نُشر هذا البحث بمجلة كلية الشريعة والقانون بتفهنا الأشراف ضمن العدد السابع والعشرون لسنة 2023م، متضمنا بيان قواعد تفسير النصوص بين الفقه والقانون، وعلاقتها بأصول الفقه الإسلامي، والتأكيد على استفادة تفسير النصوص القانونية من الشريعة ومن أصولها، ومن قواعدها الفقهية وضوابطها. كما تضمن البحث عرضًا لمبادئ وقواعد التفسير القانوني، ومدى الاستفادة من أصول الفقه، مع ذكر القواعد المتفقة بين الجانبين، والمقارنة بين المنهجين.
وقد خلص البحث إلى افتقار منهج تفسير القانون للمنهج التاريخي لعدم ثبات أصوله، وأكد على أن الغالب في عملية تفسير النصوص القانونية يرجع لرأي وثقافة واضع القانون والظروف التاريخية والثقافية، بخلاف الشريعة جاءت مستقلة تماما في بحث المصلحة مرتكزة على نص إلهي يحقق مصالح الدنيا والدين.
وتأتي أهمية البحث في كونه محاولة لتنبيه الباحثين في الدراسات القانونية لضرورة تعلم أصول الفقه والاستفادة منه عند التعامل مع النصوص من خلال عملية التحليل والتفسير والإثبات والنفي وتفكك ما يظهر من تعارض بين النصوص والاستفادة من الفقه وفروعه في تحكيم الشريعة الإسلامية وتقييد المصلحة بما جاءت به في تفسير النصوص وصوغها على مقتضاها.
وقد قُسم البحث إلى ثمانية مباحث، تضمنت ما بأتي:
المبحث التمهيدي: عرض فيه الباحث أهمية سن الأنظمة والقوانين بشكل عام وضرورتها، وحاجة البشر إلى شرع يحكمهم ويفصل بينهم بالعدل والإحسان، ومحدودية وضعف الانسان وعجزه عن تكوين تصور كامل للمصلحة لذاته فضلا عن لغيره، وتغيير المفاهيم الفلسفية وعدم ثباتها.
المبحث الثاني: بحث فيه عملية وضع القانون وتفسيره، والتحديات التي تواجه واضعه، والتمييز بين مصدر أصول الفقه كونه ليس مصدرًا بشريًا خالصًا ومرتبط بمصدر إلهي وهو الوحي والهدي النبوي، كما بحث التمييز بين سلطة الشريعة وسلطة القانون.
المبحث الثالث: بحث فيه تفسير النصوص في الفقه والقانون وعلاقة أصول الفقه به، من خلال بحث مفهوم وقضايا أصول الفقه، وأهمية تفسير النصوص في القانون، والعلاقة بين القصور في القانون والتفسير، وحالات التفسير وأسبابه، وأنواع ومذاهب التفسير.
المبحث الرابع: بحث فيه الطرق الداخلية لتفسير النصوص القانونية، وهي المسالك والمناهج التي يسلكها المفسر لبيان النص القانوني، وبيان مراد واضع القانون ليتم تطبيقه تطبيقًا صحيحًا، وكلها تقوم على قواعد الاستنباط الأصولية وبعضها قواعد لغوية، وبعضها من داخل النص وبعضها من خارجه، مع التقيد بمقاصد التقنين والتنظيم. وبين فيه نوعين من الطرق داخلية وخارجية؛ فالداخلية تعتمد على استنباط معاني النصوص، وأحكامها من صيغ النصوص اللغوية وألفاظها وعباراتها، والوقوف على دلالتها بالمنطوق أو بالمفهوم.
المبحث الخامس: بحث فيه القواعد الأصولية اللغوية والتي تتعلق بألفاظ النصوص وإفادتها للمعني كعموم اللفظ وخصوصه واشتراكه، وقدم نماذج للعموم والخصوص في الشريعة والقانون.
المبحث السادس: بحث فيه الطرق الخارجية في عملية تفسير القانون، وهي ما تكون خارج النص القانوني وتعني بمقصود القانون الأهم من خلال الوسائل الخارجية مثل: غاية التقنين والتنظيم والأعمال التحضيرية والمصادر التاريخية والنص الأجنبي للتشريع. وأيضًا طرق النظر والاستدلال كالعمل بالقياس واعتبارات الدلالات، ودلالة الاقتضاء ودلالة الإشارة.
المبحث السابع: ناقش فيه دور المنهج التاريخي في تفسير النصوص وفي ثبوت الأخبار، والوثائق والتحقق منها، ومناقشتها وتفسيرها وتحليلها، واستخلاص الأحكام منها، وذلك من خلال بحث مفهوم المنهج التاريخي وخصائصه وعيوبه ومزاياه، كما بحث استغناء أصول عن المنهج التاريخي.
المبحث الثامن: قدم فيه الباحث مقارنة بين منهجي علم أصول الفقه وعلم تفسير القانون، حيث بحث استقلال وأصالة علم أصول الفقه وتبعية تفسير القانون في الغاية والمصدر، كما تناول بالبحث العرف في أصول الفقه والقانون وأثره في تفسير القانون.
وقد توصل الباحث إلي عدد من النتائج من أهمها:
- استفادة القانون الوضعي من قواعد أصول الفقه وذلك لعمومها وشمولها فهي لا تختص بالشريعة فقط، وأن كثيرًا من الأنظمة القانونية اللاتينية والأنجلوسكسونية استفادت من من الفقه الإسلامي عن طريق الأندلس، وجنوب فرنسا والهند.
- أن مفهوم الموافقة والمخالفة والقياس والاستحسان من الأبواب العظيمة التي يستفاد منها في الأنظمة والقوانين، كما أن القانون الوضعي استفاد من كثير من قواعد الأصول الفقهية والقواعد الفقهية كالمطلق والمقيد، وقاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وقواعد العام والخاص والمطلق والمقيد بفروعه وشروط إعماله.
- غاية أصول الفقه فهم نصوص الشريعة، ومعرفة الأحكام الشرعية العملية فقواعده حارسة لبنيان الشريعة، وعلم الأصول من علوم الشريعة. أما تفسير النصوص في القانون، فإن مقصده تفسير نصوص القانون فهو يشبه أصول الفقه باعتبار الوظيفة، لكن التفسير القانوني للنصوص دافعه وضعي دنيوي، يقوم على قيم وضعية غربية النشأة.
- بعض المصادر مشتركة بين علم الأصول، وقواعد التفسير القانوني كاللغة والعموم والخصوص، والإطلاق والتقييد، ودلالات الألفاظ على المعاني ظهورًا وخفاءً، منطوقًا ومفهومًا حقيقةً ومجازًا، صراحةً وكنايةً.
- قياس مقاصد الشرع واضحة وثابتة ومشهورة وأكثرها منصوص عليها أما مقاصد القانون فحديثة ولا تظهر بسهولة وبعضها مرتبط بقصد واضعه، وقد تشترك بعض القواعد، كقواعد الضرر والمصالح والمفاسد والضرورة.
- قواعد العرف والعادات العامة والخاصة وقاعدة العادة محكمة يرجع إليها في تفسير النص، والمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا وهو مشترك بين الفقه والقانون، وعلماء القانون يتوسعون في العرف فلا قيد له بخلاف الأصوليين يتقيدون بموافقة الشرع، فالعرف دليل تبعي.
واختتم دراسته بمجموعة من التوصيات، جاءت كالتالي:
- ضرورة توجيه البحوث لقواعد أصول الفقه وتقريبها وتسهيلها وإخراج ما ليس منها من علم الكلام وغيره، وقصرها على ما يتعلق بفهم النص، وتقريبها للفهم وإخلائها من المنطق والجدل والإكثار فيها من التطبيقات الفقهية غير النمطية وبخاصة النوازل، وتطبيقها على القواعد القانونية بإحكام للخروج بأحسن صور العدالة.
- ضرورة مراعاة من يضع القوانين عند سنّها أن يحكمها بضابط التفسير الأصولي وألا يخالف الشرع، وأن يتم ذلك بحضور لجنة شرعية تراعي حدود الألفاظ ودقتها وتراعي قواعد الاستدلال والاستنباط.
- ضرورة الاستفادة من الفقه الإسلامي بفروعه في وضع القوانين والأنظمة، وإعمال قواعد الأصول، والقواعد الفقهية في وضع القوانين، الله تعالى أغنى الأمة الإسلامية بما فاق المدارس القانونية قاطبة بالفقه الإسلامي بفروعه المعجزة فينبغي الإفادة منه.
لتحميل ملف الدراسة