النظام القانوني الإسلامي في الدراسات الاستشراقية المعاصرة دراسة لمنهج المستشرق نويل ج. كولسون

By د. محمد سليم العوا كانون2/يناير 23, 2024 589 0

نُشِر هذا البحث في الجزء الأول من كتاب (مناهج المستشرقين في الدراسات العربيّة والإسلاميّة)، وهو كتاب صدر عام 1985م عن (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم)، وننشره في موقعنا -مستقلا- للمرة الأولى.

وقد أبان د. محمد سليم العوا في مقدمة بحثه أن باعثه لكتابة هذا البحث هو عدم خلو كتاب من كتب المستشرقين، ولا بحث من بحوثهم، لغويًا كان أم تاريخيًا أم اقتصاديًا أم اجتماعيًا أم متصلًا بالقرآن الكريم أو السنة النبوية، من إشارة أو أكثر إلى مسألة أو أكثر من مسائل الفقه الإسلامي، تبين إنعام النظر موقفًا يتخذه الباحث أو الكاتب من النظام القانوني الإسلامي وأحكامه وقواعده وأصوله.

وقد رد العوا ذلك إلى شمول أحكام النظام القانوني الإسلامي وقواعده لكل ناحية من نواحي حياة المسلم، فالفقه من حيث هو تعبير عن نظام قانوني تغطي أحكامه وقواعده كل ما يعرض للمرء في حياته، بل وما يصيب ماله بعد وفاته، وما يجب له من أحكام قبل ولادته، فضلا عن أحكام العلاقة بين الفرد وربه، وهذا شأن غير معهود في النظم القانونية الوضعية فهذه لا تتدخل إلا حيث يكون النزاع بين طرفين واردًا ولا تنظم إلا العلاقات المتبادلة بين الأفراد والجماعات.

ومع ورود تلك الإشارات إلى أحكام فقهية في جل كتب المستشرقين وبحوثهم -أو كلها- فإن أقل هذه الكتب عددًا هو ما خصص لهذا الجانب من جوانب الحياة الإسلامية والفكر الإسلامي، وأكثر هذا القليل لا يتصل في منهجه ومقدماته ونتائجه بالجانب القانوني من الفكر الإسلامي إلا بقدر ضئيل، ومن بين القلة من المستشرقين الذين يعنون بالفقه الإسلامي الأستاذ نويل ج. كولسون، أستاذ القوانين الشرقية في جامعة لندن (مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية)، وله عدد غير قليل من المقالات والبحوث المنشورة في الدوريات القانونية البريطانية والأمريكية وغيرها، لعل أهمها دراسته عن الفرد والدولة:

The State and The Individual in Islamic Law (International and Comparative: Law Quarterly, Jan. 1957)

ودراسته عن النظرية والتطبيق في القانون الإسلامي:

Doctrine and Practice in Islamic Law, BSOAS 18/2 (1956)

كما أوضح د. العوا أن السمة المميزة لدراسات الأستاذ كولسون، التي دعته إلى اختيار الكتابة عنه في بحوث هذا المجلد المخصص لدراسة مناهج المستشرقين هو أن نقطة البدء عنده في دراسة الفقه الإسلامي تخالف نقطة البدء عند الجيل السابق من أساطين الاستشراق واساتذته. حيث ينطلق من افتراض مغاير تمامًا لسابقيه من المستشرقين مؤداه أن النظام القانوني الإسلامي حتي متفاعل، مطبق في المجتمعات الإسلامية وقائم في ضمائر أفرادها، وينبغي أن يعتمد عليه في تشكيل النظم القانونية في البلاد الإسلامية لتأتي هذه النظم معبرة عن روح البلاد التي تطبق فيها. ويترتب على هذا الاختلاف في الفرض الأساسي الذي تقوم عليه دراسات كولسون، ما لا يحصى من مواطن الخلاف بينه وبين غيره من المستشرقين الذين يدرسون القانون أو الفقه الإسلامي. وهذا الموقف وحده هو الذي يجعل منهج الأستاذ كولسون أجدر المناهج بالبحث والدراسة عند إرادة النظر في مناهج المستشرقين في الدراسات القانونية الإسلامية.

وإذا كان بعض العلماء المستشرقين يدرسون الفقه الإسلامي والنظام القانوني الإسلامي كما يدرس القانون الروماني: أي باعتباره كان في يوم من الأيام نظامًا قانونيًا عريقًا، فإن الأستاذ كولسون يدرس الفقه الإسلامي باعتباره نظامًا قانونيًا حيًا كسائر النظم القانونية الحية الأخرى، وليست مهمة البحث التاريخي عند كولسون أكثر من محاولة اكتشاف الأسس التاريخية التي ترسم الطريق لتطبيق قواعد هذا التشريع في الواقع. وإذا كان كولسون قد اختار دراسة التشريع الإسلامي بمنظار قانوني، فإنه يقرر أن الوقت قد حان لدراسة الشريعة على مستوى متخصص في الاقتصاد والاجتماع والسياسة لتتعاون هذه الدراسات المتخصصة فيما بينها على رسم صورة أدق الأحكام هذه الشريعة.

كما أشار د. العوا إلي أن ذلك الثناء والتقدير لمنهج الأستاذ كولسون لا يعني الاتفاق معه في النتائج التي يتوصل إليها في بحوثه ودراساته للقانون الإسلامي، بل لعل مواضع الخلاف في جزئيات نتائجه أكثر من مواضع الاتفاق معه. وإنما المقصود بالتقدير منهجه في البحث، ومدى اتفاق هذا المنهج أو عدم اتفاقه مع ما يراه الباحث المسلم منهجا سليما لدراسة قانونه وشريعته وفقهه، ثم تأتي جزئيات النتائج ومسائل الفروع ليستفاد منها -إذا احتيج إليها- في تبين مدى التزام المنهج المعلن في البحث، ومدى استقامة الأحكام التي يتوصل إليها الباحث مع مقدماتها.

واكتفي د. العوا بالنظر في كتابي الأستاذ كولسون: (A History of Islamic Law، Conflicts and Tensions in Islamic Jurisprudence) حيث اعتبرهما يحملان تعبيرًا واضحًا عن منهجه في النظر إلى القانون الإسلامي ويتضمنان نظراته التي يجدر الوقوف عندها لما تمثله من اتجاه جديد في الاهتمام بقضايا الفقه الإسلامي.

وقد اختتم د. العوا دراسته بالتعليق على مسألة أخيرة أثارها الأستاذ كولسون في كتابه الآخر: Conflicts and Tensions in Islamic Jurispundence، تلك هي الخاصة بمدى استمرار العمل بالنظم الجنائية الإسلامية، وصلاحيتها للتطبيق في ظروف التطور الحالية للمجتمعات الإسلامية، وقد أشار إلى هذا الأمر إشارة عابرة في كتابه عن تاريخ التشريع الإسلامي. ولفت الانتباه إلى أن تطبيق النظام الجنائي الإسلامي قد عاد إلى كثير من البلاد الإسلامية بأسرع مما كان يتصور أكثر الناس تفاؤلا. فبالإضافة إلى المملكة العربية السعودية التي لم ينقطع فيها تطبيق المذهب الحنبلي باعتباره القانون المعمول به في المجالات كافة منذ نشأة الدولة السعودية حتى الآن، تضم قائمة الدول التي تطبق النظام الجنائي الإسلامي كليًا أو جزئيًا الآن كلًا من: ليبيا والسودان وباكستان وإيران والامارات العربية المتحدة، ففي كل هذه البلاد يطبق جانب أو أكثر من جوانب النظام الجنائي الإسلامي، وفي كل من مصر والكويت دراسات جادة لمشروعات قوانين أعدت بالفعل لتطبيق التشريع الجنائي الإسلامي في إطار عودة تزداد المطالبة بها يومًا بعد يوم، إلى تطبيق الشريعة الإسلامية بوجه عام. ولعل هذا الواقع الجديد الذي يعيشه العالم الإسلامي، يدعو الأستاذ كولسون وغيره من الباحثين في النظام القانوني الإسلامي إلى إعادة النظر في آرائهم حول مدى إحساس المسلمين -في ظل التطور الذي تشهده مجتمعاتهم- بصلاحية التشريع الإسلامي للتطبيق.

رابط تحميل الدراسة

Rate this item
(0 votes)
Last modified on السبت, 08 آذار/مارس 2025 03:51

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.