نُشر هذا البحث في حولية المنتدى للدراسات الإنسانية، المنتدي الوطني لأبحاث الفكر والثقافة، العراق، مج: 4، ع: 6، 2011م، متناولاً إشكالية تطبيق الشريعة في الدولة الإسلامية المعاصرة.
حيث أكد الباحث على أن هناك إشكالية ترافق دائمًا الدعوة إلى تطبيق الشريعة في الخطاب السياسي الإسلامي المعاصر، وهي دعوة بعض الإسلاميين إلى إحلال أحكام الشريعة محل القانون الوضعي، وفي الوقت ذاته إصرارهم على علوية وقدسية الأولى وصلاحيتها للتطبيق في كل زمان ومكان لأنها أحكام الله، أما الثانية فهي بشرية ولا يمكن للعقل البشري مهما علت به المراتب العلمية أن يقرر الأصلح للمجتمع الإنساني.
ويبدو أن طرح الإشكالية بهذه الصيغ يوقع الإسلاميين - كما يسميهم محمد أركون - في تناقض دمج أحكام الشريعة بين المقدس واللامقدس وبين الأبدي والمتغير؛ حيث يجب أن نفضل بين النص التأسيسي للشريعة (القرآن والسنة)، وبين قراءات وتأويلات وفهم الفقهاء لهذا النص، والخلاصة أن هناك جدلًا فقهيًا في: هل فهم الفقهاء يُعد معيارًا وأصلاً؟، وهل يفضل النص الفقهي لقدمه، أم يعامل كأنه فهم يؤخذ منه ويرد عليه ولا يمنحه القدم الزمني مشروعية تأسيسية؟
وينطلق البحث من فرضية ترى أن تطبيق الشريعة في الدولة الإسلامية ليست دعوة متعالية عن الواقع، إذا استطعنا أن نميز بين المصادر الشرعية الإلهية الثابتة فيها، وبين الأحكام التي هي من تأويلات العقل الفقهي، ومن ثم يمكن أن توسيع دائرة الأحكام البشرية غير المتعارضة مع الأحكام القطعية في النصوص القدسية وجعلها غير مقتصرة على المؤسسة الفقهية.
ومن خلال هذه الدراسة تم التوصل إلى عدد من النتائج يمكن إجمالها على النحو التالي:
- إن الأساس التشريعي للدولة الإسلامية المدنية، ليست "تطبيق الشريعة" والتي تتشكل بالأعم الأغلب من اجتهادات الفقهاء، وإنما يتمثل في عدم تناقض أو تعارض الأحكام الوضعية والقواعد العامة في النصوص المقدسة (القرآن والسنة) مع ثوابت الشريعة، وما عدا ذلك يكون خاضعًا لاعتبارات المصلحة وليس للنصوص الفقهية التراثية.
- تُشكل الشريعة الإسلامية الإطار العام للقانون الوضعي، انطلاقًا من الهوية الدينية للمجتمع لأن القانون سواء كان فقهيًا أم تشريعيًا، فهو مستمد من كل مجتمع، من تقاليده الدينية والمدنية، وهكذا الحال في المجتمعات الإسلامية، وهو الحال نفسه الذي تعرفه المجتمعات الحديثة.
- التشريع الإسلامي هو تشريع إنساني ضمن حدود الله، وعليه فإن التشريع في الدولة الإسلامية مبني على أنه لا يوجد شيء أسمه الشريعة الإسلامية، ولكن يوجد شيء اسمه حدود الله التي وردت في أم الكتاب، والتشريع الإسلامي هو تشريع إنساني [في إطار] حدود الله، وبذلك يكون صاحب الحق الوحيد في وضع حدود تشريعية دائمة "ثابتة" أو تشريع حدي هو الله وحده.
- كل نص تشريعي حدودي أو حدي يضعه الإنسان فهو بحد ذاته متغير وقابل للإلغاء والحنف عنه ويخضع للأعراف ودرجة التطور العلمي والتاريخي للمجتمع، (أي للحالات التي تفرزها التناقضات الداخلية للمجتمع وحالات علاقة المجتمع مع غيره من المجتمعات).
- لم يورث الإسلام اتباعه قواعد محددة جاهزة تصبح بمثابة المعتقدات الجامدة التي لا يجوز معها المناقشة ولا تقبل التغيير.. لقد كانت هناك حكمة تشريعية كبيرة مقصودة من عدم تحديد هذا الأمر، وتلك هي عدم تقييد الجماعة بقوانين جامدة، فقد تثبت الأيام أنها لا تتفق مع التطورات التي تحدث، ولا تلائم الظروف والأحوال فإن من الصفات الظاهرة التي حرص عليها المشرع أن تظل القوانين الإسلامية مرنة، حتى تعطي مرونتها الفرصة للعقل للتفكير، وللجماعة أن تشكل وأوضاعها بحسب المصالح المتجددة.
 
تقسيمات البحث:
قام الباحث بتقسيم بحثه إلى ثلاث تفريعات، أولها يبحث في مفهوم الشريعة الإسلامية، والثاني يتناول مصادر الشريعة الإسلامية والثابت والمتغير في هذه المصادر، وثالثًا يناقش إمكانية تطبيق الشريعة في الدولة الإسلامية من خلال توسيع دائرة المؤسسات التشريعية في الدولة المدنية.
 
 رابط مباشر لتحميل الدراسة