في جوهره ـ مجموعة من مفاهيم يوظفها الباحث في معالجة موضوعه، ويستعين بها على تتبعه وتحليله وتفسيره بل وتقويمه، الأمر الذي يعني أن أي خطأ أو عدم وضوح في بناء المفاهيم ينعكس في النهاية على البناء المنهجي في ذاته فيحد من صلاحيته ويقلل من فاعليته ويبدد من إمكاناته في الدراسة والتحليل([24]).

فالمنهج لغة هو الطريق الواضح والسلوك المبين والسبيل المستقيم، يُقال: نهج الطريق أبانه وأوضحه ونهج –أيضًا- سلكه.

وبمقارنة هذا المعنى بالكتابات الغربية التي تميل إلى حصر مفهوم المنهج ودلالاته في نطاق النشاط الذهني أو الفكري للإنسان وتستبعده من مجال الممارسة والحياة اليومية، بينما يعبر عن الأخيرة باصطلاح آخر غير Method  هو Way of Life؛ لذا غالبا ما توضع دراسات المنهج في إطار الدراسات النظرية أو الكتابات الفلسفية. بينما تؤكد معظم الكتابات في التراث الإسلامي التي ترد كلمة منهج أو منهاج في تسميتها، الشمول لجانبي التنظير والحركة([25]).

وبين المفاهيم والمنهج علاقة أكيدة فكما يقول الجابري فإن: " المنهج أولًا وقبل كل شيء مسألة مفاهيم، فالمنهج لا يضع قواعد ولا جملة خطوات إلا في النصوص التي تتحدث عن المناهج، أي في الخطاب الذي يريد التنظير للمنهجية".

أما في الواقع ـ أي في الممارسة العملية للبحث".. فالمنهج هو أساسًا المفاهيم التي وظفها الباحث في معالجة موضوعه والطريقة التي يوظفها بها..

ومن هنا فإن المنهاجية وباعتبارها علم "بناء المناهج" ليست بأي حال منبتة الصلة عن نظام الإسلام (الصبغة) وليست منقطعة عن النظام المعرفي الإسلامي (الصيغة). وابتناؤها على هذه وتلك إنما يفترض أن تنبثق (الصياغة) من مشكاتهما.

وعملية الصياغة للمنهاجية ليست إلا مكونًا ضمن مكونات متنوعة مترابطة متفاعلة، والمنهج موصول بين قاعدته النظرية ومقاصده التطبيقية، وهو من أهم نماذج الجمع بين القراءتين: قراءة كتاب الوحي المسطور وقراءة كتاب الكون المنظور، فإذا كان الجمع التفاعلي بين القراءتين من أهم شروط إحسان القراءة وانفتاحها، فإن "منهج القراءة" هو جوهر عملية بناء المنهاجية وصياغتها.

المنهاجية معمار العلاقات بين مصادر النظام المعرفي الإسلامي ومجالاته وأدواته:

تطورت فكرة إسلامية المعرفة بين أطوار عدة وعلامات فارقة وواصلة في آن واحد، فعند بداية هذه الفكرة صار التركيز فيها على برامج سبقتها مواقف (من التراث، الفكر الغربي)، وجعلت هذه البرامج أهم أهدافها ـ ولو على المدى الطويل ـ إمكانية بناء مداخل للعلوم الاجتماعية والإنسانية.

إلا أن المواقف ولدت إشكالات إضافية خاصة في البحث المتعلق بالدائرة المعرفية والفكرية والثقافية، ومن هناك كان التفكير بتشخيص الداء، وبدا ذلك ضمن دواعٍ تقتضي إعادة تشكيل العقل المسلم، والحديث عن أزمة العقل المسلم، وأخيرًا الحديث عن الأزمة الفكرية والحضارية، وأسفر هذا التشخيص عن تحديد الداء المتمثل في الأزمة الفكرية وتحديد الدواء في إسلامية المعرفة.

ومن ثم انتقل التفكير من هذه الرؤية الهادفة إلى بلورة الفكرة، إلى المواقف، ومحاولة تشخيص الداء إلى جهد بنائي يتحرك صوب ضرورة تحديد مقدمات ومقومات البناء، فضلا عن تحديد مجالاته وقيمه ووسائله وتوفير الأدوات الموصلة لمقاصد التأسيس والبناء، وتمثل ذلك في تحديد مستويات خمسة من المهم التوجه إليها بالتأليف والتراكم؛ لأنها تستوعب كل الإمكانات والقدرات البنائية وتحدّد مناهج استمدادها من المصادر وبنائها على قواعد منها، فضلا عن تحديد المجالات والأدوات، وأهم هذه المستويات:

  • النظام المعرفي ومدى ارتباطه بالنظام العقدي والنظام القيمي في إطار يولد الصيغة (المعرفية) من الصبغة (التوحيدية)، في إطار يستهدف صياغة (الحضارة) وصياغة علوم الأمة وعلوم العمران.
  • المنهاجية الإسلامية واشتقاقها من أصول النظام المعرفي، وأهم عناصره ومفاصله الكبرى، وما تعنيه من اهتمام بشق التنظير وشق التطبيق في إطار جامع للقواعد المنهجية الكبرى القادرة على تحديد أصول منهج النظر كمقدمة لمناهج التعامل والتناول.
  • بناء النظام المعرفي وكذا منظومة المنهجية الإسلامية عملية لا تدور في فراغ، بل هي لا بد وأن تستند إلى مصادر تأسيس مرجعية (القرآن والسنة)، وهو أمر يؤسس على قاعدة منه نظرية للمعرفة؛ ومن ثم وجب الحديث عن منهجية التعامل مع القرآن والسنة كمصدر تأسيسي في عملية البناء، ومرجعي في عملية قياس ما يراد تقويمه بدقة على الوحدة المرجعية المتمثلة في القرآن والسنة والعلاقة بينهما في تكامل يؤسس نظام المعايير والمرجع القادر على عمليات التقويم المستمرة والمتجددة. منهجية التعامل هنا تنصرف إلى مصادر التأسيس تلك باعتبارها مصادر للنظام المعرفي وبناء المنهاجية المشتقة عنه والمولدة منه.
  • أما المستوى الرابع فهو يهتم بمنهاجية التعامل مع التراث الإسلامي الممتد والمتنوع، والذي يشكل نماذج من عمليات التفاعل بين البشر ومصادر التأسيس المرجعية فضلا عن الواقع الحضاري للذين تفاعلوا معه، وفي إطار هذا الجدل تكونت نظرة للمعرفة والعلوم وتصنيفها ونتجت علوم أحدثوا فيها تراكمًا.

هذا التراث الممتد والمتنوع افترض ضرورة بناء منهاجية للتعامل معه، وذلك ضمن منظومة أبجديات منهجية في إطار يفترض إحسان قراءة ذلك التراث والاستفادة منه وإمكانية استثماره ضمن عملية البناء، إلا أن هذا التراث الإسلامي لم يعد منفردًا في الساحة الحضارية، بل أنتجت الإنسانية تراثًا إنسانيًّا أصبح يفرض على العقل المسلم ضرورات التعامل معه، وأفرزت هذه الضرورة ضرورة أخرى ملحة في بناء منهاجية للتعامل مع التراث الإنساني، خاصة مع الفكر الغربي الذي مثل الحضارة الغالبة، وبدا الخروج من فوضى المواقف تجاه هذا التراث ـ الذي لا يقل تنوعا أو تعددا أو تراكما عن التراث الإسلامي ـ رهينًا ببناء أصول منهاجية (للنظر والتعامل والتناول) لهذا التراث ضمن سياقات تحرك القدرة على بناء منظومة من العمل النافع (من التراث الإسلامي والتراث الإنساني) ليس ضمن توفيقية مختزلة أو مبسطة، بل باجتهاد واعٍ يستثمر كل إمكانيات البناء والنماء والارتقاء.

  • أما المستوى الخامس فقد اقترح لتجسيد الفجوة بين العلم النافع والفاعل وإمكانات تفعيله، ذلك أن من إحسان القراءة أن تولد عناصر قراءة فاعلة تفرض بدورها ما يمكن تسميته ببناء منهاجية للتعامل مع الواقع، والواقع هو القاسم المشترك ضمن كل المستويات السابقة، وهو الساحة الحضارية المقصودة بالوعي بها والسعي فيها، إن الواقع صار يستحق من الباحثين مزيد اهتمام في إطار فرض الوقت والقدرة على التعامل معه ضمن متطلبات عناصر الفقه الحضاري.

هذه هي المستويات الخمسة التي استقر الرأي على أن تكون من مناطق تأليف وبحث وتراكم معرفي، يتحقق من خلاله إمكانات البناء لها وقدرات البناء عليها.

هذا التطوير شكل نقلة نوعية ضمن الخطوات البنائية التي يهدف إليها مشروع فكري وحضاري مثل إسلامية المعرفة. ويبدو أن هذا الاهتمام قد بدأ يؤتي بعض أكله في تآليف وبحوث ودورات بحثية وتدريبية وحلقات نقاشية وندوات وسيمينارات مفتوحة أو محدودة، إلا أنه قبل الاسترسال في هذا الجهد البنائي، والذي نظن أنه يترجم هذه النقلة النوعية إلى إمكانات تأسيس وتأصيل وتفعيل وتشغيل، من الواجب التنبه إلى بعض مسارات عامة تستلهم بدورها رؤية من خلال الحصاد في التأليف أو النقاش ضمن دائرة المستويات الخمس وأهمها:

أولًا: أن التمييز بين هذه المستويات المتعددة والمتنوعة وتقسيمها وتصنيفها ليس إلا تصنيفًا "مدرسيًّا أو تدريسيًّا"، ومن هنا فإنه في التأليف البحثي وكذا النقاش حول هذه المستويات لا بد من استحضار الرؤية الكلية الواصلة بين هذه المستويات جميعًا، قد يكون التصنيف إلى هذه المستويات مفيدًا، وهو لا شك كذلك، إلا أن ذلك يجب ألا يصرفنا بعد هذا التقسيم والتمييز عن فقه العلاقات والتفاعلات البينية المتبادلة بين هذه المستويات، سواء كانت هذه العلاقات ثنائية أم ما يزيد على ذلك.

ثانيًا: أن هذا التفكير يوحي بضرورة النظر إلى هذه المستويات كمنظومة تتكامل فيها المصادر مع العناصر، مع المجالات، مع الأدوات والوسائل، هذا التفكير المنظوري يرى تلك العلاقات البينية من زوايا مختلفة، واقتفاء هذه الرؤية سيجعل تناول هذه المستويات كمفردات ضمن أرضية أسئلة قديمة لم تعد تغطي المتطلبات المعرفية والمنهجية لهذا الزمان، إن الأسئلة المتجددة والتي قد تطرح بإلحاح امتدت إلى دائرة هذه العلاقات البينية، العلاقة ما بين النظام المعرفي والنظام العقدي والقيمي، العلاقة بين هذه الأنظمة وبناء المنهجية الإسلامية المولدة على شاكلتها، العلاقة بين المنهجية الإسلامية (ومناهج التعامل مع القرآن والسنة كمصادر تأسيس مرجعية) و(مناهج التعامل مع التراث الإسلامي والإنساني كخبرات معرفية تفاعلية بشرية) و(مناهج التعامل مع الواقع باعتباره مجال الفاعلية الحضارية ومجال الصياغات المعرفية). الأدوار التي يمكن أن تقوم بها وعليها مصادر التأسيس المرجعية في بناء رؤية للتراث الإسلامي والإنساني من جهة، وبناء رؤية للتعامل مع الواقع، فضلا عن إمكاناتها في تأسيس وتأصيل وتنظير النظام المعرفي والمنهجية، وتصورات العلاقات البينية ومحتملاتها كثيرة نظن أنها تستحق مزيدًا من الاهتمام؛ لأن التعامل مع هذه المستويات كمفردات لا كمنظومة قد يعرض مجالات فقه العلاقات إلى مزيد من الإهمال والإغفال، وهذا الإهمال والإغفال غالبًا ما يزيد اتجاهات المعالجة التي تتميز تارة بالانفعال، وتارة بالافتعال، وتارة بالانفصال، وهي جميعًا تخرج عن حد الأداء المعرفي الرصين والوعي المنهجي العميق.

ثالثًا: إن الاهتمام بفقه العلاقات البينية سيجعل المشروع وبرنامج العمل الذي برز في ضرورة تأسيس مداخل للعلوم الإنسانية والاجتماعية أمرًا ذاتيًا، ذلك أن أحد عناصر هذا الاهتمام في الفقه البيني للعلاقات بين هذه المستويات إنما يتمثل في وصل هذه المستويات بالمجالات المعرفية المختلفة فضلا عن الحقول المعرفية المتنوعة، سواء ما قدمته الخبرة التراثية أو العلوم الإنسانية والاجتماعية أو استحداث علوم جديدة وفق فلسفة تصنيف العلوم والمعارف وفق رؤية إسلامية ناضجة وواعية وواعدة فضلا عن قابليتها للتفعيل والتشغيل.

إن أحد أسباب محدودية الخبرات في بناء مداخل العلوم الإنسانية والاجتماعية ـ على أهمية ذلك في التدريس والتفعيل ـ إنما يعود إلى عدم توافر الآليات وتنظيمها واستثمارها، وهذا كله مرهون ليس فقط ببناء هذه المفردات بل برؤيتها كمنظومة تهتم بفقه العلاقات البينية بينها جميعا فضلا عن مد خطوط اتصال بين هذه المنظومة، وهذه المداخل؛ للبدء والشروع في بنائها على نحو يتفهم مقتضيات الصبغة التوحيدية وضرورات الصيغة المعرفية والمنهجية والمقدمات والمقومات المتمثلة في منهاجيات التعامل مع مصادر التأسيس المرجعية، والخبرات التراثية البشرية ومنهج النظر للتعامل مع الواقع، وهي كلها أمور تسهم في عمليات الصياغة وأهمها بل وأولاها صياغة مداخل للعلوم تستلهم كل ذلك وتستثمر إمكاناته وقدراته.

رابعًا: إن فقه العلاقات البينية بين هذه المستويات هو الكفيل بتوفير إمكانات تسكين مشروعات متعددة ضمن هذه المنظومة الكلية الهادفة والقاصدة إلى الامتداد إلى مساحات مثل: اتجاهات الخريطة الفكرية، مشروعات الخريطة المتعلقة بمدارس واتجاهات الإصلاح، القدرة على التعامل مع الثنائيات الصراعية الوافدة تعاملا واعيًا قادرا على تحويلها إلى أزواج ذات علاقات حميمة، تؤصل معاني الرحم فيما بينها والتراحم بين عناصرها والتكافل والتفاعل والتساند.

إن النظر إلى هذه الثنائيات أو الاتجاهات الفكرية أو المشاريع الإصلاحية استقلالا عن الرؤية المعرفية وإسهامات هذه المناطق وتسكينها ضمن هذا المشروع؛ يجعل متابعة هذه الأمور ليس إلا تكرارًا واجترارًا لاهتمامات سابقة نظن أنها لم تحسن استثمار هذه المناطق فضلا عن أنها في معظمها ظلت ضمن دائرة قراءة الإهدار لا قراءة الاستثمار والاعتبار، أو ضمن رؤية معرفية هادفة ورؤية منهجية واعية وقاصدة.

خامسًا: إن الاهتمام بهذه العلاقات البينية يجعل من التفكير في آليات الربط بين هذه المستويات داعيًا إضافيًا للاهتمام بهذه الروابط المختلفة والتأصيل لها وإمكانات تفعيلها وتشكيلها، ومن أهم هذه الروابط:

  • تفعيل نظام القيم كإطار مهم لتشغيل هذه الروابط في سياق هذه المستويات الخمسة.
  • تفعيل المقاصد الكلية للربط بين هذه المستويات المختلفة.
  • تفعيل التكامل الفقهي (فقه النظر والحكم، فقه الواقع، فقه التنزيل) في إطار يجمع بينها جميعًا في إطار فقه المنهج.
  • تفعيل هذه الروابط ضمن العوالم المختلفة: عالم الأحداث والأشياء والأفكار والأِشخاص والنظم.
  • تأصيل معادلة الفاعلية: الفاعل (الأمة)، ومجال الفاعلية (الحضارة)، وهو ما يحفظ البحث في موضوعات معينة والمراكمة فيها بما يحدث إمكانات الشهود الحضاري في التفكير والتدبير.
  • الخروج عن إطار الأسئلة التقليدية في التعامل مع المصادر المختلفة، والتي تمثل بعض هذه المستويات، ومحاولة إعادة النظر في الأسئلة المطروحة والاتجاه صوب الأسئلة الصائبة والفاعلة في مقام تعميق وتأصيل هذه المستويات والعلاقات فيما بينها. وهو أمر قد يسهم في عملية فرز الإشكاليات كأحد متطلبات هذه الروابط الكلية، وبما يؤدي إلى نفي عناصر الافتعال والانفعال والإغفال والانفصال.
  • إن إشكالات التعامل المعرفي مع هذه المستويات غير إشكالات التعامل الفني (التخصصي)، وهي أمور من الأهمية إدراكها لإحداث التراكم المطلوب بالنوعية المقصودة.
  • الاستدراك على نقصان عمليات التأصيل والتفعيل والتشغيل، ذلك أن هذه العلاقات البينية واقعة بحكم الإشكاليات المتجددة التي تولدها باقي هذه الممارسات البحثية والمنهجية.

إن الاهتمام بهذه العلاقات يولد مساحات بحثية وبرنامج عمل بالغ الأهمية وربما دراسة هذه الموضوعات، استثناء ـ فضلا عن منهاجية التعامل معها ـ يكون ضعيفًا ومكرورًا لو تعاملنا مع هذه المستويات كمفردات، أما التعامل معها كمنظومة فإنه فضلا عن تحقيقه للمقصود في الرؤية الشاملة، فإنه يحرك إمكانات اجتهادية وتجديدية موصولة ومتواصلة، فضلا عن أنها تجعل الاجتهاد الجماعي كفريضة بحثية ضرورية في هذا المقام وكذا تأصيل قيم الشورى البحثية وتفعيل آلية أهل الذكر واستثمار مساحة التداخل بن التخصصات والعلاقات البينية بين العلوم المختلفة.

سادسًا: إن تفعيل الجمع بين القراءتين وإتيان ذلك بثمرته المرجوة لا يمكن أن يؤتي أُكله إلا في سياق فقه العلاقات بين هذه المستويات المختلفة، خاصة حينما تجعل من فقه الواقع ومنهاجية التعامل معه القاسم المشترك بين هذه المستويات جميعًا، هذا التكامل غالبا ما يُحدث فهمًا أعمق وأدق وأكثر تنظيمًا ووضوحا للواقع وما يتعلق به من ظواهر اجتماعية وإنسانية.

سابعًا: إن فقه هذه العلاقات البينية غالبًا ما يؤصل لمعاني "النفوس البصيرة" فتاوى الأمة التي يجب أن تخرج من سياقات الفتوى الحكمية الشائعة في الشأن الفردي إلى فتاوى بحثية تفترض القيام بها كعملية بحثية في دراسة الظواهر… عناصرها ومفاصلها وعوامل تكونها، وأسباب تغيرها، والقدرة على تقويمها..إلخ، وهي أمور جميعًا يجب رؤيتها ضمن فقه الحال وفقه المجال وفقه المآل، فضلًا عن ضرورات فقه الأولويات. التربية والتغيير بالفتوى أداة مهمة في عمليات التفكير والتسيير والتدبير والتغيير والتأثير.

ولعل إشارة ابن القيم لها دلالة في هذا المقام من أن هناك نوعين من الفقه لا بد منهما: فقه في أحكام الحوادث الكلية، وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس، يميز به بين الصادق والكاذب، والمحق والمبطل، ثم يطابق بين هذا وذاك، فيعطي الواقع حكمه من الواجب ولا يجعل الواجب مخالفًا للواقع.

نظن أن ما نحن فيه وما نشير إليه من فقه العلاقات البينية بين هذه المستويات الخمسة هو مما يدخل تحت هذه العبارة الذهبية (يعطي الواقع حكمه من الواجب، ولا يجعل الواجب مخالفًا للواقع). ونظن أن ذلك والتنبيه إليه من البيان الذي لا يؤخر عن وقت الحاجة، وربما هو ضمن اهتمامات الجماعة البحثية والعلمية هو من جملة فروض الوقت؛ ذلك أن واجب الوقت يتعين جمع الهمم كلها عليه فالعارف ابن وقته، فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها، فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت، وإن ضيعه لم يستدركه أبدًا.

في هذا المقام فنحن أقرب لتحديد هذا الموضوع وأهم مفاصله من خلال مجموعة من الفرضيات المهمة، والتي تحمل معنى المقولات التي يستند إليها في هذا المقام وهي في مجموعها ليست في حاجة إلى مزيد من برهان وأهمها:

  • أن المنهج أكثر المناطق التي ترتبط بالتفكير العلمي والمنهجي، وهو بهذا الاعتبار يتكون من منظومة مهمة من العناصر أهمها:
  • المنهج يرتبط بعناصر فلسفة كامنة، وهذه الفلسفة الكامنة تظل تمسك بخناق المنهج، وتظل كالطوق المحيط بالعنق، وهو بهذا المعنى منطقة بحثية تتفهم الأصول الفلسفية التي يستند إليها المنهج، فإن الوعي بها مقدمة أساسية للتعرف على كثير من تحيزات المنهج الكامنة فيه والظاهرة منه. كما أن ذلك من الخطوات التي يتأكد من خلالها إمكانية تحديد معايير الاستفادة من أنساق معرفية أخرى وما ينبثق عنها من مناهج.
  • المنهج بهذا الاعتبار يمثل الوسائل الموصلة، وهو الدابة التي تمتطي فتتحرك صوب الغاية أو المقصد، فاعلية الوسيلة تكمن في قطعها الطريق بين نقطة البداية (المشكلة البحثية) ونقطة المقصد (تقويم الظاهرة موضع البحث)، بكفاءة في أقصى درجاتها، قطع المسافة من أقصر خط بين نقطتين. إن الوسيلة التي لا تكافئ الظاهرة أو تحرك عناصر الفاعلية في التعامل البحثي ليست من المنهج في شيء، وإن بدت في كل المنهج من خطوات وترتيبات (الوعي المنهجي واللياقة المنهجية).
  • المنهج ثالثًا أدوات بحثية، الأدوات هنا هي بمثابة إعداد العدة للراحلة السفر المنهجي، وهي أدوات تعين البحث والباحث في قطع "رحلة السفر المنهاجية" على أفضل ما يكون ومن أقصر طريق وبأفضل الطرائق وأحسن الوسائل.
  • المنهج رابعًا قواعد، إن المعلومة تفرض مصدرها، والمصدر يفرض أبجديات التعامل معه، والأبجديات يجب أن تنتظم في نسق منهجي على صعيد واحد، وتتكامل في أداء المهمة البحثية والمنهجية.

إن معلومة بلا مصدر لا يليق بها إلا أن تقع في دائرة الخطأ، وهي على أحسن الفروض تعاني من قصور في الاستناد، والثقة. إن الحقيقة الكبرى تعني أن بين التوثيق والثقة صلة لغوية، فهما من جذر لغوي واحد، والإسناد من الدين، ومن بركة القول إسناده إلى أصحابه.

  • المنهج خامسًا تطبيق وتنظير، فعلى ما يقول الأستاذ محمود شاكر موضحًا للفظ المنهج ومبينًا له "… ولفظ المنهج يحتاج مني هنا إلى بعض الإبانة، وإن كنت لا أريد به ما اصطلح عليه المتكلمون في مثل هذا الشأن، بل أريد به "ما قبل المنهج" أي الأساس الذي لا يقوم المنهج إلا عليه" فهذا الذي يسمى "منهاجًا" ينقسم إلى شطرين: شطر في تناول المادة، وشطر في معالجة التطبيق.

فشطر المادة يتطلب قبل كل شيء جمعها من مظانها على وجه الاستيعاب المتيسر، ثم تصنيف هذا المجموع، ثم تمحيص مفرداته تمحيصًا دقيقًا، وذلك بتحليل أجزائها بدقة متناهية، وبمهارة وحذق وحذر، حتى يتيسر للدارس أن يرى ما هو زيف جليا واضحا، وما هو صحيح مستبينًا ظاهرا بلا غفلة وبلا هوى وبلا تسرع.

أما شطر التطبيق فيقتضي ترتيب المادة بعد نفي زيفها وتمحيص جيدها باستيعاب؛ لاحتمال الخطأ أو الهوى أو التسرع. ثم على الدارس أن يتحرى لكل حقيقة من الحقائق موضعًا، هو حق موضعها؛ لأن إساءة في وضع إحدى الحقائق في غير موضعها، خليق أن يشوه عمود الصورة تشويهًا بالغ القبح والشناعة([26]).

وفي إطار الجمع بين الشطرين يقع المنهج بكل كمالاته.

الدائرة المفاهيمية:

في إطار ما حددناه للتعامل مع "المنهاجية" سواء بناء المنهاجية ذاتها من ناحية أو طرائق استخدمها وتفعيلها وتشغيلها من ناحية أخرى كنماذج للتطبيق، وفي إطار الجمع المتفاعل بين شق التنظير في المنهج وشق التطبيق، فإنه يمكن الحديث في هذا المقام عن:

  • بناء المفاهيم الإسلامية: ضرورة منهاجية([27]).
  • تصنيف البناء المفاهيمي والخريطة الكلية: الجهاز المفاهيمي النابع من إطار المنهجية الإسلامية([28]).
  • المفاهيم الحضارية الكبرى ومفاهيم الموقف: استكمال عناصر الرؤية الكلية لعالم المفاهيم (المعاصرة، الحضارة والثقافة والمدنية)([29]).
  • التحيز في مفهوم النظام العالمي الجديد: دراسات للتعامل مع المفاهيم([30]).
  • المفاهيم العملاقة وصناعة العلم: مفهوم العولمة وعولمة المفاهيم([31]).
  • وفي هذا المقام يحسن أن يكون هناك أطر للمفاهيم المقارنة ونماذج تشغيل، مثل المقارنة بين عالميتين: عالمية العولمة، وعالمية الإسلام([32]).
  • المفاهيم المقترنة، من مثل إشكالية العلاقة بين الإسلام والتنمية([33]).
  • هذه النماذج المختلفة تحمل عناصر مهمة في هذا المقام يحسن التأكيد عليها في إطار التنظير لعملية بناء المفاهيم:

وهي محاولات متعددة يحسن تجريب وتشغيل خريطة المفاهيم فيها، هذه الخريطة التي يمكن تطبيقها ضمن أشكال متنوعة تفرضها "حالة المفهوم" وهو ما يعني إمكانية تطبيق هذه الخطوات أو بعضها.

دراسة عالم المفاهيم ضمن أصول المنهجية الإسلامية هي من الموضوعات المهمة في هذا المقام.

الأمر الذي لو أردنا أن نمثل له لطال بنا المقام، ولكن غاية الأمر أن نشير إلى تلك النماذج بما يوفر إمكانات مهمة يمكن التفصيل في بعضها في إطار المحاضرة، فهذه النماذج لا يفهم محتواها ومخها المنهجي وشبكتها العصبية المنهجية إلا بمعرفة بعض هذه النماذج تفصيلًا. والإشارة قد لا تغني عن مطالعة هذه المحاولات للتعرف على معنى المنهجية الإسلامية الظاهر فيها والكامن داخلها.

الدائرة المتعلقة بالخطاب الثقافي: (دراسات في تحليل الخطاب وتحليل النصوص):

أما هذه الدائرة فهي الخاصة بالتعامل المنهجي مع الدراسات الأكاديمية والخطاب الثقافي. إن التعامل مع هذه الرؤى السابقة بالرصد والتحليل والتعليق والنقد والتقويم يوفر كثيرًا من الجهد ويحرك أصول الفاعلية البحثية والمنهجية، وهذا يعني ضمن ما يعني:

  • إحداث قدر من التراكم البحثي والمعرفي في حقل التأليفات الإسلامية، خاصة في إطار البحث في القضايا والتعرف على مناهجها (مناهج النظر والتعامل والتناول).
  • التعامل مع هذا الإنتاج العلمي بالنقد والتقويم في ضوء إمكانية إسهامها في المجال المعرفي الإسلامي وخاصة صياغة الأطر المنهجية، وذلك في إطار الممارسة الحقلية.
  • التجريب البحثي المتكرر للمداخل المنهجية في حقول معرفة مختلفة وبطرائق بحثية ومنهجية متنوعة بما يليق بالظاهرة موضع البحث وخصوصيتها.
  • اقتراح إمكانات منهاجية يمكن أن تسد الثغرات والفجوات التي تتضح من خلال الدراسات الفعلية، ومحاولات التطبيق والتجريب لبعض الأدوات المنهاجية بما يتيح تطويرها أو الإضافة إليها أو تعديلها، بما يحقق أقصى درجات الفاعلية المنهجية وأفضل عناصر اللياقة المنهجية وتكافؤ المنهج مع الظاهرة موضع البحث.

ونشير هنا إلى دراسات الخطاب حول:

  • الدراسات الأكاديمية.
  • الخطاب الثقافي.

ويمكن أن نتخذ نماذج لذلك من:

  • خطاب التحديات للعالم الإسلامي.([34])
  • خطاب العولمة في العالم العربي لدى المثقفين.([35])
  • خطاب الإعلام في الأحداث الثائرة مثل: حرب الكلمات في أزمة الخليج الثانية.([36])

ويمكننا أن نتحرك من الخطابات المعاصرة إلى الخطابات التراثية وإمكانات تحليلها، سواء ما تعلق عنها بمجالات معينة للخطاب، أو دراسة نصوص بعينها للقيام على تحليلها.

في هذا المقام قد نشير إلى:

  • الخطابات المتعلقة بالفتاوى سواء التراثية أو المعاصرة حول موضوعات معينة.([37])
  • حجج الأوقاف مدخل من مداخل التحليل السياسي الاجتماعي([38])
  • الخطاب حول فكرة وفقه التغلب ومحاولات تحليله.([39])
  • الخطاب حول القراءة وإشكالية التعامل مع السلطة وأصول القراءة العالمة والجامعة والفاعلة([40]).

تحليل الخطاب وتحليل النصوص عمل منهجي يمكن أن تسهم فيه عناصر المنهجية الإسلامية بنصيب وافر يستثمر الإمكانات المختلفة والقدرات الكامنة فيه. هذا التفصيل والتشغيل عمليات يحسن التعرف على تفاصيلها المنهجية.

الدائرة المتعلقة بالمقولات المنهجية التي تستخدم في التحليل والتفسير والتقويم:

المنهجية الإسلامية تحمل منظومة من المقولات التحليلية والتفسيرية والتقويمية من المهم أن نقوم على تفعيلها وتجريبها وتشغيلها في الحقول المعرفية المختلفة والمحاولات البحثية المتنوعة والممتدة.

نحن هنا أمام محولات نشير إليها في هذا المقام أهمها:

عقلية الوهن مقولة تحليلية وتفسيرية مستقاة من الحديث النبوي "تتداعى عليكم الأمم.."، استخدامها في حرب الخليج الثانية ومكانة العرب في النظام الدولي والعلاقات العربية- العربية ومساراتها الصراعية والترابصية([41]).

فقه السفينة مقولة تحليلية وتفسيرية وتقويمية مستقاة من الحديث النبوي "..كمثل قوم استهموا على سفينة.."، استخدامها في تحليل الخطابات الثقافية حول قضايا تؤثر على تماسك الأمة وشبكة علاقاتها الاجتماعية والمجتمعية([42]).

المدخل السنني([43]) مدخل مهم في دراسة كثير من القضايا، سواء أكانت تاريخية أو معاصرة، السنن هي منظومة من القوانين الكلية الكافية إذا تفهمنا آثارها، ودراسة التاريخ والحال، والمآل، (والاستقبال) يؤكد عناصر التعامل السنني باعتباره "المنهج العدل" الذي يعطي بمقدار الوعي بها والسعي لها.

المدخل المقاصدي([44]) من المداخل التي يمكن تفعيلها في أكثر من مجال، إن التعرف على إمكانات هذا المدخل هي أولى الخطوات لتفعيله وتشغيله ضمن قضايا بحثية. والبحث عن إمكاناته الوصفية والتحليلية والتفسيرية والتقويمية. إنما يحمل فئات لوصف الواقع بدرجاته، ودراسة العملية الإفتائية وتقويمها، وتنظير حقوق الإنسان وميزان المصالح، والقدرة على تحديد عناصر وأهداف الأجندة البحثية، وتقويم كثير مما يقع في عالم الأحداث والسياسات. مقولات من الأهمية أن نفهم إمكاناتها، وأن نتعرف على تفصيل تفعيلها وتشغيلها.

 

خطة مقترحة لتجميع المقولات المنهاجية من التراث الإسلامي والبحث في إمكانات تفعيلها وتشغيلها:

إن هذا التراث يحمل في طياته وعلى تنوع مصادره إمكانات منهجية لم يتم اكتشافها بعد أو الكشف عن أصول تفعيلها وتشغيلها منهجيًّا، وهذا الأمر يحتاج إلى:

  • رصد المصادر المحتملة في التراث التي تحمل هذه الإمكانات المنهجية.
  • جمع هذه المقولات والمباحث المنهجية والتأليف فيما بينها وتصنيفها.
  • القدرة على التعرف على مضمونها، وتأثيراتها المنهجية في البحث والدراسة.
  • تقديم آليات تفعيل ونماذج تشغيل تؤكد على تلك الإمكانات واستخدامها، بما يؤكد من خلال تجريبها، جدواها المنهجية والبحثية.

كل ذلك يمكن أن يتوصل إليه من خلال خطة بحثية، ومن خلال تفعيلها في المجالات المعرفية والبحثية المختلفة.)[45](

نماذج التشغيل كثيرة ومتعددة، وهي ستتنوع وفقًا للظاهرة موضع البحث فضلا عن التخصص في الحقول المعرفية المختلفة، وغاية أمرنا في هذا المقام أن أشرنا إلى إشارات لا تغني عن التفصيل فيها، والاستدراك عليها، وهي محاولات تقع في إطار عمليات الاجتهاد البحثي، وهو أمر يتطلب نوعًا من الشورى البحثية، والتي تمكننا من تحويل المقدمات المنهجية إلى قواعد عملية وإجراءات بحثية وأدوات منهجية وآليات يمكن تطبيقها، وهذا الأمر يعبر عن رؤية معينة يطولها التقصير أو القصور، إلا أنها في النهاية خطوة على طريق يجب أن نسير فيه لتأسيس واستكشاف أصول "منهجية إسلامية" أو منهجيات تتحرك صوب التفعيل والتشغيل.

﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾

 

 

هوامش الدراسة:

 

 

 

([1]) قارن بمفهوم المنهج العلمي: د. نجيب الحصادي، نهج المنهج، ليبيا: الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع  1991، ص 7 وما بعدها، ص 113 وما بعدها انظر أيضا وقارن مفهوم مناهج البحث: د. فاروق السامرائي، المنهج الحديث للبحث في العلوم الإنسانية، الأردن : عمان : دار الفرقان للنشر، 1996 . قرب إلى هذا العمل الاستشراقي وهو مهم في كثير مما يشير إليه من معلومات في هذا الباب د. فرانتز روزنتال، مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي، ترجمة: د. أنيس فريحة، بيروت: دار الثقافة، د. ت.

وضمن إطار المقارنة بين مناهج البحث الإسلامي ومنهج البحث الغربي انظر: د.  أكرم ضياء العمري، مناهج البحث وتحقيق التراث، المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم، د. ت، ص 7 وما بعدها.

وفي تعريف المنهج وأقسامه من المعاجم اللغوية والفلسفية وهو أمر تحسن مطالعته والوقوف عند بعض مفرداته: د. عبد الهادي الفضلي، أصول البحث، الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية، بيروت: دار المؤرخ العربي، 1992، ص 49 وما بعدها.

انظر أيضًا وقرّب د. سعيد إسماعيل صيفي، قواعد أساسية في البحث العلمي بيروت: مؤسسة الرسالة، 1994، ص 61 وما بعدها.

([2]) انظر في هذا المقام محاولة تأصيل المجالات التي يجب أن تهتم بها عملية إسلامية المعرفة من (النظام المعرفي، المنهاجية الإسلامية، كيف نتعامل مع القرآن والسنة؟ كيف نتعامل مع التراث الإسلامي؟ كيف نتعامل مع التراث الإنساني؟)

د. طه جابر فياض العلواني، إسلامية المعرفة بين الأمس واليوم، القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996.

([3]) في إطار تلك العلاقة بين العلم والعمل انظر: الخطيب البغدادي، اقتضاء العلم والعمل، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، بيروت ـ دمشق : المكتب الإسلامي، طـ4 1397هـ، ص15.

([4]) سورة إبراهيم /25

([5]) سورة إبراهيم /27

وفي المعنى ".. إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه "، سورة فاطر /10

([6]) انظر: د. طه جابر العلواني، الجمع بين القراءتين قراءة الوحي وقراءة في الكون، القاهرة : المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996، وهناك طبعة أخرى عن القاهرة : دار الهداية، 1995.

والجمع بين القراءتين يجب أن يرتبط بوجهة القراءة، وفقه القراءة وفنيات القراءة، قرب إلى هذا: محمد عدنان سالم، القراءة أولا، بيروت: دار الفكر المعاصر، دمشق: دار الفكر، ط2، 1994

انظر أيضا: د. عبد الكريم بكار، القراءة المثمرة: مفاهيم وآليات، دمشق: دار العلم، بيروت: الدار الشامية، 1999.

([7]) انظر ذلك في: الشيخ سعد بن ناصر الشفري، التفريق بين الفروع والأصول، الرياض: دار المسلم، 1417هـ : ص26. وقد قاله الطوفي إن الأصل من معاني الوصل.

([8]) سورة المائدة /48

([9]) انظر المعاجم اللغوية مادة "نهج".

انظر أيضا: د. فارس أشقر، مدخل إلى المنهجية في العلوم الاجتماعية، مجلة العلوم الاجتماعية، تصدر عن معهد العلوم الاجتماعية، الجامعة اللبنانية، العدد الأول، 1991، ص 33-47

([10]) محمود شاكر، رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، القاهرة : دار الهلال، أكتوبر 1987، ص 34 وما بعدها.

([11]) د. منى أبو الفضل، نحو منهاجية للتعامل مع مصادر التنظير الإسلامي بين المقدمات والمقومات، بحث ضمن اللقاء العالمي الرابع، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الخرطوم، يناير 1987، ص 12: طبع هذا البحث ضمن أوراق هذه الندوة في ط1، ص179-232

([12]) المرجع السابق، ص 12

انظر وقارن في مفهوم المنهج والمنهاجية: د. نصر محمد عارف، نظريات السياسة المقارنة ومنهجية دراسة النظم السياسية العربية، واشنطن: جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية، 1998، ص 73 وما بعدها

([13]) عمر عبيد حسنة (مقدمة)، في د. همام عبد الرحيم سعيد، الفكر المنهجي عند المحدثين، كتاب الأمة، قطر: رئاسة المحاكم الشرعية، المحرم 1408هـ، من 7-12.

انظر وقارن د. نصر محمد عارف (تحرير وتقديم)، قضايا المنهجية في العلوم الإسلامية والاجتماعية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، 1996، انظر بصفة خاصة المقدمة الضافية التي كتبها ص 7-14

([14]) د. همام عبد الرحيم، الفكر المنهجي عند المحدثين، كتاب الأمة، قطر : رئاسة المحاكم الشرعية، المحرم 1408هـ (المقدمة وما بعدها )، انظر أيضا ص 15 وما بعدها

انظر أيضا حول الدواعي والضرورات خاصة في إطار سيادة المناهج الغربية: محمد محمد أمزيان، منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية، واشنطن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1991.

وفي إطار البحث في الإمكانية التراثية لتأسيس مناهج بحث انظر: د. علي سامي النشار، مناهج البحث عند مفكري الإسلام واكتشاف المنهج العلمي في العالم الإسلامي، بيروت: دار النهضة العربي ط3، 1984.

([15]) سيف الدين عبد الفتاح، النظرية السياسية من منظور إسلامي: منهجية التجديد السياسي وخبرة الواقع العربي المعاصر، القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1998، ص 71، وما بعدها.

([16]) المرجع السابق، ص 47 وما بعدها، ص 40 وما بعدها.

([17]) انظر في ذلك: منير شفيق، الحجة ونقيضها في محاربة الإسلام، جريدة الشعب، أول يوليو 1986، 8يوليو 1986.

([18]) قارن وقرّب إلى هذا : عمر عبيد حسنة، نظرات في مسيرة العمل الإسلامي، كتاب الأمة، قطر: رئاسة المحاكم الشرعية، المحرم 1405هـ، من 58-70.

([19]) انظر في جملة هذه الأسئلة وغيرها، سيف الدين عبد الفتاح، في النظرية السياسية من منظور إسلامي، مرجع سابق، ص 43-44.

([20]) في سياق ارتباط المنهاجية بالنمط الحضاري والمجتمعي في شق التطبيق انظر: منير شفيق، الإسلام في معركة الحضارة، بيروت: دار الكلمة للنشر، 1984، ص 95-99 ومواضع أخرى متفرقة.

([21]) انظر: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، إسلامية المعرفة: خطة العمل ـ الإنجازات، واشنطن ـ القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1986، ص 27 وما بعدها

انظر أيضًا: د. إسماعيل راجي الفاروقي، أسلمة المعرفة: المبادئ العامة وخطة العمل، ترجمة: عبد الوارث سعيد، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الكويت: دار البحوث العلمية، 1984، ص51-91

([22]) انظر : د. علي جمعة، د. سيف الدين عبد الفتاح (محرران)، بناء المفاهيم: رؤية معرفية ونماذج تطبيقية، القاهرة : المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996، جـ1، ط2.

انظر وقارن: د. عبد القادر هاشم رمزي، الدراسات الإنسانية في ميزان الرؤية الإسلامية: دراسة مقارنة، قطر: دار الثقافة، 1984، ص5

([23]) انظر : سيف الدين عبد الفتاح، النظرية السياسية من منظور إسلامي..، مرجع سابق، ص 13 (الهامش)

([24])انظر في تفاصيل ذلك محمود شاكر، رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، مرجع سابق، ص 34 وما بعدها .

د. منى أبو الفضل، نحو منهاجية للتعامل مع مصادر التنظير الإسلامي، مرجع سابق، ص12.

Buchler, The concept of Method, New York: Calumbia University Press, 1952, pp. 6-10

انظر أيضًا وقرّب إلى ذلك

Charles Hills Kaiser, An Essay on Method, New Burn – Swich, Rutagers university,

([25]) انظر في هذا المقام : د. عائشة عبد الرحمن، مقدمة في المنهج، القاهرة : معهد البحوث والدراسات العربية، قسم البحوث والدراسات العربية واللغوية، جامعة الدول العربية، 1971، ص 9 وما بعدها.

([26]) انظر : د. علي جمعة، د. سيف الدين عبد الفتاح (محرران)، بناء المفاهيم: رؤية معرفية ونماذج تطبيقية، القاهرة : المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996، جـ1، ط2.

انظر وقارن: د. عبد القادر هاشم رمزي، الدراسات الإنسانية في ميزان الرؤية الإسلامية: دراسة مقارنة، قطر: دار الثقافة، 1984، ص5.

([27]) انظر ذلك في : سيف الدين عبد الفتاح، في النظرية السياسية من  منظور إسلامي، مرجع سابقن، ص 81 وما بعدها.

([28]) سيف الدين عبد الفتاح، محاضرات في مادة النظرية السياسية ألقيت على طلبة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة : كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1998.

([29]) انظر ذلك في : سيف الدين عبد الفتاح، مقدمات أساسية حول التحيز في التحليل السياسي، ضمن إشكالية التحيز من منظور معرفي، تحرير د. عبد الوهاب المسيري، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1992، ص 675 وما بعدها.

([30]) سيف الدين عبد الفتاح، حول التحيز في مفهوم النظام العالمي الجديد، مستقبل العالم الإسلامي، مالطا : مركز دراسات العالم الإسلامي، السنة الثانية، العدد8، خريف 1992، ص 8 وما بعدها.

([31]) تجري دراسة حول مفهوم العولمة ضمن مشروع كتاب بالمشاركة مع أستاذتنا الدكتورة نادية مصطفى.

([32]) انظر في هذا المقام ما يمكن أن يشمله المشروع السابق حول اتجاهات في تعريف "العولمة"  وقارن أيضا:

د. علي الشامي، الحضارة والنظام العالمي: أصول العالمية في حضارتي الإسلام والغرب، بيروت: دار الإنسانية، 1995.

([33]) انظر سيف الدين عبد الفتاح، إشكالية العلاقة بين الإسلام والتنمية مع إشارة إلى خصوصيتها في آسيا، جامعة القاهرة: مركز الدراسات الآسيوية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1999.

([34]) تمت بالمشاركة بعمل بحث عن التحديات في العالم الإسلامي ودراسة خريطة الخطاب والإدراكات وذلك بعمل مشترك مع أستاذتنا الدكتورة نادية مصطفى حول التحديات السياسية الحضارية للعالم الإسلامي، الداخلية والخارجية.

([35]) انظر في هذا كم الندوات والمقالات التي كتبت في هذا المقام وإمكانات تصنيف هذا الخطاب، بحث غير منشور، حول علم كلام العولمة وعلم عمل العولمة.

([36]) انظر: سيف الدين عبد الفتاح إسماعيل، حرب الكلمات في أزمة الخليج الثانية: أزمة الإعلام وإعلام الأزمة، القاهرة : مركز الدراسات السياسية، تحرير أ.د. مصطفى كامل السيد، أعمال المؤتمر السنوي الخامس للبحوث السياسية، 1992.

([37]) انظر في هذا : ضمن : سيف الدين عبد الفتاح إسماعيل، مدخل القيم: إطار مرجعي لدراسة العلاقات الدولية في الإسلام، ضمن مشرع العلاقات الدولية في الإسلام (إشراف): الأستاذة الدكتورة نادية مصطفى، القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996، جـ2، ص500 وما بعدها، انظر أيضًا : عبد العزيز شادي، الانتماء والسياسة في مصر..، رسالة دكتوراه غير منشورة جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1999.

([38]) انظر في هذا : إبراهيم البيومي غانم، الأوقاف والسياسة في مصر، القاهرة: دار الشروق، 1999. وهذا العمل رسالة نوقشت تحت إشرافي وإشراف الأستاذ الدكتور كمال المنوفي، وتحدث فيه عن إمكانية تحليل حجج الأوقاف المختلفة كفئة مهمة تترك دلالات مؤثرة في هذا المقام.

([39]) انظر في هذا رسالة ماجستير سجلت تحت إشرافي: عبد اللطيف المتدين، مفهوم التغلب في الفكر الإسلامي، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة 1999.

([40]) سيف الدين عبد الفتاح، إشكالية التعامل مع السلطة تحليل نصوص سياسية تراثية ومنهاجية مقترحة، القاهرة : مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، إبريل 1998.

([41]) انظر : سيف الدين عبد الفتاح، عقلية الوهن، القاهرة: دار القارئ العربي، 1991.

([42]) انظر فقه السفينة وثقافة السفينة كمفهوم تضاعف يؤسس لشبكة العلاقات الاجتماعية والسياسية في الأمة والوطن في: سيف الدين عبد الفتاح، حوار النخبة المثقفة حول العنف والإرهاب: مراجعة نقدية، ضمن د. كمال المنوفي، د. حسنين توفيق (محرران) الثقافة السياسية في مصر بين الاستمرارية والتغير، أعمال المؤتمر السنوي السابع للبحوث السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية مركز البحوث والدراسات السياسية، 1994، ط.

([43]) انظر في أصول المنهج السنني: سيف الدين عبد الفتاح، مدخل القيم..، مرجع سابق، ط، ص 186 وما بعدها، ص 589 وما بعدها.

([44]) وفي إطار المدخل المقاصدي انظر:- المرجع السابق، ص447 وما بعدها.

([45]) من الجدير بالذكر أن كتب التراث المشار إليها في قواعد الأصول، والتصوف، وأدب العالم والمتعلم، وعلم الوضع، وعلم أصول البحث والمناظرة، وأدب الدنيا والدين وكتابات أخرى كثيرة تشتمل على قواعد منهجية مهمة يحسن جمعها وتصنيفها والتعليق عليها ونظمها ضمن نسق منهجي وكيان بحثي يمكن تفعيله في الدراسات المختلفة.

انظر في إشارة لبعض من هذا د.  محمد عبد المنعم القيعي، قانون الفكر الإسلامي، القاهرة: دار الطباعة المحمدية، 1981م.

انظر تجميعًا لبعض هذه المقولات في: د. محمد زيعور، المنهجية في الأطروحة الجامعية، بيروت، مؤسسة عز الدين، 1993، ص 130 وما بعدها.

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الإثنين, 07 نيسان/أبريل 2025 18:01

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.