عالم محدث ولغوي وشاعر، يعد من أبرز علماء موريتانيا والعالم الإسلامي في القرن العشرين. مارس القضاء والتدريس والإفتاء، وحاز عضوية مجامع الفقه في العالم الإسلامي، وتقلد وظائف سامية في بلاده.
المولد والنشأة
ولد محمد سالم ولد محمد علي ولد عبد الودود -المعروف بـ”عدود”- في 16 ديسمبر الأول 1929، في ضواحي بوتلميت بولاية الترارزة في الجنوب الغربي الموريتاني، ونشأ في أحضان أسرة علم حرصت على تربيته وتعليمه، فنشأ حافظا لأشعار العرب وأيامهم.
الدراسة والتكوين
تربى في بيئة تمتاز بتعاطي العلم دراسة وتدريسا ومذاكرة، فحفظ القرآن في سن مبكرة، وكانت المدة التي استغرقها حفظه للقرآن 19 شهرا، وفقا لرواية ابنه.
وقد تميز بسرعة الحفظ والقدرة على الاستيعاب، وانتبه والداه لمواهبه الفذة فأخذا يدربانه على قرض الشعر ومطالعة الكتب ومدارسة الطلاب، فكان يحضر جميع دروس والده، مما وفر عليه كثيرًا من الوقت، وسرّع وتيرة تحصيله العلمي واستيعابه لمقررات المحظرة (الكُتّاب).
وبفضل قدرته على الحفظ استوعب المتون المقررة في المحاظر الموريتانية قبل أن يكمل عامه السابع عشر، فبرز عالما متبحرا في القرآن وعلومه، والفقه وأصوله، والحديث ومصطلحه، وتميز بالموسوعية في علوم الشريعة الإسلامية واللغة العربية، وعلم الأسانيد والجرح والتعديل.
ابتعث إلى تونس في أول بعثة من القضاة الشرعيين للتدريب فيها، فدرس القانون وحصل على شهادة “ليسانس” في الحقوق من جامعتها، وتلقي العلم على يد علماء كبار فيها حصل منهم على إجازات في علوم اللغة العربية، والشريعة الإسلامية.
وممن أجازه: الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، والشيخ محمد الشاذلي النيفر، والشيخ نعيم بن أحمد النعيمي، كما أجازه علماء آخرون منهم الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، والشيخ محمد عبد اللطيف صالح الفرفور.
الوظائف والمسؤوليات
التحق الشيخ محمد سالم بالقضاء سنة 1961 وكان من نخبة من القضاة الشرعيين الذين تلقوا تكوينًا في القانون، وخلال الفترة 1965-1984 تدرج في سلك القضاء، فتولى منصب نائب رئيس المحكمة الابتدائية، ثم نائبًا لرئيس المحكمة العليا ورئيسًا للغرفة الإسلامية فيها فترة طويلة.
توّجت مسيرته في القضاء بتولي رئاسة المحكمة العليا (أعلى منصب قضائي) بموريتانيا في الفترة 1984-1987، قبل أن يصبح وزيرًا للثقافة والتوجيه الإسلامي في الفترة 1987-1992، ورئيسًا للمجلس الإسلامي الأعلى في الفترة 1992-1997.
وإلى جانب مهامه الرسمية، مارس التدريس في جلِّ مؤسسات التعليم العالي في موريتانيا، فدرَّس في المدرسة العليا للتعليم، والمدرسة الوطنية للإدارة، والمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، وكلية القانون في جامعة نواكشوط.
التوجه الفكري
عُرف الشيخ عدود بحبه للغة العربية وأهلها مما اعتبر توجهًا عروبيًا حكم الكثير من مواقفه، وسعى أثناء وجوده في سلك القضاء إلى التخلص من المنظومة القانونية الوضعية الفرنسية التي كانت تحكم القضاء، واستبدالها بمنظومة تقوم على مصادر الشريعة الإسلامية.
حظي بمكانة مرموقة في بلاده وفي العالم الإسلامي، ونال عضوية العديد من المؤسسات والهيئات العربية والإسلامية، منها مجمع الفقه برابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، والأكاديمية المغربية، ومؤسسة آل البيت الأردنية.
وكانت له مشاركات واسعة ومثمرة في مؤتمرات الثقافة والفكر في العالمين العربي والإسلامي، وتفرغ في العقدين الأخيرين من عمره لمحظرته في قرية أم القرى، وترك العمل الرسمي باستثناء محاضرات كان يلقيها في رمضان وتبث عبر الإذاعة والتلفزيون الرسميين.
رؤيته حول تفقيه القانون:
كان الشيخ ولد عدود من أصحاب الرؤى الإصلاحية، ومن تلك الرؤى، رؤيته فيما يتعلق بتطبيق الشريعة الإسلامية في موريتانيا، والتي أفصح عنها عند بداية أعمال اللجنة التي تشكلت من العلماء والقضاة لمراجعة النصوص القانونية، حيث قال: أيها السادة عليكم أن تختاروا بين طريقتين للعمل إما: “تقنين الفقه أو تفقيه القانون”.
وهذا الكلام نموذج لبلاغته غير المتكلفة، ومعناه: إما أن نختار بين تقنين الفقه أي وضع نصوص قانونية مصدرها الفقه أو تفقيه القانون ويعني ذلك مراجعة كل القوانين ذات الصلة وملاءمتها مع الفقه وتنقيتها من كل المسائل التي تنافي الشرع الإسلامي؛ ليضع بذلك قاعدة مهمة تتعلق بسبل التفاعل بين الشريعة والقانون، وقد وقع اختيار اللجنة على “تفقيه القانون”، باعتبار أن تقنين الفقه سيستغرق زمنًا طويلا قد يفوت فرصة تطبيق الشريعة وقد يؤدي إلى التسرع في وضع مدونات فقهية مرتجلة ومتعجلة، فضلا عن أن “تفقيه القانون” من شأنه أن يصحح الأخطاء والمخالفات التي قد يتم اكتشافها في القانون الوضعي. وقد تم تنفيذ هذا الاقتراح بالفعل وروجعت المدونات القانونية الموجودة فخرجت وهي تحمل ثوبا اسلاميًا، ووضع بذلك صمامة أمان وهي أن كل مصطلح ورد في هذه النصوص يرجع في بيان دلالته إلى المفهوم الشرعي.
المؤلفات
ترك العديد من الكتب والمؤلفات، من بينها:
- “التسهيل والتكميل” الذي نظم فيه مختصر خليل في الفقه المالكي.
- نظم لجامع خليل بن إسحاق الذي ذيل به مختصره.
- نظم لمتن ابن قدامة الحنبلي.
- نظم لفهرس تبصرة الحكام لابن فرحون.
- مجمل اعتقاد السلف: هذه المنظومة مقدمة لنظم طويل اشتمل على (مائة ألف مسألة فقهية) على مذهب مالك وأهل المدينة في (بضعة عشر ألف بيت) من كامل الرجز، وخاتمة جامعة لأهم الآداب والأخلاق الإسلامية في (خمسمائة بيت).
- الموثق من عمدة الموفق (نظم العمدة لابن قدامة الحنبلي).
- نظم تقريب التهذيب لابن حجر ولم يكمله.
- رسالة في الاجتهاد.
- أهمية الوقت.
وله مؤلفات أخرى في الفقه واللغة والسيرة والاجتهاد وقضايا العصر، وكذلك للشيخ دواوين شعرية لم تنشر بعد.
الوفاة
توفي محمد سالم ولد عدود يوم الأربعاء 29 أبريل/نيسان 2009.
________________________________________
*المصدر:
- محمد سالم ولد عدود، الجزيرة نت، 10 نوفمبر 2014، .
- تفقيه القانون” أم “تقنين الفقه” وحكمة العلامة عدود، قناة الشيخ محمد الحسن ولد الدودو، https://bit.ly/3qQOEEy