إدارة الأوقاف (الواقع والنموذج المؤسسي الفعال)*

By د. فـؤاد عبـد الله العمـر، عرضه د. حازم على ماهر تشرين1/أكتوير 09, 2023 529 0

استهدف هذا الكتاب -الذي أعده د. فؤاد عبد الله العمر في (948) صفحة من القطع المتوسط، وطبعته دار اقرأ للنشر والتوزيع بدولة الكويت، عام 1440هــــ/2019م في طبعة أولى- دراسة واقع إدارة المؤسسة الوقفية في العالم الإسلامي، ساعيًا إلى بيان محاور تطوير مؤسسة راشدة، تدير الأعيان الوقفية، تتسم بالاستمرارية والفاعلية، وتتوفر فيها الديمومة المالية، والسعة المؤسسية المنشودة؛ بغية تحقيق غايات الوقف ومتطلبات العصر الحديث، ومن ضمنها تقديم خدمة أفضل للفئات المستحقة في المجتمع.

ولأجل ذلك، فقد تكوَّن الكتاب من تسعة فصول؛ حيث تناول الفصل الأول مقدمة الدراسة وبيان أهميتها، بالإضافة إلى الإشارة إلى مراحل نشأة الوقف والأمانة العامة للأوقاف، والحاجة إليها في دولة الكويت، مع التركيز على مشكلة الدراسة وأداتها، بالإضافة إلى تحليل الدراسات ذات الصلة، وبيان منهجها.

في حين تناول الفصل الثاني من الكتاب تطور الوقف ومؤسسته في التاريخ الإسلامي، والتحديات التي واجهته على مر العصور، وتطور أدائه في التاريخ الإسلامي، وأنواع الواقفين، وحجج الأوقاف وتطورها وأهمية كتابتها وتوثيقها، والأعيان الموقوفة وتطورها، وإدارة الوقف (أو النظارة) ومسؤوليات ناظر الوقف المختلفة، بالإضافة إلى استعراض أهمية الرقابة على الوقف وإجراءاتها ووظائفها، مع التزامها بالأحكام الشرعية وبسلطة القضاء.

وتوقف الفصل الثالث عند بيان أسباب هلاك الأوقاف، وردها إلى عوامل طبيعية مثل: الحرائق، وعوامل بشرية استطرد الكتاب في بيانها، مثل: الحروب والغزوات، والاعتداءات من قِبل الاستعمار والحكام وغيرهم، وسوء الإدارة، والمزالق الأخلاقية من قِبل بعض النظار وبعض القضاة، وغياب الشفافية، والإهمال وعدم العمارة.

كما أبرز الكتاب -في هذا الفصل- جهود الإصلاح وعدم فاعليتها أحيانًا، نظرًا لعوامل عديدة، منها: غياب النموذج المؤسسي، وغياب الديمومة المالية، وتغيرُّ أنواع الحاجات المجتمعية، وضعْف الأوقاف الذرية.

أما الفصل الرابع فقد احتوى على تحليل لتطور إنشاء المؤسسات الوقفية المستقلة، وأهم اتجاهات تشريعاتها ومكونات عملها، بغرض التعرف على دواعيها ومميزاتها، حيث تضمن الفصل تحليلاً وافيًا للمؤسسات الوقفية الحديثة من أبعاد عدة، من ضمنها: الالتزام بالأحكام الشرعية، وتحليل التشريعات، والإدارة، والاستثمار، والموارد، والتصرفات الاستثمارية، وتوزيع الريع، والتنظيم، والموارد المالية،… إلخ.

وأجرى الكتاب في الفصل الخامس منه دراسة تطبيقية لإحدى المؤسسات الوقفية، وهي الأمانة العامة للأوقاف بدولة الكويت، حيث تناول مراحل تأسيسها والتحديات التي واجهتها، مع التركيز على البيئة التشريعية والرقابية لحسن عملها، وبيان كيفية تحقيق الديمومة المالية والدعم المجتمعي للأمانة العامة للأوقاف، مع تحليل أهم عوامل الفعالية ودروس النجاح والإخفاق في تجربة الأمانة.

وأبرز الكتاب ما قدمته الأمانة العامة للأوقاف من مبادرات مهمة منذ نشأتها، مثل: مبادرتها بتفعيل العلاقات مع الواقفين عر تسهيل إجراءات الواقفين الجدد، والتواصل مع الواقفين والاستفادة من آرائهم، ورعاية أسر الواقفين، وصرف نصيب الورثة في الأوقاف المشركة.

كما وضَّح الكتاب كيفية قيام الأمانة بالتطوير في العديد من المجالات منذ بدايات نشاطها، مثل: تطويرها إستراتيجية مناسبة لتطوير العمل الوقفي، وتطوير مجالات الاستثمار وتوزيع الريع، بالإضافة إلى الاهتمام بمجلس النظار (مجلس شؤون الأوقاف)، الذي تضمن الكتاب تحليلاً لدوره البالغ في قيادة الأمانة نحو الاهتمام بتحسن الأداء وتطوير الفعالية، وتوفر بيئة العمل المناسبة، والمحافظة على سمعة المؤسسة وترسيخ الثقة بها.

واستكمل الفصل السادس الدراسة التطبيقية للمؤسسة الوقفية (الأمانة العامة للأوقاف)، ولكن من زاوية تحليل فعالية الأداء، عبر قياس قدرة المؤسسة الوقفية على تنمية الأصول والاستثمار (الأداء الاستثماري للأوقاف)، وعلى توزيع الريع، وعلى تنمية الموارد والاستمرارية المالية (الأداء المالي- الفاعلية بقياس التكلفة مقابل الأنشطة- تنوع الموارد).

وخلص هذا التحليل لفعالية الأداء إلى اقتراح بعض التوصيات المهمة لتطوير العمل الاستثماري في المؤسسة الوقفية (الأمانة العامة للأوقاف)، مثل: تطوير الإطار المؤسسي لتطوير الأصول الاستثمارية، وتطوير الضوابط المناسبة، مثل: الضوابط الشرعية، والضوابط العامة للاستثمار، بالإضافة إلى كيفية زيادة القدرة الاستثمارية والبناء المؤسسي لإدارة الاستثمار، وتوسيع نطاق الحصول على الفرص الاستثمارية المناسبة، وتطوير نظام المتابعة الدورية للاستثمارات ومتابعة الاستثمارات المتعثرة.

أما الفصل السابع فقد تناول تجربة المؤسسة الوقفية في استخدام التمويل لممارسة حق الأولوية لأسهم أحد المصارف الإسلامية، من خلال دراسة حالة عملية؛ هي حالة الأمانة العامة للأوقاف، نظرًا لنجاح إستراتيجيتها في الاستثمار في الأسهم والأوراق المالية، حيث انتهت تلك الدراسة إلى أن التغير في أسلوب إدارة الأوقاف إلى أسلوب (المؤسسة) مع توفر ترتيبات إدارية أخرى، مثل: الاستقلالية في اتخاذ القرار، والاستعانة بجهات استثمارية في تنفيذ بعض جوانب العملية الاستثمارية، وتنوُّع أصول الأوقاف، ودعم الدولة، ووجود اقتصاد متحرك- كل هذه العوامل أسهمت في تنامي العوائد الوقفية للمؤسسة الوقفية.

وقد أثبت الكتاب صحة هذه الملاحظات، من خلال دراسة عملية لحالة تمويل مصرفي لأحد أصول المؤسسة الوقفية، حيث أوضحت تلك الدراسة أن استخدام التمويل ساهم في تنامي العوائد، وزيادة رأس المال الوقفي للمؤسسة الوقفية حتى بلغ 12.608.126 دينارًا كويتيًّا (بعد تسديد التزامات التمويل كافة)، وذلك على الرغم من الانخفاضات الحادة في الأسواق المالية، خلال فترة التمويل نتيجة الأزمة المالية العالمية.

كما خلصت تلك الدراسة إلى أن التوسع في استخدام التمويل يتطلب وجود الضوابط اللازمة المناسبة لضمان عدم ضياع الأصول الوقفية، مثل: الضوابط الشرعية، والضوابط العامة (المرتبطة بطريقة اتخاذ القرار التمويلي، والإجراءات المرتبطة بالحكم الصالح، والشفافية، والإفصاح) والضوابط الموضوعية (التي تركز على حماية العين الموقوفة وحسن استثمارها).

وتناول الفصل الثامن تحليل أهم العوامل الأساسية المقترح تطبيقها بهدف استحداث مؤسسة وقفية راشدة وفاعلة، أو تطوير ما هو قائم حاليًا، حيث انتهى إلى أن تطوير أي مؤسسة وقفية يمكن أن يتم من خلال محاور ستة. وتضمن هذا الفصل شرحًا تفصيليًّا لكل محور من تلك المحاور، وهي: ملاءمة التشريعات- الموارد واستمرارها- أهداف المؤسسة وغاياتها- فاعلية التنظيم- رُشْد الإدارة- الخدمات المقدمة وتوزيع الريع.

وقد اختُتم الكتاب بالفصل التاسع الذي اقتصر على تلخيص للتوصيات والمقترحات، التي طرحها المؤلف لتطوير إدارة الأوقاف على الوجه المذكور في كل فصل من فصوله، والتي تمت الإشارة إلى بعضها عند الاستعراض السابق لمحتويات كل فصل من فصول الدراسة.

والحقيقة أن الكتاب به الكثير من مواطن القوة، من أبرزها -مثلاً- أن مؤلفه له خبرة عملية كبيرة في إدارة مؤسسات التمويل الإسلامي وفي العمل الخيري بصفة عامة، والوقف بصفة خاصة، حيث تولى عددًا من المناصب القيادية في بعض المؤسسات الوقفية المهمة، بالإضافة إلى دراسته الأكاديمية المتعلقة بالإدارة، حيث حصل على درجة (الدكتوراة) في الإدارة من جامعة (لستر) في المملكة المتحدة.

وقد جاء الكتاب الذي بن أيدينا في سياق اهتمام المؤلف بتطوير منظومة العمل الخيري بصفة عامة، حيث تزامن إصدار الكتاب مع صدور ثلاثة كتب أخرى للمؤلف نفسه، تركز على دراسة إدارة ثلاث مؤسسات -غير مصرفية- قائمة على الأحكام الشرعية، تقوم بثلاثة مجالات من العطاء والرعاية، اهتمت بها الشريعة الإسلامية، ولكن لم تأخذ حظها من التوثيق والممارسة العملية بمثل ما أخذت من التنظير العلمي والإفتاء الفقهي، مما أسهم بدوره في ثراء أطروحات الكتاب الماثل نحو تطوير إدارة الأوقاف، بعد أن جمع بين النظرية العلمية والخبرة العملية، فلم يقتصر على بيان النموذج المؤسسي الفعال في إدارة الوقف، إلا بعد أن درس واقعه بعمق، منذ نشأة الوقف حتى وقتنا الحاضر، واستعان في ذلك بالتطبيق على واحدة من أهم المؤسسات الوقفية في العالم الإسلامي، وهي «الأمانة العامة للأوقاف» التي تتولى إدارة ملف الأوقاف نيابة عن دولة الكويت، التي اختيرت «الدولة المنسقة لجهود الدول الإسلامية في مجال الوقف»، بموجب قرارات المؤتمر السادس لوزراء أوقاف الدول الإسلامية بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا في أكتوبر من سنة 1997م.

كما استعان الكتاب كذلك بالخبرات الحديثة والواقعية للتنظيمات الخيرية الغربية المشابهة للوقف، مثل: نظام (الترست)، مما أسفر في النهاية عن توصيات واضحة وتفصيلية باتخاذ تدابير عملية محددة، لتطوير إدارة الوقف في العالم الإسلامي تصلح غالبيتها للأخذ بها في الحال.

ومن ثم فإن هذا الكتاب يُعدّ مرجعًا حقيقيًّا للقائمين على إدارة الوقف في العالم الإسلامي، والمهتمين بتطويرها لتنمية قدراتها على تفعيل دور الوقف في تنمية المجتمعات العربية والإسلامية، بالإضافة إلى تمكينه من الإسهام بقوة في إثراء العمل الخيري والإنساني بصفة عامة.


* نقلاً عن: مجلة أوقاف، إدارة الدراسات والعلاقات الخارجية بالأمانة العامة للأوقاف- دولة الكويت، ع: 40، السنة الحادية والعشرون، رمضان 1442هـ/ مايو 2021م، ص195-199.

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الثلاثاء, 31 تشرين1/أكتوير 2023 08:53

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.