منذ دعوة الملك محمد السادس في خطاب العرش، العام الماضي، لمراجعة مدونة الأسرة المغربية لم يهدأ الجدل حول هذا الموضوع، الذي يعتبر من أكثر الملفات حساسية في المغرب.
ورغم أن الملك محمد السادس حدّد التوجهات العامة لأية مراجعة مقبلة لمدونة الأسرة، وربطها بمقاصد الشريعة الإسلامية وخصوصيات المجتمع المغربي، فإن النقاش الدائر داخل المجتمع ومؤسسات الدولة سرعان ما انتقل إلى مواضيع ظلت مثار صراع بين المحافظين بمختلف ألوانهم والعلمانيين.
وخلافًا لما يبدو عليه الأمر، فإن مراجعة مدونة الأسرة ليست مثار خلاف بين الحكومة والإسلاميين، بل إن هذه الخلافات انتقلت إلى داخل مكونات أحزاب الأغلبية الحكومية.
في هذا الصدد كشف مصدر حكومي، أن خرجات عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة حول مدونة الأسرة، خاصًة في القضايا التي قد تتصادم مع نصوص دينية قطعية كما هو الشأن في المساواة في الإرث، ومنع تعدد الزوجات، لا تحظى بدعم حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الحكومة.
وأكد المصدر ذاته أن تصريحات وزير العدل لا تعكس موقف الحكومة، مشيرًا إلى أن ما يحكم عمل الحكومة هو أشغال اجتماعات المجلس الحكومي والقوانين التي تصادق عليها.
وشدد المصدر أن تصريحات وزير العدل تمثل موقفه الشخصي، الذي لا يمكن مصادرته، إلا أنها لن تجد طريقها نحو التطبيق في ظل حرص حزب التجمع الوطني للأحرار، قائد الائتلاف الحكومي، على عدم مخالفة الشريعة الإسلامية، مضيفًا أن الحكومة لا يمكن أن تصادم هوية المغاربة.
توجيهات الملك تصطدم بمطالب العلمانيين
في خطابه بمناسبة عيد العرش، العام الماضي، حدَّد الملك محمد السادس الركائز والمنطلقات التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار أثناء مراجعة مدونة الأسرة.
في هذا الخطاب اعتبر الملك محمد السادس أن مدونة الأسرة وإن كانت قد شكلت قفزة إلى الأمام منذ اعتمادها سنة 2004 ميلادية، فإنها أصبحت غير كافية، لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها.
وقد أرجع الملك محمد السادس عدم تطبيقها الصحيح لأسباب سوسيولوجية متعددة، لاسيما أن فئة من الموظفين ورجال العدالة مازالوا يعتقدون أن هذه المدونة خاصة بالنساء.
وأكد الملك أن مدونة الأسرة ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة، وإنما هي مدونة للأسرة كلها، مع دعوته لتجاوز الاختلالات والسلبيات التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود التي تم الانحراف بها عن أهدافها، إذا اقتضى الحال ذلك في احترام لمبادئ الشريعة الإسلامية، فإن معسكر العلمانيين المهيمن على عدد من مؤسسات الدولة يضغط في اتجاه اعتماد مقتضيات جديدة تتصادم مع النصوص الدينية.
في هذا الصدد دعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو مؤسسة دستورية يسيطر على تركيبتها أشخاص من ذوي الانتماءات اليسارية، إلى حذف ما يصفها بالنصوص التمييزية من مدونة الأسرة، بما في ذلك التمييز الذي يعاني منه الأطفال المزدادون خارج مؤسسة الزواج والأمهات العزباوات، وإنهاء التمييز الذي يواجه النساء في موضوع الولاية على الأبناء، ومراجعة نظام الإرث.
من سيراجع مدونة الأسرة؟
رغم دعوة الملك محمد السادس إلى مراجعة مدونة الأسرة، فإنه لم يفوض ذلك لأية جهة، وهو ما ترك الباب مفتوحًا لمختلف المؤسسات والأحزاب لتقديم مقترحاتها.
ويبدو أن الملك محمد السادس، باعتباره أميرًا للمؤمنين وحكمًا بين المؤسسات، سيتدخل مرة أخرى لحسم الصراع المحتدم بين العلمانيين والإسلاميين حول مدونة الأسرة. ويرى د. إدريس الكنبوري أن الملك محمد السادس سيتدخل في النهاية لحسم هذا النقاش، وأن الحل سوف يتم بالصيغة نفسها التي حصلت عام 1993 مع الحسن الثاني، وعام 2004 مع الملك الحالي؛ أي تشكيل لجنة خاصة وهي التي ستنظر في الاقتراحات المقدمة، وترفع مشروعها النهائي إلى الملك، الذي سيعرضه على المجلس العلمي الأعلى الذي يرأسه، فهذه هي المسطرة التي سلكتها الدولة في تعديلات المدونة سابقا، وفي قضايا أخرى كالتعليم وتعديل الدستور.
____________________________________________
المصدر: موقع عربي بوست (بتصرف).