موقع حوارات

موقع حوارات

مفهوم المساواة

أيلول/سبتمبر 20, 2023

المساواة لغة: مصدر قولهم: ساواه يساويه إذا عادله، قال الراغب: المساواة هي المعادلة المعتبرة بالذرع ّوالوزن والكيل، يقال: هذا الثوب مساو لذاك الثوب، وهذا الدرهم مساو لذلك الدرهم، (وهذا التمر مساو لهذا التمر)، وقد يعتبر بالكيفّية، ولاعتبار المعادلة ّالتي فيه (أي في لفظ السواءّ) استعمل استعمال العدل، وتسوية الشيء (بالشيء) جعلهما سواء، إما بالرفعة وإما بالضعة والسوي: يقال فيما يصان عن الإفراط والتّفريط من حيث القدر والكيفّية.

أما اصطلاحًا، فيقصد بالمساواة: “التماثل بين الجميع في الحقوق والواجبات دون تمييز بسبب اللون أو العرق أو الدين أو الحالة الاجتماعية، وتوافر معاملة مساوية لكل بني البشر، وإلغاء الفوارق الموجودة والتي تظهر بحكم الطبيعة”.

يرتكز حق المساواة على حقيقة أن البشر متساوين فيما بينهم، أي: لا يوجد أناس فوق أناس، أو أناس تحت أناس. وهو حق أساسي في المجتمع الديموقراطي، فالجميع متساوون في الحقوق والواجبات لا فضل لأحد على أخر. وهناك فارق بين المساواة والتسوية حيث أن التسوية هي جعل الناس سواسية على خط العمل والكسب، أما المساواة فهي النظر إلى أبناء الجنس البشري على درجة واحدة من القيمة، فالأسود كالأبيض، والقصير كالطويل، والقبيح كالجميل، والعاجز كالقادر، من حيث القيمة الإنسانية، ولا فضل لأحد على الآخر من هذه الناحية.

ويتقاطع مفهوم المساواة مع مفهوم العدل؛ حيث نجد أن كلمة العدل نفسها أخذت معناها -في لسان العرب- من معنى المساواة؛ فالعدل -بالكسر أو الفتح- هو المثل، وعَدَلَ الشيء بالشيءِ أي ساواه به. ثم أُخذ منه معنى القيمة، فالعدل -بالفتح- هو قيمة الشيء، وقيمة الشيء هي أقصى ثمنه! مما يعني أن اللغة نفسها لا يُفهم فيها العدل إلا على أساس المساواة.

وحين يأتي القرآن الكريم ليتبنى هذا اللسان العربي، فإنما يتبناه على شروطه وقواعده. فإذا قال القرآن ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ (البقرة: 48). فإن المعنى لا يقبل منها فداء نظير ما اقترفت من جرم، والنظير هو المثيل المساوي. ليس هذا فحسب، بل إن اللغة تذهب خطوة أخرى في النكاية بالمتلاعبين بها، حين تقول: إن العدل نفسه قد يكون في بعض سياقاته ظلماً وخطيئة؛ مثل أن يعدل العبد بربه آلهة أخرى، أي يساوي بينه وبينها: جاء في القرآن ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ (الأنعام: 1). أي يسوون بينه وبين الآلهة الزائفة. وقال ابن عاشور في تفسيره للآية: ومعنى يعدلون يسوون، والعدل التسوية، تقول: عدلت فلاناً بفلان إذا سويته به. ومعنى هذا أن كلمة العدل نفسها -التي يهرب إليها أنصار مقولة الحق الإلهي والامتياز العرقي- تُفسر حسب سياقها، مثل كلمة المساواة سواء بسواء! فمثلما أن بعض المساواة ظلم وبعضها الآخر عدل، فإن بعض العدل حق وبعضه الآخر باطل، بحسب دلالة السياق الذي ترد فيه الكلمة! والسياق الحديث الذي ترد فيه كلمة المساواة هو سياق الحقوق والحريات. والمساواة بهذا السياق مصطلح يؤكد التماثل التام بين الأفراد.

ويستخدم مصطلح المساواة بمعنيين معنى معنوي ومعنى توزيعي، فبالمعنى المعنوي العام: تعني المساواة ضرورة عدم التمييز بين الأفراد في الحقوق والواجبات لأي سبب كان تأسيسًا على مقولة أن الأفراد يولدون متساوين، وعلى نظرية الحقوق الطبيعية التي تقرر أن كل الأفراد -بالطبيعة- لهم القدر نفسه من الحقوق بما يؤهلهم للقدر نفسه من الامتيازات. ويصل مفكرون من أمثال هيلفيتيوس: إلى حد القول بأنه لا توجد اختلافات بين الأفراد حتى في القدرات العقلية والإدراكية وأن ما نلاحظه من تفاوت في هذه القدرات بين البشر إنما يرجع إلى اختلاف مستوي الخدمات التعليمية التي يتلقونها. ولكن يرفض الكثير من المفكرين المساواة بين البشر على أساس أنها مخالفة لقوانين الطبيعة، ثم هناك فريق ثالث من المفكرين يتخذ طريقاً وسطًا بين المؤيدين والرافضين لمفهوم المساواة فنجد إيمرسون: على سبيل المثال يقدم ما اسماه بمبدأ (التعويض) والذي مؤداه أن كل فرد قد لا يمتلك كل ما يملكه فرد آخر وبالنسب نفسها، ولكنه يؤكد أنه وإن كان يفتقد ما يمتلكه الآخر في جانب فإنه يمتلك ما يفتقده هذا الآخر في جانب ثان بحيث تضحى المحصلة النهائية هي أن الأفراد كلهم متساوون إذا ما نظر إلى مفهوم المساواة نظرة كلية.

إضافة إلى هذا المضمون المعنوي لمفهوم المساواة فهناك استخدام آخر له هو استخدام توزيعي: يحاول، تأسيسًا على المعنى الأول، أن يقرر توزيعًا متساويًا للسلع الاقتصادية والفرص الاجتماعية والحقوق السياسية بين الناس. ويرتبط هنا مفهوم المساواة بمفهوم العدالة حيث المقولة الأساسية انه طالما ان الأفراد يولدون متساوين فإن التمييز بينهم في الثروات أو الامتيازات أو الظروف يضحى أمرًا غير عادل.

وإذا نظرنا إلى المساواة السياسية على وجه التحديد لوجدنا أنها تعني أن يكون لكل المواطنين فرص متساوية للمشاركة في كل ما يتعلق بعملية صنع القرار السياسي بوصفهم أندادًا سياسيين، ولقد رأى روسو أن تحقق هذه المساواة السياسية لا يمكن أن يتم إلا عن طريق إلغاء نظم الحكم النيابية التمثيلية والعمل على تضييق نطاق المجتمع إلى أقصى درجة ممكنة بما يسمح بإعادة مفهوم المشاركة السياسية المباشرة -كما كانت مطبقة في أثينا في العصور القديمة. وبحيث يصبح كل مواطن ملمًا بأمور مجتمعه كما يلم بأمور أفراد أسرته المباشرة. وإذا كان الكثير من معاصري روسو قد أدرك صعوبة تقليص المجتمع إلى الحجم الذي تحدث عنه إلا أنهم أكدوا معه أن إلغاء نظام الحكم النيابي هو السبيل الوحيد أمام إيجاد مساواة سياسية حقيقة بحيث يضحى للجميع فرصة للمشاركة في عملية صنع القرار السياسي بصورة مباشرة. ويرى فريق ثالث من علماء السياسة أن المساواة السياسية يمكن تحققها مع وجود حكومة تمثيلية شريطة وجود قنوات ومؤسسات تعمل على أن يكون ممثلو الشعب أكثر قدرة على التعرف وباستمرار على مطالب ورغبات من يمثلونهم مع ضمان استجابة النواب لمطالب الناخبين.

ويرفض البعض مفهوم الحكومة الديمقراطية كلية، سواء تمثيلية أم مباشرة على أساس أنها وان كرست مفهوم المساواة السياسية، بمعنى مشاركة الجميع بصورة من الصور في عملية صنع القرار السياسي، إلا أنها بتمكينها دائمًا لقرار الأغلبية أن يسود فإنها قد تضر بمفهوم المساواة الاقتصادية مثلًا إذا ما قررت الأغلبية حرمان الأقلية من ممتلكاتهم. ومن ثم فإن أنصار هذا الفريق يؤكدون أن الحكومة المركزية هي وحدها القادرة على تحقيق مفهوم المساواة في التوزيع بمعناه الواسع لأنها تضمن أن يصل إلى الجميع القدر نفسه من الخدمات سواء اقتصادية أم تعليمية أم سياسية … الخ. ويرد أنصار الحكومات الديمقراطية بأن نظم الحكم المركزية، وإن كانت تضمن بالفعل قدرًا عاليًا من المساواة الاقتصادية، إلا أنهم يؤكدون أنها تحرم غالبية المواطنين من فرص المساواة السياسية حيث تقصر المشاركة السياسية الحقيقية على نخبة ضيقة من أعضاء الحزب الواحد الحاكم.

ومن أهم الانتقادات التي يقول بها مناهضو مفهوم المساواة التوزيعية أنه لا يمكن تحقيق مبدأ المساواة في التوزيع إلا عن طريق الإخلال بحقوق الملكية الطبيعية. ويشيرون في هذا الصدد إلى تأكيد الماركسية على أنه لا يمكن تحقيق المساواة دون إلغاء الملكية الفردية وتصفية الطبقية. كما أن نيتشه يؤكد على أن تحقيق الذات لا يتم إلا عن طريق المنافسة والصراع والنجاح والفشل وأن هذا بدوره يتطلب الإقرار بوجود قدر مقبول من اختلاف القدرات والمواهب بل والثروات لأن هذه التمايزات هي التي تحفز الناس لدخول حلبة المنافسة. فالمساواة التامة تصب الناس في قوالب متشابهة فتقضي على المواهب.

المساواة في القانون:

ويقتضي هذا المفهوم مساواة الجميع أمام القانون، وذلك عن طريق التزام يقع على كل من يطبق القاعدة القانونية يفرض عليهم ألا يرتكبوا تمييزًا بين الخاضعين للقاعدة القانونية لا تنص عليه هذه الأخيرة، ومن دون شك فإن هذا المظهر للمساواة أمام القانون لا يتعلق بمحتوى العمل التشريعي ذاته، إنما يتعلق فقط بأساليب تطبيقه.

وهذا يعني أن هذا النوع من المساواة لا يفرض على الحكام إلا التزامًا بالامتناع حيث يحظر عليهم أن يرتكبوا أي تمييز بين الأفراد مهما كان نوعه خارج نطاق قاعدة القانون.

وفي الحقيقة أن المساواة أمام قاعدة القانون تكون تاريخيًا التعبير الأول عن المساواة، بحيث تطرح نظامًا قانونيًا يقوم على إبطال جميع أنماط التمييز التي تقترف من قبل القائمين على تطبيق القاعدة القانونية، وقد ظهرت هذه القاعدة لتقضي على التمايزات الاجتماعية التي كانت توجد خصوصًا في النظم الإقطاعية القديمة، ولتطرح مبدأ قانونيًا جوهريًا يقوم على وحدة البنية القانونية التي تطبق على الجميع من دون استثناء، أي ضرورة تطبيق قانون وحيد على الجميع، فإذا كان الأفراد يملكون جميعًا الحقوق نفسها ضمن المجتمع السياسي فإنه من الطبيعي أن يخضعوا لقانون واحد، ولمعيار واحدٍ يطبق على الجميع للتمييز.

وبالتالي فإن الوظيفة الأساسية التي يطرحها مفهوم المساواة أمام قاعدة القانون إنما تتمثل في تجميع كل المواطنين في فلك قانوني واحد، وبغض النظر عن مراكزهم الواقعية التي يشغلونها.

ويعد مبدأ المشروعية الذي يقوم على أساس مطابقة القاعدة القانونية الأدنى للقاعدة الأعلى ضمانًا مهمًا لتحقيق المساواة أمام القانون؛ لأن من شأنه أن يحول دون ارتكاب تغييرات عن طريق الأعمال القانونية الأدنى (لوائح، قرارات فردية، …) بالمخالفة لمقتضى ومضمون القواعد القانونية الناجمة عن الأعمال القانونية الأعلى مثل القوانين.

المساواة في الشريعة الإسلامية:

إن الله تعالى استقل بالخلق والتشريع ليضع أرسخ قاعدة لكفالة حق الناس في المساواة أمام حكمه وشرعه، وقطع بذلك السبيل أمام أي فرد أو فئة من الناس قد تدعي لنفسها الفضل والتميز عن غيرها، وتذهب بالسيادة فتضع لغيرها من الأحكام ما تهواه، ومن أنظمة الحياة ما تشتهيه، سواء أضرها أم لا، ولذلك اختص الله وحده بالتشريع ابتداءً، كما اختص كذلك بالخلق والتكوين قال الله تعالى: “إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ” وقوله تعالي:” وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ”، وإنما اختص الله بالتشريع، لأن التشريع يراد به إصابة الحق ِوالعدل، وعدم التحيز للهوى والشهوات والإنسان مهما وضع من نظم وقوانين، فلا يمكنه إصابة الحق والعدل فيها على الدوام، بل إن أصابه مرة، أخطأه مرات، لأنه تتحكم فيه الأهواء والنزعات، وينتابه النقص والقصور، ولهذا امتلأ التاريخ البشري بأنواع كثيرة من الظلم، في الأحكام التي صنعتها يد الإنسان، أو تدخلت فيها، أما كيف يتساوى الناس أمام الشريعة، فذلك أن خطاب الشرع عام يشمل جميع الناس، حكاما ومحكومين، رجالا ونساء، فالأوامر كلها كالصلاة والزكاة والصيام والحج ونحوه، يطالب الجميع بأدائها والقيام بها، فيطالب الراعي بالصلاة ونحوها، كما يطالب بها المرعى، وكذلك النواهي كالسرقة والزنا والقذف، يطالب من الجميع الكف عن ذلك دون استثناء أحد، وهذا معنى المساواة أمام الشريعة.

وقد دلت السنة النبوية في عدد النصوص على معاني المساواة بين البشر جميعًا، فلا يمتاز أحد عن أحد إلا بالتقوي والعمل الصالح، ونجد ذلك في قوله صلي الله عليه وسلم {النَّاسُ سواءٌ كأسنانِ المُشطِ وإنَّما يتفاضلون بالعافيةِ}، وفي خطبة الوداع قال رسول الله صلي الله عليه وسلم{أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى}، وقال أيضًا: {الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللّهِ، وَأَحَبُّهُمْ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالهِ}.

________________________________

المراجع:

  • أمير بن محمد المدري، المساواة في الإسلام، ص8.
  • دينا سليمان كمال لاشين، حول مفهوم المساواة ابعاد واشكاليات، المركز الديمقراطي العربي، 11يوليو 2019، https://democraticac.de/?p=61684.
  • عصام القيسي، العدل أم المساواة “لعبة اللغة”، الجزيرة نت، 22 نوفمبر 2016، متاح عبر الرابط التالي: 

مفهوم المؤسسة

أيلول/سبتمبر 21, 2023

المؤسسة في اللغة:

جمع مؤسسات، وهي صيغة جمع المؤنث لمفعول أسَّسَ.

وهي منشأة تؤسس لغرض معين، أو لمنفعة عامة ولديها من الموارد ما تمارس به هذه المنفعة، كدار المسنين أو السجن ونحوهما: مؤسسة علمية/دستورية/خيرية …، أو مؤسسات الجامعة وما يتبع لها من كليات ومعاهد ومكتبات ومراكز بحوث.

المؤسسة في الاصطلاح:

تُعرّف المؤسسة بأنها “كل هيكل تنظيمي مستقل ماليًا، ويخضع لكل من الإطار القانوني والاجتماعي، وهدفها دمج جميع عوامل الإنتاج من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من الإنتاج، أو تبادل السلع، أو تبادل الخدمات المختلفة، وأن المؤسسة باعتبارها منظمة تعتبر في ذات الوقت هيكلًا اجتماعيًا واقعيًا ومتعاملًا اقتصاديًا، وتتبع خصائص تنظيم متكامل”. 

والمؤسسة (بالإنجليزية: Institution): منظمة تم تأسيسها من أجل تحقيق نوع ما من الأعمال، مثل تقديم الخدمات وفقًا لمعايير تنظيمية خاصة في مجال عملها، وتعرف المؤسسة أيضًا بأنها تسعى إلى تحقيق هدف ما، سواء أكان تعليميًا، أو وظيفيًا، أو اجتماعيًا.

ومن التعريفات الأخرى للمؤسسة: “هي إنشاء وتأسيس مكان خاص، أو عام من أجل تطبيق برنامج مُعيّن، أو فكرة ما، ومن الأمثلة على ذلك: مؤسسات رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة”.

ويُعِّرف المفكر الفرنسي موريس هوريو Maurice Hauriou المؤسسة بأنها “فكرة عمل أو مشروع يتحقق ويدوم قانونيًا في وسط اجتماعي، ولتحقيق هذه الفكرة يفترض إيجاد سلطة لديها أجهزة تمكنها من عملية الضبط والتنفيذ، كما يفترض أن تتولد مظاهر تقارب بين أعضاء المجموعة الاجتماعية المعنيين، توجهها أجهزة السلطة وتنظمها أصول وقواعد”.

المؤسسة في القانون:

لا يرتبـط مفهـوم المؤسسـة فـي لغـة القانـون بموضـوع ثابـت؛ لأنـه مفهـوم متحـرك يعـرف بالنظـر إلـى فـرع القانـون الـذي يتواجـد فيـه، فتعريفهـا بالنظـر إلـى القانـون التجـاري يختلـف عنه فـي قانـون العمـل، حيـث تعتبـر فـي القانـون التجـاري وحـدة اقتصاديـة تقـوم علـى مجموعـة مـن الأجهـزة بهـدف الإنتـاج أو التوزيـع، بينمـا ينظـر إليهـا فـي قانـون العمـل علـى أن الأشـخاص -وهـم الأجـراء- يمارسـون نشـاطًا مأجـورًا تحـت سـلطة شـخص آخـر يُدعـى المسـتخدم.

يرتبــط تحديــد الوجــود القانونــي للمؤسســة بظهورهــا بأحــد الأشــكال القانونيــة، كالمؤسســة ذات الشـخص الوحيـد مثـلا، ومـع هـذا لا يتحقـق هـذا الظهـور دائمـًا لأن المؤسسـة قـد تكـون عبـارة عـن نشـاط مصغـر أو مقاولـة حـرة، وقـد تأخـذ المؤسسـة شـكل الشـركة التجاريـة كمـا يمكنهـا أن تنشــأ دون الاعتبار للشــكل التجــاري، وهنــا قــد يرجــع الأمــر لحجمهــا ونــوع النشــاط الــذي تمارســه. وعليــه لا يغطــي مفهــوم الشــركة فــي المقابــل وبالضــرورة مفهــوم المؤسســة فيمكــن للمؤسسـات أن تنشـأ دون أن تأخـذ شـكل الشـركة التجاريـة.

علـى العكـس مـن ذلـك يمكـن أن نجـد عنـد تطبيـق قانـون العمـل مجموعـة مـن الشـركات تحمـل اختلافـات كثيـرة ومـع ذلـك تسـمى مؤسسـة، لكـن بتوظيـف تعريـف المؤسسـة فـي قانـون العمـل أو مـا يعـرف بالهيئـة المسـتخدمة.

ويصعــب إعطــاء تعريــف قانونــي للمؤسســة لســبب بســيط كــون أن المؤسســة هــي مفهــوم اقتصــادي أكثــر منــه قانونــي، ومــع ذلــك يســاعد تصنيفهــا بالنظــر إلــى الأشــكال القانونيــة التــي تظهــر بهــا أو الطابــع الاقتصادي الــذي يغلــب علــى نشــاطها أو طبيعــة ملكيتهــا علــى تحديــد مفهومهــا، وفــي كل الأحــوال يختلــف تعريفهــا بحســب النظــام الاقتصادي المُتبع.

وتصنــف المؤسســة بالنظــر إلــى الشــكل القانونــي )إلي مؤسسات فردية أو شركات تجارية للأموال أو الأشخاص، في حين تصنف بالنظـر إلـى الطابـع الاقتصادي إلـى صناعيـة، فلاحيـة، تجاريـة، خدماتيـة أو حرفيـة لتشـترك فـي مجملهـا فـي اعتبارهـا وحـدة منظمـة أو مهيكلـة تقـوم علـى تجميـع وسـائل بشـرية وماديـة مـن أجـل الإنتـاج أو التوزيـع أو تقديـم الخدمـات، أو حتــى القيــام بنشــاط الاستيراد، بينمــا تقســم بحســب طبيعــة الملكيــة فيهــا إلــى مؤسســات عامــة ومؤسسـات خاصـة، وإذا كانـت المؤسسـة الخاصـة لا تطـرح إشـكالًا مـن حيـث الطابـع الاقتصـادي والإطــار القانونــي، فــإن الأمــر لا يبــدو كذلــك علــى الأقــل بالنســبة للإطــار القانونــي للمؤسســة العموميـة.

المؤسسة في المجال العام:

أما المؤسسات في المجال العام حديثا؛ فإن التنظيمات الحديثة تنتهي إلى تحديد جهات ثلاثة يتوزع بينها العمل العام أو النشاط العام، بحيث يكون من يصدر القرار أو يصوغ الإرادة العامة غير من ينفذ هذه الإرادة غير من يشرف على صحة تطبيقها.

فالمؤسسة الأولى التشريعية: وهي مصدر القرار العام وهي تتكون بطريقة تمكنها من أن تقوم بهذه الوظيفة، إذ يكفل لها أسلوب اختيار أعضائها أن تكون على علاقة مباشرة بقوى الرأي العام الموجودة في المجتمع، وتمارس عملها بإجراءات تتيح لها أن تكون بقدر الإمكان جهازًا متصلا بالرأي العام وخارجها، عن طريق اتصال أعضاء هذا الجهاز بالمؤسسات ذات الشأن في المجتمع.

والمؤسسة الثانية: هي المؤسسة التنفيذية، وهي تتعلق بالإدارة والتنفيذ، وتخضع في عملها للسياسة التي تقررها الهيئة التشريعية، فهي أداة لتنفيذ هذه السياسة وأداة لإدارة العمل اليومي. ومؤسسة التنفيذ تُبنى بطريق هرمي، رئاسي، حيث تقوم رئاسة مفردة أو قليلة من حيث عدد الأشخاص، وتقوم باختيار الأشخاص في الوظائف الأدنى نزولا من قمة الهرم إلى أسفله وقاعدته العريضة، وحركة الدفع ترد من أعلى إلى أسفل، فالسياسات ترسم في المستويات الأعلى كما أن الإشراف والرقابة يأتيان من المستويات الأعلى للمستويات الأدنى منها وهكذا. وهذا هو أسلوب التشكيل الذي يتلاءم مع الوظيفة التنفيذية التي تأتي بعد اتخاذ القرارات ورسم السياسات. ولذلك تعتمد على إصدار الأوامر للتنفيذ، وهذا هو شأن الوزارات والمصالح المختلفة وهو كذلك الشأن بالنسبة لأجهزة الضبط كالشرطة والجيش.

والمؤسسة الثالثة: هي “القضاء” وتختلف نظمنا القائمة في طريقة تعيين القضاة ولكن يبقى أنه جهاز يراقب الشرعية ويقضى بها، سواء في تعاملات الأفراد أو في عقاب المجرمين أو في رقابة نشاط السلطات العامة. وهو يتكون من وحدات متماثلة في الأساس يتوزع العمل عليها حسب التوزيع المحلى للأعمال (في المناطق المختلفة) أو التوزيع النوعي الذي تنشأ به محكمة لكل من أنواع القضايا المدنية والجنائية والتجارية… وهكذا. والقضاء الآن جهاز محصور النشاط في تطبيق القوانين والقرارات التي تصدرها جهة التشريع، وفى الإشراف على سلامة تطبيق تلك القرارات على الوقائع والأنشطة المختلفة، وهو يمارس عمله في النظم القائمة الآن وفقا لمجموعة كبيرة من الإجراءات المحددة سلفا، والتي نظمتها القوانين المختلفة.

أما المؤسسات في المجال العام من المنظور الإسلامي؛ فقد فصل في شرحها المستشار طارق البشري، حيث ننقل عنه تفصيلاً ما أورده حول هذا الأمر لأهميته في هذا المقام، وذلك على النحو الآتي:

 الشائع أن النظام الإسلامي لم يعرف تعدد المؤسسات في المجال العام التي توزع عليها السلطة، ومرد ذلك أن أسس النظام الإسلامي تختلف اختلافًا جذريًا عن أسس النظام السائد الآن من حيث إن النظام الحديث نظام وضعي لا يعترف بشريعة أو شرعية للحكم منزلة من السماء، في حين أن النظام الإسلامي يبدأ من مقولة أساسية هي مصدرية السماء لتشريع الأرض وانعكس ذلك على شكل المؤسسات وتوزيع السلطات. فالهيكل التشريعي في النظم الإسلامية كان يصدر عن هيئات جد مختلفة عما تخيلته النظرة الوضعية العلمانية في توزيعها للسلطة. وأن الهيكل التشريعي كان في النظر الإسلامي أكثر بعدًا عن هيمنة السلطة التنفيذية.

أما بالنسبة للمؤسسة القضائية فإن النظام الإسلامي يتصور الوظيفة القضائية جزءًا من الولاية العامة التي يمارسها «الإمام» وذلك حسبما نعرف من وقائع النظم الإسلامية وحسبما يثبت فقهاء «الأحكام السلطانية»، وقد كان الخلفاء الراشدون يقضون بأنفسهم فيما يتنازع فيه الناس من أمور. كما أن للإمام أن يعين القضاة وله أن يسمح للولاة والأمراء في الأقاليم أن يعينوا القضاة في الأقاليم التي يتولون عليها. وهذا الوضع ما يثير الكلام حول شمولية الحكم الإسلامي وأن القضاء تابع لسلطات الحكم التنفيذي، بحسبان أن القاضي إنما يستمد ولايته من إنابة الأمير أو الوالي له. كما أن التصور الفقهي في الإسلام جعل الإمام صاحب السلطة التنفيذية، وأن مهمة التشريع بعيدة عن مجال هيمنته وإشرافه وليست خاضعة له. وذلك لا يجرى بموجب توزيع السلطة كما يرسمه النظام الوضعي، ولكن بموجب سابقة الإقرار بأن التشريع منزل من الله سبحانه وتعالى بالقرآن والسنة. وسلطة الحاكم مقيدة ليس فقط بموجب التوازنات بين المؤسسات المختلفة، إنما هو قيد يستمد من الأصل العام المعترف به في المجتمع الإسلامي وهو الخضوع للشريعة، وأن الحاكم لا يملك تغيير هذا القانون وأن ليس لأية مؤسسة من مؤسسات الدولة أن تعدله. والقاضي في هذا التصور وإن تولى وظائفه بالإنابة من الإمام أو من الوالي، فهو لا يخضع لمن عينه عندما يستقى أحكامه مباشرة من القرآن والسنة وباجتهاده من هذين المصدرين.

إن المؤسسة التشريعية في النظم الغربية تعرف وظيفتين، الأولى: أنها المؤسسة التي تصدر التشريعات والقوانين في المجتمع والوظيفة الثانية: أنها المؤسسة التي تراقب أعمال السلطة التنفيذية ولها عليها وجه إشراف ونوع سطوة تختلف في حجمها ونوعها حسب الدول والمجتمعات. وقد أشرنا إلى الوظيفة الأولى وما يقابلها في النظم التي عرفها التاريخ الإسلامي، وتبقى الوظيفة الثانية وقد أشرنا من قبل إلى دور مؤسسة القضاء كرقيب على الشرعية، سواء “الشرعية الوضعية” المعروفة في النظم الغربية، أو “الشرعية الإسلامية” المستمدة من أصول التشريع الإسلامي. ولكن الرقابة التي يكفلها الجهاز القضائي في أي من النظامين لا تكفي؛ لأن الجهاز القضائي حسب الأصل الغالب فيه لا يتحرك إلا إذا قام نزاع يعرض عليه وهو لا يتحرك حسب الغالب أيضًا إلا في صدد ارتكاب الجرائم أو انتهاك الحقوق.

أما ما يتصل بحسن أعمال السياسات المختلفة أو سوئها وما يتعلق بالحض على المعروف ومنع المناكر بعامة ومراعاة المصالح للجماعة والأفراد. فهذه دائرة أوسع كثيرا من اختصاص الجهات القضائية وفى النظم الغربية توجد المؤسسة التشريعية التي تقوم بالدور الرقابي بالنسبة لسياسات الحكومات. كما توجد أجهزة أخرى لرقابة النشاط الإداري الجهاز الدولة في الأعمال اليومية المرسلة التي يقوم بها، وهي أنواع رقابة تتنوع في كل نظام، فمنها الرقابة الذاتية التي تنشئها أية مؤسسة بداخلها لتراقب عمل رجالها، ومنها إيجاد أجهزة لرقابة مركزية على مستوى الدولة كلها لتراقب أجهزة الدولة التنفيذية على تنوعها وتعددها، فتكون أجهزة لرقابة الشؤون المالية أو لمراقبة الشرعية في سلوك عمال الدولة ومنها أجهزة رقابة خارجية أي تراقب أجهزة التنفيذ وتنتمي إلى سلطة بعيدة عن السلطة التنفيذية. وفي هذا الصدد هناك نوعين من هذه الرقابة مما عرفه تاريخ التنظيمات الإسلامية. أحدهما يشكل داخل الجهاز الحاكم ويشكل قمة الرقابة الذاتية السلطة الدولة. والثاني: له وجه اتصال بالحركة الشعبية مما يمكن أن يقوم بدور رقابة خارجية على جهاز الدولة وعلى حياة المجتمع كلها والأول هو ديوان المظالم، والثاني هو نظام الحسبة.

ومن الملاحظ أن التدوين الفقهي والتاريخي قد نقل إلينا تلك التقسيمات العامة في المؤسسات والمناصب التي توزع عليها عمل الدولة التنفيذي، مثل الإمامة وزارة التفويض وزارة التنفيذ، الإمارة (الولاية على إقليم)، إمارة الجيش القضاة المظالم، المحتسب … إلخ. ونجد الفقه يعتني ببيان شروط التولية لكل من هذه المناصب، وبما لكل من صلاحيات في العمل، ولكننا لا نجد تحديد العلاقات بين كل من هذه المناصب والآخر، كما لا نجد رسما للعلاقات التي تنشأ وراء كل منصب منها، ذلك أن أيًا من هذه المناصب لا يتصور أن يمارس فرد واحد كل صلاحياته لضخامتها وسعتها. والمؤكد أن كل من يلى واحدا من هذه المناصب، إنما يستعين بأفراد آخرين ينوبون عنه في بعض المهام ويعينونه فيما يقوم أعمال، بمعنى أن كلا من هذه المناصب لابد أن ينشأ له مؤسسة أو جهاز يقوم به، ويقف صاحب الولاية على رأسه هذا الجهاز، كما لا نجد أن الفقه اعتنى ببيان طريقة بنائه والسمات العامة لتوزيع الأعمال بداخله والعلاقات المتبادلة بين العاملين فيه وبينهم وبين رؤسائهم وطريقة تعيينهم وغير ذلك، كما أننا نقرأ عن أهل الحل والعقد، وأحيانًا عن أصحاب أو أهل الشورى، وأحيانا يتكلم البعض عن “المجتهدين” ، ولكننا لا نصادف أي بيان لتكوين تنظيمي لأى من هذه الأعمال، ولا نجد أن مجلسًا أنشئ على وجه الاستمرار للقيام بعمل منها، أو أن نظامًا اتبع في استطلاع آراء أي من هذه الجماعات في أي من الأوقات. ويبدو أن الأمر كان يجرى بأسلوب تلقائي، وأنه كان يتم بالتحري الشخصي أو جمع من يتيسر جمعه ممن يعتبرون أهل الحل والعقد لاستطلاع آرائهم وفق المشيئة الفردية للحاكم وحسبما يراه مناسبًا وحسب ما يتعارف عليه الناس في كل زمان أو مكان بالنسبة لمن يعتبر من ذوي الرأي أو ذوي المكانة الاجتماعية، بمعنى أنه لم يرد على هذا النوع من الأعمال العامة شيء من الضبط الفقهي أو التكوين المؤسسي التنظيمي الذي يوجد هيئة معينة مكونة من أشخاص تبين صلاحياتهم وتحدد طريقة عملهم معا. إن الفقه الإسلامي في مجال القانون الدستوري والإداري؛ لم يعن ببحث تكوين المؤسسات والكيانات التنظيمية ذات الصفة الثابتة نسبيا. ولا نجد جهة حددت تشكيلها من عناصر متعددة إلا ديوان المظالم. ولم يكن هذا النقص عيبًا تتسم به أعمال الفقهاء، ولكنه كان سمة ظاهرة في أسلوب تنظيم الأعمال الإدارية بعامة على مدى تاريخي طويل جدا، حيث كانت الوظيفة أو المنصب يندمج في شخص القائم به، وكانت العلاقات بين الرئيس والمرؤوس تندمج في علاقة تنطوي على نوع من التبعية الشخصية، وتمارس من خلال هذه العلاقات الشخصية ونقصد بالعلاقات الشخصية هذا النمط من العلاقات الذي يجرى بأسلوب عفوي طليق من الضوابط الموضوعية المرسومة التي السلطة تحدد أسلوبه وإجراءاته. وكثيرا ما تكون أدوات العمل كالمقار التي يتم فيها والأوراق وغير ذلك مما يقع في حوزة العامل شخصيًا. كما أن الأعمال الإدارية الصغيرة كانت أقرب للحرف التي يمارسها الشخص ويدرب عليها أبناءه وعادة ما يتولونها من بعده، مثل أعمال «الصرافة» أي جمع الضرائب، وأعمال مسح الأراضي وتنظيمها وغير ذلك. وعرفت أعمال الإدارة العليا أيضا نوعا من التوارث من الآباء إلى الأبناء بشرط اعتماد الوالي بطبيعة الحال. ولم تعرف كثيرا فكرة تقسيم العمل الواحد إلى عديد من العناصر التي توزع على أفراد متخصصين في كل من هذه التقسيمات.

أما الفكر الإداري الحديث فقد عرف أسلوبًا آخر في العمل، هو الأسلوب غير الشخصي وهو الأسلوب المؤسسي المتجرد من الشخصنة، وهو يستند في بدايته على تجريد المنصب أو الوظيفة عن شخص العامل بها، فهو يرسم خريطة للوظائف وللمهام المطلوبة في أي عمل، ثم يختار لكل منها من يقوم بها من العاملين حسب مؤهله وتخصصه. والوظائف بهذه الكيفية تحدد وتوزع على أسلوب نوعي يتعلق بنوع العمل المطلوب تأديته، وأسلوب محلى يتعلق بالإقليم المطلوب أداء المهام به. وأسلوب رأسي بين رئيس ومرؤوسين. وترسم مستويات للعمل تعلوها مستويات أخرى للتوجيه والإشراف، وهكذا، وكل ذلك يتخذ شكله في صورة تنظيمات وقرارات مكتوبة وتعتمد الإدارة الحديثة بعامة، على الوثائق المكتوبة التي تحفظ أصولها، وبهذا ينفصل العمل الوظيفي عن النشاط الشخصي للقائم به، فتصير المعلومات اللازمة للقيام بالعمل، والخبرة التي تتراكم بشأنه، يصير كل ذلك مودعا في جهة وليس حبيس التجربة الشخصية للموظف. وبهذا يمارس العمل وفق أصول موضوعية أو شبه موضوعية وفي إطار سلطة مقيدة لمن يقوم به، وتنفصل أدوات العمل ومنشآته وأماكن مزاولته عن الملكية الخاصة بمن يقوم به. كما يقوم النظام الحديث على أساس تميز علاقة المرؤوس عن الرئيس، فهو يعين وفقا الضوابط ومعايير معروفة سلفا، وعلاقاته بجهة العمل محددة سلفا من حيث صلاحيات العمل وحجم الراتب وأسلوب زيادته من حيث طريقة ترك العمل. ولم يعد عزل التفويض يعنى عزل من كان عينهم في أعمالهم كما يذكر في كتب الأحكام السلطانية.

ومن هذه الملاحظات يتبين أن أسلوب العمل ممارسة، وطريقة السلطة قد تغيرت عن الوضع القديم من جانبين:

أولًا: تقسيم العمل الواحد عبر العديد من الأجهزة والهيئات.

ثانيًا: حلول القرار الجماعي بهذه الهيئات محل قرار الفردي.

وهذا مما يعبر عنه بحكومة الهيئات والمؤسسات في مقابل حكومة الأشخاص التي عرفتها النظم السابقة. وهذا الوجه من وجوه التنظيم للعمل العام هو ما يتعين إثراء النظام الدستوري والإداري الإسلامي به.

_______________________________

المصادر:

– طارق البشري، منهج النظر في النظم السياسية المعاصرة لبلدان العالم الإسلامي، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الثانية، 2007، ص:53-80.

– عبد الله قادية، الإطار القانوني للمؤسسة العمومية في الجزائر كعون اقتصادي، مجلة جامعة الشارقة للعلوم القانونية، المجلد 16، العدد 1، يونيو 2019، ص: 611-612.

– تعريـف المؤسـسة وخـصائـصها، المرجع الإلكتروني للمعلوماتية، 11 أكتوبر 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://www.almerja.com/reading.php?idm=186353. –  محمود حديد، المؤسسة، الموسوعة العربية: الفلسفة وعلم الاجتماع والعقائد، المجلد 20، ص 11، https://arab-ency.com.sy/ency/details/10544/20.

حق الاعتراض (الفيتو)- Veto

أيلول/سبتمبر 21, 2023

هو حق تمتلكٌه خمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن وهي، روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، يُخولها رفض أي قرار يُقدم للمجلس دون إبداء أسباب.

ويعود أصل كلمة “فيتو” إلى اللغة اللاتينية، وتعني “أنا أعترض”، شَاع مدلولها أكثر بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وقيام الأمم المتحدة عام 1945.

ويَكفي اعتراض أي من الدول الخَمس دائمة العضوية في مجلس الأمن -من أصل 15 عضوًا في المجلس- ليتم رفض القرار وعدم تمريره نهائيًا، حتى وإن كان مقبولًا للدول الأربع عشرة الأخرى.

نشأة حق الاعتراض (الفيتو):

لَم تكن فكرة امتلاك حق الاعتراض على تَصرفات المُنظمات الدولية بالشيء الجديد في عام 1945 فقد كان لكل عضوٍ في مجلسِ العصبةِ حقًا للاعتراض فيما يتعلق بالمسائلِ غيرِ الإجرائية.

عند تَأسيس العٌصبة، كان هُناك أربعة أعضاءٍ دائمين وأربعة غير دائمين، وتَوسع المجلس بِحلول عام 1936، ليَضُم أربعة أعضاءٍ دائمين وإحدى عشر عضوًا غير دائم، مما يعني أن هناك خَمسة عشر دولة تَتَمتعُ بحقِ الاعتراض، ووُجود هذا العدد الكبير من أصحابِ الكلمةِ جعلَ من الاتفاق على أيّ أمرٍ يُطرح صعبٌ للغاية.

وظٌهور حق الاعتراض “الفيتو الحالي” كان نَتيجةً لمناقشاتٍ مستفيضةٍ خلال المفاوضات لتشكيل الأممِ المتحدةِ في مؤتمر دمبارتون أوكس – Dumbarton Oaks Conference في عام 1944 ويالطا عام 1945.

 والدليل على ذلك هو أنَّ الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي والمملكة المتحدة والصين أيّدوا جميعًا مبدأ الإجماع، ليس لرغبتهم كقوى كُبرى في العمل معًا، ولكن أيضًا لحمايةِ حُقوقها السياديةِ ومَصالحها الوطنية، وقد أوضَحَت الدول العظمى في سان فرانسسكو -San Francisco بأنه في حَال لم يتم منحهم حق الاعتراض فإنَّه لن يكون هُناك أمم متحدة.

الفيتو في ميثاق الأمم المتحدة:

تنص المادة (27) من ميثاق الأمم المتحدة فيما يخص حق الاعتراض “الفيتو”:

  • لكل عُضو في مجلسِ الأمنِ صوتٌ واحد.
  • تُتخذ قَرارات مجلس الأمن بشأن المسائلِ الإجرائية بعد التصويت الإيجابي للأعضاءِ الخمسةِ الدائمين.
  • تُتَخذ قرارات مجلس الأمن بشأن المسائل الأخرى بعد التصويت الإيجابي من تسعة أعضاء، بما في ذلك الأصوات المتزامنة للأعضاءِ الدائمين.

إن التصويت السلبي من قِبَل أي من الأعضاء الدائمين سَيَمنَع اعتماد مَشروع القرار. ولكن امتناع أو غِياب أحد الأعضاء الدائمين عن التصويت لا يمنع إصدار القرار.

وعلى الرغم من أنَّ حَق الاعتراض لم يُذكر بالاسم في ميثاق الأمم المتحدة، فإنَّ المادة 27 تَتَطَلب أصوات متزامنة من الأعضاء الدائمين، لهذا السبب يُشار أيضًا إلى “قوة حق الفيتو” على أنها مبدأ (إجماع القوى العظمى).

استخدامات الدول الأعضاء لحق الفيتو:

 بدأ استخدام حق الفيتو في عام 1945م بعد قيام منظّمة الأمم المتحدة، فاستخدمته موسكو 120 مرّة، مرّتان منها في عهد الاتحاد الروسيّ والباقي في عهد الاتحاد السوفيتيّ، أمّا فرنسا فاستخدمته 18 مرّة، واستخدمت بريطانيا حقّ النقض 32 مرة، كانت تتفق مع الولايات المتّحدة في جزء منها، وفي جزء آخر مع فرنسا، وأحيانًا تتّفق مع كلتيهما، وكان من استخدام بريطانيا له دفاعها عن رودسيا لمنع انهيارها؛ إلّا أنها انهارت وأُقيمت دولة زيمبابوي على أرضها، أمّا الولايات المتحدة فقد استخدمت حقّ الفيتو 77 مرّة منها 36 مرّة دفاعًا عن مصالح إسرائيل، أمّا الصين فقد استخدمته أقلّ مقارنة ببقية الأعضاء، فبلغ عدد مرّات اعتراضها 5 مرات فقط.

أفرطت موسكو في استخدامها لحق الفيتو؛ الأمر الذي دعا إلى تلقيب وزير خارجيتها بالسيد “نيات”؛ أي الشخص دائم الرفض، أمّا سبب الإفراط فهو معاندة موسكو للغرب المبالغ بها، وبالنسبة للولايات المتّحدة فقد رفضت 54 قرارًا، منهم 36 مرة تعترض فيها على انتقاد اسرائيل أو مطالبتها بالانسحاب من فلسطين التي احتلتها منذ عام 1967م، وفي عام 1976م وقفت الولايات المتحدة الأمريكية في وجه قرارين طالبا بمنح الشعب الفلسطيني حقّ تقرير مصيره، كما استخدمت الولايات المتّحدة حق الفيتو لرفض إدانة الإسرائيليّين عندما حرقوا المسجد الأقصى، وعندما تم اغتيال الشيخ أحمد ياسين المؤسّس لحركة حماس، وفي عام 2011م رفضت الولايات المتّحدة قرارًا يدين استيطان إسرائيل بالرغم من موافقة أربعة عشر عضوًا عليه.

أنواع حق الاعتراض(الفيتو):

  • الفيتو الحقيقي أو المبسّط: وهو يعني التصويت السلبي من قِبل عضو من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن على مسألة موضوعية، أي أنَّه في حالة ما إذا صوّتت أي من الدُول الأعضاء الدائمين سلبًا ضد أي مشروع قرار يتعلق بالمسائلِ الموضوعية فإنَّ القرار لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يَصدر، وهذا الفيتو هو النوع المألوف والشائع الاستعمال في أروقة مجلس الأمن ويسمى الفيتو الحقيقي أو الافتتاحيّ.
  • الفيتو المُزدوج: لم تَرِد المسائل الإجرائية ولا المسائل الموضوعية على سَبيل الحصرِ في الميثاق، لذلك فإنّه ولِغرضِ تكييف مسألة معينة يصار إلى عرضها أمام مجلس الأمن للتصويت عليها لبيان طبيعتها هل هي مسألة إجرائية أم موضوعية، وأثناء التصويت يقوم العضو الدائم الذي يريد الحَيلولَة دون صدور قرارٍ معين من مجلسِ الأمن لِصالح تلك المسألة بتكييف تلك المسألة على أساس أنَّها موضوعية وليس إجرائية، و ذلك باستخدام حق الاعتراض بِقصد تحويل المسألةِ المعروضة المراد تكييفها من إجرائية إلى موضوعية، ولقد ظهر الاعتراض المزدوج استنادًا إلى اعتبارِ مسألة التكييف القانونية مسألة موضوعية حيث تستطيع الدول الدائمة استعمال حق الاعتراض سواء عند البحث في موضوع التكييف وسواء عند دراسة الموضوع ذاته.
  • الفيتو المُستتر: يعني الدفع بثلث الأعضاء للامتناع عن التصويت أو التصويت ضِد مشروع القرار المعروض أمام مجلس الأمن، وهذا النوع من الفيتو صورة تكشفُ واقعَ العملِ في مجلسِ الأمنِ خصوصًا بالنسبةِ لنظام التصويت، وتوضيحًا لهذا النوع، فإنَّ الولايات المتحدة تمكنت عن طريق السيطرة على عددٍ كافٍ من الأصواتِ داخلَ المجلس من مَنع صُدورِ أيِّ قرارٍ من المجلس يتعارضُ مع مصالحها، ومن دون أن يَستعمل أي من الأعضاء الدائمين حق الاعتراض، وتأسيسًا على ذلك يكونُ الاختلاف بينَ كلٍ من الاتحاد السوفيتي (السابق) والولايات المتحدة اختلافًا شكليًا أو ظاهريًا أكثر منه اختلافًا حقيقيًا أو واقعيًا، فَكلا الطرفينِ استعمل حق الفيتو وإن كانت روسيا قد استعملت حق الفيتو القانوني أي الظاهري إلا أنَّ الولايات المتحدة استعملت ما يمكن تسميته بالفيتو الواقعي أي المستتر.
  • الفيتو بالوكالة: يُمكن استعمال الفيتو بالوكالة أو بالنيابة عندما تٌقَدِّم دولة دائمة العضوية على استعمالِ حقِّ النقض الفيتو لصالحِ دولة أخرى من الدول الدائمة العضوية، فَيستطيع عضو مجلس الأمن الدولي الدائم الذي يكون طرفًا في نزاعٍ معروضٍ على المجلس الامتناعِ عن التصويت ويمكن أن يُنيب هذا العضو عضوًا آخر في مجلس الأمن باستخدام حَق الفيتو، وهذا التصرف يُعرَف بالفيتو بالوكالة، وأكثر الدول التي تمارس هذا النوع من الفيتو هي الولايات المتحدة الأمريكية.
  • الفيتو الجماعي: يُمكن للأعضاءِ غيرِ الدائمين في مجلسِ الأمن أن يَكون لهم الحَق في نقضِ أيّ مشروع قرار يُعرض أمامَ المجلس، فَمتى ما رُفضَ أكثر من سِتة أعضاء غير دائمين في المجلسِ مَشروع القرار أثناء التصويت عَليه فإنَّ الأغلبية المطلوبة من تِسعة أصوات لا يمكن أن تَتحقق حتى لو صوتَ كُل الأعضاء الدائمين لصالحِ مشروع القرار، وهذا النوع من الفيتو نادر الحُصول، ولهذا لهذا السبب يُشار أيضًا إلى “قوة حق النقض” على أنها مبدأ )إجماع القوى العظمى).

انتقاد حق الفيتو:

 تعرّض حق الفيتو للكثير من الانتقادات، فيقول منتقدوه أنّ الكثير من القرارات التي يُقرّها مجلس الأمن الدولي لا يتم تنفيذها بسبب الفيتو، كما أنّ الأعضاء الخمسة الفائزون في الحرب العالمية الثانية لا يعكسون الأوضاع السياسية الحالية، فعلى سبيل المثال لم تَعُد بريطانيا وفرنسا تمثلان قوى عسكرية أو اقتصادية عظمى في العالم، وبعبارة أخرى لم تعودا من القوى الرئيسية كالسابق، كما يرى منتقدو الفيتو أنّه إذا تم إلغاؤه سوف يصبح المجلس أكثر ديمقراطية وسوف يسود رأي الأغلبية من الأعضاء؛ الأمر الذي يؤدي إلى زيادة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، وبالتالي حل المزيد من الأزمات العالمية.

فهناك تناقض واضح بين حق الفيتو وقواعد الأنظمة الديمقراطية الأخرى؛ حيث لم يتمّ انتخاب الدول دائمة العضوية بطريقة ديمقراطية، كما أنّ نظام التصويت لا يتّفق مع نظام الأغلبية المعروف؛ حيثُ تنصّ قاعدة استخدام حقّ الفيتو على أنّه لكلّ عضو من أعضاء مجلس الأمن صوت واحد فقط، وعلى الرغم من أنّ عدد الأعضاء خمسة عشر إلّا أنّ تنفيذ أيّ قرار يتطلب تسعة أصوات فقط من بينها أصوات الأعضاء الدائمين، أمّا النتيجة الحاسمة فتعتمد على رأي الأعضاء الدائمين فقط لكون مسؤولية حفظ الأمن والسلام تقع على عاتقهم، وتمتنع عن التصويت الدول التي تكون واقعة في النزاع المشار إليه في القرار، كما يضع مجلس الأمن شروطًا لمشاركة الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة والتي تكون طرفًا في النزاع؛ حيث يمكن للدول الأعضاء في هيئة الأمم أن تشارك في المناقشات المطروحة؛ إلّا أنه ليس لها الحق في التصويت على مشاريع القرارات.

 الجدير بالذكر أنّ من سلبيات حق الفيتو على مستوى القضية الفلسطينيّة أنّه منح الولايات المتحدة الحقّ في دعم إسرائيل بإبطال أيّ قرار يقضي بوقف الاحتلال وأعمال العنف والقتل في أراضي فلسطين، وهذا ما أدّى إلى التشكيك في مصداقية الأمم المتحدة على مختلف الأصعدة.

وقد اقترحت دول عدم الانحياز في هيئة الأمم المتحدة مشروع قرار يسعى إلى إجراء تعديلات في بعض نصوص ميثاق الأمم المتحدة، وذلك لكي تتلاءم نصوص الميثاق مع الوضع السائد حاليًا في المنظمات الدولية، ومن أهم التعديلات المقترحة تعديل فقرة مجلس الأمن الدولي ليصبح مجلس الفيتو الأمريكي، ولكي يتناسب مع دور القوة الأمريكية العظمى التي تستعمل حق الرفض لإبطال مشروع أي قرار يقف في صف أي جهة مستضعفة.

___________________________

المصادر:

  • الفيتو … حق النقض في مرمى النقد، الجزيرة نت، 19 مايو 2015، https://2u.pw/iL4J2oE.
  • سائد عبد الله، النقض (الفيتو) – Veto، الموسوعة السياسية، 28 يوليو 2017، https://2u.pw/KDKGWg2.
  • حق الفيتو، موسوعة معرفة، https://2u.pw/Q7AEWDC.
  • عبد الله دردونة، تعريف حق الفيتو، موقع موضوع، 11 أغسطس 2022، https://2u.pw/of7yyux.