أثر مشروع السنهوري في القوانين المدنية العربية "الجزء الأول"

By أ. د. فايز محمد حسين محمد آذار/مارس 16, 2024 1024 0

 

نُشرت هذه الدراسة في مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية، كلية الحقوق، جامعة الإسكندرية، ع: (2)، 2014م، ص13-69. وترجع أهميتها إلى إبرازاها لدور د. عبد الرزاق السنهوري (1895م-1971م) في الفكر والنظام القانوني العربي، وبيان حركة التقنين وفلسفة التشريع ومنهجه في البلاد العربية.

والدكتور السنهوري، أو حارس القانون وعملاق الأحكام المدنية كما يطلق عليه، وضع القانون المدني المصري، وكذلك القانون المدني للعديد من البلدان العربية، مستلهِمًا أحكامه -بدرجة مختلفة من قانون لآخر- من الشريعة الإسلامية التي أحسن فهمها. وقد عمل الدكتور السنهوري رئيسًا لمجلس الدولة المصري في الفترة من عام 1949م حتى عام 1954م.

وكما أوضحت الدراسة في مقدمتها أن مشروع السنهوري ومدى تأثيره في القوانين العربية يقوم على المحاور التالية:

أولاً: إدراج الشريعة الإسلامية في التقنينات المدنية العربية.

ثانيًا: اتخاذ الشريعة الإسلامية كأساس لتوحيد القوانين المدنية العربية.

ثالثًا: تأسيس فقه قانوني مدني يماثل الفقه القانوني الأجنبي.

رابعًا: دراسة الشريعة الإسلامية في ضوء القانون المقارن والنهوض بدراسة الفقه الإسلامي.

خامسًا: الاعتماد على الإجماع كمصدر هام للوصول إلى حكم الوقائع المستحدثة التي يفرزها التغير الاجتماعي.

سادسًا: وضع أسس صحيحة لحركة التقنين في المسائل المدنية، في مصر والبلاد العربية تقوم على مجموعة قواعد موضوعية وشكلية تؤدى إلى وضع تقنينات مدنية حديثة.

سابعًا: وضع قانون مدني عربي قائم على التقاليد القانونية العربية والشريعة الإسلامية.

ثامنًا: تطوير دراسة الشريعة الإسلامية وإظهارها حتى تقوم بدورها في تدعيم القانون المقارن في عالم الفقه القانوني؛ حيث يجب العناية بدراسة الفقه الإسلامي بأسلوب علمي عصري.

تاسعًا: إدراج الشريعة الإسلامية في التقنيات المدنية العربية بصورة تدريجية واقتباس التشريعات العربية من بعضها البعض الآخر، حتى نصل في النهاية إلى القانون المدني العربي الموحد المأخوذ من الشريعة الإسلامية بعد النهوض به وتطويره.

عاشرًا: التركيز على دور الجامعة العربية توحيد التشريعات المدنية في البلاد العربية لتدعيم الوحدة السياسية.

وقسم الباحث دراسته إلى مبحثين، على النحو التالي:

المبحث الأول: السنهوري وفلسفة علم التقنين وأسس صناعة التشريع في البلاد العربية:

أوضح الباحث أن القواعد الأساسية للتقنين - من وجهة نظر السنهوري- تنقسم إلى نوعين: قواعد متعلقة بالموضوع، وهي التي تتعلق بأحكام التقنين ومدى حداثته ومدى شموله والوضوح والمعالجة المنطقية وعلاقته بالقوانين الأخرى التي بني عليها.. الخ، والنوع الثاني قواعد متعلقة بالشكل، مثل تقسيم وتبويب وتنظيم النصوص واللغة ومراعاة أصول الصياغة الشريعية والترتيب المنطقي للموضوعات التي يعالجها التقنين... الخ.

ولذا فقد قسم هذا المبحث إلى أربعة مطالب؛ حيث تناول في المطلب الأول: القواعد الموضوعية للتقنين، والتي يمكن إجمالها على النحو التالي:

أولاً: أن يكون التقنين مقتضبًا.

ثانيًا: عدم تناقض أحكام التقنين مع بعضها أو مع غيرها من التقنينات الأخرى.

ثالثًا: ضرورة الاقتباس من كافة مذاهب الفقه الإسلامي.

رابعًا: الاستفادة بنتائج ودراسات علم الاجتماع القانوني.

خامسًا: الاستعانة بالتشريعات المقارنة الحديثة.

سادسًا: مراعاة الواقع الاجتماعي واقتباس ما يتفق معه.

سابعًا: دمج النصوص المنقولة من تشريعات أجنبية في جسم النصوص الوطنية.

تاسعًا: تعدد المصادر الأجنبية وعدم الاكتفاء بمصدر واحد.

وتناول في المطلب الثاني: القواعد الشكلية للتقنين، والتي يمكن إجمالها على النحو التالي:

أولاً: ضرورة وضوح نصوص التقنين.

ثانيًا: سلامة تبويب التقنين.

ثالثًا: عدم الإفراط في التعريفات.

رابعًا: عدم الاستغراق في الأمور التفصيلية.

خامسًا: مرونة عبارات التقنين.

سادسًا: ترشيد الإحالة التشريعية.

سابعًا: سلامة اللغة العربية.

ثامنًا: مراعاة التطور في الصياغة التشريعية والفن التشريعي.تاسعًا: التجانس والوحدة.

وأما المطلب الثالث فقد عالج مسألة إدراج الشريعة الإسلامية في القوانين المدنية العربية، حيث أوضحت الدراسة أن السنهوري أدرج الشريعة الإسلامية في القوانين المدنية العربية من خلال إدراجها أولاً في القانون المدني المصري، ثم انتقلت فيما بعد إلى القوانين المدنية العربية الأخرى بداية من القانون المدني العراقي، وبناء عليه فالقانون المدني المصري هو القنطرة التي من خلالها دخلت الشريعة الإسلامية إلى القوانين المدنية العربية.

وركز المطلب الرابع على بيان أسس إدراج الفقه الإسلامي في القوانين المدنية العربية، والتي يمكن إجمالها على النحو التالي:

أولاً: يجب دراسة الشريعة الإسلامية دراسة علمية دقيقة وفقًا لأصول صناعتها، ولا يجوز أن نخرج على هذه الأصوال، بدعوى أن التطور يقتضى هذا الخروج، ولا ينبغي أن نخشى من أن دراسة الشريعة الإسلامية على هذا الوجه العلمي الصحيح قد يؤدي إلى أن نكشف قصورها عن أن تتطور وأنها تضيق بما استجد من حاجات المدنية، والهدف من ذلك هو تطوير الفقه الإسلامي وفقًا لأصول صناعته، حتى نشتق منه قانونًا حديثًا.

ثانيًا: الاهتمام بدراسة "الإجماع" كمصدر من مصادر الفقه الإسلامي: نظرًا لأنه مفتاح تطور الشريعة؛ إذ عن طريقه يمكن للفقهاء الاجتهاد في استنباط الكثير من الأحكام التي تلاءم العصر، وتلبي حاجات المجتمع المتجددة وفقًا لأصول الصناعة الفقهية الإسلامية، وبذلك يصبح الإجماع مصدرًا لقابلية الشريعة للتجديد وشمول أحكامها لوقائع متجددة، دون أدنى إخلال بأصول الشريعة.

ثالثًا: ملاحظة التاريخ الاجتماعي للفقه الإسلامي والمتغيرات الاجتماعية: اهتم السنهوري بمسألة أساسية فيما يتعلق بالنظر إلى الإستناد إلى الشريعة الإسلامية فى وضع وتطوير التقنينيات المدنية العربية، وهي مسألة ملاحظة ما جرى عليه التعامل فيما بين الناس في الواقع الاجتماعي، في ضوء المتغيرات الإجتماعية، فقد أشار السنهوري -من حين لآخر- إلى ضرورة ملاحظة ما جرى عليه التعامل فيما بين الناس في الواقع الاجتماعي عند تشريع الأحكام، وخصوصًا في المسائل التي نجد فيها أن الظروف العملية، بمقتضى ما جرى عليه التعامل فيما بين الأفراد تمثل حاجة عملية تغلبت على الأحكام القانونية كما هي مأخوذة من أحكام الشريعة الإسلامية.

رابعًا: الاستدلال من كافة مذاهب الفقه الإسلامي: رأى السنهوري بضرورة التأكيد على أخذ أحكام التقينينات من كافة مذاهب الفقه الإسلامي، ومنح القاضي السلطة التقديرية الكاملة في الاستدلال من كافة مذاهب الفقه الإسلامي هذا من جهة، ومن جهة ثانية، يجب أن يراعى في الأخذ بأحكام الفقه الإسلامي التنسيق ما بين هذه الأحكام والمبادئ العامة التي يقوم عليها التشريع المدني في جملته؛ بمعنى أنه لا يجوز الأخذ بحكم في الفقه الإسلامي يتعارض مع مبدأ من هذه المبادئ حتى لا يفقد التقنين المدني تجانسه وانسجامه، ولذا فللقاضي الرجوع إلى كافة مذاهب الفقه الإسلامي دون تمييز للوصول إلى ما يتفق مع المبادئ العامة للتشريع المدني.

 المبحث الثاني: الشريعة الإسلامية في القوانين المدنية العربية:

حيث قسم هذا المبحث إلى أربعة مطالب؛ حيث تناول المطلب الأول: الشريعة الإسلامية في القانون المدني المصري والعراقي، في حين تناول المطلب الثاني: الشريعة الإسلامية والقوانين المدنية في دول مجلس التعاون الخليجي، وأما المطلب الثالث فقد خصصه لدراسة الشريعة الإسلامية والقانون المدني الأردني والقانون المدني اليمني والقانون المدني الليبي، بينما عالج المطلب الرابع مسألة دور السنهوري في استحداث منهج التزاوج فيما بين الشرائع القانونية.

الخاتمة:

خلصت الدراسة إلى أن مشروع السنهوري قد أثر تأثيرًا كبيرًا في القوانين المدنية العربية، ويتمثل هذا التأثير فيما يلي:

  • تطوير حركة التقنين فى مجال القانون المدني في البلاد العربية.
  • تأثير القانون المدنى المصري لعام 1948م في القوانين المدنية العربية.
  • توحيد اللغة القانونية والمصطلحات القانونية في البلاد العربية.
  • الاستفادة من القانون المقارن في تطوير القوانين المدنية العربية.
  • إدماج الشريعة الإسلامية كمصدر رسمي للقانون في القوانين المدنية العربية، حيث اقتباس الكثير من الأحكام والمبادئ والقواعد القانونية من الشريعة الإسلامية وإدرجها فى القوانين المدنية العربية.
  • التركيز على الاقتباس من كافة التشريعات العالمية دون الاعتماد على تشريع واحد، ولهذا فهو بحق من جعل النظم القانونية العربية نظم قانونية مختلطة Mixed legal systems وهو أحد النظم القانونية العالمية المقارنة، طبقًا لبعض علماء القانون المقارن الجدد.
  • تأسيس علم التقنين الحديث وفلسفة التشريع الحديث في البلاد العربية.
  • فتح الطريق نحو التقريب بين الفقه الإسلامي والقانون الغربي، مع الاحتفاظ بخصوصية وصناعة الفقه الإسلامي. ودون شك فإن مؤلفه القيم (مصادر الحق في الفقه الإسلامي) خير مثال على هذا.
  • الاستفادة من كافة مذاهب الفقه الإسلامى معًا دون التقييد بمذهب فقهي واحد.
  • المحافظة على التقاليد والتراث القانوني الوطنى، وجعله أساس التقنين فضلاً عن الاستفادة من القوانين المقارنة، وذلك انطلاقًا من تأثر السنهوري بفلسفة المدرسة التاريخية للقانون.

 

رابط مباشر لتحميل الدراسة

 

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الأحد, 17 آذار/مارس 2024 11:38

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.