عقوبات الحدود في ضوء مبدأي الشرعية الجنائية ونفعية العقوبة

By د. طارق محمد الجملي شباط/فبراير 25, 2025 450 0

نُشرت هذه الدراسة للدكتور طارق محمد الجملي* في مجلة العلوم والدراسات الإنسانية التي تصدرها جامعة بنغازي الليبية، في العدد رقم (27)، بتاريخ 25 فبراير 2017م، وتتمحور هذه الدراسة –كما أورد الباحث في ملخصها- حول كون عقوبات الحدود تمثل جانبًا مهمًا من جوانب التشريع الجنائي الإسلامي، حيث تُعد الجزاء الذي يفرضه الله سبحانه وتعالى للعقاب على مجموعة من الجرائم تتميز بالخطورة. 

وعلى الرغم من أن الطبيعة الدينية لهذه العقوبات تجعلها واجبة التطبيق في أي مجتمع إسلامي، إلا أن أغلب هذه المجتمعات لا تتضمن تشريعاتها هذه العقوبات، حيث عادة ما يُبرر هذا الموقف على أساس أن هذه العقوبات تتسم بالقسوة وعدم الاستجابة لمبادئ الفكر الوضعي المعاصر، تلك المبادئ التي تحدد ضوابط مشروعية أي نظام عقابي، فمبدأ الشرعية الجنائية ومبدأ نفعية العقوبة يبرزان في مقدمة هذه المبادئ. 

وهدفت هذا الدراسة –في إطار المنهجين التحليلي والمقارن- إلى تحديد نوع العلاقة بين عقوبات الحدود ومبدأي الشرعية الجنائية ونفعية العقوبة من حيث: هل التطبيق المباشر لعقوبات الحدود يتنافى ومبدأ الشرعية الجنائية؟ هل قسوة هذه العقوبات تجعلها متعارضة وفكرة النفعية التي تعد أهم دعائم الفكر العقابي الوضعي؟ وقد يظهر جليًا التناغم بين أهداف عقوبات الحدود والأهداف التي وجد من أجلها مبدأي الشرعية الجنائية والنفعية؛ فالأسس الفلسفية التي يقوم عليها المبدآن تجد أساس لها في هذه العقوبات.

ومما جاء في خاتمة هذه الدراسة ما يلي:

تمثل القيم الأخلاقية عنصرًا رئيسًا في أي نظام عقابي يقوم على فكرة العدالة والنفعية؛ وهذه القيم لم ترتبط زمنيًا بفترة شهد فيها النظام الجنائي تطورًا ثوريًا على أنظمة العسف والظلم، فهذا الانقلاب الثوري في أنظمة التجريم والعقاب لم يؤسس هذه القيم الأخلاقية التي أصبحت فيما بعد مرتبطة به ومنسوبة إليه، فكل ما لهذه الحقبة من أثر يقتصر على الكشف عن هذه القيم باعتبارها مبادئ قانونية ملزمة؛ وهذا يعني أن هذه القيم كانت موجودة لا كأفكار فلسفية ولكن كمحددات غير معترف بها رسميًا ترتبط بفكرة الغاية المشروعة من العقاب، ولهذا فإن دراسة ملاءمة النظام العقابي الإسلامي في جانب الحدود لهذه المبادئ تأتي في سياق هذه الحقيقة، فهذه العقوبات وإن كانت سابقة في نشأتها على نشوء مبادئ الفكرة الجنائي الحديث إلا أنها يمكن أن تخضع لمعياريتها، وذلك لأزلية تلك المبادئ.

ومن هنا فإن توافر مبررات الشرعية الجنائية في الحد لا يأتي في سياق المصادفة، بل هو اتجاه أقره الشارع الحكيم لضمان مبدأ العدالة في الإعلان بالعقاب قبل توقيعه، فجاءت عقوبات الحدود على سبيل الحصر، وبدلالات واضحة ومفاهيم محددة، وهو ما جعلها متوافقة ومقتضيات العصر فيما يخص الشرعية الجنائية؛ غير أن الطبيعة الخاصة للنظم القانونية الحديثة التي يهيمن فيها النص التشريعي كمصدر أول للقانون حدَّت من دور المصادر الأخرى، فانعكس هذا بشكل واضح على القانون الجنائي، حيث احتل النص التشريعي مكانة سامية ومحتكرة في مجال التجريم والعقاب على حساب المصادر الأخرى، ودون مبرر واقعي يستند إلى فكرة الشرعية الجنائية بمفهومها الصحيح؛ وهذا الفهم لدور النص التشريعي انعكس بالتبعية بشكل واضح على الموقف من التطبيق المباشر للنص الشرعي المتضمن لحكم الحدود، حيث لا يمثل هذا النص مفهوم المصدر بالمعنى المتعارف عليه تشريعيًا لمبدأ الشرعية، فعدم الاعتراف لهذه النصوص بصفة المصدر يفقدها بلا مبرر قيمتها العملية في التطبيق كأحكام تتعلق بعقائد المسلمين، وإذا كان النص التشريعي يمكن أن يمثل دور الوسيط في تطبيق هذه الأحكام فإن المشكلة ستبدو في الحالة التي لا تُضمّن أحكام الحدود في قوالب تشريعية تسمح بتطبيقها، حيث سيكون النص الشرعي المعبر عن عقيدة المخاطبين به مستبعدًا من التطبيق على أساس الشرعية الجنائية التي لا تستوعب هذا الاستبعاد، ولهذا فإنه في كل تجربة تتبنى صياغة لمبدأ الشرعية لا تعترف إلا بالنص التشريعي امتناع تطبيق الحد في حالة عدم النص عليه سيعبر والحالة هذه عن سياسة تشريعية تتجه إلى عدم تطبيقه، أو على الأقل تأجيل هذا التطبيق.

ولا شك أن مثل هذا الموقف من تطبيق عقوبات الحدود يمكن أن يكون مؤسسًا على الموقف من فكرة نفعية هذه العقوبات، فغالبًا ما تمثل الطبيعة العنيفة لعقوبات الحدود أحد الأسباب التي تجعل تبنيها تشريعيًا محل تردد من قبل المشرع الوضعي، مع أن هذه العقوبات هي عقوبات ذات أهداف نفعية، تتمثل في منع وقوع الجريمة كهدف أساس من خلال الترهيب والتلويح بتوقيع العقوبة كغاية مقدمة على توقيعها، فضلاً عن أن دعوى قسوة عقوبات الحدود ليست حقيقية، لكونها تتجاهل فكرة التناسب بين شدة العقاب وخطورة الجريمة، ففكرة اللذة والألم التي قال بها بينتام ستمثل المعيار الملائم الذي يمكن من خلاله تقييم فاعلية عقوبات الحدود في تحقيق أهدافها الدنيوية، وجسامة العقوبة سوف تبررها خطورة الجريمة، والتي تبدو واضحة في العلاقة بين عقوبات الحدود والجرائم المرصودة لها.

إن تطويرًا في صياغة مبدأ الشرعية على نحو يكفل للنص الشرعي صفة المصدر في مجال التجريم والعقاب على نحو مماثل لما تبناه الدستور اليمني سيمثل أحد الحلول العملية التي تكفل تطبيق الحدود تطبيقًا مباشرًا، وهو ما يقتضي بالتبعية العمل على إعداد كوادر من القضاة، تُحسن التعامل مع النص الشرعي وتفهم غاياته ومقاصده، فبغير هذه الصياغة لمبدأ الشرعية سيبدو تضمين أحكام هذه الحدود في قوالب تشريعية هو الوسيلة الوحيدة –في ظل الفهم السائد لمبدأ الشرعية- لتطبيق تلك الأحكام وبشكل غير مباشر، وفي الحالتين الأمر يقتضي بذل الكثير من الجهد الإعلامي والتثقيفي لإظهار الأثر الايجابي لتبني نظام الحدود، باعتبارها عقوبات رادعة وإصلاحية، تتضمن فلسفة تكفل تحقيق أهداف النظام العقابي بمفهومه الحديث.

 

تقسيمات الدراسة:

المقدمة.

المطلب الأول: التطبيق المباشر لنصوص الحدود في ضوء مبدأ الشرعية الجنائية

الفرع الأول: مبدأ الشرعية الجنائية: قيد شكلي على سلطة التجريم والعقاب أم ضمانة للحقوق والحريات "حقيقة التعارض بين المفهومين".

الفرع الثاني: مشكلة التطبيق المباشر لنصوص الحدود: أزمة في فهم الشرعية الجنائية أم إرادة تشريعية بعدم التطبيق "واقع الممارسة التشريعية".

المطلب الثاني: تطبيق الحدود في ضوء مبدأ نفعية العقوبة

الفرع الأول: الوظيفة الاجتماعية للعقوبة الجنائية قيد على مشروعيتها.

الفرع الثاني: قسوة عقوبات الحدود في ميزان النفعية.

الخاتمة

 

رابط مباشر لتحميل الدراسة

 

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الثلاثاء, 04 آذار/مارس 2025 22:01

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.