قُدمت هذه الدراسة إلى كلية الشريعة والقانون- جامعة أم درمان الإسلامية العالمية بالسودان، للحصول على درجة الدكتوراه، عام 2011م، تحت إشراف الأستاذ الدكتور حسن محمد الأمين، ونُشرت على موقع "المنظومة".
جاء في مقدمة هذه الدراسة ما يلي:
لقد اهتم الفقه الإسلامي بحماية الأفراد والأعيان المدنية أثناء النزاعات المسلحة منذ فجر بزوغه، قال تعالى: ]وقاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تعتدوا إنَّ الله لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين﴾ (سورة البقرة الآية: 190)، وقال الله تعالى: ]وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (سورة الحج الآية: 40).
والفقه الإسلامي أسس علاقات المسلمين بغيرهم علي المسالمة والأمان، فهو لا يجيز قتل النفس لمجرد إنها تدين بغير الإسلام، ولا يبيح للمسلمين قتل مخالفيهم في الدين لمخالفتهم لهم في عقيدتهم، بل يأمر أتباعه بمعاملة مخالفيهم بالحسنى والعدل، قال تعالى: ]لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الَّذِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم من دِيَارِكُمْ أن تبروهم وتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾(سورة الممتحنة الآية: 8).
وقال تعالى: ]فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وأَلقَواْ إِلَيكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً﴾ (سورة النساء الآية: 90).
إن المصطفى صلى الله عليه وسلم نهى عن قطع الأشجار والزروع وذبح الأغنام والأبقار لغير الأكل أثناء النزاع المسلح دون إسراف أو تبذير، وحذر صلى الله عليه وسلم من تخريب العامر، والغدر، والتمثيل، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (أُغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، أغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا... الخ)[1] ، وكل تلك الضوابط والقواعد والأسس الإسلامية التي ورد ذكرها أعلاه نجدها ملخصة في وصية سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ليزيد بن أبي سفيان حيث قال له إني موصيك بعشر خلال: (لا تقتل امرأة، ولا صبيًا، ولا كبيرًا هرمًا، ولا تقطع شجرًا مثمرًا ولا تخرب عامرًا ...الخ)[2] ، في حين أن المجتمع الدولي لم يضع اتفاقية دولية في هذا الإطار إلا في عام 1864م في مدينة جنيف السويسرية التي نظمت فيها بعض المسائل الخاصة بالمصابين والمرضى والجرحى وسيارات الإسعاف والمستشفيات والعاملين بها أثناء العمليات العسكرية ثم أعقب تلك الاتفاقية عدة اتفاقيات دولية أخرى ذات صلة بحماية الأفراد والأعيان المدنية أثناء النزاع المسلح وهي:
- اتفاقية جنيف للعام 1906م.
- اتفاقية جنيف للعام 1929م.
- اتفاقية جنيف للعام 1949م.
ولما كانت الاتفاقيات والمواثيق الدولية المذكورة أعلاه تعرضت للانتهاك وعدم الاحترام من جانب بعض الدول والأفراد، فإن توقيع الجزاء علي المخالفين هو أكبر الضمانات القانونية التي تجبر الدول والأفراد علي حد سواء على احترام قواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني؛ لأن هذه العقوبات تمثل في الواقع نوعًا من الحماية الجنائية والمدنية للأفراد والأعيان المدنية أثناء النزاع المسلح. بالتالي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية الدائمة بلاهاي (هولندا) في عام 1998م تحقيقًا لتلك الغاية.
أهمية الموضوع:
تتمثل أهمية الموضوع في الآتي:
- حماية الأفراد والأعيان المدنية أثناء النزاع المسلح تعتبر مشكلة قومية وإقليمية ودولية، بالتالي أصبحت قضية تؤرق المجتمع المحلي والإقليمي والدولي على حد سواء.
- قواعد القانون الدولي الإنساني لها أهمية كبيرة في حماية الأفراد والأعيان المدنية أثناء النزاعات المسلحة لذلك لابد من تناول هذا الموضوع بالدراسة في الفقه الإسلامي والقانون الدولي الإنساني بصورة علمية حتى تعم الفائدة.
أسباب اختيار الموضوع:
- عدم توفر البحوث العلمية والدراسات حول حماية الأفراد والأعيان المدنية أثناء النزاعات المسلحة، دولية كانت أم غير دولية، في المكتبة السودانية.
- إجراء المقارنة بين قواعد الفقه الإسلامي والقانون الدولي الإنساني.
أهداف البحث:
يهدف البحث إلى تحقيق الأهداف التالية:
- المساهمة في ابتداع أسلوب علمي في معالجة القضايا والمشكلات التي تواجه المجتمع المحلي والإقليمي والدولي.
- إثراء المكتبة السودانية التي تفتقر إلى كثير من البحوث والدراسات في مجال حماية الأفراد والأعيان المدنية أثناء النزاعات المسلحة دولية كانت أم غير دولية؛ لأن العلم هو الحل الوحيد لكل القضايا والأزمات البشرية محليًا، إقليميًا ودوليًا.
- تحديد الآثار السالبة للنزاع المسلح علي المستوي المحلي والإقليمي والدولي.
- توضيح رأي الفقه في الجوانب التي يعالجها القانون الدولي الإنساني في النزاعات المسلحة المعاصرة.
- مساعدة طلاب العلم للربط بين العلوم الشرعية والعلوم الوضعية.
- تقديم بعض التوصيات والمقترحات التي من شأنها أن تساعد في كيفية حماية الأفراد والأعيان المدنية أثناء النزاعات المسلحة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
منهج البحث:
يستخدم الباحث في إعداد هذه الرسالة ثلاثة مناهج علمية هي:
- المنهج الاستقرائي.
- المنهج الوصفي التاريخي.
- المنهج التحليلي المقارن.
فروض البحث:
الفرض يقصد به: تخمين يصوغه ويتبناه الباحث مؤقتًا لشرح بعض ما يلاحظه، ومن فروض هذا البحث الآتي:
- يقرر الفقه الإسلامي حماية الأفراد والأعيان المدنية، أثناء النزاع المسلح منذ القرن السادس الميلادي.
- تهدف قواعد القانون الدولي الإنساني إلى حماية الأفراد والأعيان المدنية أثناء النزاع المسلح.
- النزاع المسلح وآثاره أمر ضارب في القدم، ولقد اختلفت الحقب التاريخية في كيفية معالجته حتى الآن.
- النزاع المسلح له آثار سالبة على الأفراد والأعيان المدنية في المستوي المحلي والإقليمي والدولي.
- هنالك معالجات شاملة لحماية الأفراد والأعيان المدنية في الفقه الإسلامي والقانون الدولي الإنساني تغطي كافة جزئياتها.
- إن من أكثر المشاكل التي تواجه المجتمع الدولي في العالم المعاصر هي كثرة النزاعات المسلحة بالرغم من تحريم ذلك في ميثاق الأمم المتحدة.
- إن دراسة حماية الأفراد والأعيان المدنية أثناء النزاع المسلح تستلزم التعرض للجرائم ذات الطبيعة الخطيرة التي يتعرض لها الأفراد والأعيان المدنية أثناء النزاع المسلح.
- يسعي الفقه الإسلامي والقانون الدولي الإنساني إلى التوفيق والتوازن بين اعتبارين أساسيين أثناء النزاع المسلح هما: الضرورات الحربية والضرورات الإنسانية.
خطة البحث:
يتكون هذا البحث من مقدمة وستة فصول وخاتمة وفهارس علي النحو التالي:
- الفصل الأول: المفهوم والتطور التاريخي لقواعد القانون الدولي الإنساني في اللغة، اصطلاح القانونيين، الفقه الإسلامي، العصور القديمة والعصر الحديث.
- الفصل الثاني: مفهوم حماية الأعيان المدنية في اللغة، الفقه الإسلامي والقانون الدولي الإنساني.
- الفصل الثالث: قواعد حماية الأفراد والأعيان المدنية أثناء النزاع المسلح في الفقه الإسلامي.
- الفصل الرابع: قواعد حماية الأفراد والأعيان المدنية أثناء النزاع المسلح في القانون الدولي الإنساني.
- الفصل الخامس: التطور التاريخي للقضاء الدولي الجنائي (1919م- 1998م).
- الفصل السادس: الجرائم التي تختص بنظرها المحكمة الجنائية الدولية الدائمة بلاهاي (هولندا)
- الخاتمة: في النتائج والتوصيات.
- الفهارس
رابط مباشر لتحميل الدراسة
[1] رواه مسلم في صحيحه بشرح النووي، باب تأمير الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها، حديث رقم (1731)، 12/32.
[2] رواه مالك في الموطأ عنه، في كتاب الجهاد، باب النهي عن قتل والولدان في الغزو، وهو حديث مرسل، 2/358.