يتناول هذا البحث ظاهرة التفاعل الحضاري في التراث العربي السياسي من خلال دراسة منجز عبد الله بن المقفع كنموذج تطبيقي، ويدرس كيفية اقتباس وإعادة صياغة الأفكار السياسية الهندية والفارسية ضمن السياق العربي‑الإسلامي الناشئ، وتأثير ذلك على تكوين الوعي السياسي في الدولة العبّاسية. يبرز البحث أهمية هذا الموضوع ضمن أعمال المؤتمر العلمي الدولي الثاني «الحضارة الإنسانية في التراث العربي والإسلامي: أصالة الأثر–عالمية التأثير»، الذي انعقد في كلية البنات الإسلامية بجامعة الأزهر (فرع أسيوط)، في 8–9 فبراير 2025، حيث يُسلّط البحث الضوء على مساهمة ابن المقفع في نقل الحكمة السياسة القديمة وإثراء الفكر السياسي الإسلامي.
تبدأ الدراسة بمقدمة تتناول دوافع اختيار الموضوع، مبينة كيف أصبح التفاعل الحضاري عاملًا جوهريًا في نشأة الفكر السياسي العربي الإسلامي، خصوصًا في العصور الأولى للدولة العبّاسية. وتحدد هذه المقدمة إشكالية البحث، المتمثلة في قلة الدراسات المعمّقة التي تربط بين منابع الحكمة الهندية‑الفارسية وعناصر الخطاب السياسي عند ابن المقفع، رغم الأهمية الكبرى لهذه الظاهرة في مسار التطور السياسي الإسلامي.
يعتمد البحث منهجًا وصفيًّا–تحليليًّا يجمع بين استظهار الخلفية التاريخية والثقافية لنشأة ابن المقفع، ثم تحليل نصوصه السياسية الرئيسية من ناحية المصادر والتأثير، ومعاينة آليات الاستلال والتحويل الأدبي. ويستخدم في ذلك مصادر أولية (النص العربي لابن المقفع) وثانوية (ترجمات وقراءات ناقدة) لتكوين رؤية شاملة ومتوازنة عن التفاعل الحضاري في كتاباته.
ينقسم البحث إلى مبحثين رئيسيين:
المبحث الأول يركز على نشأة ابن المقفع الفكرية وأثر بيئته الفارسية‑الإسلامية في توجيه اهتمامه السياسي، مع إبراز العوامل الاجتماعية والثقافية التي صاغت رؤيته.
المبحث الثاني يعالج آليات التأثر والتأثير الحضاري في منجزه السياسي، مبينًا كيف نقل الأفكار (انتقاءً وصياغةً) من مصادر هندية وفارسية وصاغها ضمن إطار عربي، ثم قيّم أثر هذه الإضافات على الفكر السياسي اللاحق في الفضاء الإسلامي والأوروبي.
في الطور الختامي للبحث، تُعرض النتائج التي توصل إليها الباحث د. أحمد لطفي السيد، من أبرزها: وجاهة اعتبار ابن المقفع جسرًا حضاريًا فعالًا لصالح تطور الفكر السياسي الإسلامي، وفاعلية الأسلوب الرمزي في تجاوز ضوابط الرقابة السياسية آنذاك، وديمومة تأثير نصوصه في العصور الوسطى الأوروبية. كما يقترح البحث توصيات بضرورة توسيع نطاق الدراسة لتشمل شخصيات عربية‑إسلامية أخرى ونصب أبحاث مستقبلية على دراسة تداعيات هذه التراكمات الحضارية في الفكر السياسي الغربي.
ثم تختتم الدراسة بخاتمة تلخص أهم الأفكار وتعيد التأكيد على القيمة العلمية للبحث في إطار المؤتمر، وتدعو إلى تفعيل التعاون البحثي بين تخصصات التاريخ، والعلوم السياسية، والأدب المقارن، لضمان استمرارية استكشاف دقيق لآليات التفاعل الحضاري التي شكّلت عمق التراث السياسي العربي والإسلامي.
رابط تحميل ملف البحث
* دكتوراه في الفقه السياسي بكلية الحقوق، جامعة الزقازيق.